الخيط الأبيض والخيط الأسود من الثورة !
ياسر أنور
عندما قامت الثورة ، كان المشهد المصري أسطوريا : فراشات الحرية تحلق في آفاق القلوب النابضة بالحب والإيمان ، و الوجوه مشرقة تكسوها ابتسامات تشق جدار الاستبداد ، وتكسر قيود الظلم ، و مصر تجلس في قبة المجد تطبع قبلات الأمل على جبين الوقت ، كان الهدف واضحا ، والشعب يدا واحدة ، والإرادة فولاذية ، كان كل شيء يبدو جميلا متألقا ، ومع مرور الوقت ، تداخلت الأحداث ، وتشابكت الرؤى ، وتضاربت المصالح ، فانقلبت ملامح المشهد الأسطوري إلى مشاهد متناثرة مألوفة ، مكرورة ، مملة ، مأساوية ، تبددت الأحلام ، وتمزقت الابتسامات ، وذبلت الإرادة ، لم يعد أحد قادرا على قراءة المشهد بطريقة صحيحة ، لكن لنتساءل بصراحة وموضوعية و دون انحياز لطرف على حساب آخر: من الذي يتحمل أخطاء ما حدث ، حتى وصلنا إلى هذه المشاهد الضبابية ؟ لا شك أننا جميعا نتحمل قدرا كبيرا من الخطأ يمكن أن يلخص في الآتي :
– العلمانيون والإسلاميون يتحملون القسط الأكبر من الأخطاء والخطايا بعد إصرارهم على تحويل ثورة الحرية إلى معركة أيدلوجية ، قبل أن تستقر الأمور ، وتنضج الثمار ، فانطبق عليهم الحديث الشريف : إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .
– فشل المجلس العسكري في إدارة البلاد ، وفي تحقيق الأمن ، سواء بجسن نية أو مع سبق الإصرار والتعمد ، (ليس مهما أن نحلل النوايا) ، ولكن نحلل الواقع و الوقائع ، وكان من نتيجة هذا الفشل فقدان الثقة في المؤسسة العسكرية والانقسام حولها بين متهم لها بالتواطؤ ومدافع عنها بمنطق تبريري يتعلق بصعوبة المرحلة .
– عجز الأحزاب السياسية والائتلافات الثورية عن تقديم موقف موحد في القضايا المختلفة ، والخوض في تفاصيل من طبيعتها الاختلافات ، بدلا من الاتفاق على القضايا الكبرى .
– عودة الفتاوى المسيسة والمتضاربة بين المرجعيات المختلفة ، وقد بلغت حد الذروة في تصريحات بعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بتكفير الثوار وجواز قتل الثلث من أجل الثلثين ، وفي المقابل فتوى أحد المحسوبين على التيار السلفي بوجوب قتل وإعدام المجلس العسكري .
وفي النهاية لم يعد أحد قادرا على التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود مما هو ثوري وما هو فوضوي ، فهل تستمر المشاهد العبثية (مسرح البالون – ماسبيرو –شارع محمد محمود – مجلس الوزراء – العباسية ) أم نستعيد الفعل الثوري الحقيقي الذي يركز على القضايا كبرى ( مثل محاكمة الرئيس وأذنابه – الحرية – العدالة- الديمقراطية – صياغة العقل المصري ) لا أحد يدري !