الشيخ حافظ سلامة . . معركة السويس- الجزء الثاني والأخير

الشيخ حافظ سلامة . . معركة السويس- الجزء الثاني والأخير

يوميات معركة السويس

وصل الشيخ حافظ سلامة إلى السويس مساء 6 أكتوبر العاشر من رمضان -… كان الشيخ يجتمع برجاله من أعضاء جماعة الهداية الإسلامية بمسجد الشهداء ويقررون المساهمة في المعركة – بالمساعدة في تجهيز الشهداء وخدمة الجرحى. ويقررون تقديم علبة من الحلويات لكل جريح.
ويذهب الشيخ إلى المستشفى حيث يشاهد صور البطولة الإسلامية التي استطاعت أن تسحق غرور اليهود.
• فها هو جريح قد فقد ساقيه ولا يريد أن يشرب إلا بعد المغرب حتى يظل صائما ويتمني أن يعود إلى المعركة.
• وها هو جريح يرفض تناول الماء رغم عطشه حتى يلقى الله وهو صائم.
• وآخر يقود سيارته وهو جريح لينقذ أحد زملائه.
إنها روح بدر وروح المهاجرين والأنصار. إنها روح الإسلام والسلف الصالح.
واستمر الشيخ حافظ ومعه رجال جمعية الهداية يؤدون واجبهم في خدمة الجرحى حتى يوم 16 أكتوبر 1973.
ويجد الشيخ أن عدد الجرحى والشهداء قد تزايد – ويكتشف الشيخ أن السويس محاصرة وذلك في يوم 22 أكتوبر 1973 حيث إن قافلة من الجرحى قد تعرضت لضرب النيران الإسرائيلية عندما حاولت الخروج من مدينة السويس .
ويبادر الشيخ حافظ سلامة إلى العمل فورًا.. فيقوم بتوزيع المجاهدين على كمائن خشية دخول اليهود إلى المدينة ليلا (يوم 23 أكتوبر 1973).
ويقرر الشيخ أن يجعل مقر قيادة المجاهدين في مسجد الشهداء وهو مسجد أسسه الشيخ تحت اسم جماعة شباب محمد، ثم جماعة الهداية الإسلامية، وهكذا يدرك الشيخ ذلك البعد التاريخي بين المسجد والجهاد ضد اليهود.
ويأتي المحافظ في صلاة الفجر ليطلب من الناس أن يظلوا في أماكنهم وألا يتحركوا منها!
ويرفض الشيخ هذا المنطق ويقرر أنه لابد من التصدي لليهود. ويأمر الشيخ في التو الأخ المجاهد الشهيد أشرف عبد الدايم أحد أعضاء جمعية الهداية الإسلامية بأن يقوم بمحاولة سد مداخل المدينة ببعض السيارات بعد تدميرها وذلك لكي تكون كمتاريس لتعوق دخول اليهود المدينة. ويقفز الأخ أشرف كما لو كان يطير ويعود إلى الشيخ ليعطيه تمام قيامه بالمهمة.
يوم 24 أكتوبر
بدأت القوات الإسرائيلية في التحرك صوب السويس – فيما تستعد كمائن المجاهدين للعمل بعد أن أخذوا أسلحتهم من الجرحى والشهداء.
ويتصدى الكمين الأول لمجموعة من الدبابات مكونة من ثلاث عشرة دبابة ويصيب الكمين دبابة وتفر باقي الدبابات إلى داخل المدينة.
ويتصدى نفس الكمين لمجموعة أخرى من الدبابات ويصيب دبابة في مقتل ثم دبابة أخرى ثم نوباز مما يشل حركة المجموعة ويفر أفراد المجموعة إلى قسم شرطة الأربعين الذي دارت المعركة بجواره تاركين وراءهم دبابتهم.
ويتصدى الكمين الثاني والموجود فوق مقهى أبو حجازية للدبابات التي فرت من الكمين الأول.. ويصيبون دبابة منها.
