سجل يا تاريخ .. قلت ولنا كلمة عن شيخ المجاهدين

الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية

سجل يا تاريخ .. قلت ولنا كلمة

عن شيخ المجاهدين / حافظ سلامة وملحمة السويس :

 

شبكة المرصد الإخبارية  – بقلم الشيخ/ محمد ألماظ

الشيخ حافظ والشيخ محمد ألماظ

أشعر بغصة شديدة كلما جاء شهر أكتوبر، ورأيتُ احتفاء أجهزة إعلامنا الرسمية وغير الرسمية بمناسبة انتصار العاشر من رمضان  السادس من أكتوبر وما حدث فيه من تضحيات وبطولات دون الإشارة إلى واحد من أبرز أبطال تلك الحرب ألا وهو الشيخ المجاهد شيخ المجاهدين / حافظ سلامة رحمه الله تعالى ، والذي كان بشهادة قادة حرب أكتوبر – هو قائد المقاومة الشعبية بمدينة السويس حين حاول العدو احتلالها مستغلاً نجاحه في النفاذ إلى الجانب الغربي من قناة السويس من خلال ما سمي وقتها بثغرة الدفرسوار.

ولقد كان ذلك الموقف من الشيخ رحمه الله تتويجاً لتاريخ طويل من الجهاد في سبيل الله بدأه منذ شبابه المبكر :

ففي حرب فلسطين عام 1948م كُلِّف من قبل الهيئة العليا لتحرير فلسطين  التي كان يرأسها مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني بجمع ما يمكن جمعه من أسلحة وذخائر ، لإمداد المتطوعين للدفاع عن فلسطين بها، وقد قام بتلك المهمة خير قيام، وكان غالب ما حصل عليه هو وإخوانه هو مما استولوا عليه من معسكرات الاحتلال البريطاني الموجودة على ضفاف القناة. 

وفي عام 1951م وبعد إلغاء معاهدة 36 اشترك في المقاومة الشعبية ضد الإنجليز بمنطقة القناة.
وفي عام 1956 اشترك في المقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثي على مصر ،وكُلِّف بالمحافظة على أحد الشوارع المهمة بمدينة السويس .

أما في أثناء نكسة 1967م فقد كان الشيخ رحمه الله معتقلاً بسجن أبي زعبل ، حيث كان قد ألقي القبض عليه في أبريل عام 1966م أثناء عودته من الأراضي الحجازية .

وكانت التهم الموجهة إليه تدور حول نشاطه في حلقات تحفيظ القرآن الكريم هو وتلاميذه في جمعية الهداية الإسلامية التي كان قد أسسها بمدينة السويس، ولما سمع الشيخ وهو في السجن بأنباء العدوان طلب من قائد المعتقل أن يُسمح له بالخروج هو ومجموعة من زملائه المعتقلين للمشاركة في الدفاع عن البلاد، مع تعهدهم بالرجوع إلى السجن فور انتهاء المعركة . . وبالطبع فقد رُفض ذلك الطلب رسمياً .

وفي عام 1968، وبعد حوالي عامين من الاعتقال أُفرج عن الشيخ رحمه الله ، وتوجه مباشرة إلى بلده السويس، وطلب من المسؤولين فيها السماح له بمزاولة نشاطه الدعوي ومشاركةً في العمل لإزالة آثار العدوان، وتم الاتفاق على أن يبدأ الشيخ في تنظيم قوافل العلماء والدعاة لعقد الندوات الدينية لتوعية الضباط والجنود .

وواكب ذلك مرحلة حرف الاستنزاف، فكانت قوافل العلماء لا تنقطع عن الذهاب لجبهة القتال تعليماً للجنود وتحفيزاً لهم على الجهاد والاستشهاد.. وقد كان من أولئك العلماء كما ذكر الشيخ حافظ في كتابه ” ملحمة السويس في حرب العاشر من رمضان ” : الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ عبد الحليم محمود ،وغيرهم

وكان مسجد الشهداء بمدينة السويس هو المكان الذي انطلقت منه عشرات بل مئات العمليات الفدائية التي كان يخوضها جنود مصر وضباطها أثناء حرب الاستنزاف، وكان الشيخ حافظ كثيراً ما يجلس مع أولئك الجنود قبل انطلاقهم لتلك العمليات يذكرهم بفضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وكان مَنْ يرجع منهم حياً يعود إلى ذات المسجد يصلي فيه ويشكر الله على نعمته ، وكذلك من ينال الشهادة منهم كان يُرجَع به أيضاً إلى المسجد ليتولى الشيخ تجهيزه ودفنه .

ولما بدأت حرب العاشر من رمضان 1393هـ- السادس من أكتوبر 1973م ، كان للشيخ وإخوانه دور بارز في تقديم الخدمات الطبية للجرحى والمصابين، وكذا تجهيز الشهداء من العسكريين والمدنيين، ثم كان دوره الأبرز  كما ذكرنا هو التصدي لقوات العدو في محاولتها احتلال السويس، حيث أصر ومعه مجموعة من أبناء القوات المسلحة على الدفاع عن المدينة مهما كلفهم ذلك من ثمن، وذلك في الوقت الذي كان فيه محافظ المدينة يهم بتسليم المدينة.

