الحملة الفرنسية على مالي حرب غير أخلاقية

الحملة الفرنسية في مالي

الحملة الفرنسية على مالي حرب غير أخلاقية

شبكة المرصد الإخبارية

الحرب غير الأخلاقية الدائرة الآن في مالي، والتي تقودها فرنسا بدعم كامل من الاتحاد الأوروبي، تسير في مرحلتها الأولى لصالح الفرنسيين ومعهم الجيش المالي، بسبب الفرق الكبير في إمكانات التسليح بين الجماعات الإسلامية الجهادية التي كانت تسيطر على شمالي البلاد وبين الجيش المالي المدعوم بالجنود والأسلحة الفرنسية.

هذه المعارك يلخصها وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” بقوله: “فرنسا تكافح في مالي مَن سَلَّحتهم في ليبيا، والفرنسيون يتقدمون في مالي بسهولة، حتى يمكن القول بأنهم يسيرون كأنهم في استعراض عسكري، ويقيمون سيطرتهم على المواقع التي غادرها الجهاديون”.

أما وزير الخارجية الفرنسية “لوران فابيوس” فقد أعلن أن دولاً أوروبية قد تشارك بجنودها في العملية العسكرية في مالي، بعد أن عززت فرنسا قواتها هناك بحوالي 1400 جندي. وأكد “فابيوس” أنه من الممكن أن تقرر دول أوروبية أن تضع جنودًا تحت التصرف وليس فقط تقديم الدعم “اللوجستي” للعمليات الجارية في مالي.

وهو ما أكدته وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “كاثرين آشتون” من أن دولاً عدة قالت بكل وضوح بأنها على استعداد لدعم فرنسا بكل الوسائل، ولم تستبعد دعمًا عسكريًّا، وهو ما يعني أن الأوربيين متعاونون على العدوان، وينصر بعضهم بعضًا حتى في احتلال واغتصاب الدول الأخرى.

إلا أن تصريح وزير الدفاع الألماني “توماس ديميزير” كان هو الأخطر، حيث اعتبر أنه ليس بمقدور أحد أن يتوقع ما إذا كانت العملية العسكرية الدولية في مالي ستستغرق سنتين أو ثلاثة، كما لا يمكن لأحد أن يقول ما الذي سيتطلبه الوضع في غضون عامين. وهو ما يكشف النوايا الاستعمارية، ويؤكد أن السلوك الاستعماري العدواني مازال يسيطر على النفسية الغربية وعلى التفكير الغربي.

لكن رغم التقدم الفرنسي، ورغم اختفاء العناصر الإسلامية من الساحة، فإن المؤكد أن النهايات مازالت بعيدة، فالجهاديون -كما عودونا في أفغانستان والصومال وغيرهما- لهم تكتيكاتهم الخاصة في استدراج العدو، الذي يحقق النجاحات في البداية، ثم يتم تضييق الخناق تدريجيًّا حول رقبته، ويتم استدراجه لحرب عصابات، وإلى مناطق جبلية وعرة، وهنا تبدأ خسائره.

والمؤكد أن الخسائر الفرنسية ستحدث في مالي نتيجة لأمر آخر وهو العبوات والأسلحة الناسفة وعمليات التفجير، وهي العمليات التي يجيدها الجهاديون والتي تكون لها خسائر كبيرة. ولعل المعارك التي دارت أخيرًا في شوارع “غاو” بين جنود مالي والإسلاميين الجهاديين تؤكد ذلك، إثر تفجير أحد الجهاديين نفسه بحزام ناسف هو الثاني من نوعه خلال يومين في المدينة. وهو ما يؤشر إلى احتمال زيادة مثل هذا النوع من التفجيرات في المستقبل القريب.

ويطرح المراقبون “سيناريوهين” بشأن الأزمة:

السيناريو الأول: احتمال أن يكون الإسلاميون قد تراجعوا نحو المناطق الجبلية في أقصى الشمال الشرقي لمالي، حيث المناطق الجبلية الوعرة تفاديًا لسلاح الجو الفرنسي وكسبًا للوقت لإعادة تنظيم صفوفهم ومواجهة الطرف الآخر عن طريق حرب العصابات.

السيناريو الثاني: أن يكونوا قد تسللوا -وخاصة القادة منهم- عبر حدود الدول المجاورة، لأنه برغم إعلان الجزائر وموريتانيا إغلاق حدودهما مع مالي إلا أن الشريط الحدودي من الصعب إغلاقه بشكل كامل، كما أن قادة التنظيمات يمتلكون الإمكانات المادية لاستخدامها في التسلل، ويمكن للبقية أن يختلطوا ويتخفوا بين السكان المحليين في الشمال المالي، وبهذا سيحتاج الجيش المالي وحلفاؤه -إذا أرادوا كسب المعركة- إلى وجود مكثف وطويل، لكنه مكلف وغير مضمون.

وزارة الدفاع الفرنسية تعلن رسميًّا أن مئات من الإسلاميين قُتلوا منذ 11 يناير في مالي بغارات جوية شنتها القوات الفرنسية ومعارك مباشرة في “كونا” و”غاو”. فبأي وجه حق يموت هؤلاء؟ وبأي حق تتدخل فرنسا عسكريًّا بهذا الشكل؟

الغريب أن فرنسا التي تتدخل عسكريًّا بهذا الشكل المباشر وتقتل المئات من الأبرياء الماليين تعيب على قطر دورها الإنساني هناك، وتتهمها بتقديم المعونات للجماعات الإسلامية، وهي مجرد ظنون واتهامات، بينما الحرب الفرنسية والقتلى الماليون الأبرياء حقيقة واقعة تعترف بهم فرنسا نفسها.