ويتصدى الكمين الثالث (الموجود فوق عمارة رونكا) لنفس المجموعة من الدبابات التي فرت من الكمين الأول مما يجعلها تفر في اتجاه بورتوفيق والتي كانت ملغومة فيتم تدمير تلك الدبابات (بواسطة تلك الألغام التي زرعها أبطال الصاعقة).
وتدور معركة أخرى في حي الأربعين بين المجاهدين وبين القوات اليهودية، وكان المجاهدون بقيادة الأخ الشهيد أحمد أبو هاشم، والأخ فايز حافظ والتي أسفرت عن تدمير 6 دبابات بل وأحرقوها في أماكنها.
وتتوالى المعارك في داخل المدينة من منطقة إلى أخرى. وإذا بالقوات الإسرائيلية تأتي إلى منطقة مسجد الشهداء حيث أدركت تلك القوات أن المقاومة تنبع من المسجد. وتحاول تلك القوات محاصرة منطقة مسجد الشهداء وعمل كردون من سبعة دبابات حولها وكذلك 3 مصفحات وتستطيع مصفحة منها أن تصل إلى أول شارع الشهداء وتضرب ضربات استكشافية في المنازل بل وتستطيع أن تصل إلى مسجد الشهداء بضرباتها. وأخرى تقف في أول الشارع وثالثة تقع في مدخل شارع سعد زغلول لضرب أي تحرك نحو المحافظة.
وكان بالدبابة التي تقف أمام المسجد حوالي 8 أفراد وكان هدفها احتلال المسجد (مسجد الشهداء) بحراسة هذا الكردون من الدبابات والمصفحات.
ولكن عناية الله كانت لهم بالمرصاد فيقوم الملازم صفوت والجندي شوقي من القوات المسلحة الباسلة بضرب إحدى هذه الدبابات المحاصرة للمنطقة فإذا بهم يصيبونها – وتدرك باقي الدبابات مصدر النيران فتصوب مدافعها على المكان فيسشتهد الملازم صفوت – وينجو الجندي شوقي.
وكان أن تم فك الحصار وهروب الدبابات الإسرائيلية.
عودة إلى قسم شرطة الأربعين
بعد أن أتم الكمين الأول شل حركة الدبابات الإسرائيلية والمجموعة الثانية ودمر دبابتين منها وتوباز مما اضطر القوات الموجودة بها إلى تركها والالتجاء إلى قسم شرطة الأربعين.
و استطاع الجنود الإسرائيليون أن يحاصروا الضباط والجنود داخل خندق القسم حيث وقف جندي إسرائيلي أمام كل باب من أبواب الخندق وشهر سلاحة وطالب الموجودين بالخندق أن يلقوا أسلحتهم وأن يرفعوا أيديهم ويخرجوا. ولكن أحد الجنود الأبطال جاء من النافذة وأطلق النار على أحد الجنود اليهود مما جعل الآخر يفر.
وصعد جميع الجنود اليهود إلى الطابق الثاني من القسم..
وقام الشهيد إبراهيم محمد سليمان بمحاولة التسلق عن طريق دورة المياه للوصول إلى اليهود في الدور الثاني.. إلا أن اليهود استطاعوا أن يطلقوا عليه الرصاص فسقط شهيدا.
وقام الأخوة الشهداء إبراهيم محمد يوسف وأشرف عبد الدايم بالاشتباك مع اليهود. واستشهد الإخوان إبراهيم محمد يوسف – أشرف عبد الدايم.
وتجمع المجاهدون حول قسم الأربعين وبدءوا يضربون اليهود إلى أن حل الظلام وجاءت الطائرات الهليوكبتر وأخلتهم من القسم.
– ولقد حاول اليهود دخول المدينة لإنقاذهم ولكن المقاومة الصلبة حالت دون ذلك.
