العولمة

مؤسسات العولمة

العولمة
العولمة

مؤسسات العولمة

د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد

مؤسسات العولمة

هي كثيرة ، ولكن من أبرزها :

1.  منظمة الأمم المتحدة UN 

2.  صندوق النقد الدولي IMF

3.  البنك الدولي للإنشاء والتعمير IBRO

4.  اتفاقية “الجات” والتي تحولت بعد ذلك إلى “منظمة التجارة العالمية” WTO، وأعضاؤها 128 دولة (لغاية 13/12/96م).

5.  منظمة الوحدة الأوربية بجميع عناوينها.

6.  حلف الأطلسي.

7.  نادي باريس: وهو مؤسسة مالية ذات سلطة كبيرة ومعقدة ، ولا تملك المنظمة ميثاقاً أو قواعد عمل أو عضوية ثابتة أو رسمية، ودورها بارز في جدولة القروض الرسمية للبلدان النامية والفقيرة.

من خلال التدقيق في مؤسسات نشر العولمة ، نلاحظ الإمكانات الهائلة المتاحة لها على كل المستويات والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها بلا حدود، مع توفير جميع الإمكانات وتيسير كل السبل لنغطي أرجاء المعمورة بدون معوقات أو عراقيل.

وسائل نشر العولمة:

إن التقنية الحديثة هي الوسيلة الرئيسة في نشر العولمة، وتتمثل في:

–   الحاسوب.

–   الإنترنت. 

–   الأقمار الصناعية والبث الفضائي. 

–   الصحافة الدولية ومؤسسات النشر (المسموعة والمقروءة والمرئية). 

–    السياحة والرياضة. 

–    بنوك المعلومات وبنوك المال.  

–    السينما. 

–    المؤتمرات والندوات.  

–    المؤسسات بجميع تخصصاتها. 

إن معظم هذه الوسائل هي أيضاً مستخدمة لنشر الإسلام عالمياً، ولكن بشكل محدود جداً، لا يكاد يقارن مع استعمالاتها الكبيرة في نشر العولمة.

قصور العولمة المعاصرة عن بلوغ غاياتها.

 

لن تتمكن العولمة المعاصرة من تحقيق غاياتها في إعادة صياغة الهوية الخصوصية للشعوب للأسباب الآتية:

 

1-     افتقادها للمنهاج العام الذي يعتبر مرجعية مكتوبة أو مقننة.


2-  بشرية منطلقاتها الفكرية (ومفهوم البشرية يتضمن التعدد الفكري، والقصور الذاتي). 


3-  جهلها بالسنن الربانية (مما يؤدي إلى اصطدامها بها). 


4-  اعتمادها على أساسين غير دائمين:  

 

أ – قوة النفوذ الغربي.

ب – التقنية الفائقة المعاصرة.

وكلاهما مهدد بالتقويض في حالة نشوب حرب كونية.


5-  الدخول في صراعات كثيرة منوعة مع خصوصيات الشعوب. 


6-  افتقادها للبعد الزمني التاريخي الشمولي ، مما يلحقها – بالنسبة لكل أمة من الأمم على حدة – بالأمور “الطارئة” لا يستطيع أن “يلغي الجذور التاريخية” للشعوب والأمم.  


إن العولمة المعاصرة تمثل “تياراً عاماً” يدفع إلى الأمام بوسائط تقنية ووسائل أخرى، لكنه ليس “مشروعاً حضارياً متناسقاً ومتكاملاً” ولذلك فإن الإخفاق هو منتهى طريقها.


مفرزات “العولمة المعاصرة”:

 تتمثل مفرزات العولمة المعاصرة في سلوك منحى العولمة المركزية، والمنظمة والمتخصصة، والتي إذا جمعت مفردات تخصصاتها شكّلت الماسحة المتاحة من العولمة العامة الشاملة. إن الاتجاه الحالي للعولمة هو في بذل الجهود الدولية والعالمية لاستكمال الشمولية لتغطية جميع مساحة العولمة العامة من خلال استكمال مفرداتها التفصيلية، وقد تطلّب ذلك جهوداً مضنية بُذلت، ولا تزال تُبذل لتحقيق الوصول لهذه الغاية.


ولعلنا نشير إلى بعض تلك الجهود وفق النقاط الآتية:

أولاً: عقد مؤتمرات عالمية : منها:

· مؤتمر “البيئة والتنمية” في ريودجانيرو 1992م.

· مؤتمر “حقوق الإنسان” في فيينا 1993م. 

· مؤتمر “الإسكان والتنمية” في القاهرة 1992م. 

· مؤتمر “التنمية الاجتماعية” في كوبنهاجن 1995م. 

· مؤتمرات “المرأة” : 

– في نيومكسيكو 1975م.

– في كوبنهاجن 1980م. 

– في نيروبي 1985م. 

– في بكين 1995م. 

· ندوة “البديل الثالث” جامعة نيويورك، سبتمبر 1998م. 

· المؤتمر العالمي لـ”العولمة” في دافوس السويسرية 1999م (حضره حوالي 1500شخصية عالمية متخصصة). 

· مؤتمر “الذهب النازي” في بريطانيا 1999م (شارك فيه 46دولة و6منظمات دولية غير حكومية على رأسها المجلس اليهودي العالمي). 

· مؤتمر “الصحة الإنجابية” القاهرة، فبراير 1999م. 

