مسلسل التجاوزات الكينية على السيادة الصومالية

مسلسل التجاوزات الكينية على السيادة الصومالية

اتسمت السياسة الخارجية للدولة الكينية بالحياد في منطقة من أكثر المناطق في أفريقيا صراعا، هي منطقة القرن الأفريقي التي يعد بوابة القارة الأفريقية ومنطقة ذات أهمية جيوسياسية في الاقليم.
بين كينيا والصومال نزاع حدودي حيث تحتل كينيا أراض صومالية، ولكن هذا لم يؤد إلى توتر حاد في العلاقات بين البلدين مثل جارتها إثيوبيا التي مازالت الصراعات الحدودية والنزاع في الأراضي قائم.
كانت إثيوبيا تتدخل الأمور الداخلية للصومال بين الحين والآخر سلميا وعسكريا، ولكن كينيا لم تتدخل الشؤون الداخلية للصومال عسكريا قبل عام من الآن.
وبما أن كينيا لم تعرف سياسة التدخل الخارجي في تاريخها، وكانت حبيسة في أراضيها ولم تتطلع أن تكون رائدة في المنطقة لتضطر بأن تدخل صراعات بين الجوار، فهي في حالة تخبط دائم بهذه السياسة التي اتخذتها منذ عام، وترتكب أخطاء فادحة في كل خطواتها وقرارتها بتنفيذ أهدافها الغامضة، وطموحاتها السياسة تجاه الأراضي الصومالية، وهذا يعود قلة خبرتها السياسية في العلاقات الخارجية بين الدول.
تتعامل قادة دولة كينيا في بعض الأحيان كأشخاص عاديين لا يتولون مناصب سيادية في بلدهم، لأن المسئولية السياسية تتطلب أخذ الحذر والحيطة في كل تعاملاتك وقراراتك بل وتصريحاتك، ولم لا، وقد ينشأ تصريح أدليته إلى نشوب نزاع بين بلدين مما قد يؤدي إلى أن ينقلب إلى حرب دولي بين هذين البلدين، وهناك قواعد معترفة دوليا في العلاقات بين الدول، تجعلك إن تخطيتها في حالة خطأ تؤدي أن يكون المجتمع الدولي ضدك ولو كنت صاحب حق في القضية القائمة.
بدايات النزاع بين البلدين:
ظهرت أولى الصراعات بين البلدين في فترة الرئيس السابق شيخ شريف شيخ أحمد حين تعهدت دولة كينيا للدولة الصومالية بأنها تقوم بتدريب جنود قوامها ألفين وخمسمائة جندي صومالي بغية إيجاد جيش صومالي يستطيع أن يتولى مهامه في بلده حسب التصريحات المعلنة من جانب الدولة الكينية.
حينها استبشرت الدولة الصومالية بهذه الخطوة حيث كانت إثيوبيا الدولة الأكثر في تدريب القوات الصومالية، إلا أن الشعب الصومالي كان في حالة استياء بهذه العملية التدريبية وذلك في تشكيكه بنية إثيوبيا التي يعتبرها الشعب الصومالي دولة لها أهداف احتلالية للأراضي الصومالية.
وبعد أن تم الجنود تدريبهم في كينيا طلب رئيس الصومال آنذاك شيخ شريف شيخ أحمد من الحكومة الكينية ارسال تلك الجنود إلى مقديشو التي كانت تشهد في حالة أمنية خطيرة حيث كان مقاتلي الشباب يسيطرون معظم أحياء العاصمة، ويتقدمون نحو القصر الرئاسي، اضطر الرئيس حينها بأن يطلب من كينيا ارسال تلك الجنود ليساعدوا في حربهم ضد حركة الشباب المجاهدين إلا أنه فوجئ بقرار كيني رافض لطلبه، وعللت كينيا بقرارها بأن هذا الأمر يشكل خطراً على أمنها القومي . مما أثار شكوكا عريضة حول أهداف كينيا بهذه الجنود.
دخول كينيا إلى الأراضي الصومالية لأول مرة:
تحركت القوات المسلحة الكينية نحو الحدود بين البلدين ثم عبرت الحدود الصومالية وتوغلت نحو الداخل في الرابع عشر من أكتوبر 2011، ودخلت معارك مع حركة الشباب التي كانت تسيطر على هذه المناطق، في خطوة لم تمهد لها ولم تنظر في عواقبها حيث واجهت فور دخولها صعوبات عديدة، وقوبلت قرارها في الدخول إلى الأراضي الصومالية باستنكار شعبي وحكومي ودولي.
قام رئيس الوزراء الكيني بجولات مكوكية في دول كثيرة بغية حصول دعم مالي لجنوده التي تخوض معارك شرسة ضد حركة الشباب المجاهدين، فزار عدة دول من بينها فرنسا، وطلب من الولايات المتحدة الأمريكية المساعدة، إلا أن أغرب جولاته كانت زيارته للكيان الصهيوني طلبا منهم النجدة والمساعدة ضد حركة الشباب المجاهدين في منتصف شهر نوفمبر في العام الماضي، ولم يكتف بزيارة الكيان الصهيوني وطلبِ مساعدة منهم إلا أنه طلب أيضا من الجامعة العربية مساعدتها في حربها ضد حركة الشباب، وهذه غباوة سياسية فهو لم يستطع قراءة العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني.