لقد كان مفاجئًا أن يندد “هارلم ديزير” -زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي والذي خلف الرئيس هولاند في رئاسة الحزب- بوجود ما أسماه “نوعًا من التساهل” لدى قطر “إزاء مجموعات إرهابية كانت تحتل شمال مالي”، وطالب المسئولين القطريين بتقديم “إيضاح سياسي” إزاء هذه المسألة. وأضاف “ديزير”: “تصرف قطر غير متعاون، ونوع من التساهل إزاء مجموعات إرهابية كانت تحتل شمال مالي، وهو أمر غير طبيعي، ولا بد من إيضاح سياسي من قبل قطر، التي يجب أن تتصرف على المستوى الدبلوماسي بشكل أكثر حزمًا إزاء هذه المجموعات”.

ولم يكن الزعيم الاشتراكي “ديزير” هو الوحيد الذي تحدث في هذه القضية، فقد ندد كل من: “مارين لوبان” زعيمة حزب الجبهة الوطنية، و”ميشيل ديسمين” النائب في مجلس الشيوخ، بالدعم المالي الذي تقدمه قطر لهذه المجموعات.

وتعود بداية القضية إلى شهر يونيو الماضي حين نقلت أسبوعية “لوكانار أنشينه” الفرنسية الساخرة عن مصادر استخباراتية فرنسية أن أمير قطر منح مساعدات مالية للجماعات المسلحة التي احتلت شمال مالي، دون أن تذكر قيمة هذه المساعدات ولا طريقة منحها، مضيفة أن السلطات الفرنسية كانت على علم بتصرفات القطريين في شمال مالي.

وفي يوليو، وجه “سادو ديالو” -عمدة مدينة “غاو” في شمال مالي- اتهامات لقطر بتمويل “المتطرفين” الموجودين في هذه المدينة، وقال: إن الحكومة الفرنسية تعرف من يساند الإرهابيين، فهناك مثلاً قطر التي ترسل يوميًّا مساعدات غذائية إلى شمال مالي عبر مطاري “غاو” و”تمبكتو”.

ومما زاد من شكوك عمدة “غاو” حول طبيعة الدور القطري في شمال مالي، هو النشاط الإنساني الذي كانت تقوم به جمعية الهلال الأحمر القطري في شمال البلاد، حيث كانت توزع مساعدات غذائية لسكان “غاو”.

وكان لأجهزة المخابرات الدور الرئيسي في تسريب المعلومات بهذا الخصوص، حيث أكد “إريك دينيسي” -رئيس المركز الفرنسي المكلف بالبحوث في مجال الاستخبارات- أن قطر اعتادت لعب أدوارًا كثيرة في المناطق التي توجد فيها “الجماعات المتطرفة” كما هو الحال في ليبيا وسوريا.

ومما يؤكد التحامل الفرنسي على قطر ودورها في مالي أن وسائل الإعلام الفرنسية تحدثت عن دعم قطر للأحياء الفرنسية الفقيرة التي يقطنها المسلمون، وكأن ذلك جريمة تحاسب عليها قطر، بينما ينبغي أن يكون ذلك جهدًا مشكورًا وعملاً يوصف بالإيجابية.

تحدث هذه الانتهاكات الفرنسية في مالي ثم نفاجأ بالبيان الختامي لمنظمة التعاون الإسلامي في ختام قمتها الأخيرة بالقاهرة يعلن تأييد المنظمة الثابت للجهود الحالية التي تُبذل من أجل استعادة جمهورية مالي لوحدة أراضيها، وإعادة إرساء سلطة الدولة على عموم الأراضي الوطنية، وذلك في إشارة واضحة إلى التدخل العسكري الفرنسي في هذا البلد. ولم يشر بيان القمة صراحة إلى التدخل العسكري الفرنسي الذي كانت عدة دول أعضاء في المنظمة قد أعلنت من قبل معارضتها له، وخصوصًا مصر وقطر.

وإذا كان البيان الختامي للقمة الإسلامية قد أدان ما ارتكبته الجماعات “الإرهابية” من عمليات قتل وترهيب في حق السكان المدنيين، وما اقترفته في مدينة “تمبكتو” من تدمير للمواقع الثقافية، لاسيما تلك التي صنفتها منظمة “اليونيسكو” ضمن التراث الثقافي العالمي، فلماذا لم يُشِر البيان للمئات من الأبرياء الذين قتلتهم آلة الحرب الفرنسية، والذين اعترفت بقتلهم وزارة الدفاع الفرنسية نفسها؟ فهل أصبح من وظيفة القمة الإسلامية تبرير العدوان والقتل ضد الشعب المالي؟ وكذلك تبرير العدوان والسلوك الاستعماري؟ ولماذا لم يكن بيان القمة متوازنًا، فيرفض التجاوز لدى كل طرف، والتجاوز الفرنسي العسكري البربري أعنف وأخطر بكثير.

عن Admin

اترك تعليقاً