سطور مضيئة من حياة الأديبة المجاهدة حميدة قطب

سطور مضيئة من حياة الأديبة المجاهدة حميدة قطب

كتب- عبد الله القزمازي
:
لا تعرف معادن النفوس إلا في الشدائد والمصائب، وعند الاختيار ما بين الحياة والموت، عندما يفترق المرء عن أحبائه بـرضاه، هذه هي البطولة إذا كانت في الحق، ولدينا في قاموسنا الكثير من نسائنا الأبطال فهناك من بيّضت بمواقفها الصحائف، وأعلنت شموخ شخصيتها، من خلال أدوارها المشرّفة في كلِّ مجال، فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد، فالفقه والحديث، والشعر والنثر، والجهاد: إمّا بالحضور في سوح المعارك، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور.

من هؤلاء النساء الأبطال “حميده قطب” إحدى المجاهدات الصابرات في عصرنا الحديث.

ولدت الأديبة المصرية حميدة قطب إبراهيم, الشقيقة الصغرى للشهيد سيد قطب والأستاذ محمد قطب وأخت المناضلة أمينة قطب في القاهرة في العام 1937, اعتقلت في ظل النظام الدكتاتوري الناصري في عام 1965 وحكم عليها بالأشغال الشاقة لعشر سنوات وعمرها حينئذ 29 عامًا وكانت التهم الموجهة لها  المساهمة في لجنة لإعالة أسر المعتقلين في الفترة من 1954 و 1964, خرجت من المعتقل بعد 6 سنوات وأربعة أشهر قضتها بين السجن الحربي وسجن القناطر, وتزوجت من الدكتور حمدي مسعود طبيب القلب وانتقلت معه للإقامة بفرنسا.

الداعية المجاهدة

عرفت حميدة قطب الإخوان المسلمين بعد أن التحق الشقيق الأكبر “الشهيد سيد قطب” بدعوة الإخوان بعد عودته من أمريكا، وسارت على نهجه أختاه حميدة وأمينة، ونشطت حميدة مع الحاجة زينب الغزالي في نشر الدعوة وسط النساء، حتى دخلت الجماعة في طور محنة حادثة المنشية عام 1954م فاعتقل أخوها سيد ومعظم الإخوان، وحكم عليهم بأحكام متفاوتة بين الإعدام والسجن، ولم تستكن حميدة قطب، لكنها اشتركت مع السيدة أمينة علي و نعيمة خطاب وزينب الغزالي وخالدة الهضيبي في رعاية أسر الإخوان المعتقلين.

وعندما بدأ تنظيم 1965 يتشكل في عام 1957م، واختير الشهيد سيد قطب ليكون مسئولاً عن التنظيم، وكان ما زال داخل السجن اختيرت حميدة قطب لتقوم بدور الرسول بين قادة التنظيم خارج السجن وبين أخيها سيد داخل السجن، وظلت تقوم بهذا الدور لسنوات عدة حتى اعتقلت عام 1965م.

تكبدت حميد قطب المشاق ولم يتجاوز عمرها 21 عامًا من أجل دعوتها فرحلة ذهابها إلى الشهيد سيد قطب في سجن طره كان يستغرق ما يزيد عن “5 ساعات”، وانتظارها في حر الشمس خروج تصريح لمقابلة أخيها الشهيد.

تعرَّضت أسرة المجاهدة حميدة قطب لكثير من المحن، ففي عام 1954 حُكم على سيد قطب الشقيق الأكبر بالسجن لمدة 15 عامًا، وفي 1965 قبض على أفراد أسرة آل قطب كلهم، وعُذِّبوا عذابًا شديدًا، ونصبت المحاكم العسكرية، وتولى الفريق محمد فؤاد الدجوي رئاسة المحكمة، وحكم على أخيها سيد قطب بالإعدام.

وجهت إلى حميدة قطب تهم كثية منها: “نقل معلومات وتعليمات من الشهيد سيد قطب إلى زينب الغزالي والعكس، توصيل ملازم معالم الطريق إلى الإخوان خارج السجون، إعانة العائلات في الفترة بين 1954م- 1964م”.

وأحيلت إلى المحكمة العليا في الجناية رقم 12 لسنة 1965م، “أمن دولة عليا”؛ حيث أصدر صلاح نصار رئيس النيابة قرارًا بإحالة 43 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، كانت حميدة قطب رقم 40 في الصحيفة والتي حوت القرار، وكان عمرها آنذاك 29 عامًا ولم تتزوج بعد.

وحكم عليها بالسجن ظلمًا  10 سنوات مع الأشغال الشاقة، قضت منها ست سنوات وأربعة أشهر بين السجن الحربي وسجن القناطر حتى أفرج عنها أوائل عام 1972م.

الأديبة

برزت المواهب الأدبية للأخ الأكبر سيد، فاتجه إلى الشعر والأدب، وسار على نهجه بقية إخوته: محمد وأمينة وحميدة، وكان سيد هو الموجه والمربي والمعلم لباقي إخوته، وأصدروا معًا كتاب (أطياف أربعة) في عام 1945م، و ذكر الشهيد سيد أخته حميدة في هذا الكتاب بقوله:”تلك الصبية الناشئة “حميدة” إنها موفورة الحس أبدًا، متفزِّعة من شبحٍ مجهول “.

وكان الإخوة الأربعة يجلسون فيتدارسون العلم، وعندما التحق سيد قطب بالإخوان، وأُسند إليه الإشراف على جريدة “الإخوان المسلمون”، نهض بها، وفتح صفحاتها أمام إخوته ليكتبوا فيها، فأثروا الصحيفة بكثير من المقالات، منها: مقالة “لا إله إلا الله” للأخت حميدة، كما نشر لها مقالات في مجلة “المسلمون” وكتبت قصة بعنوان:  “درس في الصغر”، وعندما رحلت أختها أمينة كتبت مقالاً جياشًا قالت فيه: “تفضلت مجلة “منبر الداعيات” الحبيبة إلى قلبنا فطلبت مني أن أكتب إليها نُبذة عن “أمينة قطب” شقيقتي.. شقيقة الدم وشقيقة الروح، التي غادرت دنيانا قبل أيام قلائل وذهبت، بعد رحلة شاقة في دار الشقاء، ندعو الله الرحمن الرحيم بعباده أن يجعلها في دار سعادة وجنة عرضها السموات والأرض”.

ومن أعمالها الأدبية:” كتاب نداء إلى الضفة الأخرى، كتاب رحله في أحراش الليل، قصة درس في الصغر، قصة جنة الرعب، كتاب الأطياف الأربعة مع إخوتها”

داعية إسلامية بباريس

انتقلت حميدة قطب مع زوجها الدكتور حمدي مسعود طبيب القلب إلى باريس وعاشت معه هناك لتستكمل مشوارها الدعوى من هناك وجعلت من منزلها بباريس بيتا للدعوة، وصالونا للقاء الأخوات المسلمات هناك.

ورفضت حميدة تقديم صورة لها بدون حجاب حتى يمنح لها حق الإقامة بباريس وفضلت الرحيل وعدم الإقامة، مما أجبر السلطات هناك على إعطائها حق الإقامة وكذالك كل المسلمات هناك دون أن يطلب منهم خلع حجابهم.

واستمرت في دعوتها وجهادها إلى أن التحقت برحاب ربها يوم الثلاثاء 17 من يوليو لعام 2012م .

عن marsad

اترك تعليقاً