أمریكا تحارب أفغانستان بالنُظُم والقوانین

أمریكا تحارب أفغانستان بالنُظُم والقوانین

أمریكا تحارب أفغانستان بالنُظُم والقوانین
أمریكا تحارب أفغانستان بالنُظُم والقوانین

أمریكا تحارب أفغانستان بالنُظُم والقوانین

شبكة المرصد الإخبارية

لا تحارب أمریكا وحلفاؤها الأفغان بالسلاح والحرب والعسكریة فقط، بل حربها لهذا الشعب المسلم الغیور علی دینه أشمل وأوسع من الحرب العسكریة التي تستهدف العسكریین أو فئات معیّنة من الشعب، حیث تشمل هذه الحرب المجرمة جمیع مجالات حیاة هذا الشعب من النظام والسیاسة والاقتصاد والفكر وهیكلة الشعب الاجتماعیة.

وقد أوجدت أمریكا وحلفاؤها الغزاة عن طریق الحكومة العمیلة المفروضة علی الشعب الأفغانی النُظُم والقوانین التي تساعد المحتلّین علی تطویع الأفغان للاحتلال والقضاء علی روح المقاومة في نفوس أبناء هذا الشعب  الذي طالما عُرِفَ بمحاربة الغزاة كما عرفت أرضه بمقبرة الإمبراطوریات.

إنّ المحتلّین في أفغانستان یدركون أنّ الأفغان لازالوا علی فطرة الإسلام الأصیلة ولم ینصهروا في بوتقة الغرب المادّیة، وما داموا علی حبّهم للإسلام واستعدادهم للدفاع عنه، وتمایزهم عن بقیة الشعوب بالتزامهم بأحكام الشرع في جمیع مجالات الحیاة فلا یمكن أن تتغلّب علیهم القوات الغازیة، أو أن تجعلهم رعیة طائعین للحكام الكفار المحتلین أو لعملائهم من المرتدّین والمنافقین ممن سلّطهم علیهم المحتلون.

ولذلك بدأت أمریكا من الیوم الأول لغزوها لأفغانستان بمحاربة هذا الشعب عن طریق إیجاد النُظُم ووضع القوانین والأعراف لتغییر الأوضاع في جمیع مجالات الحیاة لتتوافق مع ما یهواها الأمریكیون في تنفیذ مخططاتهم السیاسیة، والعسكریة والاقتصادیة والفكریة والاستیلاء علی مصادر الطاقة في أفغانستان والمنطقة.

إنّ فرض المحتلّین للنُظُم والقوانین الجدیدة علی الشعوب المحتلّة هي من أیسر الطرق لتكبیل الناس وسلب حرّیاتهم.

ووضع المُثُل والمعاییر الجدیدة هي سیاسة المحتلّین لصرف الناس عن العمل للإسلام الحقیقي ومنعهم من التصدي لهم، لأنّ المحتلّین وعملاؤهم إذا فراضوا النُظُم والقوانین الجدیدة وألزموا الناس بالعمل بها في حیاتهم وإن كانت تخالف دینهم وأعرافهم فإن مخالفتهم لها تُعتبر جریمة لدی المحتلّین، ویرون من حقهم أن یعاقبوا الخارجین علی القانون بما یشاؤون.

وقد استغلّ الغرب المحتلّ الكافر والأنظمة المرتدّة الموالیة له هذه الأسلحة علی أوسع نطاق في بلاد العالم الإسلامي، وأخضعت بها كثیراً من الشعوب المسلمة التي ترفض الاحتلال وتثور علیه وعلی الأنظمة الطاغوتیة الموالیة له.

واستطاع الغرب أن یصوغ حیاة الشعوب المسلمة في القوالب التي أعدّها لتدجین المسلمین وإقناعهم بالتبعیّة والذیلیة له، وصارت الأمم الغربیة مالكة زمام أمور المسلمین، وكما قال الشیخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله تعالی: (أصبحت هذه (الأمم الغربیة)  تتحكم في أموال المسلمین ونفوسهم وأرزاقهم، وأصبحت تملك السلم والحرب، وأصبح العالم في حضانتها كولد یتیم أو شاب سفیه لا یملك من أمره شیئاً، فتارة تسوقه إلی ساحة القتال، وطوراً تُملي علیه الصلح ولیس له في صلح أو حرب ید مرفوعة أو كلمة مسموعة) .