وهكذا لم يبق في المدينة جندي واحد يهودي حي – ولقد ترك اليهود خلفهم 33 جثة غير ما سحبوه معهم من الجثث (اليهود يهتمون جدا بسحب جثثهم – ألا يدل هذا على صلابة المقاومة)..
وانتهى يوم 24 أكتوبر بتدمير حوالي 18 دبابة ومصفحة
و5 عربات وقد قام بحرق هذه السيارات الأخ محمد
عبد الرحيم مع بعض العمال العاملين معه في محل تصليح كاوتش كان يملكه الأخ محمد عبد الرحيم.
ولقد استطاع الأخ محمد عبد الرحيم مهاجمة تلك السيارات وحرقها عن طريق إشعال النار فيها، ولم يكن مع الأخ ورجاله متفجرات.
يوم 25 أكتوبر
وترفض المدينة الباسلة الإنذار بالتسليم – وتتضامن القيادة العسكرية الباسلة مع المدنيين المجاهدين في رفض الإنذار اليهودي والاستمرار في الدفاع عن المدينة، وكذلك تتضافر كافة الأجهزة الطبية والتموينية ومسئولو الكهرباء والمياه في عمل كل الجهود لإبقاء المدينة صامدة.. وتستمر المقاومة..
– المقاومة تدمر 6 دبابات في صباح 25 أكتوبر.
– الشيخ حافظ يدير حركة الجهاد من مسجد الشهداء.
– أشاع اليهود عن طريق مكبرات الصوت أن المدينة قد استسلمت وأن على المدنيين والعسكريين أن يذهبوا إلى الاستاد الرياضي لتقوم القوات اليهودية بترحيلهم إلى القاهرة..
بيان تاريخي للشيخ حافظ سلامة
وهنا يتحرك الشيخ بوعي رسالى فذ ويصدر بيانا من مكبر الصوت الخاص بمسجد الشهداء.
( نداء إلى المواطنين – بعد حمد الله تبارك وتعالى والثناء عليه – والصلاة والسلام على رسول الله – إن اليهود قد أنذروا المدينة بالاستسلام وأن المدينة قد قررت رفض الإنذار (بإذن الله تعالى) ومواصلة القتال إلى آخر قطرة من دمائنا – وعلى كل فرد من أفراد المقاومة أن يظل في موقعه ويدافع إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. وما النصر
إلا من عند الله.
وهكذا استمر المقاتلون في مواقعهم – واستمرت القوات الإسرائيلية في ضرب المدينة – وبلبلة الأفكار فيها.
وإزاء هذا قام الشيخ البطل بتوجيه إنذار إلى القوات الإسرائيلية عن طريق مكبر الصوت في مسجد الشهداء. جاء فيه:
(اعلموا أيها الجبناء أننا في حاجة إلى لقائكم مرة ثانية على أرض السويس- وأن أرض السويس الطاهرة في حاجة أن تروى بدمائكم القذرة مرة ثانية – فإن استطعتم أن تدخلوا المدينة مرة ثانية فأهلا وسهلا بكم على أرض السويس ونحن في انتظاركم لنعطيكم دروسا أخرى بإذن الله تعالى).
وظل الشيخ يكرر هذا الإنذار مرارا وتكرارا.
فإذا اليهود الجبناء يوقفون إذاعتهم. وإذا بهم بعد رفض إنذارهم لا يطلقون طلقة واحدة. وألقى الله سبحانه وتعالى الرعب في قلوبهم.
وهكذا يأتي مدد الله سبحانه – للمجاهدين دائما.
﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
اليهود أدركوا أنهم أمام مقاومة إسلامية وبالتالي فلا يمكن قهرها.
– مدد الله يأتي.. المعجزات تظهر..
في القرن الرابع عشر الهجري.. تظهر معجزات مباشرة.. فدائما مدد الله سبحانه وتعالى يأتي.. ولكن بعد أن يستكمل المجاهدون بذل ما في وسعهم.. ولقد بذل المجاهدون في السويس أقصى طاقاتهم.. فجاءهم مدد الله تعالى مباشرا.
