بين ميدان التحرير وميدان العتبة

بين ميدان التحرير وميدان العتبة

د. فايز أبو شمالة

لا أزمة وقود كالسابق في مصر، وما عادت الكهرباء تقطع عن أحياء القاهرة الكبرى، ويمشي المصريون في الشوارع آمنين، رافعين رؤوسهم، يملأهم الأمل، يتناقشون بعضهم في السياسة، ويتنافسون في انتمائهم لمصر، يؤيدون هذا الحزب، ويعترضون على هذا السياسي، ويتبادلون أسماء الشخصيات السياسية والدينية في مجمل أحاديثهم، ونسوا أنهم كانوا في ذات يوم يهتمون بأسماء الممثلين والمغنيات، وينشغلون بأسماء لاعبي الكرة التي ملأت رؤوسهم.
إنها مصر العربية، فأينما يممت وجهك تجد ملامح الصحوة الإسلامية، والعودة الواعية للدين، حتى أن الزائر لمصر يلاحظ الناس تصطف للصلاة وسط الشارع، أما في محطات المترو تحت الأرض، فقد تم تخصيص مساحة محدودة للصلاة ، لقد صار المصريون أكثر وداً، وأكثر قرباً من بعضهم، وأكثر ثقة في غدهم، وغالبتيهم تؤمن أن الصبر مفتاح الفرج، ولذا لا يستعجلون قطف الثمر، رغم الفقر الذي يضرب حياة معظم المصريين.
وبعيداً عن الحشود التي توافدت على ميدان التحرير بهدف محاسبة الرئيس مرسي على ما أنجزه في مئة يوم من العمل، وبعيداً عن الحشود التي توافدت على ميدان التحرير تأييداً لقرار الرئيس بتعيين النائب العام سفيراً، بعيداً عن هذه المشاحنة التي ضخمها الإعلام، تمشي مصر على طريق الاستقرار والنهوض، وقد شدتني الأحداث في ميدان العتبة وسط القاهرة أكثر من أحداث ميدان التحرير، ففي تلك البقعة الجغرافية التجارية التي يسمونها “صرة مصر”، والتي تزدحم بالباعة المتجولين إلى حد إغلاق الشوارع نهائياً، احتشدت الشرطة المصرية بأعداد كبيرة في ميدان العتبة، وقامت بفتح الشوارع المزدحمة الممتدة من ميدان العتبة وحتى العباسية وداخل شارع الجيش، لقد حررت الشرطة المصرية الشوارع من الباعة المتجولين، الذين تأكد لهم جدية الشرطة في تنفيذ القرار، فانهزموا متفرقين، إنها خطوة تحدٍ للفوضى والانفلات، ودليل على أن مصر تسير بثقة إلى النظام والاستقرار والحياة الآمنة.
يجمع المصريون قاطبة على حب فلسطين أرضاً وشعباً، ولا يختلف مصريان على كراهية “إسرائيل”، وقد استمعت بالصدفة إلى حديث جري بين بعض المصريين،
قال الأول: أخشى من تداعيات السياسة المصرية الخارجية، وآثارها السلبية على حياتنا في المستقبل، وأخشى من إمكانية تطور الأوضاع في سيناء إلى حرب مع “إسرائيل”، وما ستجره من دمار وموت وهلاك على مصالح مصر والمصريين.
قال الثاني: وما العيب في محاربة العدوان الإسرائيلي؟ وماذا يضير مصر أن تحمل لواء الكرامة العربية، وتحرير التراب المقدس؟ ألم يكن قدر مصر عبر التاريخ أن تحمل لواء طرد الغزاة؟ وأضاف شعراً: إذا كان من الموت بدٌ، فمن العار أن تموت جباناً.
قال الثالث: نعم، أنا مع هذا الرأي، لتأخذ مصر دورها التاريخي، شرط أن يكون الاستعداد والإعداد هو العنوان، وشرط أن لا تأخذنا “إسرائيل” على حين غرة، وحتى لا تخرج منتصرة في حربها مع مصر، وأضاف الرجل بمرح المصريين المعروف: أنا مصري قبطي، فإذا كان من الحرب بدٌ، فمن العار أن لا تزولَ إسرائيلُ.
هذه هي مصر التي تنهض في وعي المصريين وفي وجدانهم، هذه مصر التي تبني مجد الأمة العربية والإسلامية بيد أنبائها رغم معاول الهدم الداخلية والخارجية..

عن marsad

اترك تعليقاً