دروس وسنن ربـانية من الانتخابات الرئاسية المصرية (1)

دروس وسنن ربـانية من الانتخابات الرئاسية المصرية (1)

عمر محمد ورسمة

أثار فوز مرشح حزب الحرية والعدالة د.محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات  الرئاسية المصرية على منافسه  أحمد شفيق ضجة إعلامية كبرى في العالم بأسره، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وعلى مختلف الأصعدة والتيارات والأوساط الفكرية والثقافية، حيث أخذ الناس صفين متوازيين: مؤيد، ومناوئ، كما هو الحال في لجنة الانتخابات المصرية التي هزتها هي الأخرى خلافات داخلية  في شأن النتيجة قبل إعلانها حسب مراسل الجزيرة نت.

لقد أخذت الأطراف المعنية والمراقبون وشرائح البسطاء نحو أسبوع تقريبا للتنفيس عن أنفسهم عبر الكتابات والهتافات والأحاديث الجانبية في  المجامع والأندية وحتى على متن الباصات ووسائل النقل العام،  في تلك الأثناء التي كانت دوائر بعينها ترمق إلى النتيجة بعين الخوف والرجاء معا، إلا أن  النتيجة كشفت عن وجه منطلق لبعض الدوائر،  في الوقت الذي عبست فيه على  أخرى.

وعلى الرغم من أن العالم الغربي وظلاله في العالم العربي منذ  ما يقارب أكثر من نصف قرن تقريبا، منذ نهاية الاحتلال الأوروبي للشرق، وما تلاه من حكم تلامذتهم النجباء، كانوا يلحّون على الأسماع والأذهان بشعارات الديمقراطية والتداول السلمي للسطلة ومثلاتها من الشعارات التي لا تتوافق في شيء من الحقيقة، فإن سقوط النظام المستبدّ الشريك في مصر، وفوز المرشح الإسلامي كان فيما يبدو في ميزانهم بمثابة (القشة التي قصمت ظهر البعير). إذ كان التّوتر ومحاولة العرقلة بادييين من تصرفاتهم منذ فوز الإسلاميين بالمجلس التشريعي، ومن ثم تسرّب أنباء شبه مؤكدة باحتمال فوزهم في الانتخابات الرئاسية أيضا.

بيد أن  هذا الشعور من الخوف والترقب المصحوبين بالقلق والتوتر يبدو أمرًا طبيعيا إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن ما حدث كان  تغيرا كونيا رهيبا،  وقلبا طبيعيا لمجريات الأحداث واتجاه الرياح التي  كانت تهب منذ قرن ونصف تقريبا  من جهة واحدة( من الغرب إلى الشرق)  دونما تغير مناخي؛ خلافا للمتعارف عليه في اتجاهات الرياح الموسمية.

إن مما لا شك فيه أننا نعيش في هذين العامين الأخيرين تحوّلات تاريخية رهيبة  تدخل في السنن الربانية العظيمة التي سيكون لها آثارها في مستقبل النظم الحياتية، أو قد تكون تمهيدا  لتحوّلات كبيرة في العالم، تضاف إلى تطبيقات القوانين العامة التي وضعها الله عزوجل والتي سمّاها في القرآن الكريم بـ(السنن).

وليست الأحداث التي  نقرؤها  اليوم في صفحات الانتخابات الرئاسية المصرية سوى جزئية من تلك السنن الربانية التي لا تتبدّل، حيث رأينا بأعيننا ممثل حزب إسلامي كان مضطهدا ما يربو على سبعين عاما يتربع على كرسي الرئاسة،  في وقت تلقّى (محمد حسني مبارك) آخر رؤساء مصر الذي كان حريصا على إقصاء اصحاب التوجهات الإسلامية من سدّة الحكم- خبر فوز (محمد مرسي) المنحدر من الحزب الذي طالما عذب أفراده بسياطه التي لا ترحم، أو فرض عليهم الحصار من كل الجهات، مع العلم بأن الرئيس المخلوع يرزخ تحت وطأة المرض في سجنة المؤبد، بينما أفراد أسرته في الشتات متفرقون، تطاردهم جلسات التحقيق في القضاء والمحاكم التي طالما أملوا عليها الأوامر غير القانونية في سجن أناس والقضاء على حياة آخرين.

