الطحاوي منظر التيار السلفي الأردني

الطحاوي.. ومشهد تقييد قدميه بالسلاسل!

الطحاوي منظر التيار السلفي الأردني
الطحاوي منظر التيار السلفي الأردني

الطحاوي.. ومشهد تقييد قدميه بالسلاسل!

شبكة المرصد الإخبارية

بمرافقتي لنجل شقيقي إلى مستشفى الحسين في السلط ظهر الخميس الماضي، جرّاء معاناته الشديدة من أعراض الزائدة، قدَّر الله لي أن أتواجد لحظة نقل القيادي في التيار السلفي الجهادي الشيخ أبي محمد الطحاوي من سجن الرميمين إلى المستشفى كونه يعاني من مغص كلوي حاد، لأكون بنفسي شاهد عيان على ما حصل.

كنت واقفا بآخر ممر قسم الطوارئ الذي يتجاوز طوله 20 مترا، وإذا بثلاثة أفراد أمن يأتون مسرعين، تبعتهم مباشرة قوة أمنية ترافق سجينا يرتدي قناعا من أقنعة العمليات الخاصة، ولا يظهر منه سوى عينيه وجزء من أنفه ولحيته البيضاء الطويلة.

التزم المراجعون جدار ممر قسم الطوارئ ليفسحوا الطريق للقوة الأمنية، وتوقف طبيب الحالات الطارئة عن معاينة مرضى آخرين، وهو ما دعا المتواجدين للتساؤل بصوت خافت من هذا السجين المُسن الذي يستدعي إحضاره هذه الحراسة الأمنية المشددة؟ وإحداث هذه الحالة من الصمت.

بالنسبة لي كنت أعرف الطحاوي، وما يمثل، وما هي قضيته الموقوف عليها كوني من المتابعين لما تعرف بحركات الإسلام السياسي عموما وتربطني علاقات طيبة بكثير من أفرادها، فلم يتبادر لذهني ذلك التساؤل، ولم أتبرع بالإجابة عن هويته إلا بعد مغادرته، منعاً لردة فعل غير محسوبة العواقب من قبل مرافقيه، فمهمتي تتوقف عند نقل الحدث، ولن أفيده بشيء لو تحدثت معه من تلقاء العاطفة، ولربما جاءت النتيجة بالعكس، وقد أشغلني عن الكلام منظره المؤلم، فالتزمت الصمت.

مع أن مما يحز في النفس ويشعرها بالذنب، أن يرى المرء شيخاً كبيرا بلحية بيضاء يمشي الهوينى.. مقيَّد اليدين والقدمين بسلاسل حديدية وآثار الإرهاق بادية على محياه، ولا يقوى على تقديم مساعدة له أو حتى إشعاره بتعاطفه معه ولو بالقول المعتاد: سلامَتَك، ولاسيما إن كان يعرفه.

ولا أبالغ إن قلت: أعادني ذلك المنظر القاسي لجرِّ السلاسل وصوتها إلى مشهد النهاية الشهير في فيلم عمر المختار، وأنساني صرخات نجل شقيقي الذي كان يتلوى من شدة الألم والظمأ وقد منعه الطبيب من تناول السوائل لأجل إجراء العملية، وهو يتوسل طالباً منِّي كوب ماء لإرواء ظمئه، كما أنسى شخصا آخر لا أعرفه من متابعة زوجته المصابة بحادث مركبة، وقد أعياه السؤال عن معرفة ذلك السجين، ليبادر بعد معرفته مني بإبلاغ الجميع وقد سألهم عنه بلا استثناء متنقلا بين هذا وذاك!

عندما اقترب الطحاوي من مكان وقوفي على بوابة غرفة الجراحة عَرَفني وقد جمعتني به مقابلات وجلسات حوار، فما كان منه إلا أن أدار وجهه باتجاهي ورفع حاجبيه إلى الأعلى، وأحسست فمه المغطى يهمس برسالة سريعة أظنها بدأت بتحية: السلام عليكم، ومفادها: لا تنسونا من دعائكم ووقوفكم بجانبنا من خلال كلماتكم الصادقة بنقل واقعنا وما نتعرض له، وقد شاهدتَهُ بأم عينِك.

