إنهم فتية آمنوا بربهم

fitiahإنهم فتية آمنوا بربهم

حينما يشعر الإنسان بظلام دامس وكان عليه أن يسير وسط هذا الظلام ليصل إلى هدفه وإلى مراده فمن الطبيعى أن يبحث عن بصيص من نور لينير له ولو جزء يسير من طريقه.فإذا كان قوى العزم والإرادة تمسك بهذا الجزء اليسير وعض عليه بالنواجذ ،أما إذا كان ضعيف الإرادة فسيسقط فى أول الطريق ولن يستفيد من هذا النور.

هذا هو حال المؤمن مع القرآن ،فالقرآن هو النور الذى يضىء للعبد طريقه وسط الظلام الدامس،هو الشعلة التى يحملها الإنسان بين يديه ليصل بها آمنا مطمئنا إلى ملاذه.

وسط هذا الواقع الذى نحياه وتلك النظرة السوداوية التى تظهر على البعض ،وتتضح جليا فى نبرات صوته وتلميحاته كان لابد لنا من هذه الوقفة مع تلك القصة العظيمة التى قصها الله علينا فى كتابه الكريم”قصة أصحاب الكهف”.

المشهد الأول فى هذه القصة أن الله يثبتنا جميعا قبل القصص بقوله “نحن نقص عليك نبأهم بالحق”.فأنت على الحق مادمت متصلا بالله وما يتلى عليك فى كتاب الله.هذه نقطة جوهرية ومفصلية قبل أى شىء أن تدرك يامن تناهض هذا الإنقلاب أنك تقف فى صف الحق وأنك على الحق المبين حتى ولو كنت مع قلة قليلة ،حتى ولو تغامز عليك القوم بألسنتهم ووجوههم ،حتى ولو سلقوكم بألسنة حداد.اثبت فإنك متصلا بالحق اتصالا مباشرا.

يمضى بنا القرأن ليكمل هذا المشهد العظيم فيقرر حقيقة القوم ومنزلتهم عند الله”إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى”. الجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا.جزاء الإيمان الحق الهدى من الملك الحق.وليس هذا فحسب بل “وربطنا على قلوبهم”.فهى ثابتة راسخة،مطمئنة إلى الحق الذى معها،معتزة بالإيمان الذى اختارت.

هذه رسالة سماوية سامية راقية لأصحاب الحق الذين يقفون فى خندق الدفاع عن الحق بألا يهتزوا وألا يرتعشوا ويمضوا فى طريقهم ،غير مبالين بنعق الناعقين وكلام المرجفين.

أيها الرجل الآبى الحر،وأيتها المرأة العفيفة لا يغرنكما تقلب الذين فسقوا فى البلاد ،لا يغرنكما فرحتهم وحملاتهم لتأييد مشيرهم المزعوم وقربه من سدة الحكم،متاع قليل وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون بشرط الثبات ،بشرط عدم اليأس ،بشرط المضى قدما فى طريق العزة والكرامة.

ثم يمضى بنا القرآن إلى لقطة مفيدة وعظيمة نبهنا إليها الشهيد سيد قطب رحمه الله حينما وصف لنا هذه الآية”إذ قاموا” فقال :والقيام حركة تدل على العزم والثبات “فقالوا ربنا رب السماوات والأرض”فهو رب هذا الكون كله “لن ندعوا من دونه إلها”فهو واحد لا شريك.”لقد قلناإذا شططا”..وتجاوزنا الحق وحدنا عن الصواب.

ثم يلتفتون إلى ما عليه قومهم فيستنكرونه ويستنكرون المنهج الذى يسلكونه فيقولون”هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة .لولا يأتون عليهم بسلطان بين”.

هذا هو الفارق بينك وبين أصحاب الهوى يا من تقف مع الحق ،أنت تعلوا بإيمانك وتدرك الحقيقة كاملة أنها حرب على دين الله،وأنها إبادة لكل من يقول ربنا الله.أما القوم الآخرون فهم يمجدون فى طواغيتهم تمجيدا عظيما فتارة يصنعون لهم التماثيل ليذكرنا هذا بقول الله تعالى”وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعاولا يغوث ويعوق ونسرا” يصنعون الثماثيل ليذكرون طواغيتهم كلما اشتاقوا إليهم لكن الفارق أن تماثيل قوم نوح كانوا لأناس صالحين أما الآن فهى تصنع لطواغيت.

وتارة يصفونهم بأنهم رسولان من عند الله أرسلهما الله كما أرسل موسي وهارون ولا يعلم جنود ربك إلا هو.

إنهم يعبدون آلهة ما أنزل الله بها من سلطان أما أنت أيها الحر فتعبد الله الذى يعلم السر وأخفى.

يصف لنا ىسيد قطب المشهد الآن وصفا كأنه يعيش بيننا معلقا على أحداث القصة فيقول رحمه الله:

“ولقد تبين الطريقان،واختلف المنهجان،فلا سبيل إلى الإلتقاء ،ولا المشاركة فى الحياة”

هذا ليس من عند الأديب الشهيد رحمه الله بل نطق به أحدهم فقال:

“أنتم شعب ونحن شعب.”

ثم تمضى بنا الأحداث والمشاهد فى هذه القصة العجيبة ماين احتمائهم بالكهف  سنين عددا ثم خروجهم من الكهف وكيف عرفهم الناس بأنهم المؤمنين الذين فروا بدينهم من بطش الجبارين وكيف خلد القرآن ذكرهم حينما اختلف الناس فى كيفية تخليد ذكراهم كما كان معروفا فى شريعتهم من بناء المساجد والصوامع علي مكان وفاتهم.

هذه ليست دعوة للعزلة أو الفرار كما يتوهم البعض بل على العكس تماما هى دعوة لمواصلة النضال والجهاد فى سبيل تحرير الوطن من أيدى الطغاة.فالفتية لم يستكينوا ولم يهادنوا ولم يتخاذلوا بل تماسكوا واحتفظوا بثباتهم وإيمانهم فمن الله عليهم بالهدى والفوز والفلاح فى الدنيا والآخرة.

“يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.”

هاني حسبو

 

عن Admin

اترك تعليقاً