· مؤتمر ” الشباب” في بانكوك، مارس 1999م. 

· مؤتمر “سفراء الشباب” سان فرانسيسكو، يونيو 1999م. 

· مؤتمر “العنف ضد النساء” نيويورك، مارس 1999م. 

· منظمات شبابية بأسماء “منظمة اليوم الواحد”، “منتدى الشباب”، “مؤسسة جسر الحياة”.. وغيرها. 

ثانياً: العولمة الاقتصادية:

وذلك من خلال تشكيل هيئات اقتصادية كبيرة، تتمكن بإحكام هيمنتها ونفوذها من السيطرة على أدوات السوق الدولية، وأكتفي للتدليل على ذلك بنموذج واحد فقط، وهو نموذج “الاندماج” ، مثل اندماج:

· شركات صناعية عملاقة ، كاندماج شركتي “ديملرز” و “كرايسلر”. 

· شركات بترول ، مثل: 

– “أكسون” و “موبيل” (مقدار رأس المال 214ملياراً).

– “رويال داتش” و “شل” (مقدار رأس المال 162ملياراً). 

– “بريتيش بتروليوم” و “أموكو” (مقدار رأس المال 149ملياراً). 

·  بنوك كبيرة في أوروبا وأمريكا. 

وقد ذكر “تقرير الشال الاقتصادي” أن في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حدثت 3385 عملية شراء واندماج خلال النصف الأول من عام 2002م، وفي بريطانيا نحو 1150 عملية اندماج، وفي ألمانيا نحو 538 عملية، وفي فرنسا نحو 504 عملية، وفي الصين نحو 452 عملية،وفي كوريا الجنوبية نحو 83 عملية، وفي البرازيل نحو 81 عملية، وفي المكسيك نحو 42 عملية، وبالجملة فإن بيانات تنشرها مجلة الإيكونوميست نقلاً عن dialogic – uk    أن عدد عمليات الشراء والاندماج في النصف الأول من عام 2002م قد بلغت 11887 عملية، وبقيمة إجمالية في حدود 645 ملياراً.


إن هذه الشركات الضخمة والبنوك المتخمة تستخدم قواها الاقتصادية في دعم عملية العولمة من خلال التأثير في :

– دخول الدول النامية.

– خطط التنمية فيها.  

– ابتزاز اقتصاد الدول النامية من خلال السيطرة على مشاريعها الاقتصادية. 

– إضفاء أساليب التغريب على مناهج الحياة فيها، لتقليص أو مصادرة خصوصيتها الوطنية أو الإقليمية، من خلال إخضاعها اقتصادياً أو سياسياً.


وقد أكدت مصادر اقتصادية أن احتكارات البلدان الغربية قد ابتزت من هذه الدول في الفترة من 1970م إلى 1980م مبالغ قدرها 125مليار دولار.


ورغم أن الاقتصاد الربوي قد أنشب أنيابه بقوة في جميع أنحاء الجسد البشري على المستوى العالمي مبتلعاً في طياته الأفراد والشعوب، سواء منها الإسلامية وغير الإسلامية، إلا أن جهود الصحوة الإسلامية قد أثمرت – ولو بشكل ضئيل – في التخلص شيئاً ما من براثن بعض تلك الأنياب الحادة، حيث أنشئت المصارف الإسلامية وبعض المؤسسات الاقتصادية القائمة على المنهج الإسلامي في المعاملات المالية، وذلك بغرض تحقيق الممارسات التجارية والاستثمارية والمصرفية على أسس إسلامية. وقد تحددت الخطوط العريضة لهذا التوجه – كما يراه الدكتور البعلي – فيما يأتي:

 

1-     نبذ الفوائد الربوية بأشكالها المختلفة أخذاً وعطاءً.


2-  ممارسة الاتجاه المباشر. 


3-  ملكية أصول لغايات الاستثمار. 


4-  المشاركة المباشرة في مشاريع منتجة.


كل ذلك باعتبار أن التوازن الاقتصادي في المجتمع الإسلامي هو أحد المقاصد التي رمت الشريعة إلى تحقيقها.

وقد بيّن د. البعلي أن “البنوك في ظل استراتيجياتها السابقة ، متفردة بهويتها، لا تصدر الأزمات الاقتصادية، بل تقدم منهجاً متفرداً، وتصدر الحلول للمشكلات، حيث تستطيع في ظل إستراتيجية واضحة أن تستأثر وتستأسد بحصة من السوق المصرفية لا يستطيع غيرها ينافسها فيها، وهي:

1-     شريحة الذين لا يرغبون في التعامل بسعر الفائدة.


2-  شريحة الذين يرعبون في الحصول على مزايا العمل المصرفي الإسلامي. 


3-  شريحة الذين ينادون بتنمية حقيقية مستمرة تقوم على بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي. 


إن العولمة الاقتصادية، والتي يُقصد منها فرض هيمنة الدول الغنية بقصد امتصاص خيرات الدول الفقيرة وثرواتها، ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية ، إذ لا يزال نحو 900مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع، و826 مليون نسمة يعانون من سوء التغذية، ومليار نسمة يفتقرون إلى مصادر مياه مناسبة، و 115 مليون طفل لا يتلقون تعليمياً، و 10% من مواليد جنوب الصحراء في إفريقيا يموتون.


