الشيخ حافظ سلامة . . معركة السويس – الجزء الأول

الشيخ حافظ سلامة . . معركة السويس

مقدمة
في البداية نود أن نوضح أمرًا في غاية الخطورة.. وهو التعتيم الإعلامي الرهيب على معركة السويس برغم أهميتها التاريخية والعسكرية والاستراتيجية على كل المستويات، ألا يوحي هذا باستمرار القوى الشيطانية في محاولة سحب أي وعي أو عزة لدى الجماهير.. عن طريق طمس معالم البطولة في تاريخنا المعاصر.. إن هذا ليس أمرًا غريبًا ولكنه مقصود لذاته.
إن معركة السويس هي آخر مراحل الصراع بين القوى الشيطانية والقوى الإسلامية.
• قلنا دائما إن التاريخ هو سلسلة من الصراع بين القوى الشيطانية بما تمثله من استبداد سياسي وظلم اقتصادي وانحراف اجتماعي وبين القوى الإسلامية بما تمثله من حرية وعدالة واستقامة وبما تحمله من رسالة نحو العالم.. رسالة التحرير والتطوير.
• تحرير الإنسان من الاستبداد السياسي.. والظلم الاقتصادي والتوجيهات الاجتماعية المنحرفة.
• ولقد تطور ذلك الصراع بعد بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حلقات متواصلة تمثلث بصورة رئيسية في عدة مراحل أهمها:
• الصراع ضد الرسول ذاته وضد حركة الجماعة الإسلامية الأولى.
• الصراع بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم في محاولة لإرساء معالم إسلام عشائري وطبقي بديلا عن الإسلام المحمدي.
• الحروب الصليبية: واستهدفت الكيان العسكري للأمة.
• الاستعمار والصهيونية (وهذه المرحلة ما زلنا نعيشها) وهي تستهدف وعي الجماهير المسلمة تمهيدا لضرب الأمة الضربة القاضية بما أن الجماهير المسلمة هي المعقل الأخير والقوي للإسلام.
وهكذا فإن تاريخنا المعاصر هو سلسلة من الصراع الدامي والمتسع بين الجماهير المسلمة وبين القوى الشيطانية (الاستعمار – الصهيونية – القوى العميلة).
ولقد تنوع ذلك الصراع فشمل كل الميادين:
1- الميدان العسكري: (الحملة الفرنسية – حملة فريزر – الاحتلال الإنجليزي – وأخيرا الحروب ضد إسرائيل)..
2- الميدان الثقافي: نشر القيم الغربية من رأسمالية وشيوعية واشتراكية وفلسفات منحلة، وجودية- وعبثية – ومدارس فن مختلفة (العلمانية عموما).
3- الميدان السياسي: إقامة أنظمة حكم تمنع الجماهير من ممارسة حرياتها ومواجهة التحدي الاستعماري الصهيوني.
4- إفساد الحياة الاجتماعية: عبر الموضة والمفاهيم المدمرة للزواج وغيرها، والعلاقة بين الرجل والمرأة.
ولقد ردت الجماهير المسلمة على ذلك.

في مواجهة التحدي العسكري.
الحملة الفرنسية
ثورة القاهرة الأولى – ثورة القاهرة الثانية . اغتيال كليبر – المقاومة الشعبية المستمرة (محمد كريم – عمر مكرم) .
حملة فريزر
حرب الجماهير المسلمة بقيادة عمر مكرم في رشيد ودحر القوات الإنجليزية.
الاحتلال الانجليزي
تصدي الجماهير المسلمة بقيادة عرابي – وعبد الله النديم – جمال الدين الأفغاني – ثم استمرار ذلك الخط على يد مصطفى كامل – محمد فريد – حسن البنا.
الغزو الصهيوني
ثورة 1920 ، ثورة 1933 في فلسطين – ثورة الشيخ عز الدين القسام 1935 ، ثورة 1936 (فوزي  القاوقجي – محمد الأشمر) معارك مستمرة حتى عام 48، (عبد القادر الحسيني – أحمد عبد العزيز).
معارك 73
معركة السويس – حافظ سلامة.
وهكذا فإن خط الجماهير المسلمة لم ينقطع يوما.
الميدان الثقافي.
