وفاة اسطورة الملاكمة محمد علي كلاي
شبكة المرصد الإخبارية
توفي اليوم بطل العالم ثلاث مرات في الملاكمة محمد علي، عن عمر 74 عاما، بإحدى مستشفيات مدينة فينيكس الأمريكية، وهو الذي كان أكثر من مجرد أسطورة رياضية عالمية لا سيما بسبب مواقفه السياسية والاجتماعية.
وعلى مدى مشواره في رياضة الملاكمة سجل علي أرقاما قياسية، وكان له حضور مميز بالإضافة إلى مواقفه المثيرة للجدل مما جعله واحدا من أشهر شخصيات القرن العشرين.
وأكد المتحدث باسم أسرته بوب جانيل في بيان في وقت متأخر من ليل الجمعة وفاة علي بعد يوم من نقله إلى مستشفى بمنطقة فينيكس لإصابته بمشكلة في التنفس.
وقال جورج فورمان الملاكم السابق الذي كان منافسا لعلي على موقع تويتر بعد نبأ الوفاة “ذهب جزء مني.. أغلى جزء.”
وقال الملاكم روي جونز جونيور على موقع تويتر “أشعر بحزن شديد لكنني أشعر بارتياح وامتنان لأنه الآن في أفضل مكان.”
وصف علي نفسه بأنه “الأعظم” وكذلك “الأجرأ والأمهر”. وصل الملاكم السابق إلى أوج مجده في الستينيات. وبخفة حركته وقبضتيه السريعتين استطاع على حد تعبيره أن يحلق كفراشة ويلدغ مثل نحلة. وكان أول من يفوز ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات.
وستظل صورة محمد علي، كما هو الحال بالنسبة لجون كينيدي ومارلين مونرو وإلفيس بريسلي وفريق البيتلز، مرتبطة بمرحلة بعينها وهي حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
كان علي، الذي عرف باسم كاسيوس كلاي في بداية مسيرته، بطلا للعالم ثلاث مرات في الأوزان الثقيلة وبطلا أوليمبيا في الأوزان نصف الثقيلة عام 1960. وخاض 61 نزالا كمحترف فاز في 56 منها وخسر خمسة فحسب.
ولد كلاي في مقاطعة لويسفيل بولاية كنتاكي في الولايات المتحدة الأمريكية يوم 17 يناير 1942.
ووفقا لسيرته، فقد كانت بدايته مع عالم الملاكمة حينما كان عمره 12 عاما حينما اكتشفه الشرطي والمدرب الهاوي جو مارتن بإحدى صالات الألعاب الرياضية بعد قليل من سرقة دراجته.
وحتى 1959 كان كلاي قد حقق بالفعل عدة ألقاب في عالم الهواة، من بينها ست بطولات (قفاز كنتاكي الذهبي)، وقفازين وطنيين في نيويورك وبطولتين على مستوى أمريكا الشمالية.
ولم يكد يبلغ الـ18 حتى فاز في أوليمبياد روما بالميدالية الذهبية في وزن نصف الثقيل ليقرر الانتقال إلى عالم الاحتراف. وكانت الملاكمة في هذه الفترة تسيطر عليها عصابات الجريمة المنظمة ويهيمن عليها الملاكمان فلويد باترسون وسوني ليستون.
وفي 25 فبراير 1964 حقق كلاي لقب بطل العالم في الأوزان الثقيلة بعد مواجهة ليستون التي أظهر فيها الميزتين الأهم اللتين تمتع بهما وهما الحركة الرشيقة المستمرة والضربات القوية الساحقة.
وحظى كلاي في هذا العام بسمعة إضافية بعد إعلان اعتناقه الديانة الإسلامية والتخلي عن اسمه الأصلي ليطلق على نفسه اسم محمد علي. وانخرط في صفوف حركة (أمة الإسلام) التي كانت تضم مالكولم إكس الذي كان يناضل من أجل تحرير مجتمعات السود وإنهاء العنصرية. وانتشر الهوس في الولايات المتحدة بذلك البطل المتمرد الذي لا يتوقف عن حصد البطولات.
استمر علي طوال العامين التاليين في تحطيم منافسيه. باترسون وتشوفالو وكوبر وبرايان لندن وكارل ميلدنبرجر وويليامز وجيري كواري فخر الأمريكيين ذوي البشرة البيضاء في حلبة (ماديسون سكوير جاردن) بنيويورك.
وأثار علي الجدل مرة أخرى في 1967 حينما رفض الانخراط في صفوف الجيش والتوجه لجبهة القتال في فيتنام. لتتم إدانته بالسجن خمس سنوات بتهمة عصيان الأوامر، فضلا عن إيقافه ثلاثة أعوام وتجريده من لقبه.
عاد محمد علي إلى الحلبة مرة أخرى ليفوز على جيري كواري في 1970 واستعد مجددا لبلوغ القمة.
