د. شوقي الميموني

زرت عرين الأسود 3/3

د. شوقي الميموني

 

بقلم د. شوقي الميموني

 

في بداية مقالي هذا وهو الثالث والأخير الذي أتحدث فيه عن زيارتنا لجبهات مراد، أحببت ان أوضح لكم ان ما أكتبه ليس لمجرد متعة قراءة قصص سردية لأحداث استثنائية فقط، بل أحاول من خلال مقالاتي هذه أن أنقل لكم تجربة حية عشتها شخصياً ولامست أحداثها عن قرب وأعكس لكم صورة طبق الأصل لما يعيشه المرابطين في جبهات القتال،  وما يلاقونه من المعاناة والمشاق وكيف يبذلون أرواحهم ثمناً لكي يحمو العقيدة والدين والأرض والعرض.

وما الأمن والأمان والاستقرار والسكينة وراحة البال الذي يعيشه الناس في المناطق المحررة وخاصة محافظة مأرب الا بفضل الله ثم بفضل أولئك الأسود المرابطين في الصحاري والوديان وأعالي الجبال في مختلف الجبهات والثغور.

 نعود لسرد الأحداث الأخيرة من زيارتنا..

كانت المهمة تتطلب مني التوجه لزيارة جبهة أخرى حسب جدول الزيارة الذي تم إعداده من قبل الفريق بمساعدة قائد الجبهة، كلف قائد الحبهة من يقلني إلى وجهتي، تقدم إلي أحد الأسود المكلف بنقلي دققت فيه، كان يلبس جاكيت صوف (نطلق عليه في صنعاء كرك) وشعره طويل جداً يتدلى من تحت الشال الذي يغطي رأسه، من خلال هيئته لو رآه أحد أفراد العدو لولى هارباً لا ينظر خلفه، وفي الطريق تجاذبت معه أطراف الحديث فإذا بي أجده شخصاً واعياً مثقفاً مدركاً يناقش ويحلل ويحدد المشكلة وأسبابها والحلول اللازمة، يحمل قلب أسد لكنه في المقابل شاب لطيف ودود يؤلف بسهولة وهذا الأسد تقريباً صورة لكل الأسود المرابطين في تلك الجبهات.

كانت الطريق أكثر وعورة من سابقتها حتى أنني من هول ما أشاهد كنت أقول في نفسي سنضطر للتوقف هنا ثم نصعد على الأقدام وإذا بصاحبي منصور يصعد بالطقم يقوده بحرفية عالية كأن للطقم مخالب تتشبث بالصخور تحمله حتى يصل الى القمة، وصلنا الى مكان ما في تلك الجبهة ثم توقفنا، كانت الساعه في تلك اللحظة تشير إلى الثالثة فجراً، كان في استقبالنا هناك قائد عام جبهات مراد العميد محمد احمد الحليسي حينما رأيته وجدت فيه اختصاراً لتاريخ مراد،  سلمنا عليه وسلم علينا، ورحب بنا وشكر القائمين على مؤسسة وطن لتبنيهم هذه المبادرة التي تعكس تلاحم المجتمع مع المقاتلين في الجبهات، من خلال نقاشنا معه تجد في حديثه إباء وآنفة وإصرار شديد للقضاء على المشروع الإيراني في اليمن.

توحهنا بعدها لمواقع الأسود كانت من أصعب الجبهات وعورة، حينما كنت أشاهد الجبال والوديان التي عليها مواقع الأسود (الخطوط الأمامية المواجهة للعدو مباشرة) كنت أقول في نفسي سبحان من أودع الصبر في قلوب هؤلاء ليواجهوا الأعداء في ظل هذه التضاريس الشاقة والأجواء الممطرة الباردة، لكنه الله الذي هيأ هؤلاء للدفاع عن الدين والوطن.

