هل حشر الرسول طوابير العباد للركوع له؟ طقوس البيعة والولاء للملك “مذلة

هل حشر الرسول طوابير العباد للركوع له؟ طقوس البيعة والولاء للملك “مذلة

عبد الفتاح الحدادي – العرائش- شبكة المرصد الإخبارية

شهد المغرب موجة احتجاجات واسعة واعتقالات كثيرة في صفوف الرافضين لطقوس حفل بيعة الولاء، الذي أثارت جدلا واسعا في المغرب، وانتقدتها فعاليات سياسية، وأخرى تنتمي إلى الحقل الديني غير الرسمي، باعتبار أنها “مُهينة وتحط من الكرامة الإنسانية”، حيث أجبر المئات من الولاة والعُمال والمُنتخبين في ساحة القصر الملكي، تحت أشعة الشمس من أجل تأدية مراسيم حفل الولاء بمناسبة الذكرى الـ13 لتربع الملك محمد السادس على العرش، بعدما تم تأجيلها، حيث كان مقررا تنظيمه في رمضان بسبب مصادفته للشهر الكريم إلى اليوم الذي يخلد فيه المغرب عيد الميلاد التاسع والأربعين للملك.
أثارت قضية ما بات يعرف ببيعة الولاء للملك المغربي محمد السادس، جدلا واسعا في الرباط، وسط رفض الكثيرين للبيعة بهذا الشكل، حيث يركع المبايعون لملكهم ثلاث مرات، كما شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات والاعتقالات وسط الرافضين لطقوس الركوع للملك .
وشوهد الحاضرون بجلابيبهم البيضاء الرسمية، يقفون متسمرين في انتظار أن تُفتح الأبواب التي تطل على ساحة القصر للركوع للملك، الذي يدخل ممتطيا جواده يرافقه خدم القصر الذي يحمل أحدهم مظلة كبيرة تغطي رأس الملك، وسط إطلاق المدفعية والموسيقى العسكرية، ليتقدم بعد ذلك ممثلو مختلف الأقاليم في البلاد لتأدية طقوس حفل الولاء، من خلال الركوع للملك ثلاث مرات احتراما وإجلالا له.
وقد دعا نشطاء مغربيون إلى في المغرب احتجاجا على طقوس حفل الولاء والبيعة للملك محمد السادس
وأطلق ناشطون مغربيون دعوات على موقع التواصل “فيسبوك”، للتظاهر في معظم مدن المملكة خاصة مدينتي الرباط وتطوان، احتجاجا على طقوس حفل الولاء والبيعة للملك محمد السادس المقررة في نفس اليوم بالرباط.
وقال الناشطون في دعوتهم الجماعية على فيسبوك إنه “قد تحقق هذا العام قدر كبير من الإجماع حول رفض النخب المستقلة من الشعب لحفل الولاء والبيعة للملك، وأنهم سيجددون ولاءهم للشعب ولتذهب ممارسات العصور السحيقة إلى العدم”.
ويأتي التركيز على الرباط وتطوان لكون الأولى هي عاصمة المملكة التي ستشهد حفل الولاء لهذا العام، بينما تم التركيز على الثانية لكونها هي من شهدت نسخة حفل السنة الماضية التي نُظمت بالتزامن مع أجواء احتجاجية دعت إليها حركة 20 فبراير.
من جهتها، انتقدت جماعة العدل والإحسان بحدة طقوس حفل الولاء الذي ترأسه الملك محمد السادس، الثلاثاء، ووصفتها ـ في موقعها الإلكتروني الرسمي على الانترنت ـ بالطقوس “المذلة” التي تمسك بها “دهاقنة الحكم” في المغرب، من خلال حشد “المسوغات الواهية ما لا يسنده شرع ولا يقبله عقل وتمجه الفطرة السليمة”، متسائلة “متى كان نظام، هو في نظر المبشرين بـ”أفضاله” أشبه بخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم! ـ وأنى له ذلك ـ يحتكر الثروة والسلطة؟ فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستثمر في أقوات العباد؟ وهل راكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثروات ليصنف ضمن أغنى أغنياء العالم؟ وهل أخضع الرسول صلى الله عليه وسلم العباد لشخصه، فحُشروا طوابير يؤدون فروض الطاعة انحناءً وركوعا وخضوعا!”.
ورأت الحركة بأن “الأمر أكبر من طقوس، يُراد اختزال الاستبداد فيها دهاءً ومكرا، قد تفضي بهم سياسة الانحناء المؤقت للعاصفة إلى بعض التعديل فيها احتواءً والتفافا على غضب شعبي يتنامى باضطراد، احتجاجا على مصادرة إرادته وحقه في اختيار من يحكمه على قاعدة اقتران المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة، وعلى سوء تدبير شأنه العام”، واستطردت جماعة الشيخ عبد السلام ياسين بأن “جوهر الأمر أن هناك نظاما مستبدا محتكرا لأهم السلط ومتلاعبا بالدين، ومستحوذا على جل الثروة، مهما لبس من لبوس أو تسمى بمسميات، وما ينبغي أن تلهي معارك الشكليات والمسميات، مهما كانت أهميتها، عن ذلكم الجوهر”.
وخلصت الجماعة إلى كون المغرب لم يشذ عن قاعدة الثورات العربية، لأن “ليس في سنن الله تعالى استثناء، بل هي مشيئة الله تتنزل بصور مختلفة تؤول إلى نفس الغاية: أفول نجم الاستبداد وبزوغ عهد التحرر والانعتاق”.

