في العراق دولة منزوعة الأخلاق

في العراق دولة منزوعة الأخلاق

نعم ونعم، للمرة الألف أو أكثر، دولتنا فاشلة، لكنها مهددة الآن بما هو أشدّ وأشنع من الفشل. فالفشل يمكن معالجته، ذلك أن قواعد النجاح للدول صارت معروفة، وسبله سالكة لمن يريد أن يحثّ الخطى عليها أو يمشي الهوينى.. ونحن توفرت لدينا كل أسباب النجاح الا واحداً، هو الحكومة الرشيدة
أما هذا الأشد والأشنع من الفشل الذي يهدد دولتنا فهو السقوط الأخلاقي، فنحن في دولة ترعى رسمياً هذا النوع من السقوط على أعلى المستويات وتنشره وتعممه على أوسع نطاق دولتنا تعمل على شرعنة الفساد المالي والإداري، بما فيه نهب المال العام على حساب المصالح والخدمات الأساسية التي تشتد حاجة الناس إليها، وبما فيه تزوير الشهادات والوثائق. فدولتنا مشغولة هذه الأيام بقانون العفو العام أكثر من اهتمامها بحل أزمة الكهرباء ومعالجة مشاكل ارتفاع الأسعار ومستوى البطالة والفقر وتردي الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية
والآن يصعد منسوب التردي الأخلاقي لدولتنا إلى أقصى درجاته بتحليل (من حلال) انتهاك الخصوصيات والتجاوز على الحرية الشخصية، والتفاخر بهذا علنا
لم أعرف طارق الهاشمي الا بعد 2003، ولم ألتقه حتى الآن، ولم يعترني أي شعور بالمودة تجاهه، بل عدم المودة هو الذي غلب على شعوري نحوه منذ أن بدأت أراه ضمن جوقة الطبالين طائفياً. وتعمّق هذا الشعور عندما قبل(الهاشمي) أن يحتل منصباً مرموقاً في دولتنا استناداً الى خزعبلات المحاصصة الطائفية وليس الى قواعد اللياقة السياسية والأهلية الوطنية
ويوم وُجه إليه الاتهام بالضلوع في الإرهاب لم أُفاجأ، فأنا موقن بأنه وعشرات مثله من كبار المسؤولين في دولتنا الفاشلة (من الشيعة والسنة سواء بسواء) متورطون في الإرهاب وفي كل ما جعل منا دولة فاشلة. وقد عبّرت عن هذا الرأي غير مرة في هذا المكان بالذات
برغم هذا الموقف من الهاشمي انتقدتُ بقوة الطريقة التي تعاملت بها السلطة التنفيذية مع قضيته، فهي أخذت القانون بأيديها من دون وجه حق متجاوزة على حقوق واختصاصات السلطة القضائية التي يقرّ الدستور باستقلالها التام. واليوم تتجاوز هذه الدولة كل الخطوط الحمراء بنشرها على الملأ أشرطة فيديو مسجلة قيل انها وجدت في بيت الهاشمي ( وُضعت على موقع يوتيوب ونُشر مضمونها في صحافة رئاسة الحكومة وحزبها). الدستور وكل الشرائع لا تبيح القيام بعمل كهذا، لأنه ببساطة غير أخلاقي
إذا كان ما وجد في بيت الهاشمي هو من “المضبوطات الجرمية” فان عرضه ونشر محتواه من اختصاص القضاء حصراً. وقد تصرّفت سلطة دولة القانون التتنفيذية ضد القانون بتسريبها أشرطة الفيديو (إن صحت). ولو كانت لدينا سلطة قضائية مستقلة تحترم نفسها وتصون كرامتها ما تهاونت في هذا الأمر وسكتت عنه والتزمت موقف المتفرج
هذه مسألة خطيرة للغاية لا ينبغي السكوت عنها، لأنها تمسّ جوهر الحرية وجوهر الأخلاق، واذا استبيحت الحرية والأخلاق على هذا النحو من الدولة بالذات فلا أمن ولا أمان لأي فرد في هذه الدولة. فمعنى هذا  اننا في دولة ليست فقط فاشلة وانما أيضاً ساقطة، لأنها منزوعة الأخلاق

عن marsad

اترك تعليقاً