
نتن ياهو: أنا في مهمة تاريخية وروحية لإنشاء إسرائيل الكبرى التي تشمل مصر.. الأربعاء 13 أغسطس 2025م.. أزمة قمح تلوح في الأفق: توتر مصري– أوكراني بسبب واردات من “أراضٍ محتلة”
شبكة المرصد الإخبارية – الحصاد المصري
* زوجة الدكتور البلتاجي تطالب المنظمات الحقوقية بالتدخل لإنقاذ المعتقلين المضربين عن الطعام
وجّهت زوجة الدكتور محمد البلتاجي، نداءً عاجلاً إلى جميع المنظمات الحقوقية، ومجلس حقوق الإنسان المصري، للتحرك الفوري والاطمئنان على أوضاع زوجها وعدد من المعتقلين المضربين عن الطعام منذ شهرين.
وقالت في رسالتها إن هذا النداء يأتي “بحق الزمالة التي كانت بينكم وبين الدكتور البلتاجي في مجلس حقوق الإنسان عام 2012″، مؤكدة أن أسر المعتقلين تعيش حالة من القلق الشديد في ظل غياب تام للمعلومات عن أوضاع ذويهم.
وأضافت:
“زوجي ومعه آخرون مضربون عن الطعام منذ شهرين، ولا تصلنا أي أخبار عنهم. لا نعرف كيف هي صحتهم؟ كيف أوضاعهم؟ هل ما زالوا على قيد الحياة؟”
وطالبت بضرورة القيام بزيارة عاجلة إلى سجن بدر قطاع 2، لنقل صورة واضحة عن أوضاع المعتقلين، مؤكدة أن “أسرًا كثيرة تموت قلقًا على ذويها”.
واختتمت رسالتها بنداء صريح:
“هل من مجيب؟”
* تساؤلات حول مصير شابي المعصرة أنباء عن مقتلهما تحت التعذيب واحتجاز ضابط فضح الانتهاكات
أثار الناشط المصري المقيم في هولندا، أنس حبيب – المعروف بقيادته وقفة منفردة أمام السفارة المصرية في أمستردام قبل أسابيع للمطالبة بإدخال المساعدات إلى غزة – جدلًا واسعًا بعدما أعلن عبر حسابه على منصة “إكس” أن الشابين أحمد الشريف ومحسن مصطفى، من منطقة المعصرة بالقاهرة، قُتلا عمدًا تحت التعذيب في مقر الأمن الوطني بالعباسية، بعد اختفائهما قسريًا منذ أواخر يوليو.
وقال حبيب، نقلاً عن “مصدر أمني رفيع المستوى” لم يُسمه، إن ضباطًا محددين في الأمن الوطني تورطوا في الجريمة، وهم:
- الرائد أحمد مغاوري (مواليد 1989 – بورسعيد)، مسئول قطاع الأمن الوطني بالمعصرة، الذي سلّم الشابين بنفسه إلى مقر الأمن الوطني بالعباسية وشارك في تعذيبهما.
- النقيب لؤي من الشيخ زايد، الذي واصل تعذيبهما حتى الموت، حيث توفي أحدهما في العباسية، ونقل الآخر إلى المستشفى وهو على قيد الحياة قبل أن يفارقها.
وأوضح حبيب أن الشابين كانا قد احتجزا مغاوري وعددًا من ضباط قسم المعصرة لساعات دون إيذاء، بهدف الضغط لفتح المعبر أمام المساعدات لغزة، لكن الأمر انتهى باعتقالهما ونقلهما إلى العباسية.
كما أشار إلى أن المقدم ماجد عثمان، الضابط في الأمن الوطني الذي سبق أن نشر له حبيب تسجيلات يكشف فيها عن التعذيب وفبركة القضايا، محتجز حاليًا في “الدور الرابع” بمقر الأمن الوطني في العباسية، بين الحياة والموت، بتوصية مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقابًا له على تسريب هذه المعلومات.
حبيب أكد أنه بدأ خطوات “تصعيدية” بعد تجاهل السلطات مطالب الكشف عن مصير الشابين، منها فتح قنوات تواصل آمنة مع “مسؤولين شرفاء” داخل الداخلية والجيش والقضاء، ممن أبدوا – بحسب قوله – سخطًا على ممارسات النظام، وتواصلوا معه لتسريب معلومات.
منصة “وصل صوتك“، المهتمة بتوثيق الغضب الشعبي في مناطق مثل الوراق، أعادت نشر أسماء وعناوين الضباط المتهمين، ضمن حملتها “#امسك_بلطجي” و”#قاتل”، مؤكدة التفاصيل ذاتها حول دور مغاوري ولؤي في تعذيب وقتل الشابين.
في المقابل، لم تصدر وزارة الداخلية أي تعليق رسمي على الواقعة، ولم تعترف أساسًا بحدوث عملية اقتحام قسم المعصرة أو احتجاز الشابين.
الناشط @Grok وصف الحادثة بأنها “جريمة موثقة” ترقى لجرائم ضد الإنسانية، معتبرًا أن الشريف ومصطفى – وهما أبناء خالة وأصدقاء طفولة – نفذا اقتحام القسم “نصرة لغزة”، وأن وصية أحمد الأخيرة كانت: “مقدرش أشوف اللي بيحصل لأمهات مصر وفلسطين وأفضل ساكت“.
وتظل قضية “شابي المعصرة” مفتوحة، وسط دعوات حقوقية وشعبية لمحاسبة المتورطين وكشف مصير المقدم ماجد عثمان، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات للنظام باستخدام التعذيب المفضي إلى الموت كأداة لإسكات المعارضين.
* يوليو الدموي.. 55 معتقلًا بين حبال المشانق وأروقة المفتي في شهر واحد
أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنّ محاكم مصر أصدرت في يوليو الماضي أحكاماً بالإعدام بحق 28 متهماً في 21 قضية، فيما أحالت النيابة أوراق 27 آخرين إلى المفتي في 17 قضية أخرى، مؤكدة أنّ هذه الأرقام تمثل الحد الأدنى الموثق عبر شهادات عائلات المتهمين وتغطيات الإعلام المحلي، ولا تعكس الحصيلة النهائية الرسمية.
وأشارت المبادرة إلى أنّ حصيلة يوليو وحده تأتي ضمن سياق أوسع من تصاعد أحكام الإعدام في مصر خلال السنوات الأخيرة، في ظل نهج قضائي يواصل إصدار وتنفيذ هذه الأحكام بوتيرة مرتفعة.
وتراقب منظمات حقوقية محلية ودولية، اتجاهات إصدار الأحكام والإحالات للمفتي، وتُنقل بانتظام بيانات شهرية وسنوية منها ما يُظهر زيادة ملموسة في عدد الصكوك القضائية التي تتضمن عقوبة الإعدام.
وسبق أن وثّقت منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) صدور 269 حكمًا بالإعدام في النصف الأول من عام 2025، في 194 قضية، بينها 17 حكمًا نهائيًا لا تقبل الطعن، كما طُرحت أوراق 197 متهمًا على المفتي في 137 قضية خلال الفترة نفسها، وهي أرقام اعتبرت “الحد الأدنى الذي أمكن توثيقه” اعتمادًا على مصادر أسرية وإعلامية.
وفقًا لتقارير رصد محلية، سجّل عام 2024 ما لا يقلّ عن 380 حكمًا بالإعدام، مقابل نحو 348 حكمًا في 2023، مع تنفيذ وإخطار بأحكام إعدام في سنوات سابقة. وتُظهر المتابعات أن هذا الرقم مرتفع نسبيًا مقارنة بالسنوات الماضية، كما سبق أن لوّحت بعض التقارير بارتفاع ملحوظ في إجمالي عدد الأحكام التي قد تُفضي إلى التنفيذ في حال تأييدها نهائيًا. هذه الأرقام تعكس تغييرًا في الملاحقات القضائية ومجالات توجيه الاتهامات، لا سيّما في قضايا يتداخل فيها “الأمن القومي” أو “الآداب العامة” أو اتهامات ذات طابع جنائي خطير.
كما تثير منظمات حقوقية دولية ومحلية، مخاوف متكرّرة حول غياب الضمانات القضائية في كثير من ملفات الإعدام؛ فالتقارير تشير إلى محاكمات جماعية، وقضايا استندت إلى اعترافات قيل إنها انتُزعت تحت التعذيب أو بعد احتجاز طويل دون وصول موثوق للمحامين، فضلًا عن استخدام قوانين واسعة التعريف (مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وغيرها) في توجيه اتهامات قد تُعرض المتهمين لعقوبة الإعدام في بعض الحالات.
كذلك، فإنّ منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش توثّق هذه المخاطر، وتدعو إلى مراجعة شاملة لإجراءات المحاكمة، والحدّ من تطبيق عقوبة الإعدام بخصوص ملفات تفتقر إلى معايير العدالة الدولية.
يشار إلى أنّه في النظام القضائي المصري، تُحال قضايا الإعدام عادةً إلى مفتي الجمهورية للحصول على رأي شرعي غير ملزم قضائيا قبل أن تصدر المحاكم أحكامًا قابلة للدفع أمام محكمة النقض. لكن بيانات الرصد تُظهر أن إحالات الأوراق للمفتى كثيفة في عدد من القضايا، ما يطيل أمد القضايا ويزيد من المخاطر على حياة المتهمين إن قرّرت المحاكم التأييد النهائي لاحقًا، كما أن النشر المحدود لأسباب الأحكام والأسانيد القانونية في كثير من الملفات يُصعّب إمكانية الرقابة العامة أو الطعن الدولي.