غزو علماني بكافة اتجاهاته، وكان الرد عليه مؤلفات عبد الله النديم – مجلة اللواء (مصطفى كامل – محمد فريد – عبد العزيز جاويش) – ومؤلفات حسن البنا. وأخيرًا الشهيد سيد قطب. ومجلات الدعوة: النذير، الدعوة، الاعتصام، المختار الاسلامي.
الميدان السياسي
محاولات الحركات الإسلامية المستمرة لتحرير الإنسان من الاستبداد والإقطاع والرأسمالية (الأفغاني – النديم – مصطفى كامل – الإمام حسن البنا – اللواء سليمان سبل رئيس جماعة شباب محمد – عناني عواد وآخرين.. أبطال الانتفاض ضد الإقطاع).
• الشيخ سيد قطب..
• الشيخ أحمد المحلاوي.
الحياة الاجتماعية
إرساء قيم وممارسات إسلامية نموذج في مواجهة النموذج الغربي.
وهكذا فإن الجماهير المسلمة استمرت ومنذ أن بدأت الحقبة الاستعمارية كظاهرة تمثل آخر الوجوه الشيطانية.
ولقد واجهت الجماهير المسلمة الاستعمار – الصهيونية – الإقطاع – والأنظمة المستبدة على نحو مستمر ورائع.
وعلى هذا الأساس يمكن فهم طبيعة معركة السويس بقيادة الشيخ البطل حافظ سلامة.

حياة الشيخ تمثل
مراحل الصراع الإسلامي الاستعماري
بدأ الشيخ حياته النضالية في الأربعينات.. وكمسلم رسالي كان لابد له أن يصطدم بالحلقات الاستعمارية الثلاث (الاستعمار الإنجليزي – الصهيونية – الملك في مصر)..
انضم الشيخ إلى جماعة شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي جماعة وقفت بصلابة منذ اليوم الأول ضد الاستعمار والصهيونية والملك ورفضت أي شكل من أشكال المرونة والمهادنة معهم.
• ويشاء الله سبحانه أن يصطدم الشيخ أول ما يصطدم بالصهيونية بما أنها هي التحدي المركزي للحركة الإسلامية.
ويقوم الشيخ بالعمل الفدائي داخل فلسطين عام 1944 ليعود من مهمته ليدخل السجن وليكتشف ذلك الارتباط بين النظام الملكي في مصر والاستعمار الإنجليزي – والصهيونية.
• ويخرج الشيخ من السجن – ليقوم بنشاط من خلال جماعة شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليشارك في كتائبها المتوجهة إلى فلسطين عام 1948 للمشاركة في القتال ضد اليهود (ذهب الإخوان المسلمون أيضا وقاتلوا قتالا بطوليا).
ويكتشف الشيخ مرة أخرى ذلك الارتباط بين الاستعمار والصهيونية ونظام فاروق (الأسلحة الفاسدة).
• وبحيوية المسلم الرسالي يستمر الشيخ ويذهب إلى القناة ليمارس العمل الفدائي ضمن كتائب شباب محمد جنبًا إلى جنب مع كتائب الإخوان.. ومصر الفتاة والحزب (كل هذه الاتجاهات.. اتجاهات إسلامية).
ويرى الشيخ كيف يقوم شباب المسلمين (أحمد المنيسي – عمر شاهين) بالاستشهاد بعد الغارات الناجحة على الإنجليز في التل الكبير والقورين..
ولقد شارك الشيخ بنفسه (في منطقة السويس) في عملية تدمير قطار إنجليزي محملا بالبضائع والوقود والذخائر وذلك بالمشاركة مع الشيخ محمد الخطيب أحد أبناء الحركة الإسلامية في فسلطين وصديق الشيخ حافظ منذ عام 1944 عندما شاركا معا في عملية فدائية.
ويستمر نضال الشيخ الذي لا ينقطع في مدن القناة.. ولقد اختار الشيخ السويس لأن الإنجليز يعتمدون عليها في الإمدادات من البحر الأحمر عن طريق ميناء الأدبية ولأنها مركز كبير من مراكز قوات الاحتلال الإنجليزي.