وقد جاءت مؤشرات التدهور الاقتصادي الشديد في العالم العربي لتؤكد عدم قدرته في الصمود أمام الضغوط الاقتصادية للدول الغنية، لقد انخفض معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي لسبع عشرة دولة عربية من 4,2 % عام 2000م إلى 3,9% عام 2001م وتراجع مؤشر الاستثمار عام 2001م بنحو 0,7 نقطة مقابل 1,2 نقطة عام 2000م كما أن خمس عشرة دولة عربية تعاني ندرة شديدة في المياه، أو هي فعلاً تحت خطر الفقر في المياه. لكل ذلك ، فإن مؤشر التنمية البشرية (
H.D.I) يضع البلاد العربية في المؤخرة ما بين 111دولة باستثناء إفريقيا. ولقد أدت أزمة آسيا الاقتصادية إلى هبوط معدل نمو تجارة السلع العالمية من نحو 11% عام 1997م إلى 5% لعامي 1998م و 1999م ، مما زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في العالم العربي.

ولقد جاء التصنيف العالمي للدول بحسب إنجازاتها التقنية كرياح عاتية عرّت حقيقة الأوضاع المزرية والمتردية للاقتصاد في البلاد العربية ، إذ تم تصنيف الدول إلى خمس فئات : القادة، والقادة المحتملون، والنشطون، والمهمشون، والآخرون. ضمن هذا التصنيف جاءت 18 دولة في فئة القادة ، من بينها دولة الكيان اليهودي، و18 دولة ضمن القادة المحتملون ، ليس بينها بلد مسلم سوى ماليزيا.


بهذه المقاييس، فإن البلاد العربية والإسلامية لن تقوى بتاتاً على مقاومة أعاصير العولمة الاقتصادية، على الأقل على مستوى الزمن المنظور، والذي قد يمتد عقوداً، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن دعامات العولمة الاقتصادية أرست ركائزها في أعماق البنى الاقتصادية الدولية من خلال :

– التعميم العالمي لعمليات الإنتاج والتسويق للصناعات الحديثة ذات التقنية الفائقة.

– نمو حجم التجارة الدولية وتنوعها.

– انتقال رؤوس الأموال عبر الحدود.

– زيادة الشركات متعددة الجنسيات في عددها ونشاطها.


غير أن ذلك كله يعتمد بشكل أساسي على حالة الاقتصاد الأمريكي، والذي بدأت أركانه تتزلزل بسبب المشروع الأمريكي الظلامي، والمتلخص بالسيادة على العالم باستعمال القوى المسلحة الكاسحة تحت شعار (الحروب الإستباقية)، للقضاء على التهديد الذي تستحدثه الولايات المتحدة نفسها – إذا لم يكن موجوداً في الأصل -، ليكون غطاء لشن الحروب الغاشمة كما حصل في أفغانستان ثم العراق.


إن العولمة الاقتصادية الأمريكية قد تعرضت وستتعرض إلى هزات متوالية ، كلما أصرت على خوض الحروب الباهظة التكاليف، يقول فهد بن عبد الرحمن آل ثاني في بحثه القيم (جدلية تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط): “أما بالنسبة للولايات المتحدة فقاتلت ما يقارب عقداً من الزمن، منذ انتهاء الحرب الباردة، لكي تطبق إستراتيجية عولمة العالم على الطريقة الأمريكية، ولكن هذه الإستراتيجية فشلت – فيما نرى- فشلاً ذريعاً في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط.

ولعل من أهم الدلائل على ذلك أن العجز التجاري الأمريكي قفز من 100 مليار دولار عام 1990م إلى 450 مليار دولار عام 2000م، والأخطر في العجز التجاري في عام 2000م هو أن الواردات النفطية لا تشكل إلا 18% من الواردات الأمريكية، أما 82% الباقية فهي سلع صناعية مستوردة.

يضاف إلى ذلك أن العجز التبادلي مع الصين بلغ في عام 2001م 83 مليار دولار، وهذا يؤكد الفشل الأمريكي في إدارة عولمة العالم، وأن أمريكيا أصبحت في موقع التبعية لا موقع الحكم.


يقول الكاتب الفرنسي إيمانويل تود: إن الإمبراطورية الأمريكية أشبه بالإمبراطورية الرومانية التي كانت تعتمد على الاستيراد الخارجي ، منها إلى الإمبراطورية السوفييتية التي كانت تعتمد على الاكتفاء الذاتي، فأمريكا إمبراطورية للاستهلاك لا للإنتاج، وحاجتها إلى العالم في استهلاكها أشد من حاجة العالم إليها في إنتاجها. 


ولكن في الوقت الذي بات فيه العالم ضرورياً لها لتحافظ على مستوى استهلاكها الإمبراطوري ، فإن هذا العالم نفسه لا يقع تحت سيطرتها الإستراتيجية، القطبان الندان لها في مجال الإنتاج الصناعي، وهما الاتحاد الأوروبي واليابان، يبلغ العجز التجاري الأمريكي مقابلهما 60 مليار دولار – على التوالي – فبالتالي لا تجمعهما مع أمريكا علاقة تبعية كما يقضي المنطق الإمبراطوري، كذلك فإن القطبين الكبيرين الآخرين في العالم – وهما الصين وروسيا – يقفان خارج مجال سيطرة واشنطن الإستراتيجية، لاسيما أن روسيا تتمتع باستقلالية نووية تامة، وعندما شعرت أمريكا بعجزها التجاري الكبير مع الصين، وكذلك مخافة أن تطور الصين نوعاً من تكنولوجيا الأسلحة الذكية ، عملت على محاربة تصدير التقنية إليها. ففي عام 2001م مثلاً تسلّمت وزارة التجارة الأمريكية 1294 طلباً فيما يتعلق بتصدير التكنولوجيا إلى الصين، 72% من الطلبات حصلت على موافقة ، بينما رفضت وزارة التجارة الأمريكية 28% من الطلبات. إن أمريكا ستحاول تطبيق سيطرتها العالمية من خلال محاولة المحافظة على تفوقها على 72% من احتياطات النفط في العالم، و 35% من احتياطات الغاز الطبيعي.


