الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة العربية

الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة العربية

التقديم:

1 ـ في عام 1982 نشرت مجلة “كيفونيم” التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، وثيقة بعنوان “استراتيجية إسرائيلية للثمانينات”. وقد نُشرت هذه الوثيقة باللغة العبرية، وتم ترجمتها إلى اللغة العربية، وقدمها الدكتور / عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988.

2 ـ ولقد رأيت أهمية إعادة نشر هذه الوثيقة الآن للأسباب الآتية:

إن تقسيم العراق كأحد أهداف الحرب الحالية على العراق ( آذار/مارس 2003 ) هو أحد الأفكار الرئيسية الواردة في الوثيقة المذكورة.

إن الخطط الحالية الساعية لفصل جنوب السودان وتقسيمه، هي أيضاً ضمن الأفكار الواردة في الوثيقة.

إن الاعتراف الرسمي (بالأمازيغية) كلغة ثانية، بجوار اللغة العربية في الجزائر هي خطوة لا تبتعد عن التصور الصهيوني عن المغرب العربي.

إن مخطط تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية، الذي حاول الكيان الصهيوني تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وفشل في تحقيقه، لهو تطبيق عملي لما جاء بهذه الوثيقة بخصوص لبنان.

إن الحديث الدائر الآن في الأوساط الصهيونية حول تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، والتخوفات العربية من استغلال أجواء العدوان على العراق لتنفيذ ذلك، هو من أساسيات الأفكار المطروحة في الوثيقة.

وأخيراً وليس آخراً، إن الأخطار التي تتعرض لها مصر، واردة بالتفصيل في الوثيقة الصهيونية.

3 ـ والحديث عن وثيقة من هذا النوع، ليس حديثاً ثانوياً يمكن تجاهله، فهم ينصون فيها صراحة على رغبتهم في مزيد من التفتيت لأمتنا العربية. كما أن تاريخنا الحديث هو نتاج لمشروعات استعمارية مماثلة. بدأت أفكاراً، وتحولت إلى اتفاقات ووثائق، تلزمنا وتحكمنا حتى الآن:

ـ فمعاهدة لندن 1840 سلخت مصر منذئذٍ وحتى تاريخه عن الأمة العربية. فسمحت لمحمد علي وأسرته بحكم مصر فقط، وحرَّمت عليه أي نشاط خارجها. ولذلك نسمي هذه الاتفاقية “اتفاقية (كامب ديفيد) الأولى.”

ـ واتفاقية (سايكس بيكو) 1916 قسَّمت الوطن العربي، هذا التقسيم البائس الذي نعيش فيه حتى الآن، والذي جعلنا مجموعة من العاجزين، المحبوسين داخل حدوداً مصطنعة، محرومين من الدفاع عن باقي شعبنا وباقي أرضنا في فلسطين أو في العراق أو في السودان.

ـ ووعد بلفور 1917 كان المقدمة التي أدت إلى اغتصاب فلسطين فيما بعد. تم تلاه وقام على أساسه، صك الانتداب البريطاني على فلسطين، في 29 أيلول/سبتمبر 1922 ، الذي اعترف في مادته الرابعة “بالوكالة اليهودية” من أجل “إنشاء وطن قومي لليهود”. فأعطوا بذلك الضوء الأخضر للهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين.

فلما قوي شأن العصابات الصهيونية في فلسطين، أصدرت لهم الأمم المتحدة ، قراراً بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، وهو القرار الذي أعطى “مشروعية” للاغتصاب الصهيوني. وأُنشأ بموجبه الكيان الصهيوني. وهو القرار الذي رفضته الدول العربية في البداية. وظلت ترفضه عشرون عاماً لتعود وتعترف به بموجب القرار رقم 242 الصادر من الأمم المتحدة في 1967 ، الذي ينص على “حق” الكيان الصهيوني في الوجود، و “حقه” أن يعيش بأمان على أرض فلسطين المغتصبة.

وعلى أساس هذا القرار أُبرمت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26/03/1979 والتي خرجت بموجبها مصر من الصراع العربي ضد المشروع الصهيوني، لينفرد الكيان الصهيوني بالأقطار العربية الأخرى.

كل ذلك وغيره الكثير، بدأ أفكاراً، وأهدافاً استعمارية، وتحول فيما بعد إلى حقائق.

وبالتالي ليس من المستبعد أبداً أن تتحول الأفكار، التي وردت في الوثيقة الصهيونية المذكورة، إلى أمر واقع ولو بعد حين. خاصة الآن بعد العدوان الأمريكي على العراق، ومخاطر التقسيم التي تخدم ذات التصور الصهيوني عن المنطقة.

4 ـ والوثيقة الصهيونية منشورة في الصفحات التالية بنص كلماتها وفقراتها، مع فرق واحد، هو أنني أخذت ما جاء متفرقاً بالوثيقة بخصوص كل قطر، وقمت بتجميعه في فقرة واحدة، وحاولت ترقيمه وتبنيده، لتسهل متابعته.

5 ـ وأخيراً فإن الهدف الذي رجوته من نشر هذه الوثيقة، هو أن ننظر إلى العدوان علينا في مساره التاريخي. وأن نراه على حقيقته كمخطط، موحد، منتظم، متسلسل، ممتد. وأن نحرر أنفسنا من منطق التناول المجزأ لتاريخنا، الذي يُقسمه إلى حوادث منفصلة عن بعضها البعض.

