اندحار العاصفة

اندحار العاصفة – الحلقة الرابعة

اندحار العاصفة
اندحار العاصفة

اندحار العاصفة  – الحلقة الرابعة

 

الكتاب يتحدث عن مخططات القوى الدولية لاحتواء الثورة السورية وعن كيفية مواجهتها

 

خاص وحصري- شبكة المرصد الإخبارية

 

       جدلية الثورة السورية والانتصار القادم بإذن الله

 

كلما اشتدت وحشية العدو زاد قتله للشعب وكلما قتل الشعب أفرز عددا أكبر من المسلحين، وكلما زاد عدد المسلحين اتسعت الضربات الموجعة للعدو، وكلما اتسعت الضربات الموجعة للعدو اشتدت وحشية العدو….. وهكذا في جدلية يغذي بعضها بعضا حتى تنتهي بانتصار الشعب وهو انتصار حتمي لم يتخلف على مر التاريخ إذا استمر الشعب في المقاومة لأن الشعب هو مخزون المقدرات الكلي الذي لا ينضب (في عالم الأسباب)…. وتلك هي جدلية الثورة الشعبية للمسلمين في سوريا.

إن الثورة تستمد طاقتها من الشعب، وكذلك العدو لن يستطيع أن يستمد طاقته إلا من الشعب مهما كان مدعومًا من الخارج، ولكن الثورة في الشعب أصيلة والعدو مع الشعب متطفل، ولن يستمر العدو بين الجماهير إلا إن استمرت الجماهير في تغذية العدو ونضب إمدادها للثورة، لذلك فالخطوة الأولى الحاسمة للثورة هي تأييد الجماهير لها وكسبها وتبني طرحها لاستمرار تغذيتها فهي أدعى للقبول لأن الثورة بنت الجماهير البائسة، وسيسعى العدو جاهدًا لإسقاط الثورة وأطروحاتها بالتلبيس على الجماهير وظهوره بمظهر الحريص عليهم وعلى مصالحهم كي تستمر تغذيته من الجماهير… لذلك فالثورة والعدو في صراع على الجماهير أولًا، من كسبها كسب المخزون الحيوي الذي لا ينضب وأمّن استمراريته وقوته في حين خنق الطرف الآخر وسيستمر الخنق حتى ينتهي بالموت.

نجد مثالًا في الواقع الحالي فالكثير من السكان المحليين في مدينة حلب إثر المعركة التي تدور هناك يلومون الثورة والجيش الحر والمقاتلين على دمار منازلهم وتشريدهم وبالتالي يجافون المقاتلين الذين يبذلون دماءهم وأرواحهم لأجل حرية وكرامة الجماهير…..ثمة خطأ فاحش هناك يكرره المقاتلون اليوم (الجيش الحر والكتائب الإسلامية وغيرهم) إنهم لم يتعلموا من أخطاء التنظيمات الإسلامية الجهادية التي تفني نفسها لأجل الأمة، لكن الأمة بأكابرها وأصاغرها يلوكون المجاهدين بأردأ النعوت، والسبب…. لم يكن هناك خطابًا للأمة ولا إعدادًا لها بينما يستفرد العدو في تعبئة الجماهير ضد المقاتلين؟!….

إن التعبئة الجماهيرية ضرورة حيوية للمقاتلين، فإذا استثنى المقاتلون الجماهير من معادلة الحرب فإن المخزون الحيوي لهم سينفد من قريب، والمجاهدين سيسقط في أيديهم، وتضيع آلامهم وشهداؤهم وتتبعثر جهودهم وآمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف…. إذاً لابد من تهيئة الشعب لدفع الثمن إنهم يعتقدون أن دينهم وحريتهم وكرامتهم يمكن أن تسترد من دول المركز بهتافهم أو تضحيتهم بشيء من الرفاه، والحال هذه لابد من وضع الجماهير أمام حقيقة المعركة وخطورتها والتمهيد لدفع أغلى الأثمان للتحرر من عبوديتنا، وعندما تكون صلة المقاتلين بالجماهير حميمية فعندئذ تكون الثورة قد حققت شرطًا حيويًّا لا غنى عنه البتة.