ونؤكد هنا بأن هذه الأحداث الجسيمة التي تمرّ اليوم بشكل طبيعي والتي تصل إلى مسامعنا تباعا عبر وسائل الإعلام المختلفة لا شك أنها  ستكون محطّات  تاريخية مهمة تفرض نفسها على الأجيال المتطلّعة إلى معرفة التاريح للثقافة والقراءة والاتعاظ.

لقد تجلت إرادة الله عزوجل وسننه الباهرة التي تنطبع على صفحات التاريخ في كل الدهور والعصور، وتُطبَّق على البشرية من أي لون وجنس؛ لتوضّح للإنسانية حقائق مهمة يبنغي أن تعيها في تقييم الحياة، على مستوى الأفراد والجماعات والسلطات على وجه الخصوص.

وكثرا ما نقرأ آيات من الذكر الحكبم تشير إلى وقائع تاريخية بعينها ثم توجه الخطاب إلى البشريه داعية إلى استيعاب الأحداث والسنن التي تحكمها (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) سورة فاطر الآية43 ،  إلا أننا نمرّ عليها مرور الكرام دون أن تأثر فينا وتغير من حياتنا،  ثم يأتينا التذكير الإلهي بعد الخطاب القرآني  بشكل تطبيقي في  وقائع وأحداث تاريخية متفاوتة لتعيد إلى ذاكرتنا الرسالة التي تحملها تلك الآيات القرآنية،  ولقد صدق من قال ( لله في كونه كتابان، كتاب مسطور:القرآن الكريم، وكتاب منظور: أحداث ووقائع الكون)

ومنذ أن بدأت الثورات العربية، وتهاوت على الفور قمما شامخة من النفود  الوهمي المصطنع الذي غرّ أصحابه، بل خيّل للمراقبين على مختلف الأوساط الفكرية بأنها لا تطاق في أي حال من الأحوال،  كنت منذ ذلك الحين أرمق إلى الأحداث بأنها ليست سوى سنن إلهية تمهّد لعصور تاريخية جديدة،  أتت لتقرر للإنسان المعاصر الذي طغت عليه الماديات، بأن القوة المطلقة بيد الله عزوجل وحده، وأن القوى الوهمية التي ينبهر بها الإنسان ليست سوى سراب قابل للزوال في أي دقيقة  أوثانية .

وقد دفعني ذلك الشعور إلى إعادة النظر في القصص القرآنية المعجزة التي أبهرتني من جديد وأخذت أفهم منها دروسا  لم أفهمها من  قبل، على أنني كنت أتلوها  منذ أن شرعت في  دراسة تفسير القرآن الكريم ولغته قبل عقدين من الزمن تقريبا.

لقد كانت أحداث  الربيع العربي والحالة المصرية خاصة التي انتهت إلى تسلّم رئيس إسلامي مقاليد الأمر دافعا نحو قراءة جديدة للوقائع والأحداث والخيوط التي تحكمها، ورصد السنن الربانية الوارة في القرآن الكريم والتي تنطبق أو تعتبر من أجزائها التفصيلة ما حدث في العالم العربي في الآونة الأخيرة عامة، وما حدث في مصر في الأسبوعين المنصرمين خاصة.  وهو ما سنسلّط الضوء عليه في الفقرات الآتية:

1- سنة الله في هلاك الظالمين

من المعلوم أن جزئيات هذه السنة الربانية منتشرة في القرآن الكريم لا سيما  السور المكية منه، تأتي تارةعلى شكل خطاب مباشر( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)، وقوله( فاعتبروا يا أولى الأبصار) الحشر الآية 2، بينما تأتي مرات أخرى على شكل قصة صيغت لأخذ العظة والعبرة كالذي نراه في قصص كل من ( قارون ، فرعون ، هامان،  عاد، ثمود،  قوم نوح… إلخ)

ومن المعلوم بأن القوى التي هوت في العامين الأخيرين، كانت من أشد قوى العالم ظلما وفسادا وجورا. لقد تم في ظل حكمهم استعباد الناس وسلب حرياتهم وإهانتهم ورهن عيشهم بالخضوع والاستسلام لصاحب الفخامة وسياسته، حتى صرّح أحد هؤلاء الحكّام (بانّ من لا يحبه لايستحق الحياة في أي حال من الأحوال).

