“طفولة يسوع” تزوير فاضح للبابا بنديكت 16 !

“طفولة يسوع” تزوير فاضح للبابا بنديكت 16 !

الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية

إن الترقيع والرتق ومحاولة إعادة تشكيل نسيج فَقَدَ الخيوط الأولى لتكوينه ، بحيث لم يعد يتبقى منه سوى طبقات متراكمة من الرقع ، هى مهمة صعبة بلا شك، لكن ذلك لا يمنع من أن النتيجة تكون عبارة عن عمل مزيّف لا علاقة له بالنسيج الأصلى ولا يعوّض ضياعه ، وخاصة لا يكسبه أية مصداقية. بل يمكن القول أن مثل هذا العمل عبارة عن بهلوانيات لا تبقى إلا لحظات القراءة أو ذلك البريق الخاطف الذى يثيره ، إن كان هناك ثمة بريق !
إن ثلاثية الكاردينال راتزنجر/بنديكت 16 المتعلقة بحياة يسوع ، تعد نموذجا لعمل الترقيع والقلفطة والإختيار الإنتقائى المغرض بين نصوص يقولون عنها “مقدسة” وأن “مؤلفها الوحيد هو الله” !.. أنه عبارة عن عمل إتبع فيه خطى التفسيرات الكنسية وخاصة قرارات مجمع الفاتيكان الثانى ، مع مراعاة التلفع بالأمانة العلمية ، معتقدا أنه أنهى أو ينعى نهاية التفسير العلمى للأناجيل ، الذى يتواصل بصورة لا تنقطع و لا تتوقف ، متوهما أنه قد يمكن أن توصف بأنها “لا معنى لها” على حد قوله ، معتقدا أنه حين يكتب : “خلال مائتا عام من العمل التفسيرى فإن هذا العمل النقدى قد أدلى بكل ما لديه” ، أو أنه يمكنه أن يمحو كل الحقائق التى لا يمكن التحايل عليها أو التعتيم عليها والتى تتزايد وتنتشر على الصعيد العالمى بفضل إستمرار هذا النقد العلمى.
ولقد سبق ومر مثال فاضح فى الجزء الثانى لهذه الثلاثية : حيث جاهد البابا فى محاولة تاريخية بائسة حين ظن عدم توافق عبارتا المسيحية ومعاداة السامية ! ومع ذلك فما من أحد يجهل أن الكنيسة هى التى خلقت معاداة السامية منذ أيام بولس الرسول ، وساندتها بشراسة عتيدة ، والآن تتملص منها لأسباب سياسية دون أن تكف عن تقديم تنازلات وإنحناءات للصهاينة !
أما الجزء الثالث والأخير ، المعنون “طفولة يسوع”، الصادر يوم الأربعاء 21/11/2012 ، فمثله مثل الجزءان السابقان ، يزخر بالمغالطات والتدليس والتحريف ، لينضم للقائمة الطويلة من التحريف التى قام بها العاملون فى المؤسسة الكنسية ، لأن “كلام الله” تلك العبارة التى يفرضونها على مثل هذه النصوص ويفرضونها على الأتباع ، إن كانت فعلا منزّلة فلا يحق لأحد أن يمسها. والتحليل الدقيق لمثل هذا النص بحاجة إلى كتاب للرد عليه وتفنيده وليس إلى هذا المقال المتواضع. ومع ذلك فتكفى أربعة نماذج لتوضيح نوعية ذلك اللغو الباطل : عذرية مريم ؛ تاريخ ميلاد يسوع ؛ هروب العائلة المقدسة إلى مصر ؛ وبعث يسوع.
وقبل تناول هذه النقاط الأربعة بالتفصيل ، من المهم الإشارة إلى : أنه بمقارنة الأناجيل الأربعة المتواترة ، نلحظ أولا متغيرات عديدة إن لم تكن متناقضات صارخة لا يمكن التوفيق بينها أو التغاضى عنها. مما ينجم عنه العديد من الاسئلة حول هوية الكتبة الحقيقيون للأناجيل وتاريخ صياغتها أو الأدلة الحقيقية على وجود يسوع وفقا لها. وسواء تعلق الأمر بحياته أو بوفاته وبعثه ، فإن النصوص تختلف إلى درجة لها عواقب لاهوتية جمة. كما أن تعاليمه متناقضة أيضا : إذ يدعو متّى إلى إحترام الشرع اليهودى بينما يرفضه يولس كلية فى رسائله. كما أنه لا وجود للثالوث والجنة والجحيم والعديد من الإضافات والبدع اللاحقة. وفى النهاية فإن يسوع الكنائس والمعتقدات الشعبية يبدو بعيدا عن ذلك الذى تصوره النصوص المقدسة. ولا يمكن إلا التأكيد ، بناء على هذه النصوص ، أن ذلك اليسوع عبارة عن إنسان مركّب وغير منطقى بل ومتناقض ، تم نسجه عبر الزمان وفقا لإحتياجات كنيسة تبحث عن التوافق لتفرض نفسها لتنصير العالم ، بدلا من الإعتراف والإعتذار عن كل تلك الأكاذيب الفاضحة التى صاغتها عبر الزمان !