إن المسلك الأمريكي المتغطرس والمتّسم بالاستعلاء، واتخاذها من العولمة جسراً تعبر بواسطته إلى خصوصيات الشعوب، وتسيطر بذلك على اقتصادها وثرواتها ، قد حرك كثيراً من شعوب العالم ضد العولمة، أو إن شئت قلت ضد الأمركة، فحيثما يعقد مؤتمر “مؤتمر التجارة العالمية” اجتماعاته تخرج المظاهرات الشعبية العارمة للتنديد بالعولمة ، باعتبار هذا المؤتمر هو من أهم وجوهها. ومن اللافت للنظر حقاً أن تكون مدينة “سياتل” الأمريكية من أبرز المدن التي حصلت فيها المواجهات الكبرى ضد العولمة عام 1999م، وكذا حصل في بومباي لدى عقد المؤتمر فيها في يناير 2004م، حيث تجمّع أكثر من 80 ألفاً من المتظاهرين، قدموا من 130 دولة خصيصاً للاحتجاج على العولمة.


غير أن مقاومة العولمة الاقتصادية لا تكفي المظاهرات لإيقاف امتداد فاعليتها ، إذ لا بد من تفعيل الإمكانات الاقتصادية المتاحة، وخاصة فيما يتعلق بالعالم الإسلامي، ومن ضمنه العالم العربي الذي يغطي مساحة قدرها حوالي 14 مليون كيلو متراَ مربعاً، يقطنه حوالي 250 مليون نسمة، بلغ ناتجه الخام عام 2000م 603,5 بليون دولار بحسب ما ورد في برنامج الأمم المتحدة للتنمية عام 2002م، ويختزن في جوفه ما يمثل 56% من النفط و 25% من الغاز من مجموع المخزون العالمي ، فضلاً عن موارده المائية والمساحات الكبيرة من الأراضين المتاحة للاستثمار الزراعي بشكل واسع.


إن التحدي الاقتصادي الذي يواجه العالم الإسلامي ذو طابع فريد وحاسم وقوي، إن على المخططين الإسلاميين الاقتصاديين الاستراتيجيين أن يجلو النظر جيداً في الأرقام الاقتصادية التي تدق بعنف ناقوس الخطر للزمن القادم، ومن تلك الأرقام على سبيل المثال – ما ذكره الدكتور مالك الأحمد في بحثه (العولمة مفاهيم ومقارنة)، حيث ذكر أن:

– 500 شركة عملاقة عابرة للقارات تسيطر على 70% من حركة التجارة العالمية.

– 350% شركة استأثرت بـ 40% من التجارة العالمية. 

– 6 شركات تسيطر على 85% من تجارة الحبوب. 

– 3 شركات تسيطر على 83% من تجارة الكاكاو. 

– 7 شركات تسيطر على 90% من تجارة الشاي. 

– 3 شركات تسيطر على 80% من تجارة الموز. 

– 358 فرداً يملك الواحد منهم مليار دولار على الأقل ، بما يضاهي ما يملكه 2,5 مليار نسمة. 

– يوجد في الدول النامية 1,3مليار شخص يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، و 11% من سكان الدول الصناعية يعيشون بأقل من 11,4دولار. 


– يمتلك أغنى ثلاثة أشخاص في العالم أكثر من مجموع الناتج الإجمالي الداخلي للدول الـ48 الأكثر فقراُ في العالم، فيما يمتلك أغنى 15شخص في العالم أكثر من مجموع الناتج الإجمالي الداخلي لدول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، ويمتلك أغنى 32 شخصاً في العالم أكثر من الناتج الإجمالي الداخلي لدول آسيا الجنوبية. 


 –  20% من قوة العمل ستكفي حالياً لإنتاج جميع السلع التي يحتاج إليها المجتمع العالمي، 80% ستواجه شيئاً آخر.

– تكلف تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية لسكان العالم 13 مليار دولار ، في حين تكلف أغذية الحيوانات في أوروبا والولايات المتحدة 17مليار دولار ، والاستهلاك السنوي من التبغ في أوروبا 50 مليار دولار، واستهلاك المخدرات يكلف العالم 400 مليار دولار سنوياً، والإنفاق العسكري العالمي يبلغ 780 مليار دولار سنوياً.


– يستهلك كل أمريكي 119 كجم من اللحم سنوياً، والنمساوي 103 كجم سنوياً، في حين يبلغ متوسط ذلك في بنغلادش 3كجم سنوياً ، وفي الهند 4 كجم.


لا داعي للاستطراد أكثر من ذلك، فما ذكرته من تحليلات وأرقام كاف للدلالة على خطورة العولمة الاقتصادية.

