رسالة من بطل فتى اسير في سجون الانقلاب
بقلم : هاني حسبو
أوجب الله عز وجل على المسلم أن يربى أبنائه وأهله تربية صالحة وأن يجعلهم من المؤمنين الصالحين في أنفسهم المصلحين لمجتمعاتهم فقال الله عز وجل:
“يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.”
لذلك جاءت عبارات السلف المفسرة لهذه الآية تدور في فلك وجوب التربية على المسلم وأنها ليست من نوافل الأعمال بل هي من الفروض التي فرضها الله على المكلفين. فهذا الإمام على بن أبى طالب يقول في تفسيرها:
“قوا أنفسكم وأهليكم نارا أي علموهم وأدبوهم”.
أما ترجمان القرآن عبد الله بن عباس فيقول:” ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار .
لسنا هنا في معرض الإتيان بأدلة تثبت هذا الحكم الشرعي ولكن نلقى الضوء على مثال حي واقعي من رجل بسيط اتبع هدى الإسلام في تربية ولده على أصول الإسلام ومبانيه وفروعه واجتهد في ذلك أيما اجتهاد في حدود إمكاناته حتى إذا جاء وقت الحصاد وجد الولد بالفعل بطلا مغوارا وأسدا جسورا.
بطل قصتنا اليوم فتى في مقتبل العمر يبلغ حوالي ستة عشر عاما. رباه أبوه على العزة والكرامة وأن مصدر عزته وكرامته هو الإسلام فمهما ابتغى العزة في غير الإسلام أذله الله ومهما اعتز بدينه كان عزيزا بعزة الله.
نشأ هذا الفتى في ظل هذه المعاني العظيمة والرياض الخضرة حتى أصبح بالفعل مثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم “وشاب نشأ في طاعة الله”.
ظل يتشرب هذه المعاني حتى جاء وقت الاختبار ليثبت لله ولأبيه ولنفسه أنه بطل عظيم من أبطال هذا الدين ، حانت ساعة الجد وأتى الموعد فقد داهمت قوات الانقلاب وميليشياته بيت الرجل البسيط ليقودوا هذا الفتى لمعتقله وسجنه الظاهري كما توهموا. ظن القوم أن الفتى الصغير لن يطول به المقام كثيراً حتى ينهار ويقضوا عليه ويطفئوا شمعة أنارت طريق كثير من الحائرين.
سجن البطل وجدد له الحبس مرات ومرات والبطل صامد لا يلين ولا يضعف بفضل صدق وإخلاص الأب في تربية الولد وانعام الله على عباده المخلصين.
جاءت اللحظة الفارقة التي أثبت فيها البطل بطولته فبعث الولد بخطاب ورسالة إلى أبيه أنقل منها هذه الفقرات لنتعرف على بطل صغير السن كبير المقام.
يقول البطل الصغير:
“أحب أن أطمئنك على، فأنا أعلم أنى الآن في رباط على أحد ثغور الإسلام، صابر ومحتسب أرجو الثواب والأجر من الله وحده سبحانه. لكن لا تكف عيني عن الحنين لرؤية وجهك البشوش الضاحك المنير”.
وفى موضع أخر من الرسالة يكمل بطل قصتنا ملحمته البطولية فيقول:
“أرجوك لا تحمل همي فأنت أدرى بي من نفسي، أدرى بمن ربيت وصنعت منه رجلا يحمل هم الإسلام من بعدك.
أوصيكم بقول الله تعالى:”يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا………….”
احتسبوا تلك المحن عند الله وأكملوا دربكم وكفاحكم حتى بناء دولة الإسلام قوية.
لا تحسبوا النصر بعيدا، إنه فوق الرؤوس ينتظر كن ليكن، فانظروا أين موضع أقدامكم؟. فاستعدوا جميعا للشهادة”.
ويختم بطلنا رسالته فيقول:
“أخيراً صبر أمي وإخوتي وعلم إخوتي أن أخاهم ما سجن إلا في طريق الحق ولإعلاء راية الإسلام”.
إنها التربية يا سادة حينما تترجم وتتحول إلى واقع عملي ملموس، إنه جيل النصر المنشود الذي يحاول أعداء الله ورسوله أن يطمسوا ملامحه ويدفنوا سماته لكن هيهات هيهات فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.