عذرية مريم :
إن خطأ فى الترجمة لنبؤئة إشعياء هو الذى أدى إلى صياغة أسطورة عذرية مريم وذلك بكتابة كلمة “عذراء” بدلا من كلمة “إمرأة شابة” الواردة فى النص الأصلى. والنبوءة المعدّلة تقول : “ها العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو إسمه عمانويل” (7 : 14). وكلمة “عذراء” تمت ترجتها ترجمة صحيحة فى الترجمة المعروفة باسم الملك جيمس إذ كتبوا “إمرأة شابة” ، التى هى الترجمة الدقيقة للكلمة العبرية “Almah ” التى ترد طوال النص العبرى بدلا من كلمة “Bethula”  التى تعنى “عذراء”. والغريب ألا يظهر تصويب هذا الخطأ فى الترجمة إلا فى طبعة الملك جيمس الإنجليزية ! وقد أشارت كافة مدارس النقد الحديث إلى هذا الخطأ المتعمد للترجمة التى تواصل الكنيسة ترسيخه بغرض واضح.
أما فى إنجيل متّى ، فإن مريم تحمل وهى لا تزال عند أبويها ، فى العاشرة أو الحادية عشر من عمرها. وحينما علم يوسف بحملها تقبلها إلخ… (لوقا 2 : 3ـ5).
وفيما بعد نرى إضافات أخرى : فقد قام البابا سيريس ، سنة 390 ، بإختلاق عذرية مريم “قبل ، وأثناء ، وبعد الحمل” ! لكن ذلك لم يمنعها من أن تصبح “أم الله” فى مجمع إفسوس سنة 431 ، ثم قامت الكنيسة بترقيتها مرة أخرى لتجعلها تتقاسم العفو والمغفرة أسوة بإبنها ، حتى وإن تناقض ذلك مع النصوص والعقائد والمجامع. ولا يهتم أحد ، والجميع يصمت لتتواصل الأكاذيب! وفى سنة 1950 قامم البابا بيوس الثالث عشر بجعل صعود مريم بجسدها عقيدة أساسية للإيمان الكاثوليكى. وذلك محاكاة ليسوع الذى صعد بجسده إلى السماء يوم بعثه وفقا لإنجيل مرقص ، وبعد أربعين يوما وفقا لإنجيل لوقا.. على أية حال فهو ليس الوحيد الذى صعد إلى السماء : فقد صعد كلا من إيليا وإنوخ إلى السماء لكنه لم يتم تأليههما !
تاريخ مولد يسوع :
فى كتابه المعنون “طفولة يسوع” يتناول الكاردينال راتزنجر/البابا بنديكت 16 حدثا أساسيا فى العقيدة الكاثوليكية ألا وهو : ميلاد يسوع. وبالتحديد تاريخ مولده، ويحاول معرفة إن كان مجئ يسوع فى الدنيا من مريم العذراء والقديس يوسف به شئ حقيقى ، ثم يؤكد أن إبن الله الوحيد قد وُلد بعد عدة سنوات من التاريخ المعروف وأن الخطأ عبارة عن “ست أو سبع سنوات” ، إذا ما أخذنا فى الإعتبار حساب الفلكى الألمانى جوهانس كبلير. بل و”أربع سنوات” إذا أخترنا الجداول التأريخية الصينية..ثم يضيف قائلا : “وفى الواقع لا توجد أية مرجعية لتاريخ ميلاد يسوع ، وكل ما نعرفه أنه وُلد أيام حكم هيرودس الأول (37 ق م ـ4 ق م)” مضيفا عبارة “حقيقة لا أحد يعلم” !!