العولمة
العولمة


ثالثاً: العولمة الثقافية:

أولاً: أهدافها:

هذه العولمة عند تنزيل مفهومها على العالم الإسلامي ، فإنه يُقصد منها التدخل المباشر في ثقافات الشعوب الإسلامية، وذلك لتحقيق أهداف خطيرة ، من أهمها:

1-     تشويه ثقافات “الذاتية التاريخية ” للأمة الإسلامية.


2- بث الشبهات في أساسات تلك الثقافات من خلال التشكيك في مرجعيتها الأصلية (الكتاب والسنّة)، ويتضمن ذلك دعم وتشجيع الفئات الطائفية التي تتبنى في أصل عقيدتها ذلك النوع من التشكيك.


3- إضفاء ألوان من القدسية الثقافية على الكُتّاب الذين يختطون ذلك المنهج، سواء باسم الأدب أو الفن أو السياسة أو الاقتصاد أو التربية أو الإدارة أو غيرها ، إذ تمنح لهؤلاء الجوائز العالمية ، كجائزة نوبل التي مُنحت لنجيب محفوظ على ثلاثيته، وجائزة الأدب التي مُنحت لأدونيس في مطلع 2004م. 


4- إقحام المرأة في كل المجالات دون استثناء ، بقصد استغلالها باسم الثقافة والفن لتكون أداة ميدانية لتطويع الشعوب الإسلامية للهجمة الثقافية الغربية. ويتجسد ذلك أكثر ما يتجسد ببث ما يُسمّى (بثقافة الجنس)! والتي تتضمن استغلال صورة المرأة، والحديث عن جسدها، وإبراز مفاتنها، سواء في الكتب أو الصحافة أو المجلات أو التلفزيون أو الإعلانات أو الندوات أو غيرها، ويدخل ضمن هذا الهدف إلهاء المرأة المسلمة بأمور خارج منزلها بغية عزلها عن هدفها الأساس، وهو تربية الأجيال. 


5- تغليب المنتج الثقافي العلماني والليبرالي والقومي على المقابل الإسلامي، ليكون ذلك المنتج هو الصبغة العامة المؤثرة في ثقافة الشعوب الإسلامية، وخاصة فيما يتعلق بالأخلاق والسلوك، فضلاً عن الأفكار والمعتقدات.

6- تغيير المناهج التعليمية في البلاد الإسلامية، وذلك باستغلال ما بقي فيها من آثار ضعيفة تذكّر الطالب المسلم بدينه وتاريخه.


7- تذويب المجتمع المسلم في بحر الثقافة الغربية، وخاصة ما يتعلق منها بالإسفاف المادي والانحراف العقدي والترهل المعنوي، مع محاولة عزله عن الثقافة ذات المردود الإيجابي والاتقاء الحضاري والبعد الاستراتيجي. 

8- الاستحواذ على الطاقة المعرفية في العالم الإسلامي ، بربطها بالثقافة العلمانية، وذلك لتحقيق غايتين :

الأولى : حرمان المجتمع الإسلامي من تلك الطاقات.

والثانية: استغلالها في المساهمة في بناء الكيان الحضاري الغربي. 


9- وباعتبار أن العولمة الثقافية لا تنفك في حركتها عن باقي مكونات العولمة (أي العولمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والتربوية وغيرها)، باعتبار أنها من أهم تلك المكونات وأبرزها ، فإن نجاح العولمة الثقافية في التغلغل في المجتمع الإسلامي سيسلكه قسراً في باقي مكونات العولمة، بل يجعله جزءاً فاعلاً ومؤثراً في تحقيق غاياتها، وعاملاً رافداً في منظوماتها.


10- إدخال العالم الإسلامي في بوتقة الحركة الثقافية العالمية ، بما تتضمنه من مفهومات مصطلحية ذات طابع جماهيري كالديمقراطية، أو طابع عقدي كالعلمانية، أو طابع انعتاقي كالليبرالية، أو طابع انتمائي كالوطنية والقومية.


ومن خلال سبر أغوار تلك الأهداف العشرة ، نستطيع أن نفهم كثيراُ من العبارات التي يسوّقها المفكرون الغربيون ، من مثل قول “مايكل هيوارد”: “أن الافتراض الغربي السائد الآن يشير إلى أن التنوع الثقافي ليس إلا ظاهرة تاريخية عابرة، سيتم القضاء عليها بسرعة ، جرّاء نمو ثقافة عالمية مشتركة ذات توجهات غربية، وناطقة باللغة الإنجليزية”، ومن مثل إطلاق “ماكلوهان” مفهوم “القرية الكونية” على العالم. وكذلك نستطيع أن نفهم ونفسّر بشكل علمي وموضوعي ما ذهب إليه “صامويل هنتنجتون” في كتابه (صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي)، وما ذهب أليه “فرانسيس فوكوياما” في كتابه (نهاية التاريخ).

ثانيا: لغة الأرقام:

لا أستطيع في هذه العجالة لملمة أكوام وأكداس الأرقام التي تتحدث عن الإحصاءات الثقافية ووسائلها في مختلف بقاع العالم، ولكني سأكتفي بذكر بعض الأرقام تحت خمسة عناوين:

1- الإذاعة والسينما والتلفزيون والفيديو:

أسوق الإحصاءات الآتية، وهي مستقاة من بحث قّيم نشره الدكتور ناصر العمر بعنوان (كيفية التعامل.. رؤية شرعية):

· جميع الوسائل الإعلامية لا يتجاوز تأثيرها 30% من قوة تأثير التلفزيون والفيديو.


