البابا الجديد وأدخنة إسرائيلية ملوّنة!

عادل محمد عايش الأسطل
عادل محمد عايش الأسطل

البابا الجديد وأدخنة إسرائيلية ملوّنة!

د. عادل محمد عايش الأسطل

بالرغم من التنازلات المتتالية التي قدمتها وتقدمها الكنيسة الكاثوليكية سياسياً ودينياً لصالح اليهود واليهودية، والتي بدأت منذ ولادة الدولة الإسرائيلية، بدءأً بالوثيقة التي تقدم بها الألماني الكاردينال “بيّا” أثناء انعقاد مجمع الفاتيكان منذ العام 1963، وذلك بناءً على طلب البابا الطوباوي “يوحنا 23” التي عبّرت عن الصورة الأولية، لما يسمى بتبرئة اليهود من دم المسيح. وإن كانت تحت مبررات دينية وليست سياسية. ومروراً بإعلان لجنة الفاتيكان للعلاقات مع اليهود بتجديد براءتهم من دم المسيح في عام 1985، وذلك بناءً على توجيهات البابا “يوحنا بولس الثاني”، ودعوة تلك اللجنة إلى عدم اعتبار اليهود شعباً منبوذاً أو معادياً للمسيح، وذهابها إلى أبعد من ذلك أيضاً، حينما دعت إلى أن المسيح نفسه كان يهوديًّا وسيظل يهوديًّا. وما ترتب عليها من تقديم التنازلات الكنيسة شيئاً فشيئاً تحت وطأة الضغوطات الإسرائيلية، عن ممتلكاتها البابوية الدينية في المدينة المقدسة، وأهمها تنازلها في أواخر يناير/كانون الثاني من هذا العام، عن مبنى العشاء الأخير بعد اتفاق اللجنة “الفاتيكانية – الإسرائيلية”، الذي قضي بملكية إسرائيل لمبنى القاعة التاريخية التى شهدت العشاء الأخير للسيد “المسيح” عليه السلام مع رفاقه في المدينة المقدسة، حيث كانت القاعة تمثل نقطة خلاف دينية كبرى بين الفاتيكان وإسرائيل، بسبب الزعم الإسرائيلي بأن مقبرة سيدنا “داود” عليه السلام، تعلو تلك القاعة على جبل صهيون، التي يحرص عليها اليهود ويتمسكون بملكيتها. وهذه ولا شك نقطة سيئة في الصميم الفلسطيني والعربي والإسلامي، بسبب مساهمتها مباشرةً في عملية تهويد المدينة المقدسة. وانتهاءً بتوثيق العلاقات الكنسية بمؤسسات الدولة اليهودية بشكلٍ زائدٍ عن الحد، التي كانت تجيء في كل مرة على غير الرغبات العربية والإسلامية. على الرغم من ذلك فإن اليد الإسرائيلية القابضة على بلعوم الكنيسة الباباوية، لا تزال جاثمة على كاهلها بمجموعها وليس على كاهل البابا فقط.

لقد جاءت استقالة البابا “بينيدكتوس 16” مفاجئة، كأول استقالة في تاريخ الكنيسة، ليس للعالم العربي وحسب، بل للعالم الغربي أيضاً، والتي جاءت بمبررات صحيّة، بعكس إسرائيل التي وكما بدا من قِبل قادتها السياسيين وأجهزتها الأمنيّة وخاصةً قادة جهاز الموساد، بعدم حصول مثل ذلك الشعور،لا سيما بعد تناقل الإعلام الإسرائيلي لفضائح جنسية وأخلاقية، وأن شفرة المقصلة باتت قريبة من عنقه، كانت السبب الحقيقي وراء استقالته. وعليه، فإن هناك تكهنات هي أقرب إلى الواقع في تفسير دوافع تلك الاستقالة، وهي إن لم تكن نتيجة ضغوطات صحية، فهي إذاً نتيجة عبث أيادٍ إسرائيلية “موسادية” في المسألة برمّتها، ترتبت ربما على مواقف سالفة وعلى تكهنات ستُقدم عليها الكنيسة في أوقاتٍ لاحقة.

منذ رؤية الدخان الأبيض يتصاعد من أعلى (كاثدرائية سيستينا) في الفاتيكان، فقد سارع البابا الجديد “فرانسيس الأول” ببسط كلتا يديه الاثنتين إلى الجالية اليهودية في روما واليهود في إسرائيل والعالم، متمنياً لنفسه في أن يستطيع الإسهام في دعم العلاقات الطيبة بين الكنيسة الكاثوليكية وعامة اليهود، وعبّر بصراحة عن أمله في أن يستطيع الإسهام بروح التعاون المتجدد.

ونقلت إذاعة الفاتيكان قوله في بيان:” آمل بقوة أن أستطيع الإسهام في التقدم الذي تشهده العلاقات بين اليهود والكاثوليك منذ مجمع الفاتيكان الثاني”. وهو المجمع الذي امتد ما بين عامي 1962- 1965. وقام بدعوة كبير الحاخامين اليهود “ريكاردو دي سيغني” في روما لحضور قداس تنصيبه خلال الشهر الجاري.

هذا الغزل البابوي والذي جاء ضمن أولويات البابا، حتى قبل النظر في – فقدان الثقة بالكنيسة الديمقراطية، أو البحث في مستقبل المرأة. والتعامل مع فضائح الاعتداء الجنسي، واتهامات متعلقة بغسل الأموال وأشكال الفساد الإداري والمالي-، ولا شك له دلالات سياسية أكثر منها دينية، ومن الجهل القول بغير ذلك والتاريخ شاهدٌ، على أن العرب والمسلمين لم يشهدوا من أيٍ من الباباوات مثل هذا الغزل وهذا الإطراء، أو إنه يُعدّ تقصيراً منهم بأنهم لم يستطيعوا إمالة الكنيسة لصالحهم في أي جزءٍ من مسألة، بغض النظر عن فتاتٍ هنا وهناك.

بالمقابل، فقد سارعت إسرائيل قبل الجالية اليهودية في روما، إلى اعتباره الرجل المناسب لتمثيل الكنيسة العالمية الجديدة، وقامت بالترحيب بقدومه كبابا جيّد لإسرائيل، وأشادت به وببساطته وبغيرته على العلاقات الكاثوليكية – اليهودية، وبدأبه على الحفاظ على علاقات ثنائية متميزة مع إسرائيل، من خلال تبني المواقف السياسية والدينية الإسرائيلية، وقد أكّد راديو الجيش الإسرائيلي بعد أن التقى به عدة مرات في (بوينس آيروس)، وأيضاً بعد وصوله إلى الكرسي البابوي، بأن البابا الجديد، تعهد بأنه سيفتح الباب على مجالات أوسع مع إسرائيل.

أمّا على الصعيد الفلسطيني، وهو ربما أفضل حالاً من العربي والإسلامي، فقد تطلّعت القيادة الفلسطينية إلى إيجاد وسائل كافية تؤدي إلى تفاهمات مشتركة مع قداسة البابا، من خلال العمل على بناء علاقات جدية ومفيدة مع حاضرة الفاتيكان بشكلٍ عام.

عن Admin

اترك تعليقاً