طالبان قادمة وبقوة على الرغم من تحفظ باكستان وكافة القوى الدولية الأخرى
باكستان/ أفغانستان – شبكة المرصد الإخبارية
بادئ ذي بدء يجب أن نعلم أن باكستان عارضت الانسحاب “المتسرع” للقوات الأمريكية من أفغانستان، ولم تتحدث بكلمة واحدة عن تأخير الانسحاب من آواخر أبريل إلى سبتمبر كما أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن، وشددت على التوصل لاتفاق قبل إتمام الانسحاب.
وأعلنت باكستان معارضتها لعودة الإمارة الإسلامية للحكم في أفغانستان، بل طالبت بأن تكون هناك حكومة مشتركة وتمثل جميع الفرقاء الأفغان. فيما أعرب مسئولون باكستانيون في اجتماعاتهم مع نظرائهم الأجانب عن رفضهم عودة حكم الإمارة الإسلامية لما يحمله من تأثيرات على باكستان والجماعات الدينية فيها، وخشية المؤسسة الأمنية الباكستانية من بروز التيار الإسلامي مجددا في باكستان، بدعم معنوي من الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
ومن الجدير بالذكر أن باكستان ـ خاصة الجيش والمؤسسة الأمنية، والأحزاب السياسية الرئيسية لا تحبذ وصول طالبان إلى السلطة بمفردها أو أن تكون هي قائدة للحكم في أفغانستان، لانعكاسات ذلك على الداخل الباكستاني، وما يمنحه من دفعة معنوية للحركات المسلحة في باكستان ، والأحزاب الدينية ، حتى وإن كانت هذه الأحزاب الدينية تمارس السياسة والتنافس على مقاعد البرلمان .
تحركات باكستان الأخيرة فيما يتعلق بخروج القوات الأجنبية من أفغانستان:
سياسياً وامنياً :
باكستان أعلنت رسمياً وقبل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان أن الانسحاب يجب أن يكون منظما وبعد أن يتم الاتفاق بين الفرقاء الأفغان على حل سلمي وانتقال سلمي للسلطة في كابل ، ورأت باكستان أنه من الممكن تشكيل حكومة انتقالية بين طالبان والحكومة الأفغانية، حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام عبر المفاوضات بين الأطراف الأفغانية.
حاولت إسلام أباد التواصل مع كافة الأطراف الأفغانية ، فاستقبلت وزير الخارجية الأفغاني محمد حنيف أتمار، والوزير الذي قبله صلاح الدين رباني، كما استقبلت رئيس مجلس الشورى والبرلمان الأفغاني، ووفدا من الشيعة الأفغان، وحكمتيار، ووفودا من الأطراف الأفغانية الاخرى . إضافة إلى وفد من حركة طالبان بقيادة الملا عبد الغني برادر، وحثت الجميع على التوصل إلى اتفاق سلام، وأبلغت الجميع أن الحل لا يجب أن يكون بالسيطرة العسكرية أو العودة إلى الحرب الأهلية .
تواصلت باكستان مع الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران وتركيا والصين وروسيا، وحلف شمال الاطلسي، واجتمع قائد الجيش الباكستاني الجنرال باجوا مع سفراء هذه الدول (كون الجيش الباكستاني له الكلمة الأولى والأخيرة في الملف الأفغاني ) وأرسلت إسلام أباد وفودا إلى كابل وطهران وأنقرة وروسيا والصين لدعم الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفرقاء الأفغان والتحذير من تحميل باكستان مسئولية فشل المفاوضات بين الفرقاء الأفغان، أو أن يتخلى المجتمع الدولي عن أفغانستان ـ خاصة الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي ـ كما حدث بعد الانسحاب السوفيتي.
حكومة كابل كانت ولا زالت تتهم باكستان بأنها لا تبذل الجهد المطلوب لوقف هجمات طالبان وتقدمها عسكريا، وأن هناك إمدادات تأتي لقوات طالبان من باكستان .
