المرأة السعودية والاولمبياد

المرأة السعودية والاولمبياد

د. مضاوي الرشيد

يتزامن الاهتمام الاعلامي الغربي بموضوع مشاركة امرأتين سعوديتين في الاولمبياد مع حراك نسائي في الداخل يدور حول قضية المعتقلين السياسيين في السعودية حيث خلال شهر واحد اعتصمت نساء واقارب مساجين الرأي في اكثر من ساحة عامة بدأ بالمراكز التجارية وعلى ابواب السجون وفي باحات الوزارة المعنية باحتجاز نساء ورجال بدون محاكمة كان آخرها اكبر تجمع في جدة ادى الى المزيد من الاعتقالات التعسفية. وبينما تظل قضية الرياضيات السعوديات ساخنة كملف تتسلى به الصحافة الغربية نجد ان صفحاتها وتقاريرها تتجاوز موضوع الحراك النسائي الجديد على الساحة والذي يختلف عن كسر الحظر عن قيادة السيارة وغيرها من الموضوعات المثيرة كعمل المرأة في بيع الملابس النسائية الداخلية او كحسابات في الاسواق التجارية.
ربما يعود هذا التجاهل الى اتفاق رؤية الصحافة الغربية مع رؤية النظام السعودي والذي حجب موضوع الاعتقالات عن الاعلام وصور المعتقلين على انهم ارهابيون يصادرون الحريات ولو تمكنوا لحولوا السعودية الى دولة طالبانية وعثوا في الارض فسادا ورغم الدعاية السعودية المتمكنة من صياغة الرأي العام وتأليبه على المعتقلين الا اننا نجزم ان هؤلاء ابرياء لهم حرية الرأي وطالما انهم لم يحرضوا على العنف وما زالوا محتجزين دون محاكمة فهم ابرياء حتى تثبت ادانتهم في محاكم مفتوحة ومستقلة لا تحكم بأهواء وزارة الداخلية والجهاز الامني.
ورغم ان بعض المعتقلين قد أبدى آراء تعتبر متطرفة الا ان الكثير منهم يقبعون في السجن على خلفية شبهات او علاقات اسرية مع مطلوبين امنيا بسبب تعاضدهم مع تيارات اسلامية تصنف انها ارهابية لكن معظمهم يعتقل على خلفية انتقادات للسلطة او الحراك الشعبي او الخروج في مسيرة منظمة او حتى رأي يخالف التوجه الرسمي يبثه على شبكات التواصل الاجتماعي.
ونجزم هنا ايضا ان ليس كل معتقل سياسي في السعودية ارهابيا ومتطرفا بل ان النظام يعتبر كل من له قدرة على تنظيم حراك شعبي خطر عليه وقد طال الاعتقال الحقوقيين الذين يتعاونون مع اسر المعتقلين ويوصلون اصواتهم الى العالم لذلك تبدو تهمة الارهاب التي يعتمد عليها النظام تهمة واهية خاصة عندما يستدعى نشطاء حقوقيون الى المحاكم للاستجواب في دوائر مغلقة وتوجه لهم تهم فضفاضة كالحديث لوسائل الاعلام العالمية او تصوير فيلم عن الفقر او التجمهر عند بوابات الوزارات طلبا للعمل. يخاف النظام السعودي من العمل المنظم الذي يكشف زيف خطابه الذي يدعي ان مشاكله في مجملها تقصير اداري واقتصادي ستحلها هيئات مكافحة الفساد الوهمية. وبعد ان اتجه النظام الى اعتقال رجال اسر بكاملها لم يبق سوى النساء يخرجن مطالبات بمحاكمات عادلة سريعة لذويهن او الافراج عنهم وعن الذين لا يزالون في السجن رغم انقضاء مدة الاحكام وانتهاء فترة الحجز. وبدأ النظام يتلاعب بهذه القضية بعد ان اصبحت محورية فيخرج سجينا ليدخل العشرات الآخرين وينقل احدهم من الرياض الى جدة ويخضعهم لدورات تسمى مناصحة ثم يعيد ويسجن آخرين لتتحول القضية برمتها الى حديث عابر تتخلله مطالبات بعفو ملكي او بيانات تستجدي خروج السجناء من المسؤولين. وفي ملف الاعتقالات تصدرت النساء بمعونة بعض الناشطين الواجهة عندما خرجن حاملات اليافطات الداعية لرفع الظلم عن اقاربهن في بيئة لا تعترف بالمرأة ككيان حقوقي مستقل خارج الوصاية والتبعية الذكورية.