– كان بالمدينة جاراج وقد ضرب ذلك الجراج واحترقت كل السيارات الموجودة به ما عدا سيارة واحدة حفظها الله. فإذا بها محملة بالذخيرة فقد كان بها 76 صندوقا من مختلف الذخائر.
يوم 26 أكتوبر – يوم عيد الفطر مزيدا من المعجزات.
– كان هناك اتجاهان..
– الأول هو أن نصلي وأن يكون هذا تحديا لليهود.
– والثاني هو عدم الصلاة على أساس أن صلاة العيد سنة. وأن المدفعية الاسرائيلية تصل إلى المسجد والمنازل الميحطة به.
وقرر المجاهدون إقامة الصلاة. وبمكبرات الصوت.. وبدأ التكبير والتحميد وتوافدت الجماهير المسلمة إلى المسجد. لتعلن إسلاميتها ولتعلن تحديها من مسجد الله لتعلن تحديها لأعداء الله.. وكذلك جاء أفراد الجيش الثالث لأداء الصلاة وازدحم المسجد- وخارج المسجد بالمصلين.. وتتم الصلاة.. والطائرات تحوم – والمدفعية تقصف دون أن تستطيع طلقة واحدة.. أن تصيب فردا واحدا من المصلين..
الله أكبر.. لا إله إلا الله..
الله أكبر.. ولله الحمد..
الله أكبر كبيرا.. والحمد لله كثيرا.. وسبحان الله بكرة وأصيلا..
الله أكبر.. أعز جنده.. وهزم الأحزاب وحده.
لا إله إلا الله.. ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون…
ويحفظ الله المصلين.. ويحرسهم بجند من عنده.. إنها معجزة رائعة واضحة أوضح من الشمس.. لا أستطيع معها أن أكتب أي تعليق.
إنها معجزة نعجز حقا عن وصفها..
وتتصاعد الدعوات الطاهرة من القلوب المؤمنة.
ويخرج الشيخ حافظ سلامة إلى خارج المسجد ليعانق الناس فردًا فردًا وليعطي كلا منهم كعكة من كعك العيد وكوبا من الشاي، ويأتي من ينبهه إلى أن الطائرات اليهودية فوق رأسه فيقول الله أكبر الحافظ هو الله.. وأننا في رعاية الله وحفظه ولن نمس بسوء إن شاء الله تعالي..
﴿فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ حقا.. إنها أعظم اللحظات في تاريخنا المعاصر.
– يذكر بعض شهود توزيع الكعك أن الشيخ حافظ قد وزع الكعك على آلاف المصلين من أهالي السويس ومن جنود الجيش الثالث من صندوق كان معه، ويستعجبون كيف لم ينفذ ذلك الصندوق..
ويرددن أنها بركة من الله..
– لا شك أن صلاة العيد كانت عملا مذهلا. فقد أصبحت السويس بعدها والجيش الثالث تملك روحا معنوية هائلة. ولم تعد قابلة للهزيمة على الإطلاق.
– ولم ينس الشيخ المجاهد.. رجاله المجاهدين في مواقعهم فأرسل لهم النقيب البطل حسن أسامة بكعك العيد.. وتهنئة الشيخ.
هدية العيد من الله
– أمام مدرسة التجارة الثانوية يشتبك المجاهدون مع الدبابات الإسرائيلية ويصاب سور المدرسة ويسقط شهيد.
– عند مصنع الأزرار يشتبك كمين من المجاهدين مع الدبابات الإسرائيلية ويسقط شهيد آخر.
– عند بابور المياه يشتبك المجاهدون مع دبابة كانت تريد اقتحام وابور المياه واحتلاله. فيدمرها المجاهدون…
وهكذا كانت هدية العيد من الله للمجاهدين 6 دبابات.
وظل المجاهدون يقاومون إلى أن يئس العدو فأرسل الصواريخ وطلقات المدفعية دون جدوى.
