دكتور محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت يكتب: ألا إن نصر الله قريب

دكتور محمد جمال حشمت
دكتور محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت يكتب: ألا إن نصر الله قريب

شبكة المرصد الإخبارية

عند قراءة هذا المقال قد أكون قتيلا، أسأل الله فيها الشهادة والقبول، أو أكون سجينا بغير حق مثل كل مساجين هذا الانقلاب العسكرى الدموى الغاشم فى مصر الكنانة، وفى كل خير إن شاء الله، أو طليقا خارج مصر إذا قدر الله ذلك، وقد شاء الله لى الخروج من مصر بشكل رسمى لا يمكن إثباته ورقيا!! لأنه فى ظل تاريخ من العلاقات الإنسانية القوية والاحترام المتبادل من ناحية ومع انتشار الرشوة والمحسوبية وتمركز الفساد فى المؤسسات الأمنية من ناحية أخرى، لا تحدثنى عن استحالة الخروج أو عن حدود دولة مثل مصر محكمة الغلق! فتحت بفساد بعض القيادات العسكرية للعدو الصهيونى بما لم تفرضه اتفاقات كامب ديفيد نفسها!!!

وقد وجدت أن استسلامى لاتهامات باطلة وسجنى لن يفيد قضية مصر التى سرقها الانقلابيون وحولوها إلى سجن كبير، واستباحوا دماءنا بدعاوى كاذبة ملّ منها العالم كله رغم أن أغلبه متربص بنا -لكن تعمل إيه فى الغباء إذا استحكم!!– لذا فقد استخرت الله ثم قررت تغيير الميدان ولم أتنازل عن مواجهة الفساد ولم أغير هدف فضحه ومقاومة سرقة مصر!! فقط تغير الميدان الذى أنطلق منه إلى أن تعود مصر لأبنائها وشرعيتهم التى بذلوا فيها الغالى والرخيص!!

لقد مرت مصر بأحداث جسام ملخصها أن الذين سرقوا مصر من عشرات السنين تحت قبضة قيادات فاسدة فى الجيش المصرى توارثوا مصر تحت قوة السلاح والفساد وأن ثورة يناير جاءت مفاجأة لهذا النظام الفاسد فأربكته وحاول تفادى قدرتها على إسقاط كل النظام فقبل بإسقاط رأسها –على بابا– للحفاظ على الجسد –لأربعين حرامى-!

وتعددت محاولات إفشال الثورة فى كل الأحداث التى مرت فى وقت تولى المجلس العسكرى حتى انتخابات الرئاسة التى أنقذها من التزوير قانون أقره برلمان الثورة يسمح بفرز أوراق كل لجنة فى مقر اللجنة فى وجود كل المندوبين ولجان المراقبة وأجهزة الإعلام!! ولأن الارتباط وثيق بالمشروع الصهيونى الأمريكى فالدعم قائم للجنرالات والتخطيط لإعادة مصر إلى سيطرة العسكريين وحدهم بدأ مبكرا فى تآمر داخلى وإقليمى ودولى انتهى بانقلاب 3 يوليو 2013!! الذى قام على عدة أكاذيب منها أن الرئيس الشرعى فشل! وهم من أعاقوه ولم ينجحوا حتى الآن أو يحافظوا على المستوى الذى كان عليه الرئيس، وأن النظام الديمقراطى قسم الشعب!! وقد كان الخلاف فى الأسرة الواحدة يحسم أمام صندوق الانتخاب لا بالقطيعة والدم كما يحدث الآن، وأن الشعب نزل بالملايين وفوض! وقد كانت أرقاما كاذبة أوحوا بها لزبانيتهم ليكرروها دون عقل وقد اختفوا نهائيا بعد ذلك وكشف عدد منهم كذب الانقلابيين!، وأن ما حدث تعديل لمسار ديمقراطى! فكان الثمن حتى الآن أكثر من 7000 شهيد من خيرة رجال وشباب ونساء الأمة وأكثر من 22 ألف مصاب ومعاق وأكثر من 20000 معتقل ظلما بغير ذنب هذا غير حرق الممتلكات الخاصة ومصادرة الأموال وفصل العلماء والموظفين بغير حق وفقر واضطراب وتدهور حاد فى كل مجالات الاقتصاد ومعيشة الناس!!