يستمر الشيخ في المشاركة في الجهاد الإسلامي المتمثل في الغارات على الإنجليز واقتحام مواقعهم وسرقة الأسلحة والذخيرة – والقيام بعمليات تدريب للأهالي على استخدام السلاح وتصنيع الذخائر والقنابل. كما كان الشيخ يشارك في عمليات محو الأمية وتحفيظ القرآن.
ويقوم الاستعمار الإنجليزي، وبعد تزايد المد الاسلامي الواسع جدًا والذي أصبح يمثل خطرا على كل الكيان الاستعماري – يقوم بحرق القاهرة والتمهيد لانقلاب عسكري ( فكان الانقلاب الناصري). لكي يأتي بعبد الناصر ليلوح ببعض الإصلاحات، وليقوم في النهاية بضرب الجماهير وتعويقها وإقامة نظام مستبد يمنع الجماهير من المشاركة في مواجهة أعدائها.
وفي بادئ الأمر يرفع عبد الناصر وزمرته الشعارات الإسلامية لمحاولة امتصاص المد الجماهيري الإسلامي. وتقع بعض الحركات الإسلامية في الفخ المنصوب.
ولكن جماعة شباب محمد ترفض دعم هذا الاتجاه منذ اليوم الأول وتعلن أنها ليست بديلا عن الجماهير ولكنها حارسة وأمينة على مصالحها. وأن مصادرة الحريات وإلغاء الأحزاب ومهما كانت أسبابها وجيهة، هي في النهاية موجهة ضد حريات الجماهير، وأن الحرية حق طبيعي لكل إنسان وأن واجب الحركة الإسلامية أن تقف مع الحريات وهذا واجب أخلاقي فضلا عن أن تلك هي رسالة الإسلام، فالإسلام جاء ليحرر الناس من الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي فإنه ليس هناك أي مبرر لدعم حركة 23 يوليو في ضرب القوى السياسية. لأن تلك الحركة ذاتها ستعود وتضرب الاتجاه الإسلامي في النهاية – فضلا عن أن ذلك عمل غير أخلاقي وتآمري ولا يتفق مع الإسلام.
وكان من نتيجة ذلك اعتقال اللواء سليمان عبد الواحد سبل رئيس جماعة شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أيضا رئيس الاتحاد العام للجمعيات الإسلامية.
وحينما طلب أعضاء شباب محمد من الاتجاهات الأخرى الاعتراض على ذلك الأمر. رفض الآخرون وقالوا: إنكم لم تعطوا للثورة فرصة لإنجاز أعمالها. وأنكم تعجلتم.. و إلخ..
وعبثا حاول الشيخ ورفاقه توضيح أن حركة الجيش جاءت لتقطع على الجماهير المسلمة زحفها، مما ثبت بعد ذلك يقينا.
• ولكن ما الذي جعل جماعة شباب محمد لا تقع في هذا الفخ – الذي وقعت فيه بقية الجماعات الأخرى إبان أزمة 1954.
إنه ببساطة شديدة امتلاك المنهج الصحيح والوعي بالتاريخ وإدراك طبيعة الصراع. والتصرف كطليعة للأمة وليس بديلا لها، إنها ببساطة شديدة الإسلام الرسالي.
• ويستمر نشاط الشيخ فما أن تحل جماعة شباب محمد حتى يبادر بإنشاء جماعة الهداية الإسلامية، وبعد إغلاق مجلة النذير أصدروا مجلة أخرى هي مجلة صوت الإسلام (هذا في وقت شديد السواد بالنسبة للحركة الإسلامية عمومًا).
• ويستمر الشيخ ومعه بقية الرجال في عمل حلقات تدريس القرآن الكريم وإنشاء مراكز إسلامية (مسجد الشهداء في السويس – مسجد النور في العباسية – مسجد الفتح في رمسيس). مسجد الشهداء هو المركز الذي انطلقت منه حركة المقاومة الشعبية في السويس عام 1973.
• وإنه لشيء منقطع النظير أن يستمر الشيخ في كفاحه في الستينات (الحقبة السوداء في تاريخ الحركة الإسلامية) ويستمر في محاولة بناء مركز إسلامي في العباسية ردًا على قيام عبد الناصر والنجاشي بوصع حجر الأساس للكاتدرائية. بل وقاما أيضا بافتتاحها.