وحينما بدا أن مسيرته تتوقف بهزيمتين، أمام جو فريزر في الثامن من مارس 1971 وكين نورتون في 31 مارس 1974 ، قبل علي خوض نزال أمام جورج فورمان في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، والذي أصبح بعدها بأعوام قصة فيلم (When We Were Kings) أو (عندما كنا ملوكا) الذي أبرز الاثنين في صورة الأبطال، فورمان وعلي الذي استرد لقبه العالمي.
ومنذ أكتوبر 1974 وحتى فبراير 1976 قامر علي بعرشه لكنه فاز على كل من تشاك ويبنر ورون ليل وجو برجنر وجو فريزر وجان بيير كوبمان.
لكنه خسر اللقب في 15 فبراير 1978 أمام ليو سبينكس. وسمح رفض الأخير مواجهة المرشح الرسمي كين نورتون بالقتال مرة أخرى من أجل اللقب العالمي، قبل أن يستعيد علي اللقب للمرة الثالثة على حساب سبينكس في حلبة سوبردوم في نيو أورليانز، ليعلن اعتزاله بعدها بقليل.
وعلى مدار مسيرته، واجه علي عمالقة اللعبة؛ بيترسون، تشوفالو، كوبر، لندن، ويليامز، تيريل، فولي، فورمان.
جمع علي كمية من الأموال تفوق الأوزان الثقيلة السابقة مجتمعة. ففي خمسة نزالات على سبيل المثال خاضها بين عامي 1971 و1978 حصل البطل العالمي الراحل على 43 مليون دولار.
وكما جاء المال، ذهب أيضا. تبرعات سخية، حفلات ضخمة، أعمال تنطوي على قدر كبير من المخاطر، ذهبت بجزء ليس بالهين من ثروة محمد علي أدراج الرياح.
عاد محمد علي بصورة استثنائية للحلبة في الثاني من أكتوبر 1980 لمواجهة لاري هولمز من أجل لقب المجلس العالمي للملاكمة، وهي المباراة التي انسحب منها في الجولة الـ10.
ووضع علي القفازات نهائيا بعد خسارته في 11 ديسمبر 1981 مواجهة من الجولة الـ10 أمام تريفور بربيك في ناسو عاصمة جزر باهاماس.
بعد ذلك بقليل، وتحديدا في التاسع من سبتمبر 1984 ، تبين إصابته بمرض الشلل الرعاش (باركنسون)، الذي يؤدي لتدهور عمل الجهاز العصبي، والذي أكد الطبيب ستانلي فان من جامعة كولومبيا أن علي أصيب به بشكل مباشر بسبب الملاكمة.
ومنذ ذلك الحين، ناضل علي ضد تقدم حالته المرضية. لكن شهرته ظلت كما هي بين العامة في ذلك الوقت. ولا يزال الكثيرون يذكرون ظهوره المؤثر في أوليمبياد أتلانتا حينما كشف عن الآثار التي يخلفها باركنسون على جسده.
ورغم تركه الملاكمة، لم يتخل علي عن الدفاع عن قيم الإسلام والمسلمين. ففي نوفمبر 2002 زار أفغانستان كـ(مبعوث السلام) من قبل منظمة الأمم المتحدة
كما حضر في نوفمبر 1999 في فيينا مراسم تسليمه جائزة لاعتباره أحد أفضل الرياضيين في القرن الـ20 بعد اختياره من قبل لجنة تحكيم دولية. وكان من الواضح أن حالته الجسدية في تدهور برغم قوة إرادته.
في الشهر التالي، سلمته مجلة (سبورتس إليستريتد) الأمريكية المتخصصة جائزة “البطل الأعظم في القرن“.
وخلال الأيام الأولى من ديسمبر 2001 ، عاد علي إلى أتلانتا لحمل الشعلة الأوليمبية من اليونان وإيقادها إيذانا ببدء الطريق نحو مدينة سولت ليك سيتي حيث أقيمت الألعاب الأوليمبية الشتوية في فبراير/شباط الذي تلاه.
ومع بداية 2002 ، تسلم في لوس أنجليس نجمة (ممر الشهرة في هوليوود) وطلب وضع نجمته على الحائط وليس على الأرض.
بعدها بعامين، فاز علي بجائزة خليل جبران من المعهد العربي الأمريكي في 2004 تكريما لعمله لصالح العالم النامي. وفي مارس 2005 تم الإعلان أن علي سيتلقى في ديسمبر من نفس العام (ميدالية أوتو هان السلام) في برلين.
وبنهاية 2005 كشفت نجلته ليلى أن والدها يخسر في معركة باركنسون وأن الحالة أصبحت متقدمة بشكل كبير.
تسلم علي في التاسع من نوفمبر 2005 من الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش الميدالية الرئاسية للحرية، وافتتح في 21 من نفس الشهر بمسقط رأسه مركزا يحمل اسمه لنشر أفكاره الإنسانية والثقافية.