فأى تعديل يتم وسط هذه الدماء وهذا الاضطراب وما قيمة العودة لصناديق الانتخاب بعد العصف بنتائج خمسة استحقاقات انتخابية شهد بنزاهتها العالم أجمع وبعد عودة الدولة البوليسية أسوأ مما كانت على عهد المخلوع!!!

وقد منّ الله على أن أكون أحد قاطنى ميدان رابعة العدوية منذ 6 يوليو حتى 14 أغسطس الساعة السادسة مساء قرب نهاية المذبحة! وقد جعل الله من كل مصرى فى هذا الميدان مدرسة تتعلم منها التجرد والإخلاص والشجاعة واليقين والقوة والصبر والصمود والتضحية بكل غال ورخيص، وقد كنت أمر على الخيام لا لأتكلم أو أوضح الموقف الحالى بقدر ما كنت أتزود باليقين والعزم والزاد للاستمرار فى طريق استرداد الحق والحرية والشرعية!

لقد كانت أيام رابعة لها وهج استشعرته وعشت فيه أياما هى من أيام الله، وكنت أطلب ممن يعملون فى مجال الدارسات الإنسانية أو الإعلامية الموجودين فى رابعة وقتها بتسجيل هذه المشاهد واللقطات الإيمانية والإنسانية والتى لن يجود الزمان بها لوقت طويل!

لم يمنحنى الله فى مجزرة الفض سوى خرطوش فى الظهر واليدين والرجلين من الخلف فى نهاية اليوم ولم يقدر الله لى الشهادة ربما لنقص استحقاق أو لتقدير رب العزة! ولقد استمر وجودى فى منازل بعض شرفاء مصر ممن لا ينتمون للإخوان المسلمين فترة من الزمن شعرت فيها بالعجز أمام هذا الزخم الشعبى العظيم الذى حذرنا الانقلابيين منه كثيرا عندما كنا نسأل ما رد الفعل لو تم فض الاعتصامات فى النهضة ورابعة؟ كنا نرد أن كل ميادين وشوارع مصر ستتحول إلى ميدان رابعة! ولم أكن أتوقع أن تمتد إلى كل أنحاء العالم!!

وقد أوضحنا أن من يهدم شرعية الصندوق لن يحوز أى شرعية! وأن شرعية الحشد لن تجعل لمصر رئيسا مستقرا!

ولا أعتقد أن كتابة المقالات فقط هو كل ما يمكن تقديمه لذا فكرت فى النجاة من القوم الظالمين وليس خوفا من السجن الذى ذقناه كثيرا ولم يعد يرهبنا! فمصر التى قال الله عنا “ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ”، سبحانه هو من قال عنها ” فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” والخلاف فى الحالتين بين الحق عندما يسود فتصبح البلاد أمانا والباطل عندما يسيطر فيتحول الوطن إلى سجن كبير قد نجا من خرج منه!!

وفى ظل حالة من عجز الانقلابيين عن تقديم حلول تبدأ بالاعتراف بالخطيئة التى ارتكبت فى حق الشعب المصرى، انتهاء بالقدرة على إنهاء الانقلاب وكل ما ترتب عليه! لقد تيقنت أن مشاركتى فى فاعليات الثورة بحق لن يتم إلا من خارج مصر فى هذه الظروف الصعبة التى يمر بها الوطن، كنت أود أمرين أولهما الانضمام إلى المصادر الإعلامية التى تتسم بالمصداقية لعرض ما لدىّ من حقائق وأخبار ولفضح حالة الهوان والكذب التى يمارسها الانقلابيون على مختلف ألوانهم من سياسيين وإعلاميين ونخب فاسدة وصلت للسلطة فوق الدبابات!! وثانيهما كنت أود المشاركة فى الوفود التى تشرح حقيقة الأحداث موثقة جازمة بحجم الجرم الذى وقع فيه الانقلابيون ولا يجدون مخرجا منه إلا بمزيد من التورط فى دماء المصريين التى صارت لعنة تطاردهم حتى فى منامهم “إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ”.