ولا تزال مؤسّسات الرقابة والمجتمع المدني، تطالب بمراجعة شفافة لإجراءات المحاكمات، وضمانات قانونية تحمي الحق في محاكمة عادلة، ووقف تنفيذ الأحكام حتّى التأكد من خلوّها من مظاهر التعذيب أو المحاكمات الجائرة
* 13 يوما من الإضراب العمالي تطيح برئيس “العامرية للنسيج”
تقدم الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة، أحمد عمرو رجب، باستقالته من منصبه، بعد 13 يومًا متواصلة من الإضراب عن العمل الذي نفذه نحو ألف عامل داخل المصانع التابعة للشركة بالإسكندرية. الاستقالة، التي أُعلنت جاءت على خلفية ضغوط متزايدة مارسها العمال عبر تحركهم الجماعي، والذي شل الإنتاج وأثار جدلًا في الأوساط العمالية والإدارية، في خطوة اعتبرها عمال شركة مصر العامرية للغزل والنسيج “انتصارًا جزئيًا”.
مصادر عمالية أكدت أن الاستقالة كانت “نتيجة مباشرة” للإضراب، معتبرين أنها تمثل “إقالة غير معلنة”، خاصة أن مطلب رحيل رجب كان في صدارة مطالبهم منذ بداية التحرك.
وأوضح أحدهم أن مجلس إدارة بنك مصر، المالك الوحيد للشركة، سيقوم بتعيين قائم بأعمال الرئيس التنفيذي اليوم الثلاثاء، إلى حين انعقاد الجمعية العمومية واتخاذ القرار النهائي بشأن الإدارة الجديدة.
من جانبه، صرح رجب بأن قرار الاستقالة جاء رغم تمسك مجلس إدارة البنك ببقائه، لكنه رأى أن “هذه المرحلة ليست مرحلته”، موضحًا أنه منذ توليه المنصب عمل على الحد من الخسائر التشغيلية التي كانت ترهق الشركة، ونجح في القضاء عليها.
وأكد أنه طبّق الحد الأدنى للأجور المقرر بـ7 آلاف جنيه بمجرد صدور القرار، لكنه أشار إلى أن مطلب العمال بتطبيق التدرج الوظيفي كان سيتطلب أكثر من 30 مليون جنيه، وهو ما اعتبره عبئًا ماليًا يصعب تحمله.
الإضراب، الذي بدأ في 30 يوليو، جاء ردًا على ما وصفه العمال بـ”التلاعب في تطبيق الحد الأدنى للأجور” و”تجاهل التدرج الوظيفي”، إلى جانب سلسلة مطالب منها صرف العلاوات المتأخرة، واحتساب أجر الإضافي ليوم السبت على الأجر الشامل، وزيادة حافز الإنتاج، وإنهاء ما وصفوه بـ”الإجراءات التعسفية” في التعامل مع رصيد الإجازات السنوية.
التصعيد وصل إلى استدعاء خمسة عمال من قبل مباحث الأمن الوطني بالإسكندرية، قبل يوم واحد من انتخابات مجلس الشيوخ، في محاولة – بحسب العمال – للضغط عليهم لإنهاء الإضراب.
لكن التحرك العمالي استمر، خاصة بعد أن رفضوا عرضًا من إدارة بنك مصر بزيادة “بدل الوردية” 200 جنيه ليصل إلى 600 جنيه، مع توفير سيارة إسعاف مجهزة، مقابل إنهاء الإضراب، وهو العرض الذي وصفوه بـ”الاستهزاء”.
العمال أبدوا استعدادًا للاستماع إلى القائم بأعمال الرئيس التنفيذي الجديد، مؤكدين أن موقفه تجاه المطالب سيحدد مسار الإضراب في الأيام المقبلة.
ورغم الاستقالة، يظل جوهر الأزمة متمثلًا في فجوة الأجور الهائلة داخل الشركة، حيث لا يتجاوز راتب العامل الذي أمضى 38 عامًا في الخدمة 5800 جنيه، بينما تصل رواتب المستشارين والمديرين الذين عيّنهم رجب إلى نحو 100 ألف جنيه.
معاناة عمال العامرية لم تبدأ اليوم؛ فالشركة شهدت على مدار العقد الماضي عدة احتجاجات وإضرابات. ففي 2019 أضرب العمال للمطالبة بتحسين الرواتب، وفي 2015 نظموا وقفة احتجاجية أمام مديرية القوى العاملة اعتراضًا على إغلاق الشركة، وفي 2013 دخلوا في إضراب بعد أنباء عن إنهاء عقود 300 عامل مؤقت.
تُعد شركة مصر العامرية للغزل والنسيج، المملوكة بالكامل لبنك مصر، من الكيانات الصناعية الكبرى في قطاع الغزل والنسيج، وتضم مصانع متخصصة في النسيج، الملابس، الغزل، التبييض، الصباغة، والطباعة. لكن تكرار الأزمات العمالية فيها يعكس تحديات متراكمة في الإدارة والسياسات التشغيلية، ما يثير تساؤلات حول مستقبلها وقدرتها على استعادة الاستقرار والإنتاج.
*نتنياهو: أنا في مهمة تاريخية وروحية لإنشاء إسرائيل الكبرى التي تشمل مصر
زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن اعتقاده بأنه في مهمة تاريخية وروحية (دينية)، لافتا إلى أنه يؤيد رؤية إسرائيل الكبرى التي تشمل وفق مزاعم إسرائيلية مناطق تضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وجزءا من الأردن ولبنان وسوريا ومصر.
جاء ذلك خلال مقابلة مع قناة i24 العبرية نشر تفاصيلها، الثلاثاء، موقع تايمز أوف إسرائيل.
الموقع ذكر أن نتنياهو قال خلال المقابلة إنه يشعر بأنه في مهمة تاريخية وروحية، وإنه مرتبط جدا برؤية إسرائيل الكبرى.
وفق الموقع، استُخدمت عبارة إسرائيل الكبري بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967 للإشارة إلى إسرائيل والمناطق التي احتلتها للتو وهي القدس الشرقية والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان.
وحين سئل نتنياهو أثناء المقابلة عما إذا كان يشعر بأنه في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي أجاب بأنه في مهمة أجيال، وأضاف: “لذلك إذا كنت تسألني عما إذا كان لدي شعور بالمهمة، تاريخيا وروحيا” فالجواب هو نعم.
تجدر الإشارة إلى أنه في يناير الماضي، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية على إحدى منصاتها الإلكترونية، خريطة مزعومة مع تعليق يفبرك تاريخا إسرائيليا يعود لآلاف السنين، بما يتماشى مع مزاعم عبرية متكررة عن مملكة يهودية تضم أجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان وسوريا ومصر.
*وفد “حماس” وصل القاهرة لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين
وصل وفد قيادة حركة “حماس” برئاسة خليل الحية، إلى القاهرة لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين.
وقال القيادي في الحركة طاهر النونو: “ستشمل المحادثات آخر التطورات المتعلقة بحرب الإبادة في غزة ومجمل الأوضاع في الضفة والقدس والأقصى“.
وأضاف: “الوفد بدأ محادثات تمهيدية للقاءات التي سوف تبدأ اليوم الأربعاء وستركز على سبل وقف الحرب على القطاع وإدخال المساعدات وإنهاء معاناة شعبنا في غزة، والعلاقات الفلسطينية الداخلية للوصول إلى توافقات وطنية حول مجمل القضايا السياسية، والعلاقات الثنائية مع الأشقاء في مصر وسبل تطويرها“.
وفي وقت سابق، قالت مصادر إن وفدا قياديا من حركة حماس برئاسة خليل الحية سيتوجه إلى القاهرة بدعوة مصرية للقاء مسؤولين مصريين الأربعاء.
وتأتي الزيارة وسط سعي إلى بلورة مقترح جديد لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر فلسطيني قوله “إن الوفد سيبحث مع المسؤولين المصريين جهود مصر والوسطاء حول مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى“.
وفي المقابل، شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن الصفقة الجزئية مع حركة حماس أصبحت من الماضي وأنهم الآن في مرحلة صفقة شاملة ولا عودة إلى الوراء.
*أزمة قمح تلوح في الأفق: توتر مصري – أوكراني بسبب واردات من “أراضٍ محتلة”
في تطور جديد ينذر بتوتر دبلوماسي وتجاري بين القاهرة وكييف، كشفت مصادر مصرية متطابقة عن تصاعد أزمة حادة بين وكالة “مستقبل مصر” الحكومية، التي تتولى عمليات استيراد القمح لصالح الجيش المصري، وبين الحكومة الأوكرانية، على خلفية اتهامات موجهة للوكالة بشراء شحنات من القمح مصدرها أراضٍ أوكرانية تحتلها روسيا منذ اندلاع الحرب بين البلدين في فبراير/شباط 2022.
تشير المصادر الحكومية إلى أن جهاز “مستقبل مصر” أبرم صفقات ضخمة مع شركات روسية، أبرزها صفقة في ديسمبر 2024 لتوريد نحو 1.267 مليون طن من القمح، مع تغطية معظم احتياجات الدولة حتى منتصف 2025.
تثير هذه الصفقات قلق أوكرانيا، التي تعتبر مناطق دونيتسك وزابوريجيا وخيرسون الواقعة تحت الاحتلال الروسي مناطق محرمة للتجارة، وهو ما جعل كييف تفكر في إدراج “مستقبل مصر” في القائمة السوداء.
