دماء الشعب السوري مسئولية العالم

دماء الشعب السوري مسئولية العالم
 
فؤاد قنديل

    لو هبت عاصفة على صحراء لما انزعج أحد ، ولو انقضت دولة استعمارية على منطقة خربة ومجهولة لتابعنا الأخبار دون اهتمام زائد، ولو ضرب زلزال غابة لما اهتم الكثيرون إلا سكان المدن القريبة ، أما أن تعصف نيران الهجوم الشرس لنظام مستبد بأرواح أبناء سوريا على مدي عام ونيف فمسألة تدعو للشك في مدى كفاءة الضمير العالمي الذي لا ينام الليل إذا أصيب طفل في إسرائيل.
    سوريا ليست بلدا تم تجميعها من هنا وهناك. سوريا ليست شعبا من البدو الرحل ، وليست كيانا قشريا بلا قواعد وأعماق . سوريا دولة من الدول ذات الكعب العالي في الحضارة والتاريخ ، وشعبها صاحب ثقافة وعطاء يتجلى في كل مجالات العلوم والفلسفة والآداب والفنون والعمارة ، والشعب السوري من الشعوب المتميزة بالذكاء وأبناؤه يتفجرون من الصغر بالمواهب العارمة ، وقبل هذا جميعه فهو شعب يتمتع بالحس الوطني الراسخ والدم الحر الأبي ، والإحساس الدائم والفطري بالعزة والكرامة ، وعندما تتعرض أمة لها هذه التركيبة النفسية والعقلية المتفردة للطغيان والقتل بلا رحمة على يد نظام مستبد أعمي وبلا بصيرة ، وفاقد للحد الأدنى من الفكر والوعي والضمير فإن الموقف يعني الكثير لنا وللعالم ، وعلى الجميع أن يهب ليطفئ نيران السحق و البغي والتشريد .
    في مارس من العام الماضي ( 2011) خرج عدد من أبناء سوريا للتعبير عن رغبتهم في التغيير الذي أصبح ضروريا بسبب القمع وغياب العدل وتراجع التنمية وشيوع حالة من التردي الاجتماعي مع افتقاد الكثير من حقوق الإنسان . عندئذ-وكان النظام متأهبا لإمكانية خروج المظاهرات المنددة التي تستهدف الإعلان عن مطالب الجماهير- اندفعت الآلة العسكرية عازمة على إبادة الشعب الأعزل وهي التي لم تضرب رصاصة واحدة ضد العدو الصهيوني في الجولان والذي يقبع هناك هانئا طوال خمسة وأربعين عاما . منذ مارس والدماء الطاهرة تسيل في الشوارع السورية ويستشهد المناضلون من كل الشرائح وتدمر الممتلكات ويلاحق المتظاهرون والنشطاء  ، ويعتقل الآلاف ومن بينهم الكتاب والفنانون ، ويفر السكان البسطاء والأبرياء إلى لبنان وتركيا بحثا عن المأوى الآمن وهربا من نيران المدافع والدبابات التي لا تفرق بين البشر والحجر والشجر والبيوت والسيارات . آلة جهنمية تحصد كل شيء. تزودها مخازن الطغيان بكل ما تحتاج إليه من إمداد . والحصيلة حتى الآن ما لا يقل عن ستة آلاف شهيد واثني عشر ألف مصاب وتدمير آلاف المنازل وتشريد العباد وتوقف قطاعات كبيرة من حياة الناس لافتقاد الأمن وغياب الطاقة وتقطع السبل وهيمنة الرعب والتهديد الدائم بالموت الذي يركض في كل حارة وشارع بحثا عمن يفترسه ، بينما الطغاة الجهلاء ينعمون بالعيش الرغد ويمارسون عاداتهم السقيمة دون أن تهتز في أجسادهم شعرة ، ومثلهم يتبادل قادة العالم كؤوس المودة والحوار العابر حول ما يجري في سوريا وقد تفتقت عبقريتهم مؤخرا عن فكرة إيفاد مراقبين ، ليسجلوا ما يجري على الأرض ، وكلهم يعلم ما يحدث في سوريا وغيرها بالتفصيل بينما هو ممدد في سريره. لم يعد هناك ما يخفى على أحد وإنما هو الضمير الميت الذي يكيل بمكيالين وثلاثة وأربعة، في الوقت الذي ترفض فيه المعارضة السورية وتجمعات المقاومة وأطيافها طلب الحماية من مجلس الأمن حفاظا على الأمة مما قد يحيق بها من تدخل مسلح وإمكانية التمزق ومواجهة المصير المجهول كضريبة مؤكدة لأمل الرغبة في الخلاص . موقف معقد بكل تأكيد ، لكن القضية تظل مسئولية العالم لأن الأسد الجوعان انطلق من غابته وانقض على النعام و الغزلان الوديعة يوسعها تمزيقا والتهاما ، ويتغول في دمائها ويتلهي بتكسير عظامها ..
    يا قادة المنظمات الدولية التي لا تعنيها البلاد العربية والإسلامية ، نعلم إنها تروق لكم عبارة من قبيل : دعوهم يأكلون بعضهم ، فحرب بعضهم ضد بعضهم رحمة ، نرجو أن  تتحركوا وتأخذوا زمام المبادرة المتأخرة التي تعفنت في ثلاجاتكم من أجل عدم إقلاق قطتكم الحبيبة إسرائيل . استشعروا الذنب ولو لفترة وجيزة وتخلصوا من أفكاركم المتكلسة ومدوا أيديكم لاستنقاذ شعب أبي ونبيل أعطي العالم الكثير من الثقافة والعلم ولا يزال . ولابد أن تعلموا إنها ليست منكم منة أو هبة ، ولكنها حقوق شعوب الدنيا عليكم لأنهم شركاؤكم في الإنسانية ولأنهم يساهمون بعرق أبنائهم في المنظمات التي تعتلون عروشها ، وتتمتعون كالطواويس بالعيش في قصورها.

عن marsad

اترك تعليقاً