باكستان عارضت الانسحاب “المتسرع” للقوات الأمريكية من أفغانستان، ولم تتحدث بكلمة واحدة عن تأخير الانسحاب من أواخر أبريل إلى سبتمبر كما أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن، وشددت على التوصل لاتفاق قبل إتمام الانسحاب. وأعلنت باكستان معارضتها لعودة الإمارة الإسلامية للحكم في أفغانستان، وطالبت بأن تكون هناك حكومة مشتركة وتمثل جميع الفرقاء الأفغان. فيما أعرب مسئولون باكستانيون في اجتماعاتهم مع نظرائهم الأجانب عن رفضهم عودة حكم الإمارة الإسلامية لما يحمله من تأثيرات على باكستان والجماعات الدينية فيها، وخشية المؤسسة الأمنية الباكستانية من بروز التيار الإسلامي مجددا في باكستان، بدعم معنوي من الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
الموقف بشأن احتمال تدفق اللاجئين :
قبل تدفق اللاجئين أعلن عمران خان في مقابلة مع نيويورك تايمز ومحطة HBO الأمريكية أن باكستان قد تلجأ إلى إغلاق حدودها مع أفغانستان إن لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين الفرقاء الأفغان وانزلقت أفغانستان إلى حرب أهلية.
أعلنت الحكومة الباكستانية أنها ستقيم مخيمات لاجئين على الحدود الأفغانية مباشرة وستمنع اللاجئين الجدد من الوصول إلى المدن الباكستاني.
باكستان تخشى من تسلل عناصر من طالبان باكستان المقيمين في أفغانستان بين اللاجئين الجدد وتسللهم لاحقا إلى المدن الباكستانية ، والقيام بأعمال عنف، كما تخشى من تسلل عناصر موالية للمخابرات الأفغانية والهندية بين اللاجئين الأفغان المتوقعين، وقيامهم بأعمال عنف في باكستان.
باكستان بمشاكلها المالية والاقتصادية أيضا تخشى من عدم كفاية المساعدات الدولية للاجئين الجدد فتتحمل باكستان مشاكلهم المعيشية بما يرهق كاهل الحكومة الباكستانية التي تواجه عجزا ماليا كبيرا.
أعلنت الحكومة الباكستانية ـ وزير الداخلية شيخ رشيد أحمد ـ إرسال وفد باكستاني للتباحث مع الجانب الإيراني واقتباس تعامل إيران مع اللاجئين الأفغان، حيث وضعت الحكومة الإيرانية اللاجئين الأفغان في المناطق الحدودية مع أفغانستان، ورفضت دخولهم المدن الإيرانية. وقال وزير الداخلية الباكستاني إن حكومته ستقتبس النموذج الإيراني في التعامل مع اللاجئين الجدد .
العلاقه مع طالبان :
هناك اتهام مباشر لباكستان من كابل بأن باكستان تدعم حركة طالبان في محاولتها السيطرة على مناطق جديدة في أفغانستان وزيادة زخمها العسكري ضد القوات الحكومية.
أمريكا لا تتهم باكستان مباشرة بدعم طالبان لكنها تطالبها بممارسة المزيد من الضغوط على طالبان لوقف عملياتها والتوصل إلى وقف لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق سلام .
أمريكا لا تريد خسارة التعاون مع الحكومة الباكستانية في الشأن الأفغاني، رغم رفض باكستان منح قواعد جوية لأمريكا لشن غارات على ما تسميه أمريكا تجمعات للإرهابيين في أفغانستان ، لكن واشنطن لديها أوراق ضغط على باكستان بخصوص الملف الأفغاني ، من هذه الأوراق إبقاء الحكومة الباكستانية على اللائحة الرمادية لمجموعة المراقبة المالية الدولية كما حدث الشهر الماضي. ووقف تسهيلات القروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية حيث تملك واشنطن نسبة أصوات تعطيها ما تريد من قرارات في هذه المؤسسات المالية الدولية، وفشلت أمريكا حتى الآن في وقف أو تقليص الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
التعاون مع الولايات المتحدة :
باكستان حريصة على تحسين علاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية مع واشنطن، لكنها لتجارب سابقة معها تعلم أنه لا يمكن الثقة بالموقف الأمريكي.