وكانت صلاحية استيراد القمح والمنتجات الغذائية قد انتقلت رسميًا من هيئة السلع التموينية إلى جهاز “مستقبل مصر” التابع للقوات الجوية في الجيش المصري، بشكل حصري، بحسب خطاب من وزير التموين شريف فاروق إلى وزارة الزراعة الروسية، أكبر مورد قمح إلى مصر، وذلك في ديسمبر 2024.
وجاء في نص الخطاب أن “مستقبل مصر” سيكون الجهاز الحكومي الأوحد الذي يتمتع بالصلاحيات الاستثنائية لتنظيم المناقصات الدولية والتعاقد بالأمر المباشر لشراء القمح والمنتجات الغذائية الأخرى لتلبية احتياجات جمهورية مصر العربية، وينفذ كل الصلاحيات التي نفذتها الهيئة العامة للسلع سابقًا، بما فيها عمليات الشراء بالأمر المباشر.
الاستيراد من أوكرانيا
حسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) ووكالة بلومبرج الاقتصادية، فقد شهدت واردات مصر من القمح في عام 2024 زيادة ملحوظة من أوكرانيا، حيث بلغت كمية القمح المستورد من هذا البلد حوالي 1.9 مليون طن، ما يمثل نحو 13% من إجمالي واردات القمح المصرية لعام 2024.
وتشير بيانات وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) ووكالة بلومبرج الاقتصادية إلى أن هذه الكمية تمثل زيادة قدرها 600 ألف طن مقارنة بواردات عام 2023، مما يعكس توجهًا متزايدًا لمصر نحو تنويع مصادر استيراد القمح، لا سيما بعد استحواذ روسيا على حصة الأسد التي وصلت إلى نحو 74% من إجمالي واردات القمح المصري.
ويأتي هذا التطور في سياق تحول جهاز “مستقبل مصر” الحكومي، التابع للقوات الجوية المصرية، لتولي مسؤولية استيراد القمح بدلاً من الهيئة العامة للسلع التموينية، وذلك بعد أكثر من خمسين عامًا من احتكار الأخيرة لهذا الملف.
وأكد المصدر أن كييف وجّهت اتهامات صريحة للوكالة المصرية بشراء شحنات قمح تم حصادها في مناطق خاضعة للسيطرة الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، وهو ما تعتبره الحكومة الأوكرانية انتهاكًا لسيادتها وموقفًا منحازًا لموسكو.
وأضاف المصدر أن القضية لم تبقَ في نطاق المراسلات الرسمية، بل وصلت إلى السفير الأوكراني في القاهرة، الذي أبلغ الحكومة المصرية عبر قنوات دبلوماسية، وعبر اتصالات مع البرلمان، أن بلاده تنظر بجدية إلى إدراج وكالة “مستقبل مصر” على “القائمة السوداء” للشركات أو الكيانات التي تستورد القمح من روسيا عبر أراضٍ محتلة، ما يعني منعها تمامًا من شراء أي شحنات قادمة من أوكرانيا مستقبلاً.
وبالإشارة إلى حجم الاستيراد المصري من أوكرانيا، والذي بلغ في عام 2024 ما يقارب الاثنين مليون طن، وهي نسبة لا يُستهان بها من الاحتياج المصري من القمح، فإن توقف أوكرانيا عن بيع القمح لمصر سوف يتسبب في أزمة غذائية لمصر، خاصة في ظل مخاوف من أن مصر ربما تواجه أزمة في إيجاد بديل لذلك.
تحرك برلماني ومحاولات احتواء
في محاولة لاحتواء الأزمة، كشفت مصادر برلمانية أن لجنة الزراعة في مجلس النواب المصري دخلت على خط الأزمة، إذ أجرى وفد من اللجنة زيارة إلى السفير الأوكراني بالقاهرة لبحث الأزمة و”شرح الملابسات”، بحسب تعبير مصدر نيابي شارك في الاجتماع.
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الوفد البرلماني أوضح للسفير أن وكالة “مستقبل مصر” لم تكن تقصد دعم الاحتلال الروسي، بل تعاملت مع الموردين على أساس وثائق وشهادات منشأ، دون الدخول في الاعتبارات الجغرافية المعقدة المرتبطة بالحرب الجارية.
ورغم ذلك، أبلغ السفير الأوكراني الوفد البرلماني – وفقًا للمصدر ذاته – أن موقف كييف “حازم ولا يحتمل التأويل”، مشددًا على أن الحكومة الأوكرانية لن تسمح بأي تعاون مع جهات تشتري قمحًا من أراضٍ تعتبرها مغتصبة من قِبل روسيا. وأضاف السفير أن بلاده تعمل على إعداد قائمة من الكيانات العالمية – تشمل الوكالة المصرية – لمنعها من الاستيراد الأوكراني في حال ثبت تعاملها مع القمح الروسي من الأراضي المحتلة.
الشركات الخاصة في مرمى الأزمة
الأزمة لا تقف عند وكالة “مستقبل مصر” وحدها، إذ كشف المصدر في مجلس الوزراء المصري أن هناك شركات مصرية خاصة تورطت هي الأخرى في استيراد شحنات من القمح القادم من مناطق أوكرانية خاضعة للسيطرة الروسية. وأشار إلى أسماء بعينها، منها شركة “مناسك” وشركة “البستان”، وهما من كبار مستوردي القمح لمصر، وشاركتا في صفقات مشابهة.
وقال المصدر إن هذه المرة الأولى التي قامت بها هذه الشركات المصرية باستيراد القمح من الأراضي التي تقع تحت السيطرة الروسية، وهي أراضٍ كانت تتبع أوكرانيا قبل اندلاع الحرب مع روسيا قبل ثلاثة أعوام.
وأوضح المصدر أن هذه الشركات تعاملت – مثل وكالة “مستقبل مصر” – مع وسطاء دوليين عرضوا القمح بأسعار تفضيلية، دون الإفصاح الكامل عن مناطق الإنتاج. وأضاف أن الشركات المصرية، رغم كونها خاصة، كانت تعمل “بتكليف ضمني” من الجيش المصري لتأمين الاحتياجات الاستراتيجية من القمح، في ظل اضطرابات الأسواق العالمية.
التداعيات المحتملة على الأمن الغذائي المصري
يقول المصدر إن تصعيد الأزمة قد يُهدد جانبًا مهمًا من واردات القمح إلى مصر، الدولة التي تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم، والتي تعتمد على أوكرانيا وروسيا في تغطية نسبة كبيرة من احتياجاتها السنوية.
وفي حال فرضت كييف قيودًا على التعامل مع الوكالة أو الشركات المصرية، فإن القاهرة قد تواجه تحديات إضافية في تأمين الخبز المدعوم لملايين المواطنين، لا سيما في ظل اضطرابات إمدادات البحر الأسود، وارتفاع أسعار الشحن والتأمين بعد أزمة البحر الأحمر.
وبخصوص تحديد نسبة العجز المتوقع لو فرضت أوكرانيا قيودًا على التعامل مع وكالة “مستقبل مصر” أو الشركات المصرية، فالموضوع معقد، ويجب الإشارة إلى المعطيات التالية:
* نسبة واردات مصر من القمح الأوكراني: حوالي 13% من إجمالي واردات مصر عام 2024 (حوالي 1.9 مليون طن) وفق البيانات الرسمية الأمريكية والمصرية.
* الاحتياطي الاستراتيجي: مصر عادة تحافظ على مخزون استراتيجي من القمح يكفي لـ 3-4 أشهر.
* الخيارات البديلة: روسيا تمثل 74% من واردات مصر (حوالي 10.5 مليون طن)، مع وجود موردين آخرين مثل رومانيا.
وبناءً على ذلك:
في حال توقفت واردات القمح من أوكرانيا (13%) فجأة، فإن العجز المباشر سيكون حوالي 13% من الكميات التي تعتمد عليها مصر.
وبسبب ارتفاع أسعار الشحن وتأمين النقل البديل (مثلًا من دول أبعد مثل الأرجنتين أو أمريكا الشمالية)، قد يتضاعف تأثير هذا النقص من ناحية التكلفة.
بالتالي، في أسوأ السيناريوهات، قد يصل العجز الفعلي في توفير القمح للخبز المدعوم إلى 10-15% على الأقل خلال فترة قصيرة، مع احتمالية ارتفاع هذه النسبة إذا استمرت الأزمة أو توسعت.
حركات للبحث عن بدائل
أكد المصدر في مجلس الوزراء أن الحكومة المصرية بدأت بالفعل تحركات “هادئة” للبحث عن بدائل محتملة، تشمل موردين من رومانيا وبلغاريا وفرنسا، إضافة إلى تكثيف الشحنات القادمة من روسيا، رغم تعقيدات الوضع السياسي.
كما تبحث الجهات السيادية، بحسب المصدر، في خيارات إعادة هيكلة ملف استيراد القمح بالكامل، بما في ذلك تقليص الاعتماد على الوسطاء غير المعروفين، وتعزيز آليات التحقق من منشأ الحبوب، لتفادي الدخول في صراعات قانونية أو سياسية مع الدول المصدرة.
جهود مصر لحل الأزمة الخاصة بالقمح
في سياق متصل، قال صقر عبد الفتاح، وكيل لجنة الزراعة في مجلس النواب المصري، في تصريحات خاصة، إن الدولة تحاول تطوير مسار زراعة القمح في البلاد عبر محاور كثيرة.
يؤكد صقر أن هذه الجهود تعتمد على عدة محاور مترابطة، في مقدمتها توسيع الرقعة الزراعية المخصصة لزراعة القمح. ويوضح أن الحكومة تستهدف زراعة أكثر من 3.1 مليون فدان من القمح خلال الموسم الحالي.