أما الفريق الآخر المكلف بزيارة رحبة وبقثه وبلاد قيفة والمشيريف وغيرها من مواقع وجبهات الأسود هناك فحكايتهم مختلفة وتجربتهم مثيرة أكثر، فبعد أن افترقنا الليلة الماضية كانت رحلتهم شاقة لأن الطريق أكثر تعقيداً ووعورة من الذي سرنا فيها، اضطروا للانتظار في منتصف الطريق لأن الوديان وَالشعاب أمامهم ملئت بالسيول المتدفقة من أعالي الجبال، ظلوا في مدرسة كانت على طريقهم حتى صلاة الفجر وبعد الصلاة واصلوا مسيرهم بصعوبة بالغة حتى وصلوا مركز مديرية رحبة ثم استقلوا الوسائل الخاصة المعدة لهم باتجاه المواقع الأمامية كانت المعارك في تلك المناطق مشتعلة ودخلوا في مناطق صعبة، الاشتباكات فيها كانت مستمرة والرصاص عن يمينهم وشمالهم فاضطروا للنزول من الاطقم والمشي على الأقدام، لقد عانوا معاناة شديدة حتى وصلوا إلى المواقع الأمامية للأسود، بدأوا مباشرة بالتوزيع تحت المطر والرصاص، وبعد أن انتهوا من التوزيع في جبهات رحبة توجهوا إلى المواقع التي تقع في بلاد قيفه المشيريف وتفاجأوا بأن اكثر المواقع هناك يصعب الوصول إليها الا عبر الوديان الممتلئة بالسيول فاضطروا لقطعها على أقدامهم والسيول تغمر أجزاء كبيرة من أجسامهم والعدو أمامهم لو لاحظهم لما تردد في إطلاق النار عليهم، كل هذا من أجل أن يوصلوا الرسالة التي بحوزتهم إلى الأسود في تلك الجبهات ويشعروهم أن المجتمع بكل فئاته وأطيافه يقف خلفهم ويساندهم، بعد ما أنهوا مهمتهم بنجاح عادوا كما ذهبوا من خلال الوديان المليئة بالسيول.

بعد عصر ذلك اليوم توجهوا إلى وادي بقثه كانت الطريق مثل سابقتها وكانت الاشتباكات مستمرة فترجلوا بعيداً وواصلوا طريقهم مشياً على الأقدام حتى وصلوا إلى الأسود في المواقع الأمامية وأوصلوا رسالتهم وعادوا بسلامة الله الى المواقع الخلفية.

من المشاهدات التي شاهدوها في مديرية رحبه، شاهدوا بيت فخم مبني من الرخام سألوا من صاحب البيت؟ قالوا لشخص كان يدّعي انه المهدي المنتظر وأنه يتنزل عليه الوحي، ولأن الحوثي يشجع مثل تلك الخرافات كان يعيش أيام سيطرة الحوثي في بيته ويمارس دجله وكذبه تحت حمايتهم، ولما سيطرت قوات الجيش الوطني والقبائل المساندة لها على تلك المناطق فر هارباً إلى صنعاء.

وشاهدوا أيضا منزل لا يقل فخامة عن الذي قبله فسألوا عن صاحبه قالوا أنه منزل مدير المديرية الحوثي أيضاً بعد وصول قوات الشرعية فر مع صاحبه (المهدي المنتظر) ههههه الى صنعاء.

من المواقف التي استوقفتني أنه إذا نسينا أحد المرابطين ولم نصل اليه يرفض إخوانه المرابطين استلام هديتهم حتى يستلم صاحبهم.

الموقف الثاني.. كنا راصدين لأحد الجبهات عدد معين من الظروف كل ظرف منها يعطى لمرابط واحد ( بداخل الظرف مبلغ عشرون ألف) لكن وقت التوزيع اتضح أن أعداد الأسود في تلك الجبهة أكثر من عدد الظروف فاحترنا ماذا نعمل؟ قالو ليست مشكلة نجمع المبالغ التي في الظروف ثم نقسم المبلغ بيننا بالسوية، نفوس كبيرة (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، وهذه صفات قلما تجدها خارج رفاق السلاح.

موقف آخر: في أحد الجبهات طلب الأسود من الفريق المكلف بالتوزيع إعطاء امرأة عجوز تسكن في بيت قريب من الجبهة مثل ما نعطيهم ! سألوهم لماذا؟ قالوا: لأنها تصنع لهم الطعام يومياً من تلقاء نفسها فذهبوا إليها وأعطوها وشكروها.

وفي الأخير: أرجو من الله أن أكون قد وفقت.. وأنقل لكم صورة وجزء مما يعيشه المرابطون في الجبهات خلال حياتهم اليومية، فان أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد

عن Admin