وهكذا كانت حصيلة المعارك 32 دبابة ومصفحة و5 سيارات تحمل إمدادا ولم يستطع اليهود دخول المدينة.. بفضل الله تبارك وتعالى..
قوات الطوارئ الدولية تأتي.
– أعطى الشيخ تعليماته بعدم التعرض لقوات الطوارئ الدولية فما كان من العدو الغادر إلا أن تسلل من خلال قوات الطوارئ ويتقدم نحو المدينة تحت علم قوات الطوارئ الدولية.
ودخل اليهود من منطقة المثلث تحت هذا الستار (القوات الدولية) وكان على الشيخ أن يتحرك. وأعطى تعليماته أن يتصدى المجاهدون لأية قوة تحمل سلاحا.
فقام المجاهدون بالتصدي لليهود في منطقة الرفيات وأجبروهم على الفرار.
وتستمر المدينة في الصمود.. برغم حصار الجوع والعطش وبرغم ضرب المدفعية المستمر مع وجود قوات الطوارئ…
وكان المجاهدون يقومون بغارات على اليهود في أطراف المدينة.. حتى صرخ اليهود ولعنوا جولدا مائير.
المدينة تصمد للحصار
– قام اليهود بمنع المياه وذلك بقطع الترعة الحلوة عن المدينة.. ولكن عناية الله أكبر..
وتشح المياه تماما حتى أنه لا توجد مياه لغسل دورة مياه المسجد، ويشاء الله سبحانه أن يوفق الشيخ حافظ والشيخ عبد الله رضا (أحد المجاهدين الصامدين – وهو أحد الوعاظ الشرفاء)… فيقوم الشيخ عبد الله رضا بحفر بئر أمام المسجد على أساس الحصول على مياه مالحة لتنظيف دوره المياه بها ويشاء الله سبحانه أن تخرج المياه عذبة – وتشرب المدينة الباسلة… إنه مدد الله سبحانه…
سكر وفاتحة
ويأتي إلى الشيخ حافظ أحد رجال السويس وهو الحاج مبارك (90 سنة) ويخبر الشيخ أن هناك بئر قديمة اسمها بئر سيدي المدبولي، وأن هذه البئر كانت تستخرج منها المياه بعد قراءة الفاتحة..
وذهب الشيخ إلى البئر وقرأ الفاتحة وإذا بالمياه تتدفق – فتتغذى المدينة – وتغذي الجيش المحاصر بسيناء.. واستمر تدفق المياه حتى نهاية الحصار..
حصار الجوع
وتصمد المدينة للجوع – فكان تعيين كل فرد نصف كيلو سكر، وعلبة بولبيف وعلبة سردين وعلبة باميا.. وهذا تعيين الفرد لمدة 20 يوما.
وكانت روح الإيثار تظهر – فكان كل عشرة يشاركون في علبة واحدة ليوم كامل – ومعها رغيف خبز واحد لكل منهم.
وهكذا استطاع المسجد (مسجد الشهداء) أن يشرف على صمود المدينة للجوع..
ولكن من أين يأتي السولار لإدارة المخابز.. إنه مدد الله..
ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يترك أحد الجنود سيارته المحملة بالسولار داخل أحد الحواري بالمدينة (خشية إصابتها بالطيران) ويقوم المجاهدون بالاستفادة منها وتوزيعها على المخابز – لتقوم بخبز حاجات المدينة..
وهكذا كان الله دائما مع المجاهدين..
واستمر صمود السويس.. وصمود الجيش المحاصر.. ليشكلا معا ملحمة إسلامية رائعة – وليفسدا معا طبخة كيسنجر اليهودي..
وهكذا فإن صمود السويس يشكل حلقة رائعة من حلقات الصمود العظيم على خط الإسلام الحنيف في مواجهة آخر حلقات التآمر الشيطاني وليثبت:
– كيف أن المسجد يلعب دورا في قيادة حركة الجماهير المسلمة والمجاهدة.