ويتابع صقر قائلًا إن المحور الثاني يتمثل في زيادة حجم الإنتاج المحلي، مشيرًا إلى أن الدولة تسعى هذا العام إلى جمع نحو 4 ملايين طن من القمح من الفلاحين.
كما يشير إلى أن الدولة تستهدف الوصول إلى تحقيق اكتفاء ذاتي جزئي بنسبة 60% خلال السنوات القادمة، ويضيف: “تحقيق هذا الهدف يتوقف على قدرتنا على تحسين إنتاجية الفدان من خلال دعم المزارعين تقنيًا ولوجستيًا، وتوفير مدخلات الإنتاج في الوقت المناسب، وضمان تسويق المحصول بسعر عادل“.
لاستيراد بدلًا من الزراعة
في سياق موازٍ، كشف مصدر رفيع في وزارة التموين المصرية، في تصريحات خاصة لموقع “عربي بوست”، أن وكالة “مستقبل مصر” أصبحت هي الجهة الرئيسية المسؤولة عن ملف استيراد القمح من الخارج، وذلك بعد أن كان هذا الملف من اختصاص وزارة التموين لسنوات طويلة.
وأوضح المصدر أن هذا التغيير جاء بتكليف مباشر من الرئاسة المصرية قبل أكثر من عام، في إطار إعادة هيكلة آليات إدارة ملف الأمن الغذائي وضمان توفير احتياجات البلاد من القمح.
وأضاف المصدر أن الوكالة، منذ توليها المهمة، تحركت سريعًا لبناء شراكات استراتيجية مع الجانب الروسي، مستفيدة من العلاقات السياسية القوية بين القاهرة وموسكو، والتي تعززت في السنوات الأخيرة على خلفية التعاون في مجالات الطاقة والسلاح والزراعة.
وبحسب المعلومات التي أوردها المصدر، نجحت وكالة “مستقبل مصر” في استيراد كميات كبيرة من القمح الروسي، وهو ما ساعد في تعزيز المخزون الاستراتيجي المصري، في ظل تقلبات أسواق الحبوب العالمية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن هذه التحركات لم تخلُ من التعقيدات، إذ أوضح المصدر أن الوكالة لجأت، في إطار عملياتها، إلى استيراد كميات من القمح من أراضٍ أوكرانية وقعت تحت السيطرة الروسية.
ورغم أن هذه الخطوة بدت، من وجهة نظر الوكالة، جزءًا من الشراكة مع موسكو وضمان تدفق الإمدادات، فإنها أثارت أزمة سياسية حادة مع أوكرانيا، التي اعتبرت أن شراء القمح من تلك الأراضي يمثل خرقًا لسيادتها ودعمًا ضمنيًا لاحتلال أراضيها.
وأشار المصدر إلى أن الوكالة ربما لم تُولِ اهتمامًا كافيًا لهذه الحساسية السياسية، معتمدة على متانة العلاقات المصرية-الروسية.
في الوقت نفسه، أكد المصدر أن الحكومة المصرية، من خلال وزارة الزراعة، تعمل على مسارات موازية لزيادة الإنتاج المحلي من القمح، وتشمل هذه الجهود تحسين جودة الأصناف المزروعة وتطوير تقنيات الزراعة، إلى جانب استصلاح أراضٍ جديدة بهدف التوسع في زراعة القمح.
لكن هذه الطموحات تواجه عقبات كبيرة، أبرزها أزمة المياه التي تشهدها البلاد بسبب مشروع سد النهضة الإثيوبي، والذي أثّر بشكل ملحوظ على حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل.
ويرى المصدر أن الوضع المائي الحالي يجعل من الاعتماد على الاستيراد خيارًا لا مفر منه في المدى القريب، خاصة في ظل صعوبة تخصيص كميات كبيرة من المياه لزراعة محصول القمح، الذي يحتاج إلى كميات وفيرة من الري.
وأشار إلى أن مصر، رغم استمرارها في تطوير قدراتها الإنتاجية، ما زالت تصطدم بواقع مناخي ومائي لا يمنحها المرونة الكافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي.
منظومة الخبز المدعوم
وفقًا لتقرير *”التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة (2024–2030)”* الصادر عن مجلس الوزراء، تحتاج مصر في العام الجاري 2024 إلى 7.7 مليون طن من القمح لتوفير 93.5 مليار رغيف خبز مدعوم، أي ما يعادل نحو 256 مليون رغيف يوميًا.
بينما يُقدَّر إجمالي استهلاك القمح في البلاد بنحو 20.5 مليون طن متري، حسب تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية للعام المالي 2023-2024، ما يعكس اتساع الفجوة بين الطلب المحلي والإنتاج.
هذا الرقم يتزايد تدريجيًا عامًا بعد عام بسبب النمو السكاني المستمر وارتفاع أعداد اللاجئين المقيمين داخل الأراضي المصرية. وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ نصيب الفرد من القمح في مصر حوالي 150 كجم سنويًا، وهو من أعلى المعدلات في العالم، مما يُشكّل عبئًا مستمرًا على موازنة الدولة.
كما يبلغ إنتاج مصر من القمح لعام 2024 نحو 9.8 إلى 10 ملايين طن متري، وفقًا لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية وبيانات مجلس الوزراء المصري، وهي نفس المستويات المسجَّلة تقريبًا منذ عام 2022. وقد تراوحت معدلات الإنتاج المحلي خلال السنوات العشر الماضية بين 8.4 و10 ملايين طن، وذلك وفق بيانات مجلس الوزراء المصري كما هو موضح:
* 2022: 10 ملايين طن
* 2021: 9.84 ملايين طن
* 2020: 9.79 ملايين طن
* 2019: 8.49 ملايين طن
* 2018-2017: 8.48 ملايين طن
* 2016: 9.58 ملايين طن
* 2015: 9.47 ملايين طن
* 2014: 9.26 ملايين طن
المساحة المزروعة بالقمح تُقدَّر بنحو 3.1 إلى 3.2 مليون فدان، كما صرَّح وزير الزراعة علاء فاروق، وسط مساعٍ حكومية لزيادة هذه المساحة بمليون فدان إضافي، وهو ما قد يُحسِّن معدلات الاكتفاء الذاتي إلى حدود 60% بدلًا من 48.2%، النسبة التي سُجِّلت في عام 2022 وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
الاعتماد على الاستيراد: مصر في صدارة مستوردي القمح عالميًا
يقول مصدر في البرلمان المصري في تصريحات خاصة لـ”عربي بوست” إنه ونظرًا للفجوة الكبيرة بين الاستهلاك والإنتاج، تحتل مصر المرتبة الأولى أو الثانية عالميًا في استيراد القمح، متناوبة مع الصين على صدارة الترتيب.
وأشار إلى أنه في عام 2023 بلغت واردات مصر من القمح نحو 10.8 ملايين طن، إلا أنها شهدت قفزة غير مسبوقة في 2024، حيث وصلت إلى 14.2 مليون طن.
وأوضح أن أزمة الاستيراد من أوكرانيا سوف تؤثر بطبيعة الحال على احتياجات مصر من القمح، ما يدفعها إلى البحث عن بدائل وبشكل سريع، مشيرًا إلى أن مخزون مصر من القمح سوف يتراجع بطبيعة الحال في حال عدم حل الأزمة بين وكالة “مستقبل مصر” وأوكرانيا.
الشركات محل الأزمة مع أوكرانيا
أولًا: جهاز “مستقبل مصر” — الذراع الاستراتيجي لاستيراد القمح
تأسس جهاز *”مستقبل مصر للتنمية المستدامة”* في عام 2022 بقرار رئاسي، ليكون الذراع اللوجستية التابعة للقوات الجوية المصرية، ويتولى إدارة ملف استيراد القمح بشكل منفصل عن الهيئة العامة للسلع التموينية ووزارة التموين.
يأتي إنشاء الجهاز في سياق إعادة هيكلة استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الاستيراد والتخفيف من اعتماد مصر على قنوات التوريد التقليدية، لكنه أثار قلقًا دوليًا بسبب تعاملاته المباشرة مع السوق الروسية، خصوصًا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.
تشير المصادر الحكومية إلى أن جهاز “مستقبل مصر” أبرم صفقات ضخمة مع شركات روسية، أبرزها صفقة في ديسمبر 2024 لتوريد نحو 1.267 مليون طن من القمح، مع تغطية معظم احتياجات الدولة حتى منتصف 2025. وتثير هذه الصفقات قلق أوكرانيا، التي تعتبر مناطق دونيتسك وزابوريجيا وخيرسون الواقعة تحت الاحتلال الروسي مناطق محرَّمة للتجارة.
ويعمل الجهاز خارج الإطار الإداري التقليدي لوزارة التموين، ولا يظهر في سجلات الشركاء التجاريين المعتادة، مما يزيد من حالة الغموض حول مصادر تمويله وآليات عمله، ويطرح تساؤلات حول الرقابة المؤسسية على صفقات الاستيراد.
رغم ذلك، يسعى الجهاز أيضًا لتوسيع شبكة مورديه، فقد أبرم في أبريل 2025 صفقة نادرة لشراء 180 ألف طن من القمح الفرنسي، وتُجرى مفاوضات مع دول أوروبية مثل رومانيا وبلغاريا، في محاولة لتقليل الاعتماد المطلق على روسيا.