· ذكر الدكتور حمود البدر- وكيل جامعة الملك سعود سابقاً وأمين مجلس الشورى السعودي حالياً – أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن بعض الطلاب عندما يتخرج من المرحلة الثانوية يكون قد أمضى أمام جهاز التلفزيون قرابة 15ألف ساعة ، بينما لا يكون قد أمضى في حجرات الدراسة أكثر من 10800 ساعة على أقصى تقدير. ومعدل حضور بعض الطلاب في الجامعة 600 ساعة سنوياً ، بينما متوسط جلوسه أمام التلفزيون 1000 ساعة سنوياً. 


· ذكرت إحصاءات منظمة اليونيسكو عن الوطن العربي أن شبكات التلفزيون العربية تستورد ما بين 33% من إجمالي البث كما في سوريا، و50% من هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر. ولكن في لبنان تزيد البرامج الأجنبية على نصف إجمالي المواد المبثوثة ، إذ تبلغ 58,5% وتبلغ البرامج الأجنبية في لبنان 69% من مجموع البرامج الثقافية، وأغلبها يُبث بغير ترجمة، كذلك فإن 66% من برامج الأطفال تُبث بلغاتها الأجنبية من غير ترجمة – في معظمها.


· ذكر الدكتور محمد عبده يماني أن منظمة اليونيسكو أجرت دراسة اتضح من خلالها أن 90% من الأخبار التي يتناقلها العالم هو من نتاج خمس وكالات عالمية فقط وهي: أسوشيتدبرس (أمريكية)، يونايتدبرس (أمريكية)، وكالة الصحافة الفرنسية (فرنسية)، رويتر (إنكليزية)، تاس (روسية).


· في إحصاءات إسبانية تبين أن 39% من الأحداث المنحرفين اقتبسوا أفكار العنف من مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج الإعلامية. وفي دراسة سلبيات التلفزيون العربي، جاء أن 41% ممن أجري عليهم الاستبيان يرون أن التلفزيون يؤدي إلى انتشار الجريمة، و 47% يرون أنه يؤدي إلى النصب والاحتيال. وذكر الدكتور حمود البدر أنه من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على 5000 فيلم طويل، تبين أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها، وتبيّن من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مائة فيلم وجود 168 مشهد جريمة أو محاولة قتل، بل قد وجد في 13 فيلماً فقط 73 مشهداً للجريمة. وقد قام الدكتور “تشار” بدراسة مجموعة من الأفلام التي تُعرض على الأطفال عالمياً فوجد أن 27,4% منها تتناول الجريمة. 

2- استغلال جسد المرأة:

تكاد ألا توجد مطبوعات أو إعلان أو دعاية تخلو من استغلال المرأة وجسدها بطريقة تثير الغرائز في معظم الأحيان! وفي رسالة ماجستير أعدها أحد الباحثين بعنوان (صورة المرأة في إعلانات التلفزيون)، ذكر أنه قام بتحليل 356 إعلاناً تلفزيونياً، بلغ إجمالي تكرارها 3409 خلال 90 يوماً فقط، وقد توصل في بحثه إلى ما يأتي:

– استُخدمت صورة المرأة في 300 إعلان من 356 إعلاناً، كُررت قرابة 3000 مرة في 90 يوماً. 

– 42% من الإعلانات التي ظهرت فيها المرأة لا تخص المرأة. 

– سنّ النساء اللاتي ظهرن في الإعلانات من 15-30 سنة فقط. 

– اعتمدت 76% من الإعلانات على مواصفات خاصة في المرأة كالجمال والجاذبية، 51% على حركة جسد المرأة، 12,5% اسُتخدمت فيها ألفاظ جنسية.

– أن الصورة التي تقدم للمرأة في الإعلان منتقاة بعناية وليست عشوائية.


وقد أظهرت إحصائية ضمن رسالة علمية جامعية بعضاً من السلبيات المنعكسة على الأسرة (خصوصاً النساء)، بسبب متابعتها للقنوات الفضائية، ومن ذلك:

– 85% يحرصن على مشاهدة القنوات التي تعرض المشاهد الإباحية.

– 53% قلّت لديهن تأدية الفرائض الدينية.

 – 32% فتر تحصيلهن الدراسي.

 – 42% يتطلعن للزواج المبكر ولو كان عرفياً.

 – 42% تعرضّن للإصابة بأمراض النساء نتيجة ممارسة عادات خاطئة.


3- الأطفال فريسة:

إن كل ما يراه الطفل ينطبع في مخيلته ويُختزن في ذاكرته، ومن هنا تأتي خطورة ما يُعرض على الأطفال من الصور والإعلانات ومختلف الدعايات، وقد قام الدكتور سمير محمد حسين بإعداد دراسة حول برامج وإعلانات التلفزيون كما يراها المشاهد والمعلنون، وتوصل فيها إلى أن:

– 98,6% من الأطفال يشاهدون الإعلانات بصفة منتظمة.

– 96% من الأطفال يتعرفون على المشروبات المعلن عنها بسهولة.