ولسنا هنا في صدد حصر ما قام به اولئك من الجرائم والتكبّر الذي وصل إلى حدّ التألّه وإن لم يصرّحوا به على الملأ، ولكن ما نريد أن ننبه عليه هنا أن هؤلاء الجبابرة خلدوا إلى الأرض والحياة، والجاه والرئاسة، ونسوا تماما، أو تناسوا، بأن هذا النفود الوهمي الذي ينعمون في ظلاله غير مخلّد، وأنهم سيجرّدون عنه يوما ما، فحالهم في ذلك أشبه بحال فرعون الذي أصابه الغرور وانبهر بما عنده من الإمكانات المادية  والنفود فصرّح مستصغرا دعوة موسى عليه السلام ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) الزخرف الآية 51 ، وحال قارون صاحب الثراء الضخم الذي لم يتصوّر بأنه سيودّع أمواله، بل خيل إليه بأن لا قوة تستطيع أن تهزه فصرّح(….إنما أوتيته على علم عندي…) القصص الآية78 ،  فأخذهم الله في غرّة تائهين في خيالهم الطويل( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) الأنعام 44 ـ45.

وبعد التامل بالقصص والوقائع التاريخية نقف على حقيقة مهمة وهي أن  سنة الله  في هلاك الظالمين تكون غالبا بواسطة سبب بسيط يأتي من حيث لا يحتسبه الظالم (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) الحشر الآية 2، كالذي حدث لفرعون الذي كتب هلاكه على يد ابن صغير رباه في حجره لتكون نهايته فيما بعد على يد هذا الصبي الذي تصوره أنه لقيط مسكين فاستجاب لطلب زوحته، فتواطأ رأيهما على أن يتخذوه ولدا يستنفعونه ويقرّون به أعينهم( وقالت امرأة فرعون قرّة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) القصص الآية 9 .وقارون الذي خسف الله  به الارض التي طالما مشى عليها بكل خيلاء وتكبر، والتي لم يتصور أنها ستكون سبب هلاكه( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ…) القصص  81، وكذلك الحال في  قصة جالوت  الجبارالذي قتله  داوود ذلك الفتى البسيط(….وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) البقرة الآية 251 وعمرو بن ودّ عملاق العرب الذي لم يصرعه فتى في حياته إلا أنه لقي حتفه في غزوة الخندق بسيف فتى أشفق عليه هو بنفسه أثناء المبارزة لصغر سنة وهو علي بن أبي طالب ابن العشرين عاما، وقد أشفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من مبارزة هذا الرجل العملاق قائلا( إنه عمرو بن ودّ يا علي!)، إلا أنه أخذ سيفه بكل شجاعة وثقة بالله فأرداه قتيلا.

ويقال مثل ذلك فيما حدث لقوة (لأحزاب) الذين نظموا أكبر جيش في الجزيرة العربية لسحق  الجماعة المسلمة التي كانت تنتظم حلقاتها الأولى في المدينة المنورة إلا أن الهزيمة لحقتهم من حيث لم يحتسبوا( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها..) الأحزاب الآية 9، وقوله( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا) الأحزاب الآية 26، وكذلك حال بني نضير الذين همّوا  باغتيال النبي على الصلاة والسلام، ووجدوا الثقة الكاملة في أنفسهم وحصونهم  المنيعة، وإغراءات إخوانهم المنافقين في الدفاع المشترك( لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا  وإن قوتلتم لننصرنكم) الحشر الآية 11،  حتى  خيل للصحابة بأن هؤلاء سيتشبثون بأرضهم وأنهم لن يخرجوا بسهولة من حصونهم المنيعة  غير أن الضربة أتتهم من داخل أنفسهم التي داهمها  الخوف والوجل (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) الحشر الآية 2

قصة منليك الثاني ملك الحبشة

والقصص في هذا الباب كثيرة ومعلومة، غير  أن أكثر ما أثارني في هذا الصدد من التاريخ الحديث ذلك الدرس المستفاد من قصة (منليك الثاني)  ملك الحبشة  في نهاية القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين، ذلك الملك الجبّار الذي كان يتحرك بحيوشه نحو الجنوب والشرق لسحق القوميات المسلمة( العفر، الصومال ، الجالا).

