ويسألونك عن رابعة

رابعة ميدانويسألونك عن رابعة

هاني حسبو

تكنى بأم الخير، ارتبط اسمها بالزهد والعبادة والتصوف فهي عابدة من الطراز الأول. هي رابعة بنت إسماعيل العدوي التي اختلف الكثيرون في تصوير حياتها وشخصيتها ولكن المؤكد أنها رمز للعبادة والصلاح فقد عاشت حياتها عذراء بتولاً برغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد وان كان هذا مخالف للهدى النبوي ولسنة الله في أرضه.

تختلف أو تتفق مع سيرة هذه العابدة الا أنها تظل رمزا من رموز العبادة والزهد على مر التاريخ الإسلامي كله.

منذ ما يزيد على سنة تقريبا برز اسم رابعة العدوية مرة أخرى ولكن ليس في صورة شخص ولكن في صورة ميدان.

اعتصم آلاف الشباب والنساء والشيوخ في ميدان رابعة العدوية عندما أحسوا أن هناك خطر ما قد يداهم مصر كلها وبالفعل صدقوا في حسهم هذا فتمثل هذا الخطر في “انقلاب” على كل الأصعدة دمر الأخضر واليابس.

اعتصم القوم بربهم أولا ثم في ميدانهم ليعبروا عن رفضهم لكل أشكال الظلم والطغيان.

اعتصموا ليقولوا للناس أجمعين أنهم أصحاب قضية عادلة يجب أن يحكم فيها بحكم الله وعدله.

لكن القوم لا يرقبوا في مؤمن إلا ولاذمة.فقد تقاسموا بالله لنبيتنهم وأهلهم ثم لنقولن لوليهم ما شهدنا مهلك أهلهم وإنا لصادقون.

ظن القوم أنهم هم المسيطرون على مقاليد الأمور وهم المدبرون لهذا الكون فانطلقوا يقتلون ويحرقون ويسجنون خيرة شباب ورجال هذه الأمة.

نعم يا سادة كانت مجزرة ومحرقة رابعة في الرابع عشر من أغسطس عام 2013 جريمة شنعاء بكل المقاييس، جريمة ستظل عالقة في الأذهان لسنين عدة وذلك لأننا شاهدناه على الهواء مباشرة وما خفي من جرائم سربت بعد ذلك في مقاطع للفيديو.

جريمة رابعة فاقت جرائم العدو الصهيوني تجاه إخواننا في فلسطين وذلك لأن ما قتل خلال هذه السويعات فقط زاد عن أربعة آلاف شهيد نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحد.

نعم أربعة الاف أو يزيدون خلال ساعات قليلة، أربعة الاف برئ كل جريمتهم أنهم قالوا ربنا الله.

قصة أصحاب الأخدود تتكرر من جديد في القرن الحادي والعشرين وان اختلفت الوجوه واجتمعت القلوب.

“وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد.”

لكن كما قال الشهيد بإذن الله سيد قطب رحمه الله وهو يعلق على خواتيم سورة البروج:

” إن الذي حدث في الأرض وفي الحياة الدنيا ليس خاتمة الحادث وليس نهاية المطاف. فالبقية آتية هناك. والجزاء الذي يضع الأمر في نصابه، ويفصل فيما كان بين المؤمنين والطاغين آت. وهو مقرر مؤكد، وواقع كما يقول عنه الله:

(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات). ومضوا في ضلالتهم سادرين، لم يندموا على ما فعلوا (ثم لم يتوبوا). (فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق). وينص على(الحريق). وهو مفهوم من عذاب جهنم. ولكنه ينطق به وينص عليه ليكون مقابلا للحريق في الأخدود. وبنفس اللفظ الذي يدل على الحدث. ولكن أين حريق من حريق ؟ في شدته أو في مدته! وحريق الدنيا بنار يوقدها الخلق. وحريق الآخرة بنار يوقدها الخالق! وحريق الدنيا لحظات وتنتهي، وحريق الآخرة آباد لا يعلمها إلا الله! ومع حريق الدنيا رضى الله عن المؤمنين وانتصار لذلك المعنى الإنساني الكريم. ومع حريق الآخرة غضب الله، والارتكاس الهابط الذميم!

ويتمثل رضى الله وإنعامه على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار). وهذه هي النجاة الحقيقية: (ذلك الفوز الكبير). والفوز: النجاة والنجاح. والنجاة من عذاب الآخرة فوز. فكيف بالجنات تجري من تحتها الأنهار ؟

بهذه الخاتمة يستقر الأمر في نصابه. وهي الخاتمة الحقيقية للموقف. فلم يكن ما وقع منه في الأرض إلا طرفا من أطرافه، لا يتم به تمامه. وهذه هي الحقيقة التي يهدف إليها هذا التعقيب الأول على الحادث لتستقر في قلوب القلة المؤمنة في مكة، وفي قلوب كل فئة مؤمنة تتعرض للفتنة على مدار القرون”.

إذا كان ثم تشابه بين موقف “رابعة” وموقف “أصحاب الأخدود” فهو أن كلا الموقفين قد انتهيا بالحريق. ولكن إذا نظرنا إلى الحقيقة الغائبة لوجدنا أنه بالرغم من أنه حريق إلا أنه خير فلو رجعنا بالذاكرة إلى الوراء لوجدنا أنه لم يكن هناك فئة مؤمنة الا الغلام أما الآن فإنه بعد قول الملك “باسم الله رب الغلام” آمن الناس. إذا لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير.

وتماما بتمام بعد هذه المحرقة عرف الناس من الظالم ومن الباغي ومن المتكبر.

عرف الناس من الذي يقول بلسان الحال “أنا ربكم الأعلى “ومن الذي يقول “أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي”

عرف الناس أن هناك منزلة في الدين تسمى الشهادة وأن هناك شهداء تراهم بأم عينك كنت منذ ساعات قليلة تكلمهم ويكلمونك.

عرف الناس بعد رابعة أن الطريق إلى الله ليس مفروشا بالورود بل هو طريق التضحيات والشهادة.

عرف الناس بعد رابعة أن القوم يتربصون بأهل الصلاح والتقوى فقد استشهد كثير من حفظة القرآن والعلماء لذلك لابد من اعداد العدة كي تعوض هذا الجيل.

فإن سألوك عن رابعة فقل “رابعة الصمود” وقل “رابعة الكاشفة” وقل “رابعة هي الملاذ”

رابعة هي الوطن الذي يحتضن الشرفاء.

رابعة هي الأمل في غد مشرق.

رابعة هي الفرق المبين بين الظالمين والأتقياء المنيبين.

نعم كانت هناك أخطاء حدثت جعلت النصر مؤجلا لكن الثابتين الواثقين من نصر رب العالمين سيجعلون دائما من رابعة “أيقونة التضحية”.

ولعل الله أن يجمعنا في رابعة التي اشتاق إليها المشتاقون فقالوا:

“مشتاق يا رابعة للقيام.

وصوت محمد في القيام.

وأفرش على أرضك وأنام”

سلام على رابعة في كل وقت وحين.

 

عن Admin

اترك تعليقاً