– 96% قالوا: إن هناك إعلانات يحبونها، فيحفظون نص الدعاية ويقلدون المعلن.


كما أن الدكتور “تشار” أجرى دراسة على مجموعة من الأفلام التي تُعرض على الأطفال عالمياً، فوجد أن:

– 29,6% تتناول موضوعات جنسية.

– 27,4% تتناول الجريمة.

– 15% تدور حول الحب بمعناه الشهواني العصري المكشوف.


4- الابتكارات والاختراعات:

أفادت الإحصاءات أن حوالي 15% من سكان العالم يمثلون تقريباً مصدر كل الابتكارات التكنولوجية الحديثة ( النسبة ليست للأفراد بل للشعوب)، 50% من سكان العالم قادرون على استيعاب تلك التكنولوجيا استهلاكاً أو إنتاجاً، وبقية سكان العالم، أي 35%، منقطعون ومعزولون عن تلك التكنولوجيا.


وقد نبهت هيئة اليونيسكو في تقريرها العلمي إلى تدني نصيب الدول العربية من براءات الاختراع التكنولوجي على مستوى العالم، حيث بلغ نصيب أوروبا منها 47,2%، وأمريكا الشمالية 33.4%، واليابان والدول الصناعية الجديدة 16,6%، وبقي حوالي 2,6% تتنافس في باقي دول العالم.


فانظر إلى هذا البون الشاسع بين العالم الإسلامي وبين سائر دول العالم فلا شك إذن أن تطغى العولمة الثقافية على مرافق التوجيه في هذه الدول المتخلفة ، حتى لا تجيد طريقة التعامل مع هذه المبتكرات والمخترعات، فهي في أحسن الأحوال لا تصلح إلا أن تكون سوقاً استهلاكية ليس أكثر !! علماً أن سرعة إنزال المبتكرات إلى السوق أسرع بكثير من الوقت المتاح لاستيعاب مساحات الاستفادة منها ومن إمكاناتها التشغيلية، وذلك بسبب التسارع المضطرد الذي تتّسم به ثورة الاتصالات لعام 1995م قّدرت بحوالي 1000مليار دولار.


5- الشبكة العالمية (الإنترنت):

هي شبكة معلومات تُعدّ من أعجب ما توصل إليه الإنسان ، إذ جعلت أدق المعلومات بين يدي كل من يطلبها بسرعة مذهلة وبتفاصيل استثنائية، وذلك بمجرد أن يداعب بأنامله أزرار الحاسوب. وعلى الرغم من أن هذه الشبكة المعقدة قد غلّفت جميع أنحاء الكرة الأرضية ، فإن حظ العالم الإسلامي من التعامل مع هذه المعلومات المتوفرة بسهولة عبرها لا يزال ضعيفاً. بل إن بعض دول العالم الإسلامي كانت تحظر هذا التعامل لفترة قريبة ! قارن هذا الحال المتخلف مع دولة متقدمة كاليابان مثلاً، فإن اليابانيين المتصلين بالإنترنت عبر الخطوط الثابتة والهواتف المحمولة ارتفع في ديسمبر عام 2002م إلى 43مليون شخص مقارنة بـ26,3 مليون شخص قبل ستة أشهر فقط (!!). وأما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن عدد العاملين في قطاع الإنترنت بلغ 1.2 مليون شخص.


إذا أمعنا النظر فيما سقته من إحصاءات ، فإن دلالة الأرقام تفسر لنا بشكل واضح ما أحدثته أعاصير العولمة الثقافية، وهي تهبّ بشدة على عالمنا الإسلامي، تحاول اجتثاث خاصيته الثقافية من جذورها ، لتغرس بدلها ثقافات وافدة، اختلط فيها الصالح القليل بالطالح الكثير !!


رابعاً: طمس هوية الشعوب وتشويه عقائدها وثقافاتها وتاريخها:

وهذا هدف أصلي من أهداف العولمة، وتوجّه رئيس في وضع خططها وبرامج تنفيذها، والنماذج على ذلك كثيرة وتكاد ألا تحصى، فمنها دراسة للدكتور “جاك شاهين” أستاذ علوم الاتصال الجماهيري بجامعة ألينوي الأمريكية، رصد فيها نيات الإعلام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين من خلال تحليل مضمونه خلال عشرين سنة مضت. يرى الدكتور شاهين أن صورة العربي المسلم في الذهن الغربي، يمكن تلخيصها بعبارة “الآخر الثقافي الخطير” الذي يهدد محاولات الانفراد الأمريكي بقيادة العالم بعد انهيار الشيوعية، ومن توابع هذه العبارة أن يكون مصطلح “الجهاد” و “عدم التسامح” و “اضطهاد المرأة” في الرواية الغربية مرادفاً لـ”كراهية الآخر” و “للتعصب” و “والعنف”.

وتصور وسائل الإعلام الأمريكية العرب الأمريكيين أنهم “غرباء” ويشكلون “خطراً على الأمن القومي”، وأنهم يقفون جنباً إلى جنب مع مهربي المخدرات والمخربين ويؤازرون النشاط الإرهابي.


وتكشف الدراسة أن الإعلام الأمريكي يصوّر المسلمين على أنهم يعبدون القمر، قالت الإذاعية “جانيت مارشالز” ذلك عبر الإذاعة في 15/5/1996م، وكرر المستشرق الدكتور “روبرت مدري” مزاعمها في مطبوعات ومحاضرات.