موقف شيخ شريف شيخ أحمد من التدخل الكيني:
لم يقم شيخ شريف شيخ أحمد رئيس الصومال في ذاك الوقت باصدار بيان رئاسي عن التدخل الكيني الغير القانوني، بل أعلن موقفه عن رد لسؤال وجهه الإعلام حول دخول كينيا في الأراضي الصومالية معلنا بأن الصومال دولة حرة ذات سيادة وأن كينيا دخلت الأراضي الصومالية بدون إذن من الدولة الصومالية.
كان هذا التصريح الرئاسي الصومالي سهما على صدر كينيا ومفاجئة لم تتوقعها من الحكومة التي أنشأتها في أراضيها حسب تصريحات بعض المسئولين الكينيين، هنا فتحت عينها وعرفت أنها في خطأ سياسي فادح وأرسلت وزير خارجيتها إلى الصومال في الثامن عشر من شهر أكتوبر 2011، ليقنع على المسئولين الصوماليين بتقبل الأمر الواقع، وأن يرجع الرئيس عن موقفه الرافض للدخول، فقام رئيس الوزراء الصومالي عبد الولي جاس ورئيس الوزراء الكيني رايلا أوطينغا بتوقيع اتفاقية بين الدولتين في نهاية أكتوبر عام 2011، ومن بين بنودها بندا يعطي للقوات الصومالية – التي دربتها كينيا ورفضت إرسالها إلى مقديشو حين طلب الرئيس الصومالي منها – حق القيادة وللقوات الكينية المساندة لإستهداف المواقع التي تختبيء فيها مليشيات الشباب، وهذا جاء بعد عدة خطوات خاطئة في العلاقات الدولية قامتها كينيا.
إضفاء الشرعية على الجنود الكينية الموجودة في جنوب الصومال:
بعد تدخلها الغير القانوني إلى الأراضي الصومالي بدأت كينيا بالبحث على غطاء شرعي لقواتها الصومال، وذلك بإشارات دولية وإقليمية إلى القيام بذلك ليستمروا قواتها في الصومال بشكل شرعي وفق القانون الدولي، فصرح الاتحاد الأفريقي بأن دولة كينيا من القوات الأفريقية لحفظ السلام في الصومال (أميصوم)، كان هذا أول غطاء شرعي حسب القانون الدولي للقوات الكينية الموجودة في الصومال وذلك في بداية شهر يونيو من هذا العام.
وبسبب أهدافها وغايتها الغير معلنة لم ترض بأن تنضم إلى القوات الأفريقية (أميصوم) إلا أن تجد مناصب في القيادة العليا من القوات الأفريقية حتى لا تكون عرضة لسياسة القوات الأفريقية وأوامرها مما قد يعرقل في أهدافها السرية، وتربعت في أعلى المناصب من قيادة القوات الأفريقية لحفظ السلام.
السياسة الكينية المختلفة عن سياسة القوات الأفريقية الأخرى:
بدأت كينيا عملياتها القتالية في الصومال في منتصف أكتوبر في العام الماضي، وذلك بمساندة القوات الصومالية ومعسكر راسكمبوني الذي انفصل عن المحاكم الإسلامية وخاض حربا مع حركة الشباب المجاهدين، واتصفت العمليات الكينية ببطء في تقدمها نحوها الداخل الصومالي والاستيلاء على مدينة كسمايو النقطة الأخيرة التي تستهدفها.
اشتهرت العمليات العسكرية الكينية ضد حركة الشباب المجاهدين بقصف عشوائي استهدف المدن التي يسكنها المدنيون مما أسفر عن ضحايا كثيرة في صفوف المدينيين ومن بينها القصف الكيني على مدينة جلب بتاريخ 31/ 10/ 2011 وخاصة على مخيم للنازحين وقتلت بهذا القصف قرابة عشرة أشخاص وجرحت أكثر من 40 شخصا، وكذلك قصفها في مدينة هوسنجو الذي ذهب ضحيتها أكثر من عشرة مدنيين، هذا بعض من مسلسلات القصف الكيني على الأحياء السكنية.
وأيضا اتسمت سياسة كينيا بموالات قبيلة ضد أخرى، وتوجيه تنديدات على بعض القبائل الصومالية القاطنة في المنطقة، حيث قال مسئول كيني أن قبيلة مريحان هي الحاجز الأول أمام القوات الكينية في تحرير كسمايو من سيطرة الشباب المجاهدين، وهذه سياسة تختلف تماما عن سياسة القوات الأفريقية لحفظ السلام التي تعتمد على حربها ضد حركة الشباب بقوتها الذاتية دون أن تستند إلى قوى قبلية ضد أخرى، وهو مما أدى إلى أن يستنكر المتحدث الرسمي للقوات الأفريقي العقيد علي آدم حامد، سياسة كينيا في عملياتها العسكرية بجنوب الصومال.