لذا حاولت تقديم المزيد مما أملك ناصيته وأجيده واجتهدت ووفقنى الله والحمد لله رب العالمين وأشكر كل من ساعد فى ذلك! ومن العجيب أن عودة إدارة الأمن الوطنى بكامل أفرادها الذين تم إبعادهم أو فصلهم أو حتى سفرهم للخارج!! إنما يدل على الرغبة فى القضاء على كل جاءت به ثورة يناير ومحو آثارها والتربص برجالها، لذا لم أستغرب مذكرة قدمت من مباحث البحيرة (أمن وطنى وجنائى) ضدى تتهمنى بحرق مبنى ديوان محافظة البحيرة!!! يوم 14 أغسطس رغم وجودى فى ميدان رابعة وسط الدماء بسبب نيران الخونة من الجيش المصرى والداخلية التى قتلت من المصريين ما لم يحدث طوال تاريخها فى 12 ساعة!! ونسى هؤلاء أنهم من أرسلوا البلطجية المعلومين بالاسم! والشهود عليهم حاضرون لحرق الديوان والموظفين موجودن! ونسى هؤلاء أنى من أنقذت نفس المبنى -الديوان العام- من الحريق يوم 28 يناير 2011 مما جعل المحافظ وقتها اللواء محمد شعراوى ومفتش أمن الدولة اللواء طارق هيكل يتصلان بى يوم 29 يناير لشكرى على ما فعلت وطلب محاولة تهدئة الأمور!!! بل زاد فجور هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حكاما وهم خصوم فقدموا اتهامات تمثل حقدهم وغباءهم فى نفس الوقت أمام نيابة خانعة مشاركة فى إثم الانقلاب لا تملك من أمرها شيئا للأسف الشديد!!

فمثلا من تلك التهم الموجهة إلىّ فى 9 قضايا خلال شهرين!! ما يلى: القتل والشروع فى القتل والانضمام إلى جماعة محظورة ومقاومة السلطات وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة والتعدى على موظفين عموميين وتعطيل سير وسائل النقل وتعريض الأمن والسلم الاجتماعى للخطر وحرق مركبات شرطة والتحريض والتمويل واستئجار بلطجية وحيازة أسلحة وإشاعة أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام وتمويل شباب الإخوان وتحريضهم على إشاعة الفوضى ومدهم بالأسلحة والمتفجرات محلية الصنع وتأليف عصابة لترويع المواطنين”!!!!!

هذه هى التهم التى لفقتها لى وزارة النفاق ونشر الرعب ومن الواضح أنها جرائم ارتكبتها الوزارة نفسها وتاريخها يشهد بذلك! أما أنا فالله أعلم بما فى قلوبنا من حب وخير لهذا البلد الطيب عبادة لله تعالى، ونسى هؤلاء أننا من تحمل تصرفاتهم الشاذة التى تنم عن كراهية لهذا الوطن وأهله وأنهم سبب كل خراب وتأخر فى مصر طوال عشرات السنين السابقة!!

على كل الأحوال لا أجد ما أقوله سوى ما قلته من على منصة رابعة “أن المصريين هنا فى رابعة يصنعون التاريخ” وما زالوا، فليس أمامهم إلا رفض القائم الذى فرض نفسه بقوة السلاح ومواجهته بسلمية تناسب حركة الشعوب ولا شك أنها منتصرة بإذن الله، ليس أمامنا كمصريين سوى عدم الاعتراف بما تم وما ترتب عليه من قرارات وإجراءات وهذا أمر يفسد عليهم انقلابهم! ولا شك أن بعد إراقة دماء المصريين بهذا البرود وإدارة المعركة مع الشعب المصرى بهذا الغل والاستخفاف فإن عدم التسليم بالأمر الواقع الذى يود الانقلابيون فرضه يعطى الأمل فى كسرهم وتراجعهم، ومحاسبة هؤلاء الذين أمروا ونفذوا وحرضوا وصمتوا وبرروا قتل إخوانهم المصريين!