وتُخرج المكتبات الأمريكية سنوياً مئات الكتب المعادية للإسلام، وتحمل عناوين مثل “ميزان الإسلام” و “الإسلام الملتهب” وكذلك مقالات تحت عناوين مثيرة مثل “جذور التعصب الإسلامي” و “الإسلام قد يكتسح الغرب” و “الحرب الإسلامية ضد الحداثة” و “القنبلة الزمنية الإسلامية”.


في الكتب المدرسية كتاب المواد الاجتماعية – المقرر على الصف السادس الابتدائي – يقدم المسلم على أنه: راعي غنم يعيش في الخيام، ويرتدي العباءة، ويتزوج عدداً غير نهائي من النساء ويطلق كما يشاء، ولا همّ له إلا الجنس العنف، ويخطف الطائرات، ويدمر المنشآت! وفي “السينما” يُصوّر المسلم على أنه “إرهابي”.


وأنتجت هوليود، ما بين عامي 1986م و 1995م، ما بين 15إلى 20 فيلماً أسبوعياً (أي يُعرض بشكل مسلسلات أسبوعياً)، أظهرت فيه صورة بغيضة للعرب والمسلمين في أكثر من 150 فيلماً. وكانت صورة العربي في العشرينات تاجر عبيد وحشياً، وأصبح في السبعينيات والثمانينيات شيخاً بترولياً، والآن إرهابياً متعصباً يصلي قبل أن يقتل الأبرياء، ففي فيلم “ليس بدون ابنتي” المسلم يخطف زوجته الأمريكية وابنته إلى إيران، ولا يكتفي بسجن زوجته وضربها، بل يحرمها من ابنتها. وفي فيلم “أكاذيب حقيقية” وفيلم “القرار التنفيذي” يظهر الفلسطينيون في صورة أناس ساديين يقتلون القساوسة والأمريكيين الأبرياء، ويقومون بتفجير قنبلة نووية قبالة شاطئ فلوريدا، ويعملون لهدم أمريكا.


خلاصة الموضوع:

ثالثاً: العولمة الثقافية:

أولاً: أهدافها:

هذه العولمة عند تنزيل مفهومها على العالم الإسلامي ، فإنه يُقصد منها التدخل المباشر في ثقافات الشعوب الإسلامية، وذلك لتحقيق أهداف خطيرة ، من أهمها:

1-     تشويه ثقافات “الذاتية التاريخية” للأمة الإسلامية.


2- بث الشبهات في أساسات تلك الثقافات من خلال التشكيك في مرجعيتها الأصلية (الكتاب والسنّة)، ويتضمن ذلك دعم وتشجيع الفئات الطائفية التي تتبنى في أصل عقيدتها ذلك النوع من التشكيك.


3- إضفاء ألوان من القدسية الثقافية على الكُتّاب الذين يختطون ذلك المنهج، سواء باسم الأدب أو الفن أو السياسة أو الاقتصاد أو غيرها ، إذ تمنح لهؤلاء الجوائز العالمية ، كجائزة نوبل.  


4- إقحام المرأة في كل المجالات دون استثناء ، بقصد استغلالها باسم الثقافة والفن، ويدخل ضمن هذا الهدف إلهاء المرأة المسلمة بأمور خارج منزلها بغية عزلها عن هدفها الأساس وهو تربية الأجيال.


5- تغليب المنتج الثقافي العلماني والليبرالي والقومي على المقابل الإسلامي. 


6-  تغيير المناهج التعليمية في البلاد الإسلامية، وذلك باستغلال ما بقي فيها من آثار ضعيفة تذكّر الطالب المسلم بدينه وتاريخه. 


7-  تذويب المجتمع المسلم في بحر الثقافة الغربية الهابطة، مع محاولة عزله عن الثقافة ذات المردود الإيجابي والاتقاء الحضاري والبعد الاستراتيجي. 


8- الاستحواذ على الطاقة المعرفية في العالم الإسلامي ، بربطها بالثقافة العلمانية، وذلك لتحقيق غايتين : الأولى : حرمان المجتمع الإسلامي من تلك الطاقات. والثانية: استغلالها في المساهمة في بناء الكيان الحضاري الغربي. 


9-  وباعتبار أن العولمة الثقافية لا تنفك في حركتها عن باقي مكونات العولمة (أي العولمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والتربوية وغيرها)، باعتبار أنها من أهم تلك المكونات وأبرزها، فإن نجاح العولمة الثقافية في التغلغل في المجتمع الإسلامي سيسلكه قسراً في باقي مكونات العولمة، بل يجعله جزءاً فاعلاً ومؤثراً في تحقيق غاياتها، وعاملاً رافداً في منظوماتها. 


10-    إدخال العالم الإسلامي في بوتقة الحركة الثقافية العالمية. 


ومن خلال سبر أغوار تلك الأهداف العشرة، نستطيع أن نفهم كثيراُ من العبارات التي يسوّقها المفكرون الغربيون، من مثل قول “مايكل هيوارد”: “أن الافتراض الغربي السائد الآن يشير إلى أن التنوع الثقافي ليس إلا ظاهرة تاريخية عابرة، سيتم القضاء عليها بسرعة، جرّاء نمو ثقافة عالمية مشتركة ذات توجهات غربية، وناطقة باللغة الإنجليزية”.

عن Admin

اترك تعليقاً