ويثير حفل الولاء السنوي لملك المغرب في ذكرى جلوسه على العرش جدلا بين الذين يؤيدون طقوس هذه المراسم والمطالبين بتجديدها انسجاما مع الدستور الجديد. ووقعت مئة شخصية وشخصية مغربية من عدة انتماءات بيانا طالبت فيه بـ”اصدار قرار رسمي يضع حدا لهذه الطقوس التي تتنافى مع قيم المواطنة وتلحق أضرارا جسيمة بسمعة البلاد”.
وحاول عشرات من الناشطين أمس الاربعاء اقامة حفل رمزي امام البرلمان المغربي للاحتجاج على ما يصفونه بـ”الطقوس التي تحط من كرامة الانسان” والمتمثلة في ركوع صفوف المسؤولين امام الملك وهو ممتط جوادا يوم حفل الولاء. لكن الشرطة عمدت الى تفريقهم بالقوة بينما تعرض الصحافيون الذين حاولوا تغطية ما جرى للضرب والكلام النابي من طرف عناصر الأمن.
وجاء البيان وتجمع الناشطين غداة حفل الولاء للملك محمد السادس في القصر الملكي في الرباط مساء الثلاثاء بحضور كبار المسؤولين والوزراء والموظفين التابعين لوزارة الداخلية المغربية. ويعتبر منتقدو طقوس حفل الولاء، ان اصطفاف عشرات النواب والمسؤولين وكبار الموظفين والأعيان في صفوف طويلة قبالة الملك والتناوب في الركوع له مرددين عبارة “اللهم بارك في عمر سيدي”، أمرا “مهينا للكرامة الانسانية” ولا يفيد صورة المغرب. وتعليقا على حفل الولاء، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية الاسلامي الذي يقود التحالف الحكومي، عبد العالي حامي الدين: “لا شيء يلزمنا باقامة حفل الولاء كل سنة، والملك ليس في حاجة الى تلك الطقوس المهينة للكرامة الانسانية لكسب الاحترام”. واضاف: “لذا وجب التخلي عن تلك الطقوس كي لا نتناقض مع خطاب الحداثة السياسية الذي نرفعه ومقتضيات الدستور الجديد”. واكد على ان وزراء الحكومة “لم يركعوا للملك خلال الحفل وادوا تحية عادية” خلافا للولاة والعمال وموظفي وزارة الداخلية الذي أدوا الطقس بتفاصيله. وشدد على ان “لا انقسام داخل حزبه حول رفض اداء تلك الطقوس”.
وتحدثت معظم الصحف المغربية الخميس عن “تقليص مدة الانتظار” قبل أداء الطقوس والركوع للملك. واشارت ايضا الى ان اعضاء الحكومة الاسلامية انحنوا انحناءة بسيطة لالقاء التحية على الملك بدل الركوع المعتاد، معتبرة انه “تخفيف لمراسم الحفل”.
وكان أربعة من وزراء حزب العدالة والتنمية الاسلامي في الحكومة الحالية من ضمن 166 شخصية، وقعوا على بيان باسم “التغيير الذي نريد” في 30 آذار (مارس) 2011 في اوج الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح السياسي. ومن بين بنود هذا البيان الدعوة الى “الغاء كافة المراسم والتقاليد والطقوس المخزنية المهينة والحاطة من الكرامة”.
اما “بيان الكرامة” الذي وقعته مئة شخصية وشخصية مغربية من عدة انتماءات، فقد اكد على ان “التعاقد بين الشعب والدولة يأخذ في البلدان الديمقراطية شكل دستور ديمقراطي يزكيه الشعب عبر استفتاء حر ونزيه، بما يجعل منه عقدا يؤسس لشرعية النظام والدولة”. ووقع البيان محامون وحقوقيون ونشطاء في حركة 20 فبراير الاحتجاجية وسياسيون اغلبهم من اليسار، اضافة الى أعضاء من حزب العدالة والتنمية الاسلامي الذي يقود التحالف الحكومي الحالي، من بينهم أحد برلمانيي الحزب.
