لماذا تأخر الحسم في سوريا؟

لماذا تأخر الحسم في سوريا؟

كتب: علاء عوّاد

صورة الدم اليومية الطاغية على المشهد السوري، هي وحدها من تعبر على ما يجري من أحداث في سوريا، وهي وحدها أيضاً من تعبر عن حقيقة ما يجري منذ أن بدأت ثورة شعبية ضد نظام ظالم قاتل.
وحده النظام في سوريا هو من يتخذ من القتل أداة للبقاء، ووحده الشعب السوري هو من يتخذ من صدوره العارية أداة لنيل الحرية.
خلف هذه الصورة الدامية ثمة صور أخرى خافية تكشف عن جواب السؤال الذي يتردد دائماً: لماذا تأخر الحسم في سوريا؟، ولماذا لا تزال الصورة تنزف دما من أبناءها؟.
لكن الاجابة عن هذين السؤالين ليس بالسهل، والمدقق والمتفحص في البحث عن اجابة يجد نفسه أمام تعقيدات كثيرة.
يوم الثلاثاء 15 أذار / مارس عام 2011 انطلقت شرارة الثورة السورية، وكان ذاك اليوم كفيلا أن تعلن فيه بداية الاحتجاج ضد النظام الظالم.
بدت المواقف الغربية كعادتها في التعامل مع أي ثورة عربية (من قبل تونس ومصر وليبيا واليمن) ملتبسة ضبابية.
هنا بدأت المزايدات الغربية، دول غربية قالت إنها مع الشعب السوري، وأخرى طالبت بشار الأسد باجراء اصلاحات أو الرحيل عن الحكم.
لكن هذه التصريحات لم يتبعها أي تطبيق عملي على أرض الواقع بحسب المجريات ( حتى يومنا هذا لم يتحقق شيء)
ما يهمنا هنا في المواقف الدولية بشأن الثورة السورية، الموقف الأمريكي، والموقف الاسرائيلي، والموقف الغربي.
الموقف الأمريكي
بدت تصريحات المسؤولين الأمريكيين (من بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون) منذ أن بدأت الثورة السورية تتصاعد تدريجياً، من عند المطالبة باجراء اصلاحات سياسية ودستوري في سوريا إلى حد أن ايام الأسد باتت معدودة.
لكن ما خفي في هذا الموقف أنّ واشنطن ليست معنية برحيل الأسد في الوقت الحالي ويعود الأمر إلى عدة أسباب:
أولاً: بالنسبة لواشطن فإنّ ما يحدث في سوريا ورحيل الأسد أو انتصار الثورة لا يعد أولوية، فهي منشغلة بالانتخابات الرئاسية نهاية شهر نوفمبر العام الحالي.
ولا يغدو الملف السوري في هذه الانتخابات إلا كمادة انتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين.
فالجمهوريون (ميت رومني) يشددون في مواقفهم لحد المطالبة بالتدخل العسكري في سوريا، والديمقراطيون (باراك أوباما) يظهرون تريثاً في ذلك تحت حجج المصالح الأمريكية. ولو كان الأول هو من يحكم لكان الثاني هو من يتشدد في الموقف.
على الرغم من تصريحات المسؤولين الأمريكين المطالبة برحيل الأسد -وهذا ثانيا- فإن حقيقة الموقف من خلال مجريات الواقع لاتدل على أن واشنطن بالفعل تريد رحيل الأسد.
ويعود ذلك للمصالح الأمريكية في المنطقة، فالنظام الحالي أسلم لهذا المصالح، على أن ضبابية تلف مستقبل اليوم الثاني في سقوط النظام بالنسبة للامريكيين الذين يبحثون عن أجوبة لأسئلتهم: من الذي سحيكم سوريا بعد بشار؟. وماذا عن حقيقة التنسيق مع النظام الجديد؟ لاسيما وأن المعارضة السورية الان غير متفقة على رؤية واضحة لما بعد سقوط الأسد.
ثالثا: تسعى واشنطن وتدفع أيضا باتجاه تدمير سوريا وانهاك كافة الاطراف فيها (أركان النظام والمعارضة والثوار) حتى يسهل عليها تقدير الموقف وفق مصالحها الخاصة.
لهذا فإنها تعمل على أن ترى سوريا بعد فترة وجيزة مدمرة، قُتل من قُتل فيها وأُنهك من أُنهك فيها وتنازع من تنازع عليها، واستناداً لهذه الصورة يسهل عليها التحكم بهذا البلد الذي يتمتع يموقع جغرافي متميز.
الموقف الاسرائيلي
البرفسور دانيل باي رئيس منتدى الشرق الأوسط، وأحد كبار الباحثين اليهود الأمريكيين يتحدث في مقالة له بصحيفة ” إسرائيل اليوم ” الإسرائيلية عن الأسباب التي توجب على الغرب وإسرائيل الحفاظ على نظام الأسد واستمرار بقائه وهي:
أولاً: نظام الأسد علماني وغير أيدلوجي و”مانع” للفوضى، وسقوطه يعني حلول جماعات متطرفة محله تهدد استقرار المنطقة.
ثانيا: بقاء الصراع في سوريا مفتوحاً مفيد للغرب لأنه سيضعف القوى السنية والشيعية، في الوقت ذاته يكرس الصدع بين إيران والعرب.
ثالثا: من سيحل محل الأسد لن يتردد في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد إسرائيل، لذا يجب عدم تسليح ” المتمردين والامتناع عن تدشين مناطق حظر طيران”
رابعا: يرى بايس أن على الغرب سيتدخل فقط من أجل السيطرة على مخزون السلاح الكيماوي الضخم فقط لمنع وصوله للاسلاميين.
وعلى الأقل هذا يعبر عن موقف المسؤولين الاسرائيليين ازاء الثورة السورية وعلى هذه الاساس يتعاملون مع ما يحدث في سوريا.
الموقف الغربي
لا يخفي الثوار خيبة أملهم من الموقف الأوروبي حيال تعامل الدول الغربية مع الملف السوري، فهم يقولون إنّ مواقف تسجل من هذه الدولة وتلك لكن لا شيء على أرض الواقع وتذهب التصريحات المطلقة أدراج الرياح.
ولا ينسى السوريون بالطبع المؤتمرات التي عقدت في أكثر من عاصمة غربية من أجل “نصرة الشعب السوري”، لكن هذه المؤتمرات لم تحقق من عنوانها شيئاً.
فدولة مثل فرنسا تحدث مسؤولوها غير مرة على ضرورة رحيل الأسد وانهاء اراقة الدم السوري، وتحدثوا أيضاً عن ضرورة الاعداد جيداً في مرحلة ما بعد الأسد.
ودولة مثل بريطانيا أعلن وزير خارجيتها وليام هيج مؤخراً عن فتح قنوات اتصال مع الجيش السوري الحر فقط من أجل “توحيد المعارضة”، وللمفارقة لم يطرق الوزير إلى موضوع دعم الثوار بالسلاح في مواجهة قوات نظام بشار الأسد.
وبناء على ما سبق يمكن استخلاص الموقف الخارجي من الثورة السورية في النقاط التالية:
أولاً: لا توجد هناك أي قناعة دولية (أوروبية – أمريكية – إسرائيلية) بأن المصلحة في رحيل الأسد. وما يقال عكس ذلك من أفواه المسؤلين هو فقط من أجل اظهار صورة تحاول الاقناع بأن الدول مع إرادة الشعب، والحقيقة أن هذه الصورة مزورة. الصورة الأصلية أن الدول مع مصلحتها لو تعارض ذلك مع إرادة الشعوب.
ثانيا: تواطئ الغرب في عدم مد المعارضة في السلاح. فهل الدول الغربية عاجزة عن تسليح الجيش السوري الحر؟. الجواب في الحقيقة لا. ذلك أن الدول قادرة ليس فقط على التسليح بل قادرة أيضاً على اسقاط النظام في سوريا. وهنا نتسائل مرة أخرى. لماذا لا يتم تسليح الجيش السوري الحر؟. الجواب باختصار لان ليس هناك توجه لرحيل النظام ولا توجه لتقوية المعارضة ولا توجه أيضاً لحسم المعركة، التوجه الموجود الان تحقيق أكبر قدر من الدمار والقتل.
ثالثاً: موقف المعارضة المتشرذم في سوريا يجعل من الدول الغربية ان تكون مصرة على موقفها بأن الحسم في سوريا لم يحن بعد. فبالنسبة للغرب لا يمكن الحديث عن اسقاط النظام دون الحديث عن مرحلة ما بعد الأسد.
ختاما. حين نقول ان موعد الحسم في سوريا، وحين نقول ان الدول الغربية قادرة على تعجيل ذلك. هناك امور يجب ان تحقق وهي:
اولا: تسليح الجيش السوري الحر.
ثانيا: اقامة منطقة عازل وممر آمن لفارين من قتل النظام.
ثالثا: حصار النظام في سوريا ما يجلعه أضعف أمام الثورة السورية، دبلوماسيا واقتصاديا.
رابعاً: تطبيق حظر جوي في الاراضي السورية لوقف الطائرات التي تقصف صباحا مساء الأبرياء في سوريا.
خامساً: دعم الدول التي لجأ اليها اللاجئون السوريون هربا من المعارك، بحيث تكون الدول قادرة على تأمين المسكن والطعام لهؤلاء اللاجئين لا أن تقدم على اغلاق حدودها في وجوههم.

عن marsad

اترك تعليقاً