وكذلك كان مني، فبادلته برفع حاجبَيَّ إلى الأعلى كرّدٍّ على سلامه وهمس كلامه، بإيماءة أظن مرادها وصل إليه: وعليكم السلام، إن بعد العسر يسرا.. و:

يا دامي الكفين والقدمين إن الليل زائل. .

لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل!

حاولت تصوير ذلك المشهد لنقل معاناة الطحاوي بشكل أقرب، لكن محاولتي التي ظننتها نجحت باءت بالفشل وظهرت الصورة التي التقطتها مشوشة، فقد كان محاطاً بما لا يقل عن عشرة أفراد أمن بدرجة عالية من الاستنفار النفسي، والأمر غير قابل لإعادة تجربة التصوير مرة أخرى.

وعموماً، أظن أن في تخيل تلك الصورة معايشة لما أنقل، وإبراز لشيء مما يتعرض له الطحاوي وغيره من قيادات التيار السلفي الجهادي وحملته على وجه الخصوص في السجون وخارجها من سوء معاملة وتضييق، وفي ذلك إجابة كافية على ممانعة المملكة المتحدة منذ سنوات تسليم أحد أهم منظري التيار عمر محمود أبو عمر الشهير بـ “الشيخ أبو قتادة” للأردن، لعدم توافر ضمانة حقيقية بعدم تعرضه للتعذيب والإهانة وهو ما تشير إليه على الدوام مؤسسات حقوقية وإنسانية في تقاريرها، ويُظهر الفارق الشاسع في المعاملة الإنسانية بين “دولة تحترم القانون” ودول تدعي التزامها به وبالأعراف الدولية لحقوق الإنسان.

فلا يساور المرء الشك مما ينقل ويتابع، لو كان أبو قتادة مقيماً في الأردن لما احتاج أمره إلى أكثر من أمر اعتقال من مدعي عام محكمة أمن الدولة وقوة أمنية لمداهمة محل إقامته، ولغاب عن الأنظار لعدة سنوات يفصلها (استراحة سجين) لا تتجاوز أشهرا قليلة كما يحصل مع المقدسي منذ حوالي عشرين عاما، ثم يعود للعد على جدار السجن من جديد.

وبما أن مناسبة الحديث عن الطحاوي ومشهد تقييده قدمية بالسلاسل، فإن الاختلاف مع فكره ومناهضة ما يتبنى لا يبرر إرهاقه بمرضه وإذلاله بالسلاسل الحديدية وقد تجاوز الستين من عمره في ظل معاناته من عدة أمراض مزمنة، ونقله إلى المستشفى لا يحتاج إلى هذا التقييد.

ولو فرضنا جدلا أن هناك من سيقوم بمحاولة إطلاق سراحه من رفاقه، فكِبَر سنه يمنعه من الفرار، وقضيته في حقيقة أمرها لا تحتاج إلى تلك المحاولة أساسا، فاعتقاله منذ 4 أشهر جاء لتغيبه عن حضور إحدى جلسات محكمة أمن الدولة بخصوص قضية الزرقاء الشهيرة التي صنفتها منظمة (هيومان رايتس ووتش) على أنها مشاجرة وأدانتها بقولها إنها “تُقدِّم دليلاً وافياً على الشوائب التي تعاني منها محكمة أمن الدولة الأردنية” حسبما جاء على لسان كريستوف ويلكي الباحث في شؤون الشرق الأوسط في المنظمة.

فلترحموا يا أرباب السجون مرض وشيبة هذا الرجل ليرحمنا ويرحمكم رب السماء، فمن إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وإن مثل هذه المعاملة لا تزيد التيار إلا عنادا وتحديا وشعورا بالاضطهاد.

محمود ناجي الكيلاني

عن Admin

اترك تعليقاً