– وكيف كان المسجد يلعب دوره في التصدي للتضليل اليهودي ومنع استسلام المدينة.
– وكيف كان المسجد: مقر قيادة قوات المجاهدين والمقاومة بالسويس.
– وكيف كان الشيخ حافظ ذلك المجاهد الذي قاتل اليهود 1944، 1948 والإنجليز 1951 كيف كان ذلك الشيخ هو القيادة الطبيعية للجماهير المسلمة.. التي التفت حوله لتعلن بوضوح أن القيادات الإسلامية الرسالية وحدها هي القادرة على مجابهة التحدي وتحريك الجماهير.
– وكيف كان الإسلام – والإسلام وحده هو الإطار الصحيح للتحدي، وكيف كانت الطاقات الهائلة تنفجر من خلال ذلك الدين المكافح.
– وكيف أن “الإسلامية – حرب التحرير الشعبية” هي الشعار الصحيح الذي ما إن تمارسة الجماهير حتى تخر الصهيونية راكعة ومدركة عدم قدرتها على مواجهته.
– وكيف أن مدد الله تعالى دائما يأتي للمجاهدين.. انظر تفجر المياه العذبة والعربة المحملة بالسولار.. وكذلك احتراق كل السيارات ما عدا السيارة المحملة بالذخائر.. إنه مدد الله..
– وكيف أن الرعب يصيب اليهود بمجرد الاحتكاك بالجماهير المسلمة..
– وكيف أن الفتية المسلمين.. قد شاركوا في المعركة.. وذلك بمد المجاهدين بالذخائر.. شباب في سن 12 – 14 عامًا في المرحلة الإعدادية..
– كيف حاولت الأجهزة العلمانية – والسلطة السياسية – وجميع  القوى السياسية الحاكمة أن تتجاهل معارك السويس.. وشهداء جماعة الهداية الإسلامية وبطولة الشيخ حافظ سلامة.. حيث إن هذا يسقط كل قناعاتهم الفكرية وفلسفاتهم العلمانية الهشة يمينية – ويسارية. كما أن هذا الإطار يفسد كل حلول التسوية التي تؤمن بها تلك الجهات العلمانية المهادنة.
حقًا وما النصر إلا من عند الله..

قصة الشيخ حافظ مع المحافظ

في يوم 25 أكتوبر 1973 تقدمت إسرائيل بإنذار إلى مدينة السويس وكان الإنذار عبارة عن تهديد بدك المدينة من الجو وبالمدفعية الثقيلة والدبابات الإسرائيلية على مشارف المدينة.. وقرر المحافظ وفقا لحساباته الخاصة تسليم المدينة.. ونما الخبر إلى علم الشيخ حافظ فقرر أن يتحرك بسرعة. واتصل الشيخ حافظ بالحاكم العسكري للمدينة وعقد اجتماعا في مقر جمعية الهداية بالدور الثاني في مسجد الشهداء.
وعرض الحاكم العسكري على الشيخ حافظ قرار المحافظ بالتسليم ورفض الشيخ حافظ بشدة. وكما يروي الشيخ حافظ بأن المحافظ اتصل بالحاكم العسكري أثناء وجوده مع الشيخ في مقر جمعية الهداية ودار حوار بين الحاكم العسكري وبين المحافظ. وقال المحافظ للحاكم العسكري لماذا لم تجهز الرايات البيضاء إنه لم يبق على موعد التسليم سوى ساعة، ورد الحاكم العسكري على المحافظ بأن الشيخ حافظ يرفض التسليم، وتعجب المحافظ وهل الشيخ حافظ مدني أم عسكري؟ هل هو القائد أم أنا؟ هل أنت تنفذ أوامري أم تنفذ أوامر الشيخ حافظ؟ ولماذا أصلا تجلس مع الشيخ حافظ؟ ورد الحاكم العسكري على المحافظ بأن هذه المعركة معركة مع اليهود وبالتالي فإن رجال الدين مثل الشيخ حافظ يجب أن نأخذ رأيهم.