وحین سادت النظم والقوانین والأعراف التي جاء بها المحتلّون الغزاة بقصد فرض سیطرتهم علی الشعوب المسلمة، وتركت هذه القوانين والنُظُم الجاهلیة الظالمة تأثیراتها السامّة في نفوس المسلمین وعقولهم وأفكارهم انسلخوا رویداً رویداً عن النظم والقوانین والأعراف الإسلامیة، وكما یقول الشیخ الندوي: (ونسوا أنّهم والأمم الأوروبية دعاة لنظامین للحیاة متضادین، ولحضارتین متناقضتین، وأنهم وإیاها ككفّتيّ میزان كلّما رجحت واحدة طاشت الأخرى).

إنّ المحتلّین الأمریكیین وحلفاؤهم یعملون منذ احتلالهم لهذا البلد أن یُخضعوا الأفغان للفكر والسیطرة علی أفكارهم وحیاتهم من خلال وضع القوانین وبتأثیر دعایتهم الإعلامیة يريدون أن یقولوا للناس بأن لا فرق بینهم كشعب مسلم وبین (الجاهلیة) الغربیة التي قَدِموا بها إلی أرض الجهاد والشهداء باسم الحضارة والمدنیة والدیموقراطیة والحرّیة المزعومة.

ویعمل هؤلاء المحتلّون من خلال آلاف المؤسسات السیاسیة والفكریة والعدلیة والاقتصادية أن یلقّنوا الشعب الأفغاني المسلم أنّ ما جاء لهم به الغرب من النُظُم والمثل والقوانین هي المُثُل الكاملة، وهي القدوة المثلی في الأخلاق والمعاملات والعلم والمدنیة والفضائل والرذائل، وأنّ الصلاح كله فی أخذها والفساد كله في رفضها، وأنّ من یقلبها هو المدني المتقدّم ، ومن یرفضها هو الرجعي المتخلّف الذي یجب أن یُحارَبَ أو یُزجّ به في السجون.

ولذلك جنّد الغرب ما یقارب من 600000 جندي وعناصر الملیشیات  من قوّات حلف (الناتو) والعملاء المحلّیین لمحاربة من یرفض الاحتلال ولا یرضی بالوضع الجدید في أفغانستان.

إنّ التأثیرات الخطیرة التي تركتها هذه النُظُم والقوانین المستوردة في إفساد حیاة الشعب الأفغاني وتدمیر العقیدة والخُلق في الجیل الجدید كثیرة وكبیرة، وهي زعزعت أركان الدین في نفوس كثیر من سكان المدن الذین یعیشون في ساحة التأثیرات المباشرة لجهود التغریب التي تبذلها مؤسسات العدوّ السیاسیة والعدلیة والفكریة، وقد تمثّلت هذه التأثیرات فیما یلي:

1 –  تنحیة الشریعة الإسلامیة عن التطبیق والعمل في مجالات الحدود الشرعیة، والتعزیرات، والسیاسة، والفعالیات التجاریة والاقتصادیة، وفي المجالات العسكریة، والعلاقات الخارجیة، وحتى في شؤون الأسرة، وفي تنظیم المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغیرها من  المجالات.

2 –  قلب الموازین والمعاییر للإصلاح والفساد والخیر والشر، فما كان یعرفه الناس خیراً في ضوء تعالیم الدین الإسلامي حكمت علیه القوانین الجدیدة بالشر، وما كان یعتبره الناس شرّاً حكمت علیه هذه القوانین بالخیر، لأن هذه القوانین هي نسخة من القوانین والأعراف والنُظُم التي ارتضاها الغرب الكافر الهارب من التدیّن، وقد وضعها الغربیون لأنفسهم علی الأسس العلمانیة واللیبرالیة ونظریة المنفعة واللذّة التي تحقق لهم تحقیق الشهوات و إرواء النزوات من دون التفكیر في الحلّ والحُرمة، أو في جلب رضی الله تعالی لهم أو سخطه علیهم.