رغم ذلك، باكستان مستعدة للتعاون مع واشنطن في أفغانستان، دون الرضوخ الكامل لمطالب واشنطن لمزيد من الضغط على طالبان .
باكستان تخشى أن أي ضغط زائد منها على طالبان ، سيفقد إسلام أباد آخر صديق لها بين الفرقاء الأفغان، وهو الفريق المتوقع وصوله للسلطة حسب المعطيات الحالية على الأرض في أفغانستان .
حسب تاريخ المؤسسة العسكرية الباكستانية ، لن تتردد في القيام ـ راغبة أو مرغمة ـ باتخاذ قرارات وسياسات ضد طالبان (على الأقل ظاهريا في الظروف الحالية) مع استمرار التشاور مع طالبان والتعاون معها.
باكستان ـ خاصة الجيش والمؤسسة الأمنية، والأحزاب السياسية الرئيسية لا تحبذ وصول طالبان إلى السلطة بمفردها أو أن تكون هي قائدة للحكم في أفغانستان، لانعكاسات ذلك على الداخل الباكستاني، وما يمنحه من دفعة معنوية للحركات المسلحة في باكستان ، والأحزاب الدينية ، حتى وإن كانت هذه الأحزاب الدينية تمارس السياسة والتنافس على مقاعد البرلمان .
ستواصل باكستان محاولة سياسة إمساك العصا من الوسط في سياستها مع أمريكا، ولن تتخذ موقفا رافضا للسياسة الأمريكية تجاه أفغانستان، كما أنها لا تجرؤ على الموافقة على ما قد تقوم به الولايات المتحدة من سياسات مستقبلية ضد طالبان .
لم تعد باكستان تملك أوراقا كثيرة للضغط على الإمارة الإسلامية كما حدث فترة حكمها أول مرة، والآن باكستان بحاجة أكثر للإمارة الإسلامية من حاجة الإمارة لها. وتمكنت الإمارة من نسج علاقات جديدة مع دول عديدة تمكنها الخروج من القوقعة الباكستانية.
المصالحة في أفغانستان:
طالبان لا زالت تقول إنها لا تسعى لفرض سيطرتها الكاملة على أفغانستان ولن تشكل حكومة بمفردها، وتطلب من الفرقاء الآخرين الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والإقرار على النقطة الرئيسية الأولى وهي إقامة حكومة تحكم بالشريعة الإسلامية، وبعدها يتم الاتفاق على النقاط الأخرى.
الحكومة الأفغانية تريد وقفا لإطلاق النار أولا قبل كل شيء ، ولا تمانع من الإقرار بحكومة إسلامية ـ وليس حكومة تحكم بالشريعة الإسلامية نصا ـ أسوة بما عليه الحكومات في كثير من الدول الإسلامية التي تنص دساتيرها على أن دين الدولة هو الإسلام.
الأطراف الأفغانية المواجهة لطالبان ليست موحدة في مواقفها وسياساتها، بعضهم له اتصالات علنية وسرية مع طالبان، مقابل عفو عن قياداتها ومشاركتها في الحكومة القادمة ومناصب الدولة بنسب معينة .
انهيار الجيش الأفغاني وتسليمه مناطق واسعة لقوات طالبان في مناطق عديدة أضعف موقف الحكومة والأطراف الأخرى في كابل مقابل موقف طالبان.
الجهود التي تبذلها عدة دول للمصالحة الأفغانية (تركيا ـ إيران ـ روسيا ـ دول وسط آسيا خاصة أزبكستان ـ الصين ) حتى الآن غير مجدية ولم تغير من مواقف طالبان شيئا في المحادثات التي جرت في الدوحة.