وأخيرا أشهد الله شهادة صدق بعد ما صدر من حكومة الانقلاب من اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وأثار سخط العالم والعقلاء فيه!! أقر وأعترف أنى انضممت إلى جماعة الإخوان”المحظوظة” منذ عام 1977 ووجدت بينهم ما لم أجده فى أى مكان على كثرة ما ذهبت، وجدت الحب المتدفق والذوق الرفيع والخلق الحسن والشهامة والتكافل والوطنية وحب الوطن وعرفت فيهم شخصيات من أنبل وأعظم وأكرم المصريين ورغم أنى اختلفت مع الإدارة أحيانا فى بعض المواقف والقرارات إلا أنها كانت فى إطار العمل الجماعى واختلاف الرؤى باختلاف الأفهام والخبرات وهى علامة صحة فى أى تنظيم فقد قلت بكل حرية واستمعت الإدارة بكل أريحية، وأشهد الله أن العنف قولا وفعلا لم يكن له أثر فى هذه العلاقات الإنسانية رفيعة المستوى لا فكريا ولا منهجيا ولا سلوكيا أبدا، وليس من المعقول ان تنتهج جماعة العنف مع مجتمع هو مادة نشاطها وهو مصارف الخير الذى تحمله وهو الوسيلة الكبرى كى تنال رضا الله تبارك وتعالى بالحرص عليه وبخدمة شعب عانى من حكامه ولم يرفع قدرته على مقاومة فسادهم إلا جهود الإسلاميين عامة والإخوان المسلمين خاصة! وفى النهاية هذا المجتمع هوسندها وسترها فى كل الاستحقاقات الانتخابية فى العمل الأهلى أو النقابى أو الخدمى أو السياسى البرلمانى! فكيف تمارس عنفا مع شعب أولاها ثقته فى كل مرة تطلب الشهادة منه!!!ويبدو أنهم فهموا “ترهبون به عدو الله وعدوكم” على معناها الصحيح لأنهم بما فعلوه فى البلاد من فساد واستبداد صاروا هم العدو!!

وكل ما أرجوه من إخوانى ومن كل المصريين الذين عرفتهم وتعرفتم عليهم ممن بقوا على عهدهم فى مناصرة الحق وحازوا شرف رفض الانقلاب! من أسرة وعائلة وزملاء وأصدقاء ومرضى وأقارب وجيران ومحبين أن يسامحونى إن أخطأت فى حق أحدهم أو تسببت فى مشكل لأى منهم دون قصد منى! أما من خدمتهم عبادة لله ولم يراع أحدا منهم -وقت الفتنة- لحظة وداد أو جهدا قد بذل وظنوا فى شخصى ظن السوء خوفا أو عمدا فإنى أكِل أمرهم لله كل حسب نيته يحاسبهم بعدله! وأرجو من الجميع أن يدعو لى فى مكانى الآن حيث يشهد الله أن أحبهم جميعا وأنى لم أحمل فى قلبى يوما ما غلا أو حسدا أو كبرا لإنسان، فقد كنت بفضل الله متصالحا مع نفسى بشكل كبير وكنت متحررا من الحاجة لأحد غير الله عفوا وسترا ورحمة ومغفرة! جزى الله كل من أخذ بيدى يوما ما أو منحنى ثقته أو تعشم فىّ خيرا، فقد اجتهدت والأجر على الله ولم أدخر وسعا فى خدمة أحد أو مساندته أو دعمه بما يرضى الله تبارك وتعالى عسى أن يشفع ذلك لى عند رب كريم وسنكمل بإذن الله طريقنا إلى الحرية والكرامة والعدل والشرعية مهما كلفنا ذلك من مشاق حتى تعود مصر لشعبها ونعود جميعا إلى حضن الوطن والله على ما أقول شهيد.

دكتور محمد جمال حشمت نائب بالبرلمان المصرى الشرعي

عن Admin

اترك تعليقاً