وقبل أن نتناول هذه الملاحظة التقويمية ، نلاحظ أن قداسته يوجه القارئ إلى فهم أن يسوع وُلد “من مريم العذراء والقديس يوسف” ليثبت يسوع الإنسان ، ثم يشير إلى أنه وُلد “من مريم العذراء والروح القدس” ليثبت يسوع ـ الله !
وما من أحد يجهل أن الأناجيل التى يقولون عنها “أنها كلام الله” تعطى ثلاثة تواريخ مختلفة لمولد يسوع وأن الفارق بينها عبارة عن أحد عشرة عاما : يوم 7 أبريل سنة 30 ؛ يوم 27 إبريل سنة 31 ؛ ويوم 3 إبريل سنة 33 ، وفقا لإنجيل يوحنا أو الأناجيل المتواترة ، عشية عيد الفصح أو فى نفس يوم عيد الفصح. وبإختصار ، فإن كافة التواريخ إفتراضية. كما تقدم الأناجيل شجرتان عائليتان مختلفتان ، إحداهما تجعل يسوع من سلالة داوود “وفقا للجسد” على قول بولس الرسول ، وهو ما يمس بألوهية يسوع وخاصة يمس مصداقية عبارة “إبن الله”. وهو ما حاول البابا التعتيم عليه قائلا تارة : مريم والقديس يوسف النجار ، وتارة أخرى مريم والروح القدس. ثم يسارع بإدانة تقويم الراهب دنيس الصغير ، الذى قام بتعديل التقويم المسيحى ليتوائم مع تاريخ ميلاد يسوع الذى كان قد تجاوز عامه الأول حينما وُلد وفقا لتقويم ذلك الراهب !!
ويقول البابا بكل بساطة : “أن بداية حسابنا للزمن التقويمى ـ لتحديد موعد ميلاد يسوع ـ يرجع إلى الأب دنيس الصغير (المتوفى حوالى سنة 550) ، والذى من الواضح أنه أخطأ فى بضعة سنوات. أى أنه علينا أن نحدد الموعد التاريخى لميلاد يسوع قبل ذلك ببضعة سنوات” ، وكأن شيئا لم يكن !!
وما أغفل البابا ذكره أن الراهب دنيس الصغير قد بدأ تقويمه بالعدد واحد وليس بالصفر ، لأن الصفر لم يكن معروفا للغرب المسيحى آنذاك واستخدم تقويما بلا صفر ، ولم تتم معرفة الصفر فى الغرب إلا حينما سافر جربرت دورياك إلى إسبانيا المسلمة. وظل الغرب حتى بدايات الألفية الثانية قبل أن يعرف الصفر حسابيا.
وتجدر الإشارة إلى أن جربرت دورياك الذى أصبح البابا سيلفستر الثانى  (من 999 إلى 1003) هو الذى حبذ إدخال الصفر وجداول الترقيم والأرقام العربية فى الغرب . فقد أمضى ثلاث سنوات فى كاتالونيا حيث درس العلوم الإسلامية ومنها الرياضيات والفلك. وهو ما سمح له بإدخال نظام الترقيم العشرى والصفر الذى كان مستخدما منذ أيام الخوارزمى. لكن الأمانة العلمية للبابا أبت أن يذكر ما يدين به الغرب المسيحى لعلماء المسلمين .. وليس ذلك بمسألة مهمة فى عمليات الترقيع التى يقوم بها.