طالبان عندها نقاط تجادل فيها حول عدم التزام أمريكا وحكومة كابل باتفاق الدوحة: الحكومة الأفغانية لم تطلق كافة أسرى طالبان من سجونها.. حيث لا زال الآلاف منهم في السجون الأفغانية .. أمريكا لم تلتزم برفع أسماء قادة طالبان عن قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة كما تعهدت به في اتفاقية الدوحة .. أمريكا قامت بقصف عدد من مواقع طالبان رغم اتفاق الدوحة وعدم قيام طالبان بمهاجمة القوات الأجنبية.. لذا هناك انعدام للثقة بين طالبان من جهة وبين الحكومة والأطراف الأفغانية والولايات المتحدة من جهة أخرى .
طالبان تسعى خلال الأيام القادمة للسيطرة على عدد من عواصم الولايات والمدن الكبرى في مختلف المناطق دون مهاجمة العاصمة كابل بشكل كبير. طالبان ستسعى للتفاهم مع القوات الموجودة في هذه المدن عبر شيوخ القبائل باتفاق يضمن العفو عن القوات الحكومية في هذه المدن كما حدث مع المناطق التي سيطرت عليها طالبان في الشمال ومناطق أخرى، وإن حصل هذا ستملك طالبان طائرات تمكنها من تهديد بقية القوات الحكومية الأفغانية.. طالبان سيطرت على المعابر الحدودية مع إيران وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان ومعبر سبين بولدك ـ تشمن على الحدود الباكستانية في بلوشستان، وهذا يحرم الحكومة الأفغانية من أموال كبيرة، ومن تأثيرها على التجار الأفغان .
بعد سيطرة طالبان على عدد من عواصم الولايات الأفغانية مثل هيرات وقندهار ومزار شريف ستزيد الضغط على الحكومة وقد تطلب طالبان من شخصيات أفغانية إقناع الحكومة بالتسليم ويتم تشكيل لجنة قيادية لتسيير الأمور في أفغانستان تحت إشراف طالبان، ثم تعلن طالبان تشكيل حكومة سيكون فيها مشاركة مشهودة للقوميات الأخرى غير البشتون ( الطاجيك ـ الأزبك ـ الهزارة ـ التركمان) مع هيمنة لطالبان على الحكومة . وستعمل على تشكيل مجلس علماء أفغانستان موسع بدلاً من اللويا جيركا التي كانت تعقدها الحكومات الأفغانية لإقرار دستور جديد ينص بشكل واضح على حكم الشريعة الإسلامية، ثم ستسعى طالبان لمطالبة الكفاءات الأفغانية المختلفة على المشاركة في الحكومة وتسيير أعمال الدولة تحت إشراف طالبان وتكون قواتها وأفرادها قد انتشروا في الأماكن المختلفة من الوزارات .
حسب مصادر فإن حجم تسلل عناصر طالبان وارتباط كثير من موظفي الدولة سواء في الأمن والجيش أو الوزارات، يفوق كل توقع، وحسب هذه المصادر فقد أعدت الحركة خطة للسيطرة على كافة الوزارات الأفغانية وملفاتها في حال قررت السيطرة على العاصمة بالقوة، وذلك لمنع الحكومة الأفغانية وموظفيها من إتلاف ملفات هذه الوزارات .
الحكومة الأفغانية كانت هي التي رفضت اتفاق الدوحة الذي نص على أنه الأساس في الحل السلمي للصراع في أفغانستان، فقامت الحكومة الأفغانية بتأخير إطلاق سراح آلاف الأسرى من طالبان العام الماضي، ولا زالت ترفض النقطة الأهم التي نص عليها الاتفاق وهي إقامة حكومة إسلامية في أفغانستان. كما رفضت الحكومة ووفدها في الدوحة العديد من المسائل المطروحة ، وأمر الرئيس الأفغاني أشرف غني قواته بعد التوقيع على اتفاق الدوحة بشن هجمات واسعة على قوات طالبان، لكن هذه الهجمات أثبتت عدم قدرة قواته على وقف اندفاع قوات طالبان في مجمل أفغانستان .