استيلاء كسمايو وجعلها كيانا خارج ولاية الدولة الصومالية:
في الثامن والعشرين من سبتمبر 2012 دخلت القوات الكينية بحريا مدينة كسمايو وقامت بإنزال جوي لقواتها على ضواح المدينة بمساعدة القوات الصومالية ومعسكر رسكمبوني، ثم خرجت حركة الشباب المجاهدين من المدينة عند وصول قوات التحالف إليها.
بعد السيطرة على المدينة من قبل قوات التحالف بدأت مسألة من يتولى إدارة المدينة؟ وكسمايو ليست المدينة الأولى التي تستولي عليها قوات تابعة أو مساندة للحكومة الصومالية، كانت القوات الإثيوبية والصومالية قد استولت على مدينة بلدوين ومن ثم قامت الحكومة الصومالية بتعيين إدارة لهذه المحافظة، ولم تشترط القوات الإثيوبية باستيلاءها عليها أن تشكل إدارة تابعة لها في هذه المحافظة، وغيرها من المدن الأخرى.
ولكن كسمايو كانت تختلف عن هذه المدن، واستحوذت كينيا أن تنشء هي وحدها إدارة لهذه المحافظات، والدولة الصومالية استعدت في دورها إلى تشكيل إدارة صومالية للمدينة، وصرح رئيس الصومال حسن شيخ محمود منذ الوهلة الأولى للسيطرة على المدينة بأن الدولة الصومالية هي صاحبة الحق في إنشاء إدارات لمحافظاتها، وهذا مما أدى إلى استنكار كيني من الخطوة.
كينيا لم تنتبه إلى أن هذه الدولة تختلف عن سابقيها فهي دولة رسمية غير انتقالية لها الحق في تدبير شؤونها الداخلية، وأن أي تدخل في أمورها الداخلية من أية دولة خارجية يعتبر تعديا على سيادتها حسب القانون الدولي، واستمرت في تغافلها عن سلطة الدولة الصومالية، فقامت بعقد اجتماعات أفريقية في نيروبي لأجل انشاء إدارة في محافظات جوبا الصومالية.
وتزامن في هذه الأوقات الصعبة انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي حول تمديد مهلة القوات الأفريقية في الصومال وفرض حظر دولي على تصدير الفحم النباتي من ميناء كسمايو، تم موافقة حظر دولي على التصدير، ومدد للقوات الأفريقية بأربعة أشهر وهي مدة أقل من التمديدات السابقة التي كانت قد تصل إلى عام كامل، واستثنى مجلس الأمن الدولي من التمديد القوات البحرية الكينية فهذه لم تمدد لمهلتها.
هذه كانت نكسة على السياسة الكينية في جنوب الصومال فكانت تريد استمرار تصدير الفحم النباتي من ميناء كسمايو، وترغب بدعم مالي دولي لقواتها البحرية وهو ما لم يتحقق.
وفي جانبها أرسلت الدولة الصومالية وفدا رئاسيا يضم قادة من القوات الأفريقية لحفظ السلام إلى مدينة كسمايو لتفقد الأوضاع هناك، وهل طبقت قرارات مجلس الأمن الدولي في فرض حظر على تصدير الفحم النباتي أم لا؟ ولكن الوفد لم يحقق أهدافه حيث مُنع له الدخول إلى المدينة بقرار كيني فرُدّ من مطار المدينة.
هذا وقد ارتكبت كينيا جريمة نكراء فضحت بكل سياساتها تجاه المنطقة، فكيف جرأت بأن تمنع وفدا رئاسيا صوماليا بزيارة مدينة صومالية تقع تحت ولايتها؟ وكيف ترد وفدا أفريقيا من أميصوم وهي تابعة للقوات الأفريقية لحفظ السلام؟ كلها أمور تنبئ قلة خبرة كينيا في تعاملها مع مثل هذه الأمور وسوء نيتها وأهدافها السرية في المنطقة
ماذا على الدولة الصولية بعد المنع الكيني لها من دخول كسمايو؟
وبما أن القوات الكينية موجودة داخل الصومال تحت عباءة القوات الأفريقية لحفظ السلام، وبما أن كسمايو تحت سيادة الدولة الصومالية وليست محتلة من جهة خارجية، كان على الرئيس أن يصدر بيانا يشجب فيه بهذه الخطوة الكينية، وأن يرسل أيضا بيانا إلى الاتحاد الأفريقي يطلب منه إيضاح أهداف كينيا من أراضيه إذا لم تأخذ الأوامر من أميصوم، وأخيرا أن يقوم باستدعاء سفير الصومال من كينيا تنديدا بهذه الخطوة، وإلا ستكون الأمور أسوأ مما تكون عليه الآن إذا لم يأخذ الرئيس بقرار من هذا النوع.
وسنرى من أين ينتهي الصراع الكيني الصومالي على المحافظات الجنوبية الصومالية.
بقلم: عبد القادر محمد شيخ عبد الله

عن marsad

اترك تعليقاً