ويروي الشيخ حافظ: وهنا انفعل المحافظ وقال له نفذ الأوامر ولكن الحاكم العسكري قال: حسنا اعطني عشر دقائق وسوف اتصل بك.
ووضع الحاكم العسكري سماعة التليفون والتفت الشيخ حافظ إلى الحاكم العسكري وقال له لن نسلم مهما كان الأمر ومهما كانت الظروف. وحدث نقاش بين الشيخ حافظ والحاكم العسكري حاول الحاكم العسكري أن يشرح للشيخ حافظ كيف أن المدينة مهددة بالتدمير. وكيف أن الأمور التموينية سيئة للغاية.
ورد الشيخ حافظ على الحاكم العسكري بأن المدينة تتعرض للتدمير منذ ست سنوات فلنجعلها ست سنوات وأيام، وأن المدينة تتعرض للقصف بالطيران وبالمدفعية منذ 1967. فما الداعي للخوف من القصف. وبالنسبة للمواد التموينية فمتى كان المسلمون يخافون حصار الجوع.
وكما يروي الشيخ حافظ فإن الحاكم العسكري للمدينة كان رجلا شجاعا. كان قلبه مع الشيخ حافظ. كان مع عدم التسليم والمقاومة حتى آخر رجل.
واتصل الشيخ حافظ بمدير التموين الذي أعلن بشجاعة نادرة أنه سوف يتكفل بأمر التموين وسينجح إن شاء الله.
وهنا اتصل الحاكم العسكري بالمحافظ وأخبره بأن الرأي قد استقر على عدم التسليم. وأسقط في يد المحافظ.
في ذلك الوقت كانت مكبرات الصوت التابعة للمحافظة تعلن للناس أن المدينة قررت الاستسلام وأن على الناس أن يذهبوا إلى الاستاد.
ولكن حركة الشيخ مع كل من الحاكم العسكري ومدير التموين استطاعت أن توقف أثر هذه المكبرات التابعة للمحافظ وأمسك الشيخ مكبر الصوت الخاص بالمسجد وأعلن أن المدينة لن تستسلم وأن الشيخ حافظ مسئول عن كل المدنيين والعسكريين في المدينة..
وذهب المحافظ كما يروي الشيخ إلى أحد البيوت ليقبع فيه مكتفيا بشرب العصير المثلج في الوقت الذي راح فيه الشيخ حافظ والحاكم العسكري ومدير التموين يعدون العدة للمقاومة.
واستمرت المقاومة الباسلة. ولم تستسلم المدينة.
معجزة أخرى
كان الشهيد إبراهيم سليمان قد أوصى بأن يصلي عليه الشيخ حافظ شخصيا وأن يقوم الشيخ أيضًا بدفنه ولكن حالت ظروف المعركة دون ذلك.
بعد المعركة بحوالي العام كان قد تقرر نقل جثث الشهداء إلى مكان آخر. وجاء الشيخ ومعه مجموعة من الرجال ليقوموا بنقل الجثث. وكانت المفاجأة التي أذهلت الجميع.. لقد وجدت جثة الشهيد كما هي دون أن تتحلل. كان الشهيد كما يروي الشيخ ما زال مبتسما برغم مرور عام على وفاته. كانت رائحة أطيب من المسك تنبعث منه.
ونادى الشيخ على كل الحاضرين. هل تذكرون وصية الشهيد؟ قالوا نعم نذكر أنه قد أوصى بأن تقوم أنت بالصلاة علية ودفنه، وقال ها هو جثمانه ما زال كما هو لم يتحلل. إنه ينتظر أن نوفي بوصيته، وقام الشيخ بالصلاة عليه ودفنه في المكان الجديد. وهكذا أراد الله لوصية الشهيد أن تتحقق.

عن marsad

اترك تعليقاً