واعتقل الشيخ في 1966- وفي سجن أبي زعبل – وتحدث نكسة 67 ويطالب الشيخ ومعه بقية الإخوان في ليمان أبي زعبل أن يذهبوا للقتال، ويحدد الشيخ أن ملابسات نكسة 67 تومئ بوجود خيانة في القيادة السياسية.
ويخرج الشيخ من السجن ويستمر في جهاده وعمله مجددًا: إن الاسلام هو الطريق الوحيد لهزيمة إسرائيل. ويقوم بعمل قوافل توعية إسلامية ويذهب إلى الجنود على جبهة القتال.
• ولأن الشيخ يؤمن بوحدة الحركة الإسلامية في العالم. فيحاول الشيخ الاتصال بالإمام موسى الصدر في لبنان. بل إنه أزمع الذهاب إليه وقطع تذكرة إلى لبنان – وأبرق إلى الإمام موسى الصدر لينتظره في بيروت لولا قيام حرب 1973.
قام الشيخ بذلك في صباح 10 رمضان ، 6 أكتوبر. ولكنه يسمع البيانات العسكرية وهو في مدينة القاهرة، فيعود سريعا إلى السويس.
حاول الشيخ يومها الرجوع ولكنه منع بدعوى أن المدنيين ممنوعون من الذهاب إلى الجبهة. ولكن الشيخ ذهب معه الأخ عبد الحميد عطا إلى طريق القاهرة السويس الكيلو 45. ومرة أخرى يمنع من السفر. إلا أن الشيخ استطاع أن يقنع أحد الضباط الشبان عندما توسم فيه الخير لما رآه يصلي. شارحا له ضرورة مشاركته في المعركة – ويذهب الشيخ إلى السويس على عربة مدفع.
• وهكذا تبدأ معركة الشيخ ضد اليهود. داخل السويس – وينبغي أن نسجل هنا أن تاريخ الرجل وكفاحه قد هيأه لذلك تماما، وأن هذا العمل لم يكن عملا عفويا لأن المسلم الرسالي يقف دائما الموقف الصحيح في الوقت الصحيح.

أهمية معركة السويس
لن نستطيع أن نفهم معركة السويس ما لم نفهم بعض القضايا الآتية:
• طبيعة الصراع
• ما قبل حرب 73.
في البدء لابد أن نقرر حقيقة مركزية وهي أن الصراع في المنطقة حاليا يدور على مستويين:
• تناقض رئيسي بين الجماهير المسلمة وبين (الاستعمار والصهيونية) وأن هذه الجماهير بما أنها تملك مصلحة حقيقية، وبما أنها مستهدفة كأمة وككيان وكوجود، هي الوحيدة القادرة على حسم هذا الصراع، وأن ما من مرة تشارك تلك الجماهير في معركة ضد الكيان الصهيوني إلا وتذيقه مرارة الهزيمة، وتثبت الجماهير المسلمة قدرتها على النصر.
• تناقض ثانوي بين الأنظمة وبين الكيان الصهيوني. وتلك الأنظمة ما دامت لا تملك تناقضا جوهريا مع الكيان الصهيوني. فإنها تخوض معارك جزئية مهزومة قبل أن تبدأ – وفي كل مرة لا تسمح للجماهير بممارسة المواجهة حتى لا تطيح تلك الجماهير ضمن ما تطيح بالأنظمة ومصالح الاستعمار والكيان الصهيوني جميعا.
ظروف الصراع قبل 73:
إنه لمن الأهمية بمكان أن نحدد ظروف الصراع بين القوى الإسلامية والقوى الشيطانية فيما قبل 73 لكي نستطيع فهم حرب 73 بوجه عام، ومعركة السويس بوجه خاص.
• كانت القوى الشيطانية وبعد مرحلة طويلة من الصراع قد استطاعت أخيرا وعبر عبد الناصر أن تضرب نطاقا من العزلة حول الجماهير وأن تعيق حركتها وتخدر قواها.
وظنت تلك القوى الشيطانية أن الجماهير قد وقعت في السبات العميق، وذلك في أعقاب حرب 67.