وتاريخ 25 ديسمبر هو تاريخ تلفيقى أو تزويرى لأنه تاريخ الإله ميثرا ، الشمس التى لا تُهزم. والبابا يوحنا بولس الثانى هو الذى إعترف بهذا التزوير الكنسى فى 22 ديسمبر 1993 قائلا : “لدى الوثنيين القدامى كانوا يحتفلون بالشمس التى لا تقهر فى ذلك اليوم الذى كان يتوافق مع مدار الشتاء. وقد بدا من المنطقى والطبيعى بالنسبة للمسيحيين باستبدال هذا التاريخ بمولد يسوع المسيح الشمس الحقيقية” .. وها هو إعتراف آخر بالتزوير الذى يتركونه سائدا من باب الحفاظ على المظهرية الكنسية ، أو لمجد الإقتصاد المادى والهدايا ، بما إن الإحتفالات بعيد الميلاد فى 25 ديسمبر الحالى تتم بإقامة شجرة الكريستماس بإرتفاع 25 مترا فى ميدان القديس بطرس فى الفاتيكان والتى قام البابا يإشعال أضوائها يوم 14 ديسمبر الحالى رغم ما كتبه وما أعلنه رسميا بأن يسوع لم يولد فى 25 ديسمبر ! كما أن الأورثوذكس يحتفلون بعيد ميلاد نفس يسوع المسيح فى 7 يناير ؟! إلا أن ذلك الباحث الدقيق يضيف فى كتابه : ” أن مولد يسوع يوم 25 ديسمبر لا أساس تاريخى له وأن فكرة الإحتفال بمولده فى أكثر فترات العام ظلمة هو من المؤكد مرتبط  بالطقوس الوثنية وفصل الشتاء” ولا يسعنا إلا أن نتساءل : إن كانت الحقيقة معروفة بهذا الشكل لماذا مواصلة الإحتفاظ بالتحريف والتزوير ؟
هروب العائلة المقدسة إلى مصر :
يقول متّى فى إنجيله أنه كان يتعيّن على يسوع أن يهرب ليفلت من الموت الذى كان يتهدد كافة الأطفال حديثى الولادة. والمتناقد هنا هو أن نرى يهود يبحثون عن ملجأ فى بلد عبوديتهم ، وهى واقعة لم تساندها أية وثيقة تاريخية. وما هو أكثر لا معقولية هو أن نرى العائلة المقدسة تجتاز صحراء قحطاء طولها خمسمائة كيلومترا ، وقد إعتلت ظهر حمار يحمل االسيدة العذراء والطفل والأكل اللازم لمثل هذه الرحلة إضافة إلى الماء وبعض الملابس ، بينما يسير يوسف النجار الكهل على قدميه فى مثل هذا المشوار المهلك ! فلو إفترضنا أنه يقطع مسافة خمسة عشر كيلومترا فى اليوم سيرا على قدميه فهو يحتاج إلى شهر تقريبا .. فهل من المعقول أياً كانت القوة الهرقلية لمثل هذا المسنّ ومعه إمرأة وضعت وليدها لتوها وفى حالة نفاس ووليد لا يمكنه تحمل الهز والرج المتواصل لمدة شهر ؟! لكن لضرورة فرض التزوير أحكام لا تعرف المنطق.
بينما ينكر لوقا واقعة الهروب إلى مصر مؤكدا بكلام الإنجيل الذى يعتبرونه “كلام الله” ، و”أن الله هو مؤلفه الوحيد” ، أن العائلة المقدسة ذهبت مباشرة إلى مدينة الناصرة ، التى لم تكن موجودة فى ذلك الوقت !! أى أن العائلة المقدسة لم تطأ أرض مصر مطلقا ، ومع ذلك فإن البابا بنديكت 16 يتعرض أيضا لمكان ميلاد يسوع ويفند كافة الأدلة التى يقدمها بعض العلماء الذين يؤكدون أن يسوع وُلد فى الناصرة وليس فى بيت لحم ، رغم أن الكنيسة لا تكف عن مناداته بعبارة يسوع الناصرة !
بعث يسوع :
لقد تمت صياغة كافة النصوص المتعلقة بتاريخ يسوع بناء على قصة ذلك البعث المزعوم ، الذى يُعد بمثابة الدعامة الرئيسية للعقيدة المسيحية والتى تتنافا تماما مع العلوم التاريخية ، فوفقا للأناجيل ما من أحد قد شاهد هذا البعث الذى من المحال العثور على أى سند تاريخى له ، خاصة أن النسوة اللائى شاهدن المقبرة خالية “إرتعدن من الخوف ولم يقلن شيئا لأى إنسان”. والمعروف أنه قد تم الإعلان فى البداية عن هذا البعث بعبارة: “أنه حىّ” ، التى لا تدل أبدا على البعث. وقد أتت فكرة البعث بعد ذلك بينما كانت تتم صياغة النصوص والعقائد حتى وإن تناقض ذلك مع أقوال يسوع :
إذ يقول لوقا أن يسوع قال (20 : 36) عند البعث : ” لا يستطيعون أن يموتوا أيضا لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة” ، أى أنه عندما يُبعث المرء يبعث روحا ولا يمكنهم أكل الطعام والسمك المشوى كما تقول الأناجيل بالنسبة ليسوع الذى دخل الغرفة على الحواريين عبر الجدران لأن الباب والنافذة كانا مغلقان بإحكام !! والإنسان لا يمكنه أن يكون فى نفس الوقت روحا وجسدا حيا : روحا ليخترق الجدران ، وجسدا حياً ليأكل السمك .. وهنا يجد القارئ نفسه مجبر على الإختيار إما الكلام المنطقى ليسوع أو القلفطة الصارخة لأقوال البابا الذى وقع الكتاب بإسمه أيام كان الكاردينال راتزنجر.