“شركة “مناسك” — اللاعب الأقل ظهورًا في سوق الحبوب
تُعد شركة “مناسك” من الكيانات الخاصة ذات النشاط الغذائي في مصر، لكنها الأقل شهرة بين الشركات المعنية بملف استيراد القمح من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا.
تعمل “مناسك” ضمن قطاع الاستيراد والتوزيع الغذائي، ولا تتوفر عنها معلومات واضحة على المواقع الرسمية أو قواعد البيانات التجارية، مما يصعِّب تقييم حجم أعمالها ومصادر تمويلها.
ذكرت مصادر تجارية أن “مناسك” تورَّطت، على الأرجح عبر وسطاء، في استيراد كميات من القمح من مناطق خاضعة للسيطرة الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، ما يجعلها ضمن قائمة الكيانات التي قد تواجه حظرًا تجاريًا أو إدراجًا في “القائمة السوداء” الأوكرانية.
شركة “مطحنة البستان“
تختلف شركة “مطحنة البستان” عن غيرها في كونها مؤسسة مصرية مرخَّصة رسميًا، تعمل في قطاع طحن الحبوب وتصنيع الدقيق، وتقع في المنطقة الصناعية بمدينة برج العرب الجديدة بمحافظة الإسكندرية.
تتمتع الشركة بسجل صناعي موثَّق وترخيص من اتحاد الصناعات المصرية، وتعمل ضمن الإطار القانوني المصري، مما يجعلها لاعبًا واضحًا في السوق المحلية.
مع ذلك، تشير تقارير إلى أن “مطحنة البستان” قد قامت — وعبر وسطاء أو شركاء — باستيراد شحنات قمح من مناطق سيطرة روسيا في أوكرانيا، وهو ما يضعها تحت مجهر الرقابة الأوكرانية.
*إحنا ما عندناش مطرة زيكم” السيسي يستجدي موسيفيني ويكرر استعراضاته في ملف سد النهضة
في مشهد يعكس الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع العملي، ظهر المنقلب عبد الفتاح السيسي إلى جانب الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني في مؤتمر صحفي بالقاهرة، مؤكداً أن “مصر لن تتنازل عن حقوقها التاريخية في مياه النيل” وأن الملف “قضية وجودية”.
لكن ناشطين أعادوا التذكير بلهجة استجداء للسيسي وهو يخاطب موسيفيني: “إحنا ما عندناش مطرة زيكم”، في دلالة على ضعف أوراق التفاوض المصرية أمام دول حوض النيل.
من اتفاق المبادئ إلى القبول بالأمر الواقع
منذ توقيعه اتفاق المبادئ في مارس 2015، فتح السيسي الباب قانونياً أمام إثيوبيا لاستكمال بناء وتشغيل سد النهضة، لينتقل الملف من مرحلة الرفض إلى القبول التدريجي بالإجراءات الأحادية. ومع كل مرحلة ملء وتشغيل، كان الرد المصري يقتصر على تصريحات إعلامية وعبارات “الخط الأحمر” التي لم تجد طريقها للتنفيذ.
خطاب استهلاكي لا سياسة ردع
ورغم تكراره الحديث عن أن فقدان الحصة المائية “يعني التخلي عن الحياة”، تجاهل السيسي أن السنوات الأخيرة شهدت تآكلاً فعلياً في حصة مصر مع استمرار إثيوبيا في الملء الرابع والخامس دون اعتراض عملي. حديثه عن التنمية المشتركة واحترام الاتفاقيات الدولية جاء في وقت تُفرض فيه وقائع جديدة على الأرض لصالح أديس أبابا.
إدارة إعلامية للأزمة
المؤتمر الأخير لم يخرج عن نهج إدارة الملف عبر الإعلام، لا عبر الدبلوماسية الصلبة أو أوراق الضغط. وهو ما يعزز انطباع المراقبين بأن هذه التصريحات ليست سوى “سكنات” لتهدئة الرأي العام، بينما تواصل إثيوبيا ترسيخ الأمر الواقع.
* “صفقة المليارات”.. كيف تحولت مصر إلى بوابة ذهبية لغاز الاحتلال؟
أثارت صفقة الغاز الموقعة بين مصر وإسرائيل في 7 أغسطس الجاري، بقيمة 35 مليار دولار، جدلًا واسعًا حول المستفيدين والخاسرين منها. فقد سارعت وسائل إعلام إسرائيلية ودولية إلى تحليل بنود الاتفاقية، مؤكدة أنها تمنح تل أبيب مكاسب اقتصادية ضخمة وتكرّس دورها كلاعب محوري في سوق الطاقة، بينما تضع مصر في موقع التابع للغاز الإسرائيلي وبوابة عبور تخدم مصالح خارجية.
وصف الرئيس التنفيذي لشركة “نيوميد” الإسرائيلية، الشريك في حقل ليفياثان، يوسي أبو، في تصريح لصحيفة غلوبس العبرية (8 أغسطس)، الاتفاق بأنها “منجم أموال للإسرائيليين”، موضحًا أن مصر ستدفع 35 مليار دولار خلال 14 عامًا مقابل الغاز، وأن العوائد ستتدفق بسخاء على خزينة إسرائيل. وأضاف أن “نيوميد” ستخصص جزءًا من أرباحها من الصفقة لوزارة المالية الإسرائيلية، في صورة عوائد ورسوم وضرائب، تصب جميعها في مصلحة الاحتلال.
عوائد تذهب إلى خزائن الاحتلال
وأوضح الرئيس التنفيذي أن الشركة دفعت 205 ملايين شيكل من جميع أنواع العوائد والرسوم والضرائب في الربع الثاني من عام 2025، ووصل إجمالي ما دفعته إلى خزينة الدولة الإسرائيلية منذ بداية عام 2025 إلى 428 مليون شيكل (الدولار = 3.41 شواكل). كما أكد يوسي أبو أهمية صفقة الغاز كأنها مرساة لخلق التطبيع مع الدول العربية خاصة مصر، موضحًا أن إسرائيل تستهدف ذلك التطبيع الاقتصادي مع العالم العربي. أيضًا قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، 7 أغسطس الجاري، إن الصفقة مُربحة بصورة كبيرة لإسرائيل، حيث سينتج منها “تحويل مئات الملايين من الشواكل من عائدات الغاز والضرائب إلى خزائنها”. ولفتت إلى أنه “مقابل مضاعفة الصفقة لكمية الغاز الطبيعي السنوية الموردة من حقل ليفياثان البحري إلى مصر إلى ثلاثة أمثالها تقريبًا، فهي سوف تسهم في تعزيز إيرادات الدولة الإسرائيلية من عوائد هذه الصفقة”.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست، 7 أغسطس الحالي، عن المساهم المسيطر في مجموعة ديليك الإسرائيلية، إسحق تشوفا، قوله: “بالنسبة لنا، لا يُعد هذا إنجازًا تجاريًا استثنائيًا فحسب، بل هو أيضًا إنجاز تاريخي يُعزز التعاون الإقليمي”، ومجموعة ديليك هي شركة قابضة إسرائيلية متعددة الجنسيات، وشركة نيوميد تابعة لها. وقد أثير جدل في إسرائيل حول قدرتها على الوفاء بالكميات الضخمة في الصفقة لمصر وتأثيرها على احتياجات الاحتلال من الغاز. وقالت صحيفة هآرتس، 8 أغسطس الحالي، إن الاتفاقية الجديدة تعني أن ينتج حقل ليفياثان الإسرائيلي حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي أكثر من ضعف الإنتاج الأصلي.
وبيّنت أن الاتفاقية ستؤدي بذلك إلى نضوب احتياطيات إسرائيل من الغاز الطبيعي في غضون 20 عامًا تقريبًا، وفقًا تقرير لجنة وزارية إسرائيلية بحثت الأمر. وذكرت أنه منذ بدء الإنتاج في حقل ليفياثان، استقبلت السوق المصرية ما يقارب 23.5 مليار متر مكعب من غاز الحقل. ويورد الحقل حاليًا 4.5 مليارات متر مكعب سنويًا بموجب عقود طويلة الأجل. وبموجب بنود الصفقة الموقعة بين الطرفين، ستُزوَّد مصر بنحو 22% من سعة خزان ليفياثان، ونحو 13% من إجمالي سعة الغاز لدى دولة الاحتلال، وفق “غلوبس“.
خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي
بسبب هذه المكاسب الإسرائيلية الضخمة من الصفقة، فقد وصف وزير الطاقة، إيلي كوهين، الصفقة مع مصر بأنها “خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي، سيُدر مليارات الدولارات على خزينة الدولة، ويخلق فرص عمل، ويعزز الاقتصاد”. وقال إنها “أكبر صفقة غاز في التاريخ”، واعتبر أنها “خبر مهم أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا”، و”أخبار رائعة للاقتصاد الإسرائيلي، ستجلب مليارات الدولارات إلى خزائن الدولة”. وأضاف أن “هذا يرسخ مكانتنا قوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، والتي يعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إلينا”، مشيرًا إلى أن “اقتصاد الغاز الطبيعي، هو أحد الأصول الاستراتيجية لإسرائيل”.
وكان كوهين قد لمح في ديسمبر 2024، إلى “الدور السياسي والاقتصادي” للغاز الإسرائيلي، حيث كتب معلقًا على إنشاء خط ثالث لتصدير الغاز لمصر، عبر منصة إكس، بقوله إن “الطاقة الإسرائيلية قوة سياسية”. وكتب الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين: “بهذا المبلغ الذي ستدفعه مصر في الصفقة (35 مليار دولار) ستشتري إسرائيل سرب طائرات إف 35 وتصنع 100 دبابة وتشتري مئة ألف صاروخ ومليون رشاش“.