وبات على القوى الشيطانية أن تتحرك لتحقق المرحلة التالية وهي القضاء الكامل على حركة الجماهير وإيقاع المنطقة بالكامل في النفوذ الاستعماري والصهيوني (تحقيق الحقبة الإسرائيلية) وذلك عبر عمل تسوية بين الأنظمة العربية وإسرائيل – وأن يتم تطبيع العلاقات مع إسرائيل وإخضاع الجماهير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لليهود مما يعني القضاء النهائي على حضارة أمتنا ووجودنا ذاته.
ولقد حاولت القوى الشيطانية أن تحقق ذلك عبر:
1- قرار 242.
2- مبادرة روجرز.
3- المزيد من قمع الجماهير وتضليلها.
4- التشكيك في قيمة المقاومة الفلسطينية وعبد الناصر يصفها بأنها رد فعل على النكسة ليس إلا.
وهيكل يشكك في قيمتها وقدرتها (أنظر مقالات الجمعة أغسطس 68).
5- ضرب المقاومة ضربا متواصلا بواسطة الجيش اللبناني ذي التوجهات المارونية.
6- محاولة استدراج المقاومة لنزع إسلاميتها وبالتالي نزع سلاحها الحقيقي ووقوعها في الحقبة الإسرائيلية.
وفي كل الأحوال تدمير أي نواه تتجمع حولها حركة الجماهير. ولكن الجماهير المسلمة ردت على ذلك بعنف وحيوية – مما فاجأ القوى الشيطانية بأن تلك الجماهير ما زالت حية وغير مستأنسة. ولقد ظهرت حركة الجماهير المسلمة عبر:
• مظاهرات الطلبة والعمال 68.
• اشتداد عود المقاومة الفلسطينية والتفاف الجماهير حولها وصل إلى قمته في معركة الكرامة.
• رفض واسع مع كافة جماهير العالم الإسلامي والعرب لقرار 242 ومبادرة روجرز وخرجت مظاهرات الجماهير تهتف عبد الناصر يا جبان
ويا عميل الأمريكان.
وكان على القوى الشيطانية أن تخرج من كيس أفاعيها ألعوبا جديدا تستكمل به حلقة الحصار حول الجماهير. تمثل في اتجاهين أساسيين:
1- فلقد بدأت الأبواق الاستعمارية وأعلام الأنظمة تركز على عملية غسيل مخ للجماهير مستمر ليلا ونهارًا على النحو التالي:
(‌أ) إن إسرائيل أمر واقع يجب الاعتراف به – أنظر الصحف المصرية.
(‌ب) تخفيف حدة العداء لليهود. ومحاولة تزييف تفسير القرآن الذي يدين اليهود ويدمغهم بالخيانة. وذلك على يد مشايخ السلطة.
(‌ج) إن الواقعية هي الشيء الصحيح. ولكنها كانت واقعية اليأس والهزيمة.
أنظر مقالات هيكل – أحمد بهاء الدين وخصوصا كتاب أحمد بهاء الدين (إسرائيليات – ما بعد العدوان) .
(‌د) التركيز على التفوق العسكري الإسرائيلي.
(‌ه) التركيز على أن الهدف هو إزالة آثار العدوان.
2- بما أن حركة الجماهير ما زالت حية وقوية وخصوصا أن الحشد المعنوي لرجال القوات المسلحة كان إسلاميا وهو ما أدى إلى قيام الجيش البطل وبروح إسلامية بتحقيق نصر عسكري على إسرائيل بمجرد أن سمح له بالالتحام باليهود. ولكي تلتف القوى الشيطانية على هذا العنصر كان لابد لها من الآتي:
(‌أ) الضغط على إسرائيل لكي تقبل التسوية.
(‌ب) تخدير وعي الجماهير لتمرير التسوية.

ومن هذا الاطار يمكن فهم حرب التحريك في عام 1973.