وكرد على حدث سريالى من هذا القبيل ، الذى جعلوه الدعامة الرئيسية للمسيحية ، يصر البابا على أن بعث يسوع ليس حدثا بيولوجيا (لأنه غير منطقى ومن المحال تبريره) ، ويرى أنه يمثل بعدا جديدا للواقع ! فهذا الحدث الذى لا يتمشى مع العلم ولا مع المنطق ، لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد أى طبيب فى العالم يمكنه قول أن عقل الإنسان يظل حيا بعد وفاته بثلاثة أيام ، وهذا الحدث ليس غريبا بالنسبة للبابا الذى يدافع عنه ويواصل فرضه على الأتباع لتبرير ما لا تبرير له : “ألا يمكن لشئ غير متوقع أو لا يمكن تصوره ، أو شئ جديد يمكنه  أن يحدث ؟ بما أن الله موجود ، ألا يمكنه هو أن يخلق بعدا جديدا للواقع الإنسانى ؟”.
وإذ تصور أنه يمكن الربط بين حدثين لا معقولان كتب البابا قائلا : “إن الأيام الثلاثة التى قضاها يسوع وهو فى سن الثانية عشر فى المعبد تبدو وكأنها مقدمة لتلك الأيام الثلاثة التى قضاها فى القبر”. وهذه العبارة المتحذلقة التى إستخدمها للإشارة إلى الأيام الثلاثة التى أمضاها فى القبر تناقض الأناجيل. فإذا كان متّى ينقل كلام يسوع قائلا : “بعد موتى ، جسدى سيظل فى بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاثة ليالى مثلما بقى يونس فى بطن الحوت”، فإن متّى يتفق مع الأناجيل الأخرى معلنا أن يسوع قد مات فى الساعة السادسة من يوم الجمعة، وتم دفنه فى أول ساعة من النهار ، السبت ، وبُعث من بين الأموات صباح الأحد. وذلك يعنى أنه لم يبق فى بطن الأرض ، وفقا لكل النصوص ، إلا يوما واحدا وليلتان.
ترى هل لنا أن نندهش من رؤية ذلك اللاهوتى المتسرع فى تفنيد ورفض المؤرخين و”مقابر أطروحاتهم المتناقضة” ، أن يقوم بإرضاء متطلبات العقل والمنطق الإنسانى الذى لا يكف عن التشدق به ، بمثل هذه العبارات الجوفاء ؟! من المؤسف رؤية ذلك الكاردينال العظيم ، الذى ترأس لمدة سنوات طوال محاكم التفتيش حتى وإن تغير إسمها، غير قادر على تخطى المعضلات التى يضعها النقد العلمى أمامه ، وأن يرد عليها ببعض العبارات اللاهوتية الساذجة طوال هذه الثلاثية التى أرادها مقنعة فى محاولته لوقف الإنتقادات التاريخية وأعمال النقد العلمى الذى تفشى حتى فى أركان الكنيسة !
وبمناسبة التكرار المتواصل لقداسة البابا الذى لا يكف عن التشدق بأن “ربنا يسوع هو إله محبة” ، فما قوله فى تلك العبارة التى يقول فيها يسوع : “أما أعدائى أولئك الذين لا يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا وإذبحوهم قدامى” (لوقا 19 : 27). وهو ما لا يتمشى على الأقل مع عبارة تقديم الخد الأيسر لمن يضربك على خدك الأيمن !!
من المؤسف أن نرى ذلك الأكاديمى الكبير ، ذلك البنديكت السادس عشر يهتم فى تأمل مسألة الميلاد العذرى ليسوع وبعثه المزعوم وأن يختتم هذه القضايا بعبارة : “إن الكاثوليك عليهم إعتبار الميلاد العذرى وبعث يسوع كدعائم أساسية للإيمان، لأنها أدلة لا يمكن إنكارها على قدرة الخالق” !!
ولا يسعنا إلا أن نتساءل هل لا يزال على الأرض من يمكنه تصديق كل هذه القلفطات بصدق ؟ أم أن الثلاثة وثلاثين ألف إنقساما وتشعبا للعقيدة المسيحية هى رد بليغ بلا كلمات ؟!

عن marsad

اترك تعليقاً