لقد اثبتت هذه المرأة بالذات قدرتها على التجاوب مع رفض الظلم فتظاهرت واعتصمت في حر الصيف القاتل ووقفت لساعات طويلة تنادي بحقوق زوجها وابنها ووالدها وتلفت انتباه مجتمعها لقضية مغيبة ففضحت مثقفات السلطة المحتفيات بمشاركة امرأتين في الاولمبياد ولم ترتجف اقلامهن لمعاناة اخرى تعيش دون اهلها في مجتمع لا يرحم النساء الفاقدات لمعيلهن ومحرمهن ففي السعودية المرأة بدون رجل تكون غير قادرة على تسيير امورها الحياتية البسيطة وتلبية احتياجات اسرتها حيث تحتاج الى رجل ينقلها من مكان الى آخر ويدخلها الى المستشفى ويوقع نيابة عنها ويسمح لها بالعمل والدراسة تحت نظام يعتبرها قاصرة في حالة فريدة لم تعرفها المنطقة العربية او الاسلامية ويطبق هذا الحجر على المرأة بانتقائية حيث تفلت منه نساء الطبقات المخملية ومثقفاتها اللواتي يطفن العالم دراسة وتسوقا وعلاجا دون ان تتقيد حريتهن بغياب اولياء أمورهن وتبقى المرأة غير الميسورة فريسة لانظمة صارمة تزداد صرامة بغياب المعيل والممثل الوحيد لمصالحها ويصور ذلك على انه تقيد بالشريعة الاسلامية والخصوصية السعودية المبنية على نفي المرأة من الوجود القانوني والحقوقي كشخصية مستقلة لها حقوق وعليها واجبات. ومن هنا لم يستبشر بخبر مشاركة المرأة السعودية في الاولمبياد سوى الاعلام الغربي ومثقفات الطبقة المخملية حيث غاب عن هؤلاء قضية الحراك النسوي المرتبط بقضية المساجين السياسيين الملحة.
من وجهة الاعلام الغربي تعتبر مشاركة المرأة السعودية في الاولمبياد انتصارا لهيئات رياضية تدير اللعبة الاولمبية من باب الاستهلاك والربح العالمي المرتبط بالحملات الدعائية والاستهلاك لمنتوجات منها الساعات والملابس الرياضية حيث فقدت روحها الرياضية وتحولت الى سوق جديد تستثمره اليد الرأسمالية بأبشع صورة ودعاية فجة ولو كانت الهيئة المشرفة على ترتيب الدورة الاولمبية في لندن جادة في مساندتها ونصرتها لحقوق الانسان والمساواة لكانت حظرت مشاركة السعودية وعاقبتها على اختراقها المستمر والمبرمج لحقوق المواطنين نساء ورجالا ولكنها كنظيرتها الفورمولا ون التي تسابقت في الوصول الى البحرين رغم اندلاع ثورة تقمع يوميا من قبل الاجهزة الامنية هناك. ويذكرنا هذا في الضغط العالمي على افريقيا الجنوبية وتمييزها العنصري حيث حرمت هذه الاخيرة من المحافل الرياضية والمشاركة فيها حتى سقطت انظمة التمييز العنصري وهيمنة البيض على مرافق الحياة فيها. ولم ينجح هذا النفي الا عندما ارتبط بمقاطعة سياسية وحجر اقتصادي أربك النظام العنصري الى ان استسلم وانتهى.