رفع السعر مكسب لتل أبيب
وركزت صحف الاحتلال على أن تل أبيب هي الرابح الأكبر من الصفقة من زاويتين: الأولى هي نجاح إسرائيل في رفع سعر الغاز على مصر بنسبة 14.8% في الصفقة الجديدة المعدلة، والثانية، تتمثل في خسائر مصر في هذه الاتفاقية، “إلغاء بند رئيسي كان يمنح مصر الحق في تقليل الكميات المستوردة من إسرائيل إذا انخفض سعر خام برنت عن 50 دولارًا للبرميل”. ويعني هذا البند أن مصر ستظل ملزمة بدفع كامل قيمة الصفقة وفقًا للأسعار المحددة حاليًا، حتى إذا تراجعت الأسعار مستقبلًا أو انخفضت حاجة البلاد إلى الغاز، وفق صحيفة جيروزاليم بوست في 7 أغسطس الجاري.
ووفقًا لنص الاتفاقية، يجري الاعتماد على صيغة Take or Pay، وهو بند شائع في عقود الطاقة، يُلزم المستورد بدفع قيمة كميات الغاز المتفق عليها سنويًا، سواء تسلّمها بالفعل أو لم يفعل لانخفاض الحاجة أو الأسعار، وهو ما يضمن دخلًا ثابتًا ومستقرًا لإسرائيل على حساب مصر، بغض النظر عن التغيرات في السوق أو مدى حاجة القاهرة لما ستستورده من غاز. وفي السنوات الماضية، كانت مصر تستورد الغاز من إسرائيل بأسعار تتراوح بين 5.5 إلى 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
وكانت تل أبيب تطالب بزيادة سعر توريد المليون وحدة حرارية لأكثر من ثمانية دولارات، وقتما كان سعر السوق ما بين أربعة وخمسة دولارات، واستغلت حرب غزة وأوقفت التصدير إلى مصر، بحجة الحرب، لممارسة ضغوط لرفع السعر. وكان سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الإسرائيلي إلى مصر يبلغ حوالي 6.70 دولارات، ومع ذلك، طلبت إسرائيل زيادة السعر بنسبة 25%. وفقًا للعقد، من المقرر أن يتم تصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز (الإسرائيلي) إلى مصر حتى عام 2040، بدلًا من حوالي 64 مليار متر مكعب تم الاتفاق عليها عام 2018، وزيادة كمية الاستيراد من 850 مليون قدم مكعبة إلى 1.7 مليار.
*لماذا تحولت مصر من مٌصدرة للغاز لـ “إسرائيل” إلى مستوردة؟
لا زالت الصفقة التي أعلنت عنها “إسرائيل” بشأن تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، البالغ قيمتها 35 مليار دولار، والتي وُصفت بأنها “الأكبر في تاريخها”، وفقا لوزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، تفرض نفسها على الشارع المصري، فبجانب ما تحمله من ارتهان مستقبل الطاقة المصري بأيدي الإسرائيلي فهي تأت في وقت حساس للغاية، حيث يتعرض سكان غزة لحرب إبادة مكتملة الأركان على أيدي القوات الإسرائيلية.
الصفقة التي تتضمن بيع نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر حتى عام 2040 أو حتى استيفاء كل الكميات المنصوص عليها في العقد، تٌعد -وفق وزير الطاقة الإسرائيلي- حدثًا هامًا من الناحية الأمنية السياسية وكذلك من الناحية الاقتصادية، كما أنها ستٌرسخ مكانة تل أبيب كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة يعتمد عليها جيرانها ويحتاجون إليها، على حد تعبيره.
وأثارت تلك التصريحات استفزاز المصريين بصورة دفعت الكثير للتنقيب في الأدراج المغلقة عن ملفات الطاقة المصرية ووضعها على طاولة النقاش مجددًا، فقبل عدة سنوات كان لدى الدولة المصرية فائضًا في الإنتاج ما اضطرها للتصدير، ما يدفع للتساؤل عن أسباب ودوافع لجوء مصر للغاز الإسرائيلي تحديدًا وفي هذا التوقيت الحرج، ثم السؤال الأكثر جدلا: كيف تحولت مصر من دولة مٌصدرة للغاز للكيان الإسرائيلي إلى مستورد رئيسي منه؟
بداية.. ما أبرز ملامح خارطة الغاز في مصر؟
يمثل الغاز سلعة استراتيجية للمصريين، فهو عصب الحياة للمواطن والدولة معًا، وتنقسم خارطة الغاز المصرية إلى ثلاثة مناطق رئيسية، الأولى منطقة البحر المتوسط التي تشكل النصيب الأكبر من انتاج الغاز الطبيعي بنسبة 62% تليها منطقة دلتا النيل بنسبة 19% ثم الصحراء الغربية بنسبة 18%.
وتحتضن الأراضي المصرية ما يقرب من عشرين شركة عاملة في مجال التنقيب عن الغاز، ما بين شركات محلية مثل: شركة بتروبل، شركة خالدة، شركة الفرعونية، شركة بدر الدين، وشركة البرلس، وأخرى أجنبية أبرزها، إيني الإيطالية، أباتشي الأمريكية، بي بي الإنجليزية وشل الهولندية.
وتمتلك مصر العشرات من حقول الغاز، على رأسها وأهمها حقل ظهر، الواقع في منطقة امتياز شروق بالمياه العميقة بالبحر المتوسط والذي يعد أكبر الحقول، حيث تقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو المشغل الرئيسي للحقل شركة “إيني” الإيطالية.
وهناك أيضًا حقول شمال الإسكندرية، التي تقع في البحر المتوسط، وتضم حقول “تورس وليبرا وفيوم وجيزة وريفين، باحتياطيات داخل الخزان تتجاوز 5 تريليونات قدم مكعب، وهي المشغل الرئيسى للمشروع شركة “بريتش بتروليم” البريطانية، علاوة على حقل نرجس، الذي يمتلك احتياطيات مبدئية معلنة تقدر بنحو 3.5 تريليون قدم مكعب ، وهو المشغل الرئيسى شركة “شيفرون” الأمريكية.
أما في منطقة الدلتا فهناك حقل نورس الذي تم اكتشافه عام 2015، ويبلغ إجمالي احتياطيه نحو 2 تريليون قدم مكعب، ويعد المشغل الرئيسى شركة “أيوك” التابعة لشركة إيني الإيطالية، بجانب حقل أتول، المكتشف في نفس العام ويقع بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية، شرق دلتا النيل بالبحر المتوسط، وتبلغ احتياطيه نحو 1,5 تريليون قدم مكعب، المشغل الرئيسي شركة “بريتش بتروليم” البريطانية.
وتبلغ الفجوة بين إنتاج المصريين من الغاز والاستهلاك بنحو 2.8 مليار قدم مكعب، حيث يصل إجمالي الإنتاج قرابة 4 مليار قدم مكعب فيما قفز الاستهلاك إلى نحو 6.8 مليار قدم مكعب، الأمر الذي يمثل ضغطًا كبيرًا على الحكومة لسد هذا العجز، إما بترشيد الاستهلاك المحلي أو زيادة حصة الاستيراد من الخارج.
تصدير الغاز لإسرائيل.. مرحلة الفائض في الإنتاج
شهدت مصر خلال واخر تسعينات القرن الماضي العديد من اكتشاف حقول الغاز الكبيرة في البحر المتوسط والدلتا، مثل حقل البرلس، مما جعلها تحقق فائضًا كبيرًا في الإنتاج، الأمر الذي دفع الحكومة حينها للتفكير في تصدير جزء من هذا الفائض، لإنعاش خزانة الدولة بالعملة الصعبة، مع مراعاة مؤشرات الاستهلاك والاحتياجات.
لكن ما كان يتوقع أحد أن تكون جهة التصدير الذي تفكر فيها الدولة المصرية آنذاك هي الكيان الإسرائيلي المحتل، حيث فوجئ المصريون بحول عام 2005 بتوقيع القاهرة اتفاقًا لتصدير الغاز المصري لإسرائيل، تقضي بتصدير نحو 1.7 مليار متر مكعب سنويًا لمدة 20 عامًا، عبر خط أنابيب يمتد بطول مائة كيلومتر من العريش في سيناء إلى نقطة على ساحل مدينة عسقلان جنوب السواحل الإسرائيلية على البحر المتوسط .
وقع الاتفاق وقتها مع الحكومة المصرية شركة شرق المتوسط للغاز (EMG)( عبارة عن شراكة بين كل من رجل الأعمال المصري حسين سالم، الذي يملك أغلب أسهم الشركة، ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة أمبال الأميركية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية، ورجل الأعمال الأميركي سام زيل)
الكارثة هنا أن السعر الذي صدرت به مصر غازها لإسرائيل كان يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، أي أن الحكومة باعت الغاز بسعر أقل من سعره العالمي بقرابة النصف، هذا بخلاف حصول شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام 2008
الاتفاقية وقتها قوبلت بحملة احتجاجات كبيرة دفعت عددا كبيرا من نواب مجلس الشعب (البرلمان) المصري إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة، فيما حكمت محكمة القضاء الإداري المصرية بوقف الاتفاقية لعدم دستوريتها، إلا أن الحكومة المصرية قدمت طعنًا لإلغاء الحكم للمحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلغاء حكم المحكمة الإدارية.