وكان رئيس الحكومة المغربية عبد الاله ابن كيران قال في برنامج على التلفزيون الرسمي: “لن اقبل يد الملك ان التقيته كما اني لن اسلم عليه كصديق لأنه هو الملك”. واضاف: “اما حفل الولاء الذي نحضره فيجب التراجع عنه لأننا في القرن 21 وحتى ننسجم مع العصر ومع مطالب شباب 20 فبراير ومطالب حزب العدالة والتنمية”.
لكن وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية في حكومة ابن كيران، احمد التوفيق شبه في تصريح للتلفزيون الرسمي حفل الولاء للملك بـ”بيعة الرضوان” المعروفة في التاريخ الاسلامي عندما اخذ النبي محمد عهدا من المسلمين تحت شجرة في الحديبية بالا يفروا حين ملاقاتهم للعدو. وانتقدت جماعة العدال والاحسان الاسلامية المحظورة في المغرب في مقال على موقعها الاليكتروني، هذا التشبيه. وتسائلة: “متى كان نظام هو في نظر المبشرين (بافضاله) أشبه بخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم، يحتكر الثروة والسلطة؟”. واضافت: “هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستثمر في اقوات العباد؟ وهل راكم الثروات ليصنف ضمن اغنى اغنياء العالم؟ وهل اخضع العباد لشخصه، وهو اكرم خلق الله، فحشروا طوابير يؤدون فروض الطاعة انحناء وركوعا وخضوعا؟”.
من جانبها قالت وداد ملحاف وهي احدى الناشطات التي حاولت المشاركة في الحفل الرمزي الأربعاء، “أضحكنا العالم فينا (علينا) بهذه الطقوس المهينة”، متسائلة: “الا يقول الملك لنفسه حين يضع رأسه على وسادة النوم انها طقوس اكل عليها الدهر وشرب؟”. وتابعت ردا على المدافعين عن تقاليد وطقوس حفل الولاء “مهما حاولتم تبرير الأمر بكونه تقاليد عريقة الامر مناف للصواب”. واشارت الى ان “الملك عندما اراد التخلص من مثل تلك الطقوس البالية تزوج امرأة من عموم الشعب واظهرها على التلفزيون وفي بعض الأنشطة”، مؤكدة على انها “مسألة ارادة لا اقل ولا اكثر”.
اما الملك محمد السادس فقد نفى في حوار لمجلة “باري ماتش” الفرنسية في 2004 ان يكون غير البروتوكول الملكي، مؤكدا انه “ارث ثمين من الماضي”. وقال: “اشيع كما لو انني غيرت ما كان قائما بعض الشيء وهذا خطأ لأن الأسلوب مختلف”. واضاف ان “للبروتوكول المغربي خصوصيته (…) وانا حريص على المحافظة على دقته وعلى كل قواعده”. وتابع: “غير انه يجب على البروتوكول ان يتماشى مع اسلوبي. ولدت وترعرعت ضمن هذه التقاليد البروتوكولية وهي تمثل جزءا لا يتجزأ من كياني، وخاصة من حياتي المهنية التي تظل هذه التقاليد مقرونة بها”.
وتندرج مراسم حفل الولاء ضمن ما عرف لدى المغاربة بتقليد “دار المخزن” اي مظاهر حياة العائلة الملكية وخدمها داخل القصور، وبعض ما يعرضه التلفزيون الرسمي في المناسبات الرسمية. لكن معظم جوانبها يبقى مجهولا لدى عامة المغاربة بسبب طابع السرية التي يلفها.
وتكلف الملكية في المغرب للحفاظ على تقاليدها وطقوسها ما يقارب 1400 من الخدم موزعين على اكثر من عشرة قصور واقامات داخل المغرب وخارجه يخصص لهم من ميزانية الدولة سنويا، حسب أرقام نشرتها الصحافة المغربية، 2.56 مليار درهم (232 مليون يورو).

عن marsad

اترك تعليقاً