العدو يستخدم الآن في مرحلته الأولى أبناءنا من الجنود والضباط في الصدام مع المقاتلين وهؤلاء أعدادهم بمئات الآلاف، فماذا لو نشط المقاتلون في زيارة أهالي الجنود والضباط ممن يقاتل في الجيش السوري أو قاموا بتوزيع منشورات للأهالي وتم شرح القضية من وجهة النظر الدينية والأخلاقية والسياسية …. و من ثم تم توعية الأهالي لأبنائهم لينشقوا عن جيش الأسد فهنا ستتحقق مكاسب:

تجريد العدو من أبنائنا الذين يدافعون عنه،والذخيرة من أجل المواجهة لأننا استطعنا فصل أعدادهم الكبيرة وشق صفهم،والحفاظ على أرواحهم لأنهم في النهاية من المسلمين وما منعهم من الانشقاق إلا شدة جهلهم بالواقع أو تلبيس النظام عليهم أو فتاوى رجال الدين ممن خان الله ورسوله والأمة ،أو خوفه أو عدم وجود فرصة لانشقاقه وليس حبًّا في الأسد بل إنه يلعنه كل يوم ألف مرة.و إن قتلهم يكلف عبئًا اجتماعيًّا ثقيلًا لأنهم في النهاية من مخزون الأمة وسوف نضطر لتحمل تبعات قتلهم وهم بمئات الآلاف من إعالة أهاليهم بسبب الفقر ونحو ذلك، وأكثر ما نحققه أن نجعلهم ينشقون عن العدو ويقومون بقتله ثم يهربون بعتادهم لينضموا إلينا وهذا هو ذروة الانتصار الناعم.

إذاً دعوتنا للأهالي بالأساليب الحكيمة هي الطريقة الناعمة التي ننتصر بها على عدونا، ففي هذا المستوى يكون عتادنا هو الطرح الفكري والكلام الذي سيؤدي للانشقاقات، أما الآن فإننا نقتصر على الطريق الخشن في الانتصار على الأعداء.

عندما أنشأت بريطانيا في الحرب العالمية الأولى وزارة سمتها وزارة تدمير ثقة الألمان بأنفسهم علق الجنرال لودندورف في نهاية الحرب قائلا:(لقد نومتنا دعاية العدو مغناطيسيًّا كما تفعل الأفعى بالأرنب).

إن العدو إذا أراد أن يحتل الأرض وضع الخطط الأولية في تجنيد الشعب لصالحه لذلك يجب أن نضع القاعدة الأولى في الحرب وهي الشعب قبل الأرض، وهذا يتطلب منا قطع كل الشرايين الأخطبوطية التي يفردها العدو في الجماهير والتي يسعى من خلالها أن يحافظ على وجوده وحمايته وتغذيته وإمداده، وهذه الشرايين منها المادية ومنها المعنوية، في حين يتطلب منا كمقاتلين غرس شرايينا في جسد الأمة كي يستمر هذا المخزون بالتدفق، وقد نجد أحيانًا شريانًا مشتركًا بين المقاتلين والعدو مغروسًا في الجماهير ولكن قطع هذا الشريان سيكلف العدو أضعاف ما يكلفنا فيجب علينا المبادرة لقطعه. إن الدافع الأول لدخول العدو البلاد هو ممارسة النهب وسيمتص معظم خيرات الأمة ويوزع الباقي على الشعب لسد الأفواه، فلو أن لي أرضًا وقد جنيت منها محصول القمح فاستولى عليه العدو بالكلية وأعطاني منه صاعًا فمن الحكمة أن أحرم نفسي من صاع القمح وأحرم العدو من المحصول إن عجزت عن تحصيله.

قد نجد شرايين مشتركة يتغذى منها الشعب والمقاتلين والعدو، فحصرًا سنعلم أن حصة العدو هي حصة المحصول وأن الشعب والمقاتلين لهم الصاع، ولولا هذه القسمة الجائرة لم يستقر عدو في أي أرض لأنه يدخلها لامتصاص خيراتها مع أسبابه الخاصة الأخرى.