وتطبیق هذه القوانین في هذا البلد لن یأتي  إلا بتلك النتائج التي جاء بها في الغرب وفي البلاد التي تطبق منظومة القوانین والنُظُم والأعراف الغربیة في العالم الإسلامي.

3 –  صیاغة حیاة الجیل الجدید صیاغة غربیة بعیدة عن روح التدیّن والخوف من الله تعالی .

4 – غرس الكراهیة في نفوس الجیل الجدید للإسلام الحقیقي الذي یصفه الغرب  بالأصولیة والتطرف وعدم مسايرة الواقع في العالم. ویتمّ كلّ هذا بتلمیع المُثُل والقِیَم الغربیة وتقدیمها للناس عن طریق الإدارات والأشخاص الذین وظّفهم الغرب لتغییر سیكولوجیة الشعب الأفغاني المجاهد واعتبارها هي الأصلح لإصلاح أوضاع الشعب الأفغاني.

5 –  فرض التبعیة السیاسیة، والعسكریة، والاقتصادية والفكریة للغرب بإدخال الأفغان في الأحلاف والمعاهدات المواثيق الدولیة التي تحقق السیادة والریادة  في العالم للغرب ولأعداء الإسلام الآخرین.

ومن المؤلم أنّ الأحزاب والجماعات والشخصیات التي كانت بالأمس تعتبر نفسها (جهادیة) وكذلك الأشخاص الذین كانوا ولازالوا یعتبرون أنفسهم (أبناء الحركة الإسلامیة العالمیة) والذین كانوا یرفعون شعار (الإسلام هو الحل) هؤلاء كلهم شاركوا المحتّلین في صناعة هذا الواقع المزري، وصادقوا علی جمیع قرارات (الشرعیة الدولیة!؟). ونسوا أنّ لهم دین كامل ارتضاه الله تعالی فمن یبتغ غیره فهو في الآخرة من الخاسرین.

ولكن هؤلاء الخونة الغدّارون بدل أن یقفوا إلی جانب المجاهدین أو یقفوا حجر عثرة أمام تطبیق القوانین والنُظُم الجاهلیة المستوردة وقفوا بكلِّ خزي وعار تحت رایة الصلیب، وصاروا وزراء في حكومة الاحتلال، أو أصبحوا نوّاباً في البرلمان الذي یقوم بتشریع غیر ما أنزل الله.

ویمرّر العدوّ الكفار جمیع مخططاته لتدمیر هذا البلد وإفساد عقیدة أبنائه بمصادقة وتوقیع هؤلاء المجرمین الذین بالأمس ملأوا كروشهم ورفعوا قصورهم وعروشهم من تبرّعات المسلمین وصدقاتهم التي كانوا یرسلونها إلیهم لكونهم قادة ومسؤولین للمنظمات الجهادیة أو الجمعیات الدعویة والخیریة.

إنّ أمریكا والغرب الصلیبي ما استطاع أن یسیطر علی هذا البلد إلّا بعد أن قام لها مجرموا الأحزاب الجهادیة السابقة ومرشدو زوایا التصوف العلماني بدور الملیشیات المحلّیّة، وأدلاء الطرق، والجواسیس، والمترجمین، والمستشارین، والموظفین في الإدارات التي أوجدها الغربیون في هذا البلد.

وحین رأی الغرب إفادیة هؤلاء الناس إلی جانبه في میدان المواجهة ضدّ المجاهدین لعب بنفس الورقة في تنفیذ مخططاته وإخماد ثورات الشعوب الثائرة ضدّ الحكومات الطاغوتیة في البلاد العربیة وغیرها أیضا.

6 –  وقد سعی المحتّلون فرض القوانین والأعراف الجدیدة لزعزعة ثوابت الشعب الأفغاني المسلم من الإیمان والالتزامات الخُلُقیة التي تُنظّمها القوانین في التعامل الاجتماعي بین أفراد الشعب.