آملاً في النهاية ألا تقتصر حياتنا على مجموعة من الانفعالات وردود الفعل اللحظية المؤقتة، التي تعلو وقت الشدة، وتخبو في الأوقات الأخرى. فتاريخنا كله ومنذ زمن بعيد، ولزمن طويل آتٍ، هو وقت شدة.

نص الوثيقة الصهيونية

أولاً: نظرة عامة على العالم العربي والإسلامي

1 ـ إن العالم العربي والإسلامي هو بمثابة برج من الورق أقامه الأجانب ( فرنسا وبريطانيا في العشرينيات) ، دون أن توضع في الحسبان رغبات وتطلعات سكان هذا العالم.

2 ـ لقد قُسِّم هذا العالم إلى 19 دولة كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة، والتي تُعادي كل منهما الأخرى، وعليه فان كل دولة عربية إسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقي والاجتماعي في الداخل إلى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول.

3 ـ وإذا ما أضفنا إلى ذلك الوضع الاقتصادي يتبين لنا كيف أن المنطقة كلها، في الواقع، بناء مصطنع كبرج الورق، لا يمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجهه.

4 ـ في هذا العالم الضخم والمشتت، توجد جماعات قليلة من واسعي الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء. إن معظم العرب متوسط دخلهم السنوي حوالي 300 دولار في العام.

5 ـ إن هذه الصورة قائمة وعاصفة جداً للوضع من حول دولة (إسرائيل)، وتشكل بالنسبة لها تحديات ومشكلات وأخطار، ولكنها تشكل أيضاً فرصاً عظيمة.

ثانياً ـ مصر

1 ـ في مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة من المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية في مصر العليا، حوالي 8 مليون نسمة. وكان الرئيس محمد أنور السادات قد أعرب في خطابه في أيار/مايو من عام 1980 عن خشيته من أن تطالب هذه الأقلية بقيام دولتها الخاصة، أي دولة “لبنانية” مسيحية جديدة في مصر…

2 ـ والملايين من السكان على حافة الجوع نصفهم يعانون من البطالة وقلة السكن في ظروف تعد أعلى نسبة تكدس سكاني في العالم.

3 ـ وبخلاف الجيش فليس هناك أي قطاع يتمتع بقدر من الانضباط والفعالية.

4 ـ والدولة في حالة دائمة من الإفلاس بدون المساعدات الخارجية الأمريكية التي خُصصت لها بعد اتفاقية السلام.

5 ـ إن استعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطي يجب إذن أن يكون هدفاً أساسيا من الدرجة الأولى اليوم…. إن المصريين لن يلتزموا باتفاقية السلام بعد إعادة سيناء، وسوف يفعلون كل ما في وسعهم لكي يعودوا إلى أحضان العالم العربي، وسوف نضطر إلى العمل لإعادة الأوضاع في سيناء إلى ما كانت عليه….

6 ـ إن مصر لا تشكل خطراً عسكرياً استراتيجياً على المدى البعيد بسبب تفككها الداخلي، ومن الممكن إعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه بعد حرب حزيران/يونيو 1967 بطرق عديدة.

7 ـ إن أسطورة مصر القوية والزعيمة للدول العربية قد تبددت في عام 1956 وتأكد زوالها في عام 1967.

8 ـ إن مصر بطبيعتها وبتركيبتها السياسية الداخلية الحالية هي بمثابة جثة هامدة فعلاً بعد سقوطها، وذلك بسبب التفرقة بين المسلمين والمسيحيين والتي سوف تزداد حدتها في المستقبل. إن تفتيت مصر إلى أقاليم جغرافية منفصلة هو هدف (إسرائيل) السياسي في الثمانينات على جبهتها الغربية.

9 ـ إن مصر المفككة والمقسمة إلى عناصر سيادية متعددة، على عكس ما هي عليه الآن، لن تشكل أي تهديد لدولة (إسرائيل) بل ستكون ضماناً للزمن و”السلام” لفترة طويلة، وهذا الأمر هو اليوم في متناول أيدينا.

10 ـ إن دول مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها لن يكون لها وجود بصورتها الحالية، بل ستنضم إلى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر. فإذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الأخرى، وإن فكرة إنشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا إلى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الإقليمية في مصر ـ بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم ـ هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي.

كما إن تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية.

ثالثاً ـ ليبيا

إن الرئيس معمر القذافي يشن حروبه المدمرة ضد العرب أنفسهم انطلاقاً من دولة تكاد تخلو من وجود سكان يمكن أن يشكلوا قومية قوية وذات نفوذ. ومن هنا جاءت محاولاته لعقد اتفاقيات باتحاد مع دولة حقيقية كما حدث في الماضي مع مصر ويحدث اليوم مع سوريا.

رابعاً ـ السودان:

وأما السودان ـ أكثر دول العالم العربي الإسلامي تفككاً ـ فإنها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى، فمن أقلية عربية مسلمة سنية تسيطر على أغلبية غير عربية أفريقية إلى وثنيين إلى مسيحيين.

عن marsad

اترك تعليقاً