لقد حاول بغاراته ومجازره الحمراء القضاء على الإسلام واللغة العربية والثقافة الإسلامية في  القرن الإفريقي عامة وفي مناطق المسلمين المجاوة لبلاده  مثل هرر والصومال الغربي وأرض العفر والعروسا على وجه الخصوص، وكانت النتيجة أن وصّى حفيده ليج إياسو للعرش،  مع أن الشاب البالغ من العمر 17 عاما كان مسلما ينحدر من أصول ولّلوية أجبرت على التنصّر، أخفي  هو وأبوه إسلامهما حتى توفي جده وتسلّم مقاليد الحكم في الحبشة عام 1913م، فأعلن إسلامه واصوله العربية  على الملأ من فوق عرش جده (منليك) الذي طالما قاد الغارات لمطاردة المسلمين والقضاء عليهم، فهل فكر (منليك) بان  حفيده من ابنته (شوأرقاش)  الذي أعجب به ووصّى له الحكم من بعده، وبذل الجهد في إقناع مجلس الكنائس الأعلى في الموافقة على ولايته للعهد، سيعمل لنشر الإسلام  ودحض انتشار النصرانية بعد  أن يستوي على كرسيه ، وأنه سيضيف إلى علم إمبراطوريته المسيحية العتيقة كلمة التوحيد( لاإله إلا الله) لأول مرة في تاريخها! من المؤكد أنها رسالة صريحة تدلّل على ضعف الإنسان ووهن حيلته، وأن جنود الله كثيرة، وإرادته نافذة يحققها كيف يشاء، ومتى شاء(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) المدثر31

أما بالنسبة لنظام حسن مبارك فقد انهار أمام شباب الثورة العزل الذين لا يمتلكون من السّلاح سوئ تلك الكلمات الملحنة التي يرددونها بصوت مجلحل، أغض مضاجع السادة الرؤساء والوزاء الكبار وأضطرهم في النهاية إلى الانهيار والاستقالة والفرار، فما أشبه الليلة بالبارحة، وأحداث التاريخ كما يقال(طبعات جديدة لكتاب قديم).

من كان يفكّر في أن محمد مرسي الذي  أودع في السجن وفلت منه  مؤخرا سيتربع على كرسي حسني مبارك الجبّار المدعوم بمباركة الغرب وإسرائيل، وأنّ شباب الثورة البسطاء في ساحات التحرير سيحققون النصر على هذا النظام الاستخباراتي الرهيب الذي استبد في الأمر ما يقارب نصف قرن، وأذاق الناس صنوف التعذيب، وأهدر حقوق الإنسان، وأموال الوطن، بل باع مستقبل الأمة الإسلامية وقضاياها مقابل البقاء على الكرسي، وضيّق الخناق على النساء الأرامل والأيتام ومرضي السرطان وضغظ الدم الذين كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة في معبر رفح بسبب انقطاع العلاج والأدوية من القطاع الذي باعه نظام مبارك مقابل كرسيه الأسود، لقد تحققت سنة الله عزوجل ووعده الأكيد  (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) إبراهيم الآية13-14

فهذه السنة الربانية المتكررة ترسل إنذارا صريحا لكل من يتمادى في الظلم والقهر ومحاربة الحق والعدل، من أي وسط أو جنس أو لون كان،  فسنن الله عزوجل لا تحابي أحدا لجنسه أو لونه أو فكره،  بل تحيق  على مستحقيها مهما توافرت أسبابها وجاء أجلها.

ولقد صور الله  تعالى في القرآن الكريم من يتمادى في الظلم والطغيان ومحاربة الحق وأهله بصورة فنية ساخرة، إذ وصفه بمن يحاول إطفاء نور الله بنفخ فمه، ( يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولوكره الكافرون) سورة الصف الآية 7.  مع ملاحظة الفارق الكبير بين التركيبين ( نور الله) و( أفوههم) ، فأصبح حاله:

كناطح صخرة يوما فلم يوهنها    وأوهى قرنه الوعـــل

وللشاعر فؤاد أمين  أبيات في غاية الإبداع في تصوير هذا الصنف ومحاولاتهم، إذ قال مخاطبا إياهم:

يا نافخا في الشمس في كبد السماء    أتعبت فاك بنفخة الإطفاء

هذا هو الإسلام فاسلك دربه          واترك الضلال لأهله البلداء

2- سنة الله في نصر عباده المؤمنين

أكد الله  عزوجل في القرآن الكريم مرارا على هذه السنة الربانية التي مهما توافرت أسبابها طبقت على من يستحقّها، يقول الله تعالى مؤكدا على ذلك إثر حديثه عما حاق بفرعون وحاشيته من العذاب في سورة غافر( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)  غافر الآية 51 ثم وجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطمئنه ( فاصبر إن وعد الله حقّ….) غافر الآية 55

إن جزئيات هذه السنة الربانية كثيرة ومنتشرة في القصص القرآني وكتب التاريخ والسير،  ونقرؤها في قصص نوح، وهود، وصالح، وشعيب ، وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، ونجد تطبيقاتها أيضا في أحداث السيرة النبوية وما حققه الله من النصر لعباده المؤمنين مع قلة العدد والعدة في كل من غزوة (بدر، وبني نضير، والخندق، وبني قريظة، وفتح خير، وفتح مكة، وعزوة حنين، ومؤتة، وتبوك)  ومن ثم حروب المرتدين المشهودة كمعركة ذي القصة، والأبارق، وحديقة الموت،…إلخ، وفتوحات فارس والروم وما فيها من المعارك الفاصلة كالقادسية واليرموك التي انتصر فيها المسلمون مع قلة العدد ، وهكذا في جميع حقب التاريخ الإنساني عامة والإسلامي خاصة، حيث تتحقق الانتصارات  الباهرة  مهما وجد الإخلاص والاستقامة بأوامر الله عزوجل، مع  ملاحظة الهوّة الشاسعة بين الطرفين المتقابلين في تلك الوقائع كلها.

لقد تجلّد الشعب المصري المسلم المتسّك بدينه أمام عواصف من الريح الهادر الذي هب من الشرق تارة (الاشتراكية) ومن الغرب تارة أخرى(العولمة والرأسمالية)  فأعدّ الله  لتلك العواصف الهوجاء التي استهدفت محاربة الدين والسخرية منه وإقصائه من الحياة والحكم – رجالا مخلصبن من أبناء  الأمة، فوقفوا أمامها بكل صلابة وتجلّد، على الرغم مما لا قوه من التعذيب والاضطهاد والقتل والتشريد في سبيل الدفاع عن الدين والعقيدة،  ولا شك أن هذا توفيق وتدبير من الله عزوجل(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)يوسف الآية 21 ،  فجاء النصر من الله عزوجل بعد أن أخذوا بالأسباب والسعي المطلوب.

ومن المثير للغرابة أيضا  صنيع شباب الثورة الذين بذلوا مهجهم  للرّصاص ودماءهم رخيصة في سبيل التخلص من  العبودية لغير الله عزوجل، حتى حقق الله علي أيديهم ما لم  يخطر على بال ولم يتوقعه إنسان، مؤيدين بنصر الله وتسخيره وإرادته ، فأعادوا لمصر كرامتها، وللأمة المسلمة التفاؤل والثقة والطموح.

لقد عمّ الفرح والسرور الأمة المسلمة جمعاء بفوز مرشحهم الذي أعادت خطبته الأولى إلى الذاكرة عهد الحكم الإسلامي السديد، فتبادلوا التهاني والتبريكات والهدايا والتحف. ومما أدهشني  نقاش مفعم بالابتهاج  والسرور سمعته ذات يوم وأنا على متن حافلة في إحدى المدن الصومالية، وذلك بعد إعلان النتيجة الأولية لفوز د.محمد مرسي بالرئاسة، وقد كان  أفراد من الركاب البسطاء منهمكين في تحليل النتائج الأولية  للانتخابات إثر المهرجانات التي قام بها أنصار الإخوان المسلمين في ساحة التحرير بالقاهرة، وقد كان غالبية هؤلاء فرحين ومبسوطين بسماع فوز مرسي رئيسا لمصر، بل كان بعضهم يجزم بأن فوزه إيذان لانتصار الإسلام وأهله(…وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) الروم.

وفي الحلقة القادمة سنعرض بمشيئة الله سننا ربانية أخرى من القرآن الكريم، تعطينا الآليات الصحيحة لفهم أحداث الماضي والحاضر، والتعامل مع صياغة المستقبل صياغة رشيدة.

عن Admin

اترك تعليقاً