وأعلن المجلس العالمي للملاكمة في يونيو 2012 أنه سيتم خلال مؤتمره في ديسمبر/كانون أول من نفس العام في كانكون بالمكسيك، منح لقب (ملك الملاكمة العالمية) لعلي وتكريمه بتاج يزن كيلوجرامين اثنين مطلي بذهب عيار 24 قيراطا.
بالمثل، حظى علي بشرف حمل الشعلة الأوليمبية خلال حفل افتتاح أوليمبياد لندن في 27 يوليو.
كذلك، وصلت حياة محمد علي إلى عالم السينما بفيلم باسم “علي” من إخراج مايكل مان وقام فيه الممثل ويل سميث بدور الملاكم العالمي.
وفي 20 ديسمبر 2014 احتجز علي بالمستشفى نتيجة إصابته بالتهاب رئوي طفيف.
تزوج محمد علي أربع مرات كانت آخرها من لوني وله ثمانية أبناء وتبنى تاسع.
وانخرطت ابنته الصغرى ليلى علي في عالم الملاكمة الاحترافية (1999-2007) وحققت إنجازات كبيرة على غرار والدها.
وفيما يلي ثماني حقائق عن الملاكم الأمريكي الراحل محمد علي بطل العالم الأسبق في وزن الثقيل.
* محمد علي صاحب شخصية جذابة ويتمتع بحركة قدمين هائلة وسرعة يد مخيفة وهي عوامل تكاملت لتصنع منه بطلا متميزا وفريدا من نوعه لم تعرفه حلبات الملاكمة من قبل. مسيرته الرياضية تضمنت 56 فوزا منها 37 بالضربة القاضية وخمس هزائم. وتوج باللقب العالمي ثلاث مرات مختلفة وهو انجاز غير مسبوق في حلبات الملاكمة.
*عندما شارك باسمه الأصلي كاسيوس كلاي فاز محمد علي بميدالية ذهبية في وزن خفيف الثقيل في دورة ألعاب روما الأولمبية الصيفية في عام 1960. وفي سيرته الذاتية في 1975 قال محمد علي إنه ألقى بالميدالية في أحد الأنهار بعد أن رفضوا تقديم الخدمة له في مطعم في لويزفيل وتعرض للمطاردة والتحرش من قبل مجموعة من البيض. في حين قال اثنان من كتاب السيرة الذاتية للملاكم الراحل إنه فقد هذه الميدالية ولم يتخلص منها عن قصد.
*في أول مباراة له على مستوى الاحتراف والتي أقيمت في 1960 فاز محمد علي في الجولة السادسة على توني هونساكر الذي كان في هذا الوقت رئيسا للشرطة في فايتفيل في وست فرجينيا. وبعد ذلك أرتبط محمد علي وهونساكر بعلاقة صداقة قوية وكتب محمد علي في سيرته الذاتية بعد ذلك إن هونساكر وجه إليه واحدة من أقوى الضربات التي تلقاها طوال مسيرته مع اللعبة.
* بعد اعتناقه الإسلام تخلى عن اسمه الأصلي كاسيوس كلاي وأطلق على نفسه محمد علي.
* رفض محمد علي دخول الجيش الأمريكي في 1967 وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام وخسر لقبه ولم يتمكن من خوض مباراة في الملاكمة في وقت كان في أوج قوته وتألقه. ولم يدخل محمد علي السجن خلال المحاكمة وفي 1971 ألغت المحكمة العليا الأمريكية قرار السجن.
*في 1984 أصيب محمد علي بمرض باركنسون والذي على ما يبدو كان بسبب مسيرته الرياضية وهو ما أثر عليه بدنيا وجعله غير قادر على سرعة الحركة وعلى الكلام تقريبا رغم أن القريبين منه يؤكدون أنه لم يفقد روح الدعابة والحس الفكاهي أو حرصه على إيمانه الديني.
* اختارت مجلة سبورتس ايلاستريتد محمد علي كأفضل رياضي في القرن العشرين كما التقى الملاكم الراحل بالعديد من زعماء العالم مثل الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا ورئيس جنوب افريقيا الراحل نلسون مانديلا والبابا الراحل يوحنا بولس الثاني والرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو والرئيس العراقي السابق صدام حسين وحصل على وسام رئاسي رفيع في 2005 أيضا.
*قدر الجيش الأمريكي مستوى ذكاء محمد علي بأنه 78. لكن الملاكم الراحل قال في سيرته الذاتية عن ذلك “قلت فقط إنني الأعظم وليس الأكثر ذكاء.”
الفقيد الراحل كرس حياته للعمل الإنساني والاهتمام بالفقراء ومحاربة العنصرية ورفض الظلم والعدوان، فكان بطلا رياضيا كما كان بطلا أيضا في نصرة شعبه وقضاياه، مدافعا بكل قوة عن القضايا الإنسانية العادلة”.