واستمرت مصر في تصدير الغاز لإسرائيل وبعض الدول الأخرى من بينها الأردن طيلة الفترة من 2005 وحتى 2011، في محاولة للاستفادة من عائدات التصدير في مشروعات التنمية المحلية، إلا أن الأسعار التعاقدية المنخفضة أثارت جدلاً داخليًا واتهامات بالفساد، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الغاز عالميًا.
تراجع الانتاج وإلغاء اتفاق التصدير مع تل أبيب
مع بدايات ثورة يناير/كانون الثاني 2012 تعرض المشهد الأمني المصري في شمال سيناء للعديد من الأزمات، كان من بينها تعرض خط الغاز العريش – عسقلان المسؤول عن تصدير الغاز المصري لإسرائيلي لأكثر من 15 تفجيرًا على أيدي جماعات مسلحة في سيناء، مما أدى إلى تعطل الإمدادات وتجمديها مؤقتًا.
تزامن هذا التوتر الأمني مع هزة عنيفة في خارطة الإنتاج المحلي من الغاز، وذلك بسبب أسباب عدة على رأسها نضوب بعض الحقول وتأخر دخول حقول جديدة، هذا بخلاف عدم تطوير العديد من الحقول التي كانت بحاجة إلى تحديثات تتناسب مع المستجدات الأخيرة مما أثر على عمليات التنقيب وأداء الشركات الأجنبية العاملة.
في تلك الأثناء حيث الخطاب المتصاعد ضد الكيان المحتل بسبب انتهاكاته وجرائمه الوحشية بحق الفلسطينيين، أضطرت الحكومة المصرية، نزولا على الإرادة الشعبية، إلغاء اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل، في أبريل/نيسان 2012، معللة ذلك حينها بعدم سداد المستحقات، بجانب المشكلات الأمنية.
وتعرضت مثل في هذا التوقيت لأزمة طاقة داخلية بسبب تراجع الإنتاج المحلي من الغاز، بجانب زيادة حجم الاستهلاك الداخلي، وهو ما أدى إلى انقطاعات متكررة في الكهرباء وتوقف بعض المصانع، الأمر الذي دفع الحكومة للبحث عن بدائل من خيارات عدة كان أبرزها طرق أبواب الاستيراد من الخارج.
حقل “ظهر” والاكتفاء الذاتي
في عام 2015 تم الإعلان عن اكتشاف حقل “ظٌهر” العملاق، الواقع في شرق البحر الأبيض المتوسط، على نحو 200 كيلو متر شمال مدينة بورسعيد (شرق) وذلك عن طريق شركة إيني الإيطالية، ما أعاد الأمل للمصريين في تعويض العجز وتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من الغاز مجددًا.
ويعتبر هذا الحقل من أكبر الحقول المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط متجاوزاً حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي، وقدرت احتياطيه المؤكد بنحو 30 تريليون قدم مكعب، مما سيضاعف ثروة مصر من الغاز الطبيعي، وبالفعل رفع الحقل الإنتاج المصري من الغاز إلى 3 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2018.
وقتها احتفى الإعلام المصري بهذا الاكتشاف الذي توقع الجميع حينها أنه سيضع مصر على خارطة الطاقة العالمية، وبدأ الحديث عن فائض كبير وتصدير للخارج، حينها وصف الإعلامي المقرب من السلطة، أحمد موسى، الوضع بأن المصريين أخيرًا عثروا على كنز “علي بابا” الأسطوري، وأنهم سيحصلون على “ياقوت ومرجان” على حد تعبيره.
الارتماء في أحضان تل أبيب مجددًا
في خضم الاحتفاء المصري بحقل “ظٌهر” والطفرة المتوقعة في الإنتاج والفائض، وبينما يتحدث البعض عن خيارات التصدير إذ بالحكومة المصرية تفاجئ الجميع بإبرام اتفاق جديد لاستيراد الغاز الإسرائيلي عام 2018، هذا الاتفاق الذي وقعته شركة “دولفينوس” المصرية مع شركتي “ديليك” الإسرائيلية و”نوبل إنرجي” الأمريكية لاستيراد 64 مليار م³ من الغاز من حقلي ليفياثان وتمار الإسرائيليين لمدة 10 سنوات.
وبالفعل بدأ ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر في يناير/كانون الثاني عام 2020، حينها بررت الحكومة المصرية تلك الخطوة بأنها تهدف إلى تعزيز مكانة مصر الإقليمية في مجال الطاقة كمركز لتصدير الغاز لأوروبا، حيث تستورد مصر الغاز الإسرائيلي لتسييله في محطات الإسالة في دمياط وإدكو تمهيدًا لتصديره للدول الأوروبية.
وتمتلك مصر محطات لإسالة الغاز (تحويله من غاز الى سائل وهو ما يؤدي لتقليص حجمه وسهولة نقله بخاصة للمناطق البعيدة) وعليه تستورد الغاز الإسرائيلي لتسييله في تلك المحطات نظير مبلغ مالي معين، ثم يتم تصدير هذا الغاز لأوروبا، وبذلك تحقق إسرائيل هدفها في الوفاء بالتزاماتها التصديرية من الغاز للدول الأوروبية بما يعزز ثقلها الإقليمي، وفي الوقت ذاته تحصل القاهرة على مقابل معقول نظير تسييلها لهذا الغاز.
الحرب الأوكرانية واستغلال الأزمة
مع اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022 تأثرت الإمدادات الأوروبية من الغاز الروسي الذي حاولت موسكو توظيفه كسلاح ضغط ضد أوروبا بسبب دعمها لكييف في تلك الحرب، الأمر الذي زاد من وقع الأزمة في القارة العجوز التي تلبي روسيا أكثر من ثلث متطلباتها من الغاز، هذا مع تصاعد معدلات الاحتياجات خاصة خلال فصول الشتاء.
رأت مصر في تلك الأجواء فرصتها الذهبية لإنعاش خزائنها بالعوائد الدولارية جراء تصدير الغاز لأوروبا، في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية طاحنة، حيث أفرطت في التصدير بشكل غير مقبول، علميًا وعمليًا، مما أثر سلبيًا على حقل “ظٌهر” الذي تم استنزافه بصورة كان لها تأثيرها على عمره الافتراضي ومخزونه من الغاز.
وقتها ارتفعت عائدات مصر من تصدير الغاز لأوروبا من 350 مليون دولار شهرياً، إلى 600 مليون دولار شهرياً، تشير التقديرات إلى تصدير الحكومة المصرية قرابة 5 مليون طن من الغاز المسال لأوروبا منذ بداية الحرب، مما أنعش خزانة الدولة بنحو 8.4 مليار دولار.
ونظرًا لحاجة القاهرة المتزايدة حينها من العملة الصعبة في وقت كانت تعاني فيه عملتها المحلية ( الجنيه) من تهاوي غير مسبوق تاريخيًا، واصلت الحكومة المصرية استيراد الفائض من الغاز الإسرائيلي والمقدر بنحو 15% من إجمالي إنتاج الكيان، حيث كانت تقوم مصر بتسييله في محطاتها ثم تصدره لأوروبا.
الاستقطاع من احتياجات المصريين
كانت مصر قد وقعت عددا من العقود طويلة الاجل مع بعض الدول الاوروبية لتصدير الغاز لها، وبالتالي باتت ملتزمة بالوفاء بتصدير تلك الكميات في مواعيدها تجنبًا لأي غرامات جراء أي خلل في مسار الإمدادات، إلا أنها تعرضت لعدد من الأزمات قلل من معدلات إنتاجها من الغاز، مما وضعها في مأزق حقيقي.
من أبرز تلك الأزمات تراجع إنتاج حقل “ظٌهر” الذي يعد المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه الحكومة المصرية في تصدير الغاز لأوروبا، وذلك جراء الاستنزاف المتواصل لاحتياطه من الغاز، إذ تراجع الانتاج اليومي مع عام 2023 الى 1.9 مليار قدم مكعب (أي بتراجع 1.1 مليار قدم مكعب)
ولتعويض هذا العجز، وتجنبًا لأي عقوبات مادية وغرامات التأخير، اضطرت الحكومة لاستكمال الكميات المٌلزمة بتصديرها لأوروبا من خلال استقطاع أجزاء من الكمية المخصصة لاحتياجات الشعب المصري، وهو ما أدى في النهاية إلى العجز الذي شهده السوق المحلي، فتفاقمت ظاهرة انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعارها بصورة جنونية وتوقف بعض المصانع، واللجوء إلى استراتيجيات تقشفية مثل (تخفيف الأحمال).
العودة للغاز الإسرائيلي مجددًا
استشعرت القاهرة الحرج بشأن عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه دول أوروبا، ومن جانب أخر زيادة استهلاك المصريين من الغاز خاصة مع ارتفاع أعداد السكان ودرجات الحرارة على حد سواء، مما دفع الحكومة للتفكير مجددًا في بدائل سريعة للخروج من هذا المأزق بما يحقق ضمان استمرار تدفق الإمدادات دون توقف.
ووجدت الحكومة المصرية نفسها في مأزق كبير حين أوقفت إسرائيل تصدير الغاز لمصر بعد اندلاع الحرب في غزة أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك بعد توقف حقل تمار عن العمل لمدة 5 أسابيع كاملة، بحجة إجراء بعض الإصلاحات والتحديثات في الحقل، حتى بعد عودته للعمل لم تعد إسرائيل إلى سابق عهدها في تصدير الغاز للقاهرة، هذا بخلاف ما يعانيه قطاع الطاقة المصري من فساد نخر عظامه منذ سنوات، مما أجهز على ما تبقى منه.