قد يتساءل البعض عن المقصد خلف اهتمام الغرب بقضية المرأة السعودية ويفسره البعض على انه هجمة مقصودة لاضعاف الامة واختراقها عن طريق المرأة لكن هذه التفسيرات لا تتعاطى مع السبب الحقيقي خلف تشدق الغرب ودفاعه عن نساء السعودية حيث يكمن السبب في طيات منطق الاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي يدعي نصرة حقوق المرأة لكن هدفه الحقيقي تحرير اليد العاملة من القيود التقليدية وجلبها الى سوق العمل خاصة وان كانت متعلمة ذات مهارات جيدة مطلوبة وفي حديث مع احد رؤساء الشركات الغربية العاملة في القطاع الخاص السعودي اتضحت الصورة عندما قال انه يجد صعوبة في توظيف النساء المتعلمات بسبب القيود المفروضة على الشركات المتعلقة بالاختلاط وضرورة موافقة ولي الامر الى ما هنالك من قوانين تتعلق بتوظيف النساء في السعودية وافصح المسؤول انه يفضل توظيف النساء ليس لانه يريد ان يختلي بهن بل لانه يريد موظفين بدرجات عالية تعليمية وتفان في العمل كماهو حال المرأة المعلمة في السعودية او خارجها.
تحرير اليد العاملة النسوية كان هدفا لهذه الرأسمالية خلال القرن العشرين خاصة في اوروبا عندما حصل نقص في اليد العاملة نتيجة حربين عالميتين فوجدت هذه الرأسمالية الحل في توظيف النساء واستقدام اليد العاملة من خارج الحدود بأعداد كبيرة من اجل خفض تكلفة اليد العاملة وحتى هذه اللحظة لم يحل الغرب معضلة تفاوت الاجور بين الرجال والنساء وبين هؤلاء واليد العاملة الاجنبية خاصة غير الشرعية حيث تقبل هذه الاخيرة بأجور منخفضة وليس لها نفس الحقوق كاليد العاملة المحلية. فالرأسمالي الغربي العامل في السعودية يريد يد عاملة رخيصة يدفع لها اجرا يقل عن الاجر وتكلفة توظيف الرجال او توظيف اليد العاملة المستوردة الى السعودية ويعتقد انه سيجد طلبه عندما تفتح الابواب لتوظيف المرأة والتي قد تقبل بأي أجر ان كانت فعلا تحتاج الى اعالة أسرة او المساهمة في مصروف منزلها. من هنا يبدو اهتمام الغرب بتحرير المرأة وحقوقها وكأنه عمل انساني والتزام بمعاهدات ووثائق دولية لكنه بالنهاية يصب في خانة الهدف الرئيسي وهو خفض الاجور نتيجة ازدياد العرض وارتفاع الارباح وهذا هو المبدأ الرأسمالي القديم العصي.
فالاحتفال بمشاركة المرأة في الالعاب الرياضية ليس الا رمزا لمشروع اكبر من الرياضة والتي هي ايضا تحولت الى عملية ربحية تخضع لمعايير الرأسمالية العالمية حيث تباع اليوم بطاقات الحضور من قبل القائمين عليها باسعار خيالية وتشتريها الشركات العالمية لتسلية زبوناتها وتوثيق الصفقات المالية في حفلات بذخ وصرف خيالي هي ابعد ما تكون عن الرياضة والرشاقة خاصة عندما تكون مفعمة بولائم ومشروبات من كل حدب وصوب بينما يبقى الجمهور الكبير والعريض متسمرا امام شاشات التلفاز يتابعها بنهم ويندب حظه بسبب عدم قدرته على تغطية تكاليف الحضور جسديا في محافل الملاعب الكبيرة.
أظهرت الاولمبياد مدى الهوة بين اهتمامها واهتمام المشغولين بمشاركة المرأة السعودية وبين نساء الجزيرة العربية اللاتي يعشن هم السجن والاعتقال التعسفي دون نصرة العالم او حتى الغالبية العظمى في مجتمعن.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

عن marsad

اترك تعليقاً