ما فعله حازم أبو اسماعيل دون قصد

ما فعله حازم أبو اسماعيل دون قصد

يحيى رفاعي سرور

المشهد المهيب الذي استرعى انتباه كل المراقبين للشأن السياسي في مصر، والذي توجه فيه سيل بشري عارم يتقدمه الشيخ حازم أبو اسماعيل من مسجد أسد ابن الفرات إلى مقر اللجنة العليا للانتخابات، وما تخلله من رايات سوت وهتافات «الشعب يريد تطبيق شرع الله» ،  هذا المشهد يمكن تناوله من حيث ما يدل عليه من اكتساح متوقع للشيخ حازم في الانتخابات القادمة لو سارت الأمور على ما يرام، لكن ليس هذا ما أود الحديث عنه، إنما أود الحديث عن دلالة هذا المشهد على التغير الحادث داخل التيار الإسلامي، وعلى مبشرات خاصة بوجهة ذلك التيار في المستقبل.
لقد أحدث حازم أبو اسماعيل، دون أن يقصد، قطيعة بين روح الحركة الإسلامية وبين أنماطها القديمة المريضة التي كانت تمثل تكيفا غير سوي مع واقع ما قبل الثورة، وهو واقع كانت أزمة الحركة الإسلامية فيه هي أزمة « الاغتراب عن الواقع »، وهي الأزمة التي لم يكن نمط الإخوان إلا محاولة للتخلص ضغطها عن طريق « المبالغة في محاكاة المجتمع » ، وهي الأزمة التي لم يكن نمط السلفية إلا محاولة للتخلص من ضغطها عن طريق « الهروب من المجتمع زمنيا بمعايشة عصر بني أمية » ، وهو العصر الذي كان ما يميز فيه أهل السنة هو التأكيد على عدم الخروج على بني أمية، وقد كان خيارا (سياسيا) مقبولا في سياقه التاريخي، وهو الموقف الذي عاشه النمط السلفي المعاصر في حالة هي أشبه ما تكون بمعايشة النائم لحلمه اللذيذ الذي يحميه من مثيرات الواقع فيحفظ له نومه.
وهذا هو سر موضوع «ولي الأمر» الذي حير ألباب الكثيرين، إنه استعارة خيالية لموقف السلف من مظالم بني أمية، إنهم يرفضون الخروج على « الوالي » بما تحمله الكلمة من بعد زمني، وكل تصرفاتهم لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء فكرة « الهروب من الواقع بمعايشة واقع آخر خيالي واستحضار جميع مفرداته »، انظر مثلا إلى الـ « غُطرة » الخليجية التي يلبسونها، وإلى القميص الأبيض الذي يسهل أن تلاحظ المفارقة بين وضعه الضخم في واقع النمط السلفي وبين وضعه البسيط في حديث النبي. إنه أداة من أدوات الهروب من الواقع مثلما أن فكرة « ولي الأمر » كانت كذلك، ومثلما كان « الجهل الاستراتيجي » بمفردات الواقع كذلك، كلها « أدوات هروبية » . 
لقد كان متوقعا أن تنهار الأنماط القديمة المريضة بانهيار واقع ما قبل الثورة الذي ظهرت هي كنوع من التكيف معه، لكن لماذا لم تكن سرعة انهيار الأنماط القديمة ملائمة لسرعة انهيار بيئتها الحاضنة، أي واقع ما قبل الثورة؟ الحقيقة أن الأنماط القديمة قد وجدت الحل السحري لأزمتها مع الواقع في عالم سحري ليس له علاقة بالواقع أصلا، وطبيعي جدا أن تستوعب انهيار الواقع ببطء لأنها تعيش متقوقعة دون رؤيته، ومتحوصلة دون الإحساس به، لأن أصل علاقتها بالواقع هو التقليل من إزعاجه لها بالانفصال عنه، وإذا كان الأمر كذلك، فالتباطؤ في إدراكها لحقيقة انهيار الواقع، بل وحنينها إلى ذلك الواقع، هو أمر متوقع بلا شك.
وثم سبب ثالث يفسر تباطؤ الأنماط القديمة في إدراك الواقع الجديد، يضاف إلى سبب الحنين إلى الواقع القديم وإلى سبب ضعف إدراك التغير في الواقع أصلا، وهو سبب يتعلق بتكوين الجماعات عموما، فالجماعات هي أقل عقلا من أفرادها، وأقل حرية منهم، وهي أشبه ما تكون بالجمادات التي تتحرك بالقصور الذاتي، تعتاد على أمر ما فتظل عليه دون النظر لأي اعتبار آخر سوى أن تظل عليه.
لا تحسنوا الظن بالنمط السلفي ولا بالنمط الإخواني مهما أظهر كل منهما من تنكّر، المؤيدون لحازم أبو اسماعيل مؤخرا هم إما أنهم لا يمثلون النمط السلفي بالقدر الكافي، وإما أنهم مخادعون مطعون في مقاصدهم.
من أراد أن يزن الأمور بشكل صحيح، فيضمن لنفسه مسلكا قويما، ويتصرف بثقة وبشكل لائق، فإنني أهمس له في أذنه: إمام السلفية الأكبر «ياسر برهامي» هو السلفي حقا، أكثر إخلاصا من «الخائنين» للنمط السلفي أمثال «حسين يعقوب» و « محمد حسان» والذين تركوه وركبوا موجة المتحررين من الأنماط، كما أنه أكثر سلفية من المحتررين من النمط السلفي بقدر أو بآخر مثل الشيخ«أحمد السيسي»  بل وإليك سرا خطيرا آخر: «طلعت زهران » و «محمد سعيد رسلان» هما أكثر سلفية من «ياسر برهامي» ، لأن بؤرة هذا النمط هو الهروب لعصر بني أمية ، وأولى دلائل هذا الهروب هو عقدة «ولي الأمر»، و الأَخَوان: «زهران» و «رسلان» هما الأكثر تمثيلا لهذه العقدة. تماما كما أن «عبد المنعم أبو الفتوح» هو الأكثر «إخوانية» من الشيخ «وجدي غنيم» الذي أظهر قدرا كبيرا من التحرر من النمط الإخواني.
ما الذي نستفيده من هذا الترتيب للشخصيات ومن هذا التقسيم للنمط إلى بؤرة وهامش؟ الذي نستفيده هو أنه لا طريق إلى تبرئة ساحة الأنماط القديمة عن طريق إظهار بعض المحترمين فيها، لأنهم لم يكونوا كذلك إلا من حيث أنه « على هامش النمط » ، واختباء النمط لهم هو نوع من خداعه لنا، كما أن إظهار النمط لاستياءه من بعض المبالغين في تمثّله هو أيضا نوع من خداعه لنا كذلك، وبناء على ذلك، فإنه لا خلاص لنا من هذه الدوافع الشريرة إلا بالهجوم على بؤرة النمط نفسها، الهجوم على ذلك الكيان الاعتباري المسمى بالدعوة السلفية، أو المسمى بجماعة الإخوان، وما تفرخ عنها من أحزاب.
الهجوم على النمط نفسه، لفرزه وتطهيره وإصلاحه.

عن marsad

اترك تعليقاً