وكذلك عَمِلَ المحتلّون بكلّ جهدهم لتغییر نظام الحكم وتغییر الأوضاع القانونیة والعدلیة .

فكان التحاكم بین الأفغان فیما سبق إلی المحاكم الشرعیة الرسمیة أو إلی علماء الشرع ، ولكن الوضع الجدید یوجّه الناس في تحاكمهم إلی المحاكم المدنیة التي تحكم بالقوانین الوضعیة، أو یوجههم إلی جمعیات حقوق المرأة وحقوق الإنسان التي أنشأها الغربیون في هذا البلد في الأطر الحكومیة الرسمیة.

وبما أنّ الغرب عزم هذه المرّة بجدیّة علی تغییر الشعب الأفغاني المقاوم للاحتلال والتغریب من الحالة الإسلامیة إلی الحالة التابعة للغرب فقد اصطحب المحتلّون الغربيون مع الجنود المقاتلین عشرات الآلاف من الخبراء والمستشارین لقولبة جمیع أوضاع هذا الشعب في القوالب التي یرضاها المحتلّون، فكانت نتیجة جهودهم الحثیثة ونتیجة إنفاق ملیارات دولاراتهم أن غیّروا نظام الحكم من الإمارة الإسلامیة القائمة علی أساس اختیار أهل الحلّ والعقد من أخیار البلد لأمیر للمؤمنین إلی الدیموقراطیة الغربیة التي یشترك في اختیار المصیر وتعیین الزعیم البرّ والفاجر والمسلم والكافر والعالم والجاهل والعاقل والسفیه علی حد سواء.

وبدل أن یعمل النظام الجدید لحمل الناس علی العمل بالتعالیم الإسلامیه وتطبیق الشریعة بدأ یعمل لنشر العلمانیة في المجال العقدي ولنشر اللیبرالیة والتحلل من جمیع الالتزامات الشرعیة والخُلُقیة وإلی الانصهار في بوتقة مدنیة الغرب القائمة علی أساس منع الدین من التدخل في حیاة الناس.

وكل ذلك أوجد النظام الجدید بدل الجیش المجاهد جیشاً وقوات عمیلة للمحتلّین تقاتل لأجل الغرب، وتحارب الشعب والمجاهدین دفاعاً عن حكومة الاحتلال، وتحقیقاً للأهداف والمشاریع التي یعمل لها الغربيون في هذا البلد.

ولكی یضمن المحتلّون استمرار مشاریعهم وتحقیق أهدافهم الخبیثة في هذا البلد لأمد طویل فعملوا علی إعداد منهج تعلیمي للبلد یخدم ضمان استمرار التبعیة الفكریة والسیاسیة والقانونیة للغرب، فأخرجوا من المنهج جمیع المواد التي تلقّن النشأ الجدید حبّ الإسلام والدفاع عنه، وقام المحتلون بهذا العمل المجرم بشكل متدرّج حیث أدخلوا المفاهیم والنظریات الغربیة في المنهج التعلیمي في قوالب وعناوین أفغانیة قلّما یتفطّن عامة الناس إلی خطرها العظیم وآثارها المدمّرة لمستقبل الإسلام والمسلمین في هذا البلد.  

وقد اشترك مع المحتّلین في ارتكاب هذه الجریمة الفكریة والعقدیة أصحاب الشعارات الجوفاء ممن یقدّمون أنفسهم للغربیین (مسلمین معتدلین) الذین كانوا بالأمس ینادون بـ (الإسلام هو الحل)، ولكنّهم الیوم وجدوا حلّهم المنشود في الديمقراطية و(الإسلام المرقّع) الذي یرضاه الغربیون ویأباه المخلصون من أبناء الأمة السلامیة من المجاهدین والعاملین لإقامة دولة الإسلام وإعادة مجده.

ولكی یكون المحتلّون قد أضفوا الشرعیة علی جرائمهم القانونیة والتنظيمية فقد صاغوا جمیع أهدافهم في أهمّ مرجع قانوني لهذا البلد یُنظّم حیاة الشعب كلّه وهو (دستور البلد) الذي سنتكلّم عن كفریاته وضلالاته في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالی.

عن Admin

اترك تعليقاً