وفي تقريرٍ رسمي كتبه العقيد أمين الحسيني مفتش مباحث أمن الدولة بالسويس في تلك الفترة -وهو منشور بكتاب الشيخ حافظ سلامة وملحمة السويس ما نصه :

في صباح 24 أكتوبر قام العدو بغارة جوية مركزة على السويس تمهيداً لدخول قواته المدرعة للمدينة… وكانت المدينة في ذلك الوقت خاليةً من أي وسائل للدفاع عنها مما نتج عنه أن رفعت الأعلام البيضاء على مبنى مديرية الأمن ومبنى قسم شرطة الأربعين، واقتحمت قوات من أفراد العدو قسم شرطة الأربعين وحاصرته بدباباتها ومدرعاتها إلا أن بعض الفدائيين الذين كانوا أعضاء بجمعية الهداية الإسلامية، التي يرأسها الحاج حافظ علي أحمد سلامة تصدوا لمجموعة المدرعات، وأطلقوا الشرارة الأولى للمقاومة الشعبية ، وأُنزلت على الفور الأعلام البضاء التي سبق رفعها، واندفع الشعب وأفراد القوات المسلحة العائدة وأفراد وجنود الشرطة في معركة دامية مع العدو…. وتشكلت على الفور المقاومة الشعبية بالسويس .

ثم ذكر التقرير المذكور: أنه في يوم 25 أكتوبر بدأ العدو في اتباع أسلوب الحرب النفسية، وذلك بتهديد محافظ السويس -عبر الاتصال به هاتفياً من شركة النصر لتصنيع البترول التي كان قد تم احتلالها – بتدمير المدينة بالكامل بالطائرات إن لم تستسلم خلال نصف ساعة وكاد المحافظ يستسلم لتهديد العدو، وطلب من قائد القوات المسلحة العميد عادل إسلام الحضور ومعه علم أبيض لمقابلة قائد القوات المعادية، لولا أن قرار القاهرة وصل في اللحظة الحاسمة بعدم التسليم بمعرفة المحافظ .. وفي نفس الوقت كان العميد عادل إسلام قد عدل عن رأيه بالتوجه للمحافظة  بقصد التسليم، حيث كان بدوره قد استطلع رأي الحاج حافظ من الناحية الدينية وعارض الأخير مبدأ التسليم وطمأن سيادته .

وقد كان الرد الذي تلقاه المحافظ من ممدوح سالم وزير الداخلية آنذاك، هو – كما ذكر الشيخ حافظ في كتابه المذكور –  أن الرئيس السادات يرى ألا يكون التسليم بمعرفة المحافظ، ومعنى ذلك أنه لا بأس بالتسليم، ولكن ليس عن طريق المحافظ، وإنما بواسطة القائد العسكري للمدينة، والمغزى من ذلك، كما يقول الشيخ حافظ، هو أنه :

إذا سلم المحافظ، وهو يمثل رئيس الجمهورية، فكأنَّ رئيس الجمهورية هو الذي سلَّم .. أما تسليم القائد العسكري فهو تسليم عسكري يتم كثيراً في الجيوش .. ومن هنا يتضح رأي السادات أنه قد وافق على تسليم المدينة عسكرياً لا سياسياً .

على أية حال فإن الشيخ المجاهد حافظ سلامة لم ينتظر ذلك الرد، بل بادر بمجرد علمه بالتهديد الذي وُجِّه للمحافظ بإذاعة بيان عبر مكبرات صوت مسجد الشهداء جاء فيه

لقد أرسل القائد الإسرائيلي إنذاراً إلى السيد المحافظ لتسليم المدينة في مدى نصف ساعة، وإلا قام الطيران بدكها.. وردنا على هذا الإنذار.. وهو يسمع صوتنا  بإن شعب السويس، وكل من فيها من الرجال الأبطال قد قرروا رفض هذا الإنذار، والاستمرار في المقاومة إلى آخر رجل يستشهد في سبيل الله … واعلموا أيها الجبناء أن أرض السويس الطاهرة في حاجة إلى أن تروى من دمائكم القذرة مرة ثانية .

فإن استطعتم أن تدخلوا المدينة فأهلاً وسهلاً بكم، وإلى اللقاء على أرض الصمود والاستبسال، وهكذا أبطل الشيخ رحمه الله ومعه العميد عادل إسلام ورجالهما من العسكريين والمدنيين خطط العدو، واستمرت المقاومة الباسلة لكل محاولاته في الاستيلاء على المدينة، وألحقتْ به خسائر فادحة في الأفراد والمعدات، إلى أن وصلت قوات الطوارئ الدولية في يوم 28 أكتوبر، ورد الله الذين كفروا بغيظهم ..
وتفصيل ما ذكرناه -وأكثر منه بأضعاف مضاعفة- تجده موثقاً بالصور والشهادات الحية بأقلام قادة القوات المسلحة في تلك الفترة، في كتاب الشيخ حافظ الذي أشرنا إليه : ((ملحمة السويس في حرب العاشر من رمضان))

رحم الله الشيخَ المجاهد حافظ سلامة والذي وافته المنية في العشر الآواخر من شهر رمضان المبارك العام الماضي ١٤٤٢ متأثراً بفيروس كورونا .. فاللهم ارحمه رحمة واسعة واسكنه فسيح جناتك وألحقنا به في الصالحين .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ما هي إلا كلمات لشيخنا كان يحدثني بها كل موسم عندما يأتي للحج واستقبله واحج معه منذ قرابة ٢٥ سنة تقريبا غير الذي جمعته من كتابه ملحمة السويس الذي أخذته هدية منه رحمه الله تعالى رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته.

محبكم / محمد ألماظ

PROF.  M. ALMAZ. Alshreef

 

عن Admin