• في 6 أكتوبر عام 1973، وما أن يتلقى رجال القوات المسلحة الأبطال الأمر بمباشرة القتال (القوات المسلحة في النهاية جزء من الأمة) حتى تنطلق صيحة الله أكبر مدوية. والرجال الصائمون (10 رمضان) يعبرون ويجتاحون في أروع عملية عسكرية في التاريخ المعاصر. إن الرجال الأبطال في القوات المسلحة لأول مرة يأخذون فرصتهم في مواجهة العدو الصهيوني. وها هم يواجهون بشجاعة برغم عدم تكافؤ التسليح والمعدات. ولكن صرخات الله أكبر والروح الإسلامية التي انطلقت كانت كفيلة باجتياح خط بارليف بمعداته الإليكترونية المتقدمة ورغم التفوق الجوي الإسرائيلي وذلك في أقل من 6 ساعات.
وتتوالي انتصارات الرجال البواسل. ويقع اليهود في الذعر ويصرخون ويلجئون لأمريكا.
وتدرك القوى الشيطانية أن الأمر سيفلت من أيديها. وسوف يحقق الجيش البطل انتصارًا ساحقا، يمكن أن يكون بداية لتدمير الكيان الصهيوني والإطاحة بمصالح الاستعمار. خصوصًا وأن هناك تجاوبا شعبيا رائعا ومذهلا.
وتتحرك القوى الشيطانية بسرعة، ويتم دعم الكيان الصهيوني بطائرات ودبابات.
وكان لابد لذلك الكيان من أن يتحرك قبل فوات الأوان.
وتقوم قواته باختراق الجبهة المصرية وعبور القناة إلى الجهة الأخرى في عملية الثغرة. وتصل إلى الدفرسوار، والعجيب أنه لم يتم سحق تلك المحاولة مع قدرة قواتنا ورجالنا على ذلك. وتصل القوات الإسرائيلية إلى مشارف السويس وكان الهدف واضحا.
• احتلال السويس – واستكمال حصار الجيش الثالث.
وبالتالي وضع حبل حول رقبة ذلك الجيش ومسدس مصوب نحو القاهرة.
• تستطيع أمريكا (كيسنجر اليهودي) أن يأتي ليقول: إنني أطرح الحل السلمي.
وبما أن الجيش الثالث محاصر. والسويس محتلة.. فإن القيادة الأمريكية ستنجح في تمرير التسوية.. تحت دعوى أن ذلك عمل سياسي بارع ينقذ الجيش الثالث، وأننا استطعنا الانتصار على إسرائيل ولكن أمريكا تدخلت.. إلخ..
وهكذا يمكن البدء في تحقيق التسوية والوقوع مبكرًا في الحقبة الإسرائيلية.
ولكن جماهير السويس المسلمة – جمعية الهلال الإسلامية – أفراد القوات المسلحة الشرفاء. بقيادة الشيخ حافظ سلامة قد أفسدت تلك الطبخة الأمريكية.. ووقفوا على مشارف السويس يحطمون الدبابات الإسرائيلية. ويحطمون معها التسوية ويحطمون أيضًا الحقبة الإسرائيلية، ويحطمون أحلام كيسنجر.
وهكذا انتصرت الجماهير المسلمة بقيادة الشيخ حافظ سلامة على كيسنجر الداهية وشارون الثعلب.
الأهمية الاستراتيجية لمعركة السويس:
• إنقاذ الجيش الثالث.
• إفساد الطبخة الأمريكية التي لو تمت وقتها – لا قدر الله – لكنا قد سقطنا سريعًا في التسوية – والحقبة الإسرائيلية – وصحيح أنه وقعت بعدها معاهدة كامب ديفد. ولكن في وقت كانت الجماهير المسلمة في مصر وخارجها في وضع يسمح لها بالتصدي الكفء لتلك المواقف مما لم يكن متوافرا وقتها.
• إثبات قيمة الجماهير المسلمة في التصدي للكيان الصهيوني وإثبات أن خط القسام – حافظ سلامة هو الخط الصحيح والقادر على تحقيق النصر.
• إن الله سبحانه وتعالى حينما قيض الشيخ حافظ سلامة ليقود جماهير السويس في تلك المعركة إنما معناه أن خط الاسلام الرسالي هو المنوط بأداء تلك الأمانة وأنه ليس عبثا أن يكون الشيخ حافظ سلامة في 1944، 1948 ضد اليهود – والمجاهد في 1951 ضد الإنجليز هو نفسه المجاهد ضد اليهود في 1973 وأن ذلك ليس أمرًا عفويا).

محمد مورو

عن marsad

اترك تعليقاً