معركة دمشق الحاسمة

ياسر الزعاترة

معركة دمشق الحاسمة

ياسر الزعاترة

 

للذين يعتقدون أن تعنت النظام يعكس إيمانا بقدرته على حسم المعركة، لا بد من تذكيرهم بالقذافي وأكثر الطواغيت في معارك من هذا النوع، لكننا نحتاج إلى تذكيرهم أيضا بحقيقة أن النظام يستجدي الحل السياسي وكذلك حال إيران التي تريده حلا شاملا مع أمريكا يتضمن إنقاذ النظام في دمشق ورفع العقوبات الدولية مقابل التخلي عن المشروع النووي.

حين تلهث إيران خلف حل من هذا النوع، فهذا يعني يأسها العملي من قدرة النظام على حسم المعركة، هي التي تدرك أكثر من غيرها حقيقة الوضع المتردي على الأرض، إنْ لجهة البعد العسكري، أم لجهة الوضع الاقتصادي الذي لم يعد بوسع طهران إسناده، ولا شك أن اقتراب الانتخابات الرئاسية في حزيران المقبل، يجعل قادة المحافظين أكثر لهاثا وراء الحل الذي ينقذ بشار وينقذهم في آن، لأن استمرار الحال على ما هي عليه قد يعني ثورة شعبية تطيح بهم على غرار ثورات الربيع العربي، وفي استعادة أكثر قوة للثورة الخضراء خلال انتخابات الرئاسة في 2009.

حين يعترف وزير دفاع بشار في لقاء مع التلفزيون الحكومي أن جيشه قد أنهك، وأنه اضطر للتخلي عن بعض المناطق من أجل استمرار القتال في المناطق المهمة، فهذا يعكس حقيقة الوضع على الأرض، والذي لا يغيره حديث الوزير عن جيشه العظيم القوي والمدرب الذي لن تهزمه “العصابات المسلحة”.

منذ شهور والنظام يقاتل من أجل فك الحصار الذي تفرضه كتائب الثوار من حول العاصمة دمشق، وهو زج بجزء كبير من قواته في المعركة على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين شروط التفاوض من جهة، ومن أجل تحسين وضعه على الأرض من جهة أخرى.

ليس صحيحا البتة ما قيل ويقال عن أن الثوار غير قادرين على الحسم خلال شهور، وقد كان معاذ الخطيب مخطئا حين تحدث عن امتداد المعركة لسنوات، لأن أمرا كهذا غير ممكن، لا من الناحية السياسية (تركيا والآخرون لن يقبلوا بذلك بسبب تبعاته الأمنية والإنسانية والسياسية)، ولا من الناحية الأمنية والعسكرية من حيث قدرة جيش بشار بالجزء العلوي من عناصره على مواصلة القتال، ولا من الناحية الاقتصادية من حيث تحمل تبعات الحرب (حوالي مليار دولار شهريا). وحتى لو خرجت إيران من قمقم العقوبات، فإن قدرتها على إسناد النظام ستكون صعبة إلى حد كبير، وإن قلنا: إنها لن تقصر في بذل ما تستطيع في هذا الاتجاه.

اليوم يمكن القول: إن إمكانية إحداث نقلة في المعركة قد تغدو متاحة، ليس لأن تركيا وقطر، وكذلك السعودية تفكر جديا، وربما بدأت في تقديم سلاح أفضل، وربما نوعي، ولكن أيضا لأن دولة مجاورة تشعر أن النظام سينهار في النهاية، فضلا عن عبء تدفق اللاجئين،قد اتخذت موقفا مختلفا من الثورة لجهة التسامح في نقل السلاح من حدودها، الأمر الذي سيحسِّن وضع الثوار في الجبهة.

إن وضعا كهذا لا بد أن يتزامن مع تطورات مهمة، أولها العمل في صفوف المعارضة على توحيد الجهد من أجل إخراج حكومة انتقالية مقبولة، وثانيها العمل على تفعيل العمل النضالي الشعبي في المدن السورية كافة من أجل إرباك النظام وتشتيت جهوده، ولا يجب اليأس من هذا البعد، بل لا بد من نداءات واقتراحات تضيف إلى التظاهر أعمالا شعبية سلمية أخرى كثيرة.

أما الأهم من ذلك كله فهو تركيز الجهد في معركة دمشق، ونقل الكثير من الثوار إليها من دون تفريغ المناطق الأخرى، بخاصة حلب، وصولا إلى تفكيك الحصار المضروب من حولها رغم قيام النظام بتفتيتها من الداخل من خلال كم هائل من الحواجز الأمنية كي يمنع دخول السلاح والثوار إليها. ولعل من المفيد التذكير هنا بأن تحرك طرابلس من الداخل هو الذي سهّل دخولها من قبل الثوار بشكل سريع.

المعركة الفاصلة ليست في المدن الأخرى، وإنما هنا في دمشق، ويجب أن يبدع الثوار في اختراقها، وبالطبع بعد تجميع ما يمكنهم تجميعه من القوة حولها، وصولا إلى لحظة الحسم.

إن الظروف السياسية والعسكرية والأمنية تشير إلى أن ذلك لم يعد صعبا إلى حد كبير، بل هو متاح إذا تم تنسيق الجهد بعيدا عن المعارك الجانبية، وبعيدا عن الاقتتال على جلد الدب قبل صيده، لاسيما أننا إزاء معركة حرية وتعددية سيحدد فيها الناس مصيرهم عبر الصناديق، وهم قادرون على التمييز بين الأكثر جهدا وعطاءً في الواقع، وبين الأكثر ضجيجا دون فعل.

عن Admin

اترك تعليقاً