ولو تساوت القسمة بين الجماهير والمقاتلين من جهة وبين العدو من جهة أخرى أو حتى زادت قسمة الجماهير على العدو فمن الحكمة إن عجزت عن تحصيل حقي أن أبيد المحصول وأحرم نفسي والعدو لأنني أصبر على الحرمان أما العدو فلن يصبر، ولن يستمر في الحرب لأنه بحكم لصوصيته وباطله أجزع من الجماهير التي تبنت القضية، وعندها سوف أكسر رغبة العدو في الاستمرار بالحرب ويرجع لي كامل المحصول وذلك هو الانتصار.

إذا الحرب تقوم على فكرة كسر رغبة العدو في متابعته للمعركة، فإذاً هناك صراع محتدم للإرادات فمن كانت إرادته أصلب فهو وحده الذي سينتصر….يمكن أن نحرم أنفسنا مؤقتا قسطًا مهمًا من الحياة لأن العدو يعيش ضمن هذا القسط والهامش من حياتنا، فتكون هذه الطريقة سببًا في كسر إرادته في استمرار المعركة على المدى البعيد لأنه لم تبق ثمة فائدة، أو لأنه يتكلف أضعاف ما يكسب من القسط الذي أتخلى عنه، وهذه هي التضحية ببعض ما أملك كي أسترجع كل ما اغتصب مني فيرجع لي كل ما أملك.

….. إنه إنعاش بالصدمات التي تفعل فعلًا عكسيًّا في قتل العدو وإحياء الأمة.إذاً كي أستطيع أن انتصر في جدليتي على العدو وكي أستطيع قطع شرايين العدو من الشعب لابد أن أجعل الشعب يتبنى قضية عادلة وطرحا مسؤولًا وعقيدة صلبة تجعله يصبر على حرمانه من بعض ممتلكاته، وتجعله يستمر في إمداد المقاتلين بالمال والرجال واستمرار الدفع الروحي فينشط المقاتلين ويشجعهم ويصبر الشعب على الحرمان كي لا يصيب المقاتلين بالهم والجزع والإرباك، فيلعب دورًا فاعلا في المعركة بدل أن يكون منفعلًا، ويكون معطيًا بدل أن يكون آخذًا لأنه يدرك أبعاد المعركة ومستلزماتها بدل أن يكون عبئاً على المقاتلين، والحقيقة أن العدو يحاول بشتى الأساليب أن يطرح الطرح الذي يلبس على الجماهير ويميع القضية بحيث يزرع بينهم أطروحات تنتهي على المدى البعيد بالطريق المسدود، فإذاً هناك أصلًا صراع فكري تبتدئ بها الحرب ومن يتبنى الفكر الأقوى في هذه الجدلية هو الذي سيستمر بينما ينتهي الآخر، وبالتالي كلما كان الفكر المطروح صادقًا نقيًّا وصلبًا وحاملًا للحق والعدل وقادرًا على الاستمرار كلما كانت الجماهير أشد التزامًا به، وبحكم مصالح العدو سيطرح للجماهير فكرًا لكنه سيقوم على الخداع والضبابية والكذب وإضعاف النقاط القوية فينا وتقوية الضعيفة، لذلك دائما يكون الفكر الذي يقدمه المقاتلون للجماهير قويًّا بالضرورة والفكر الذي يقدمه العدو للشعب واهيًا بالضرورة ومع ذلك كثيرًا ما نجد انتصار الفكر المخادع للعدو على فكر المقاتلين والسبب إما غياب طرح المقاتلين أصلًا أو لسوئه وانحرافه في العرض أو ضعف الطريقة وسوء الأداء أو الجهل المطبق الذي يلم بالجماهير مع ضعف إعلام المقاتلين… وبالعموم يكون في هذه الأحوال الفكر الكاذب والمخادع الذي يطرحه العدو أقوى من فكر المقاتