إلغاء المعاهدة أكبر من قدرات الحكام الجدد: ربيع مصر.. شتاء على جبهة السلام مع إسرائيل

المعاهدة

إلغاء المعاهدة أكبر من قدرات الحكام الجدد: ربيع مصر.. شتاء على جبهة السلام مع إسرائيل

القاهرة: تعهدت مجموعة من المحتجين المصريين بأن تطلي نصبا تذكاريا لقتلى اسرائيل في حرب 1973 بألوان العلم المصري مع كتابة عبارة “سيناء.. مقبرة الغزاة” في ذكرى اليوم الذي استعادت فيه مصر شبه جزيرة سيناء من اسرائيل.

وستكون هذه البادرة واحدة من أبرز مظاهر التعبير العلنية عن الغضب من اسرائيل منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك ويمثل ظهورا للعداء الذي يشعر به العديد من المواطنين المصريين تجاه اسرائيل والذي ظل مقموعا لزمن طويل.

لكن في حين أن بعضا من نوعية جديدة من الساسة الذين ظهروا بعد الثورة يسعدهم جدا استغلال هذه المشاعر فمازالت هناك أسباب قوية تجعل زعماء التيار الرئيسي غير مستعدين لإحراق كل “المراكب” مع اسرائيل.

ولم يكن واردا على الإطلاق الدعوة إلى مثل هذا المظهر العلني من الاحتجاج خلال حكم مبارك الذي كانت معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل عام 1979 محورا لسياسته الاقليمية.

إذ انه خلال عهده كان العداء العام لاسرائيل مقموعا وكثيرا ما كان ذلك يتم بشكل وحشي. وتغير هذا الوضع عندما اندلعت الانتفاضة المناهضة لمبارك في 25 يناير-كانون الثاني من العام الماضي. وأصبح المصريون الآن يعبرون صراحة عن إحباطاتهم ويطالبون الطبقة السياسية الجديدة في مصر بالإصغاء.

وقال سعيد القصاص رئيس جماعة “ثوار سيناء” “نقول إن بعد قيام ثورة 25 يناير سقط النظام وسقط معه كل ما يتعلق بالمعاهدات والبروتوكولات.”

وتعهدت جماعته بتغطية صخرة ديان وهي صخرة عالية نصبت في الصحراء وحفر عليها أسماء الطيارين القتلى من القوات الجوية الاسرائيلية.

وبدأ تحول مصر من النظام الشمولي إلى الديمقراطي يحدث تغييرا في الخريطة السياسية في الداخل لكنه يبشر أيضا بتحول في السياسة الخارجية لأكبر دول العالم العربي سكانا والتي كانت اول بلد عربي يوقّع معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979.

ولم يذكر أي سياسي من التيار الرئيسي الذين ظهروا في مصر أنهم سيلغون المعاهدة لكن النظام الجديد ينبئ بأن يتحول الوضع الذي كان كثيرا ما يطلق عليه “السلام البارد” مع اسرائيل إلى وضع أكثر برودة مما يعني تصاعد التوترات في منطقة حدودية حساسة في حالة إساءة التعامل مع القضية.

لكن حتى بعد تسليم السلطة إلى رئيس جديد بحلول الأول من يوليو تموز-فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى إدارة شؤون البلاد منذ سقوط مبارك سيظل على الارجح حارسا للمعاهدة التي تدر على القوات المسلحة المصرية 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الامريكية سنويا.

كما أن مصر التي يعاني اقتصادها من ازمة حالية لا يمكنها تحمل عواقب معاداة الولايات المتحدة أو دول غربية أخرى من المرجح أن تلعب حكوماتها واستثماراتها دورا حيويا في إحياء النمو وتوفير الوظائف وهي نقاط مهمة لأي مستقبل سياسي لمصر.

لكن الساسة الاسرائيليين بدأوا بالفعل يشعرون بالقلق من التغييرات السياسية التي تشهدها مصر وتصاعد الإسلاميين الذين حققوا نجاحا ساحقا في الانتخابات البرلمانية ولهم مرشحون أقوياء في انتخابات الرئاسة التي تبدأ في 23 مايو ايار.

وقال دبلوماسي غربي رفيع إن الجيش والإسلاميين من التيار الرئيسي وغيرهم من الساسة البارزين يدركون مزايا إبقاء المعاهدة التي جعلت الهدوء يسود الحدود طوال 30 عاما.

ومضى يقول “لكن ليس هناك أي قدر من التراجع داخل المجتمع على نطاق أوسع” مضيفا أن هذا قد يشجع الإسلاميين على اختبار إلى أي مدى يمكن دفع حدود هذه العلاقات.

ويستخدم الإسلاميون ومنافسوهم في السباق الرئاسي بمصر بالفعل اسرائيل كوسيلة لاستمالة أصوات الناخبين. كما أنهم يتعهدون بعدم تكرار العلاقات الدافئة التي كانت تربط بين مبارك واسرائيل.

وقال شادي حميد من معهد بروكينجز الدوحة “تتعلق الديمقراطية بالاستجابة لنبض الشارع ونبض الشارع ليست لديه رغبة تذكر في الإبقاء على علاقة حقيقية مع اسرائيل.”

وأضاف أن مصر من الممكن أن تتبع خطى تركيا التي تدهورت فجأة علاقاتها التي كانت وثيقة للغاية مع اسرائيل بعد أن قتلت قوات كوماندوس اسرائيلية تسعة من النشطاء الأتراك في مايو عام 2010 في هجوم على سفنية كانت تحمل مساعدات إلى قطاع غزة.

وقال “ما يجب على الناس التركيز عليه هو كيف ستغير التطورات الداخلية في مصر سياستها الخارجية. أعتقد أن النموذج هنا ربما يشبه نوعا ما طريقة تعامل تركيا مع اسرائيل وهو الإبقاء على التعاون الدبلوماسي لكن هناك قدر كبير من الانتقادات لاسرائيل واللفتات الرمزية.”

ومن بين تلك البوادر قرار هذا الأسبوع بإلغاء اتفاق مدته 20 عاما تم التوصل إليه عام 2005 لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى اسرائيل. ولقي القرار إشادة من المصريين لكن كلا الجانبين قال إن الخلافات التجارية وليست السياسية هي وراء هذه الخطوة.

وقال أوزي رابي الأستاذ بجامعة تل أبيب إن قرار اتفاقية الغاز يشير إلى أن المنطقة أصبحت “تصغي اكثر للشارع”.

وأضاف “نحن في خضم تدهور مستمر للعلاقات الاسرائيلية المصرية. علينا أن نأمل أن تتغلب المصالح على اتجاه التصعيد.”

وكانت اتفاقية الغاز تلقى انتقادات منذ زمن طويل من الإعلام المعارض ومن المواطنين حتى عندما كان مبارك في منصبه. وقالوا إن الغاز كان يباع بثمن بخس وإن بطانة مبارك هي التي كانت تحصد كل المزايا. وتعرض خط الأنابيب لهجمات متفرقة.

لكن عدد الهجمات تصاعد منذ الانتفاضة التي أطاحت بمبارك. وتم تفجير هذا الخط 14 مرة في تلك الفترة مما أدى إلى وقف تدفقه أغلب الوقت. كما حوكم مسؤولون وأفراد سابقون في نظام مبارك كانوا وراء الاتفاقية بتهمة الفساد.

وسارع الإسلاميون الى الإشادة بإلغاء اتفاقية الغاز وكانوا الأكثر انتقادا لاسرائيل لكن هذا الانتقاد يصدر عن الساسة من كافة التيارات السياسية في البلاد.

وقال القيادي محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين “هي مجحفة للطرف المصري في نصوص كثيرة.. هي تقيد السيادة المصرية على سيناء كلها وتمنع الحكومة المصرية من إنشاء مطار سواء عسكري أو مدني.” لكنه قال إن كل المعاهدات سوف “تحترم”.

وأشار إلى قيود فرضت على حجم القوات المسموح بوجودها في سيناء منذ أن أتمت اسرائيل الانسحاب من المنطقة في الثمانينات. كما شكا من السماح بدخول الاسرائيليين إلى تلك المنطقة المصرية بدون تأشيرات.

وتبرز الصراحة التي يتحدث بها الساسة المصريون شعورا عميقا بالغضب تجاه اسرائيل لكنه يظهر أيضا رغبة منذ الإطاحة بمبارك في التأكيد على الهوية وإنهاء ما اعتبره كثيرون خضوعا من جانب الرئيس السابق لسياسات الولايات المتحدة والغرب. وكثيرا ما يتردد في الخطاب السائد حاليا الحديث عن استعادة “كرامة” مصر.

وقال محمد مرسي في اول مؤتمر صحفي له كمرشح رئاسي للاخوان المسلمين إن الرئيس المصري القادم لا يمكن ان يكون مثل سلفه ولا يمكن أن يكون تابعا ينفذ سياسات تملى عليه من الخارج.

ويهدد أي خطأ في الحسابات بإثارة غضب الساسة الأمريكيين الذين سرعان ما سيحتشدون للدفاع عن اسرائيل وأيضا إغضاب جهات مانحة رئيسية لها قوة كافية لإبعاد الاستثمارات والدعم الدولي.

وقال حميد من معهد بروكينجز الدوحة “الأمر لا يتعلق بالسياسات الصريحة أو خطة رئيسية ما يملكها الاخوان لكن كيف إن إصدار أحكام خاطئة يؤدي إلى إصدار أحكام خاطئة أخرى” مضيفا أن هناك احتمالا في أن تسيء مصر أو اسرائيل أو الولايات المتحدة الحكم على الأحداث.

وأبدى بعض المسؤولين الاسرائيليين مؤشرات قلق متزايدة وهم يرقبون تطور الأحداث في مصر.

وقال عاموس جلعاد وهو مساعد كبير لوزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك هذا الشهر إنه كان “قلقا” على مستقبل العلاقات مع مصر وقال إنه “ليس متأكدا” من مدى التزام جماعة الاخوان بالسلام في خروج عن الموقف المعتاد المتفائل بحذر.

ونقلت صحيفة اسرائيلية عن وزير الخارجية افيجدور ليبرمان قوله إن مصر أكثر خطورة على اسرائيل من إيران التي تتهمها الدولة اليهودية بالسعي لصنع أسلحة نووية. ولم يؤكد ليبرمان تلك التصريحات عندما سئل لاحقا.

ومن أكبر مباعث القلق الفراغ الأمني في سيناء حيث أصبح لمتشددين إسلاميين -وبعضهم وراء تفجير خط أنابيب الغاز- موطئ قدم مع انهيار الامن في المنطقة بعد سقوط مبارك.

ووصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الوضع في سيناء بأنه “يشبه الغرب الامريكي” في إشارة إلى وضع منطقة الغرب الأمريكي خلال فترة غاب فيها القانون.

لكن جماعة الاخوان الجماعة الاكثر تنظيما في الوقت الحالي في مصر ربما تشارك اسرائيل القلق من تزايد التطرف على حدود البلاد. ويعتبر السلفيون جماعة الاخوان المسلمين جماعة تتبنى مواقف عملية على حساب العقيدة.

وتدرك أكثر الأصوات معارضة لإسرائيل داخل مصر فيما يبدو “الخطوط الحمراء” التي يجب عدم تجاوزها فيما يتعلق بمعاهدة السلام التي اعادت لمصر سيناء المليئة بمنتجعات سياحية فاخرة مطلة على البحر الأحمر يختلط فيها سياح اسرائيليون بزوار آخرين.

وقال القصاص إن جماعة “ثوار سيناء” كانت ترغب في بادئ الأمر في تدمير صخرة ديان لكنها قالت إنها ستطليها فقط بألوان العلم المصري وإن هذا سيكون كافيا. وقال القصاص “سنكتفي بذلك.. لكننا ندعو لإزالتها.

عن marsad

اترك تعليقاً