كيف بنى النبي صلى الله عليه وسلم أقوى جيوش العالم (5)

كيف بنى النبي صلى الله عليه وسلم أقوى جيوش العالم (5)

 

د. شوقي الميموني

د. شوقي الميموني

 

كنا قد ذكرنا في المقالات السابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة بدأ مباشرةً بناء الدولة الإسلامية وحدد لذلك أهداف في منتهى الدقة كلها كانت مبنية على العنصر البشري (رجل قوي – يجيد فنون القتال – ذو روح معنوية عالية)، وكنا قد تحدثنا عن الشق الأول من بناء الرجال تمثل في الروح المعنوية العالية التي اكسبها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.

وسوف نتطرق في حديثنا اليوم عن الشق الثاني من بناء الرجال وهو البناء المادي أو البناء البدني (رجل قوي) أو ما يسمى في عصرنا الحاضر(الرياضة البدنية) ولذا شدد الرسول- صلى الله عليه وسلم – على صحابته بالاهتمام بالقوة الجسمانية وممارسة الرياضة البدنية، وحثهم على إتقان استخدام السلاح بمداومة التدريب عليه حتى يكونوا ذوى بأس شديد، وكما هو واضح أن القوة الجسمانية تؤدي إلى قوة التحمل، والتدريب الجيد على السلاح الذي يوفر الدعم في المعركة.

ولأن القائد قدوة فقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم الرياضة بطريقة فطرية سليمة جعلته صاحب قوام جميل متين البنية قوي التركيب، وكان بنيانه الجسمي مثار إعجاب من حوله من الصحابة، ولا عجب فهو الأسوة الحسنة، الذي أرسله العلي القدير هادياً لنا في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة.

 كتب القاضي عياض في كتابه (الشفاء) يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان عظيم القدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، عبل العضدين والذراعين والأسافل، رحب الكفين والقدمين، ريعه القد، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد.

ووصفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: لم يكن بالطويل الممغط (البائن الطول)، ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوام (معتدل القامة)، ولم يكن بالجق القطط، ولا بالسبط، كان جعداً رجلاً ولم يكن بالمظهم (الفاحش السمنة)، ولا بالمكلثم (كثير اللحم)، وإذا مشى ينكفي تكفياً كأنما يحط من صبب (يميل في المشي إلى الأمام)).

وذكر أبو هريرة رضي الله عنه وفي وصف مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:”ما رأيت أحداً أسرع من رسول صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تطوى له، إنا نجهد أنفسنا وهو غير مكترث”.

وقال علي رضي الله عنه كذلك في مشي النبي صلى الله عليه وسلم، إذا مشى تقلع (التقلع هو الارتفاع عن الأرض) كحال المنحط من الصبب وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء، وأبعدها عن مشية الهوج لأن بها وقاراً من غير تكبر ولا تماوت لأنه صلى الله عليه وسلم كان كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له.

وحين أعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد صلح (الحديبية) بعام، كان كفار قريش في مكان يستطيعون من خلاله مشاهدة المسلمين يطوفون بالكعبة، فقالوا (مستهزئين) : سيطوفون اليوم بالكعبة قوم نهكتهم حمى يثرب (المدينة)، فوصلت النبي صلى الله عليه وسلم مقولتهم فقال : رحم الله امرئ أراهم من نفسه قوة، واضطبع بردائه (أي أدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن، بحيث يبدي منكبه وعضده الأيمن) وكشف الرسول عن عضده الأيمن وقد فعل مثله شباب المسلمين في طوافهم حول الكعبة، ليرهبوا الكفار والمشركين بأجسامهم القوية وعضلاتهم المفتولة، والمعروف أن العضد الأيمن هو الأقوى في غالب الأحوال لدى الإنسان لأنه أكثر استخداماً من العضد الأيسر، ولعل هذا يفسر كشف العضد الأيمن، كما أن التيمن كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ولقد أورد الشيخ محمد الغزالي ثلاث وقائع تدل على قوة النبي صلى الله عليه وسلم:

*ذهب من مكة إلى الطائف ماشياً على قدميه، ولم يكن الطريق ممهداً كما هو الآن، بل وعراً، ومعروف عنه أنه يقع في منطقة كلها جبال وهضاب، ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تسلق هذه الجبال في مسيرته تلك.

*مشى الرسول صلى الله عليه وسلم هو أصحابه (علي بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة) رضي الله عنهم أجمعين، ولم تكن هناك أي وسيلة نقل، فكانوا يتبادلون السير والركوب نظراً لوجود راحلة واحدة فقط، فكان اثنان يمشيان والآخر يركب، وفد خجلا الاثنان فكيف يركبان ويدعان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم رفضاً باتاً بأن يستمر في الركوب، وقال إنكما لستم بأقدر مني على المشي ولا أنا بأغنى منكما على الأجر … ومشى المسافة المقررة.

*وفي غزوة الخندق كان يحفر الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وعندما اعترضتهم صخرة ضخمة إذا عجزوا عن ضربها وتفتيتها، لجئوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء إليها وضربها بمعوله ففتتها.

وقد حفلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته بالمواقف والوقائع والأحداث والأقوال التي تشهد بمكانة الرياضة والنشاط البدني في الإسلام.

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قوياً يحب القوة ولا عجب، فالإسلام دين قوة وغلبة فضلاً عن كونه شريعة ودستور حياة.

يقول الشيخ إبراهيم البرك أن هذا الدين العظيم بقرآنه الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لم يترك أمراً من أمور الدين والدنيا إلا ونبهنا إلى أوجه الخير فيه لنتبعها، كما نبهنا إلى أوجه الضر فيه لنتجنبها، ومن ضمن ذلك الرياضة.

ويذكر الشيخ ناصر الشتري أن كتب السنة والحديث قد امتلأت بالحث على الفروسية، والتوصية بها وأنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر المنافسات وكان يكافئ المتفوقين فيها، وكان يسمح للآخرين بمكافأة المتبارين بصورة خاصة تشجيعاً واستحباباً.

ولقد أجمع الفقهاء العلماء على أن ما صح من أقوال، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم مما نقله الثقاة عبر القرون إنما هو من السنة الشرعية، يقول الله في كتابه العزيز: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ) (المائدة – 92)

 

لعلنا نتوقف هنا ونواصل الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله

 

عن Admin