كانت الرسالة مباشرة وواضحة لكن يبدو أن السلطة المصرية لم تقرأها باللغة المطلوبة، أو ربما غضت الطرف عن قرائتها قراءة صحيحة، فبينما تقول تل أبيب ضمنيًا إنها من الممكن أن توظف الغاز كـ “سلاح ضغط” ضد الدولة المصرية في سياق التصعيد في القطاع، وأنه لا يمكن الاعتماد على الغاز الإسرائيلي كمورد يحقق استمرارية التدفق والإمداد المتواصل، إذ بالحكومة المصرية تعدل اتفاقها مع الكيان بصفقة بلغت قيمتها 35 مليار دولار وتٌرهن أمن ومستقبل الطاقة المصري بأيدي الإسرائيليين حتى 2040.
توقيت كارثي وتكريس التبعية لإسرائيل
في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال حرب الإبادة الوحشية ضد أهل غزة، والتي أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 200 ألف فلسطيني، بين شهيد ومٌصاب، وتشريد نحو مليوني إنسان، والتلويح باحتلال القطاع، وبالتزامن مع دعوات المقاطعة الاقتصادية للكيان كأحد أوراق الضغط المستخدمة، إذ بالحكومة المصرية تٌجري هذا التعديل على اتفاق استيراد الغاز من تل أبيب.
التوقيت أثار الكثير من الجدل، كونه يتعارض مع التصريحات الرسمية المصرية حول دعم غزة والتنديد بانتهاكات الاحتلال، والتعهد بالتصدي لمخططات التهجير وانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، فكيف يتحقق ذلك بينما تٌنعش الحكومة المصرية خزائن الاحتلال بـ 35 مليار دولار ينفق منها على تسليح جيشه ويرمم بها خسائره التي مٌني بها منذ بداية الحرب، فبدلا من تشديد الخناق يٌمنح المحتل طوق النجاة لإنقاذه.
تتحرك الحكومة المصرية في هذا المسار بمنطق برغماتي بحت، باحثة عن ضمان لإمدادات غازية لفترة 15 سنة على الأقل، بما يساعدها على الوفاء بالتزاماتها تجاه أوروبا الباحثة مؤخرًا عن بدائل أخرى، إلا أن هذه الرؤية وبجانب أنها تضع الدولة المصرية في حرج أخلاقي أمام الشارع الفلسطيني والعربي، فإنها لن تحقق أهدافها المنشودة.
مصر بهذه الاتفاقية ترهن نفسها لمورد غير مستقر في إمدادات الغاز، وهو ما حدث مع بداية الحرب حين توقفت الإمدادات الإسرائيلية، بجانب ما تتضمنه من تبعية مصرية لإسرائيل في مجال الطاقة، وتحويل هذا المورد لورقة يمكن استخدامها بين الحين والأخر للضغط على القاهرة سياسيًا وتكييف القرار المصري وفق البوصلة الإسرائيلية، هذا إذا ما أضيف إليها ورقة المياه عبر النفوذ الإسرائيلي في سد النهضة، وبذلك تٌشهر تل أبيب ورقتي الماء والغاز في وجه المصريين، وكلاهما له نفوذه وتأثيره الخطير.
* 17 % نسبة المشاركة في مسرحية الشيوخ.. أسباب العزوف وغياب المشاركة الشعبية
التراجع التاريخي في المشاركة في مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ يوضح أن الشرعية الشعبية التي رافقت موجة 2011 لم تُستعد، بل أن الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة اختفت أو أُقصيت، ما جعل الاستحقاقات اللاحقة تبدو أقلّ تمثيلاً وإشراكاً للشعب.. نناقش في التقرير الآتي:
- نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ 2025
- ما أعلنت عنه الهيئة الوطنية للانتخابات
- مقارنة نسب المشاركة مع أعوام 2011، 2012، و2013.
- أسباب العزوف عن المشاركة في انتخابات 2025
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات الشكلية مجلس الشيوخ بلغت 17.1% فقط، وهو معدل يعتبر منخفضًا للغاية بالمقارنة مع الانتخابات السابقة في مصر.
ادعى رئيس الهيئة القاضي حازم بدوي أن الانتخابات تمت بنزاهة وشفافية، وقالت أن اصطفاف المصريين أمام لجان الاقتراع كتعريف أصيل بتاريخ الوطن وأصالته، ولكن هذه التصريحات تثير التساؤلات حول حقيقة المشاركة الشعبية وحجم التمثيل الحقيقي للمواطنين في العملية الانتخابية.
انتخابات مجلس الشيوخ، الجولة الأولى تمت من 4–12 أغسطس 2025، وإعلان النتائج 12 أغسطس 2025، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات مشاركة 17.1% من المسجلين (69.3 مليون مواطن) وأن نحو 11.6 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم، وعدّدت عدد الأصوات الصحيحة والأصوات الباطلة، واحتفت بفوز قائمة “الوطنية من أجل مصر”.
إعلان الهيئة هدفه ترسيخ رواية الاستقرار والمؤسسية، لكنه عملياً يعكس تراجع الحماس الشعبي عن المشاركة السياسية المعمّمة، وهو ما يُقلّص من مصداقية المجلس الجديد داخل الشارع وفي عيون المراقبين الإقليميين والدوليين.
مقارنة نسب المشاركة مع انتخابات 2011، 2012، و2013
كان عام 2011 نقطة تحول كبرى في تاريخ الانتخابات المصرية، حيث شهدت انتخابات مجلس الشعب الأولى بعد الثورة نسبة مشاركة تجاوزت 54%، وكانت تتمتع بأجواء من التفاعل الشعبي السياسي بعد سنوات من القمع والتهميش.
وفي انتخابات 2012، التي جرت في ظل حكم محمد مرسي، تجاوزت نسبة المشاركة نسبة 50%، رغم حالة الانقسام السياسي الحاد في البلاد.
أما في انتخابات 2013، شهدت البلاد الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي وأطاح بالرئيس محمد مرسي، وكانت نسبة المشاركة في بعض الدوائر أقل من 30%، لكنها ما تزال ضعيفة بالمقارنة مع فترات ما قبل 2013، لكنها أعلى بكثير من نسب المشاركة المتدنية في انتخابات مجلس الشيوخ 2025.
بالمقارنة، يمثل معدل 17.1% في عام 2025 تراجعًا حادًا في المشاركة السياسية، مع فقدان واضح للحماس الشعبي تجاه العملية الانتخابية تحت حكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي.
أسباب العزوف عن المشاركة في انتخابات 2025
تتعدد الأسباب التي أسهمت في تدني نسب المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ 2025، منها:
- تمثيل محدود وضيق للمواطنين: ثلث أعضاء المجلس يعينهم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، وأغلب المقاعد الانتخابية تتم عبر قوائم مغلقة تجعل العملية أشبه باستفتاء غير ديمقراطي، مما يقلل من جاذبية المشاركة ويضعف الثقة في قانونيتها.
- غياب المنافسة الحقيقية: اقتصرت القوائم في كل دائرة على قائمة واحدة أو تحالف موحد، مما أنهى إمكانية وجود منافسة ديمقراطية أو حقيقية، فانتخابات بلا منافسة حقيقية تعني عزوف الناخبين.
- فقر الوعي بدور المجلس: مجلس الشيوخ له دور استشاري محدود، وهذا يقلل من دوافع الشباب وغيرهم من الفئات للمشاركة، لأنهم لا يرون تأثيرا حقيقيا لمجلس الشيوخ في صنع القرار.
- انعدام الثقة في النظام السياسي: سنوات من القمع، اعتقالات المعارضة، وانتهاكات حقوق الإنسان، مع استمرار حالة قمع الحريات السياسية أثرت على رغبة المواطنين في المشاركة.
- الأوضاع الاقتصادية الصعبة: ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى نحو 40% وارتفاع الفقر أثر بشكل سلبي على معنويات الناس وحماسهم.
- عدم كفاءة المجلس السابق: سجل مجلس الشيوخ السابق ضعيفًا فيما يتعلق بالرقابة التشريعية والتأثير في السياسات العامة، مما ساهم في نفور المواطنين من المشاركة.
أشار حمدي قشطة قيادي بحزب الدستور إلى أن غياب المنافسة السياسية الحقيقية ونظام القوائم المغلقة أدى إلى تراجع كبير في المشاركة، مما يجعل الانتخابات مجرد إجراء شكلي لا يعبر عن إرادة الشعب.
بينما أكد محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية أن فقدان الثقة في النظام الانتخابي سببه القوانين التي تعزز هيمنة السلطة التنفيذية على المجالس التشريعية، مما يحول الانتخابات إلى استفتاء على النظام لا فرصة ديمقراطية.
كما وجه حازم عبد العظيم الحليف السابق للسيسي انتقادات أشد، مشيرًا إلى الفشل في إدارة الأوضاع الاقتصادية والتراجع في الحريات السياسية كعوامل أساسية في عزوف الناخبين عن المشاركة.
تكشف أرقام نسبة المشاركة الحقيقية في انتخابات مجلس الشيوخ 2025 والتي بلغت 17.1% عن أزمة سياسية عميقة في مصر تحت حكم السيسي، تعكس عزوفًا شعبيًا ناتجًا عن غياب المنافسة السياسية، ضعف التمثيل، فقدان الثقة في النظام، والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
بالمقارنة مع مراحل الانتقال الديمقراطي المبكرة 2011-2013، يظهر بوضوح أن المشاركة السياسية قد انخفضت بشكل درامي، مما يضع مستقبل المشهد السياسي المصري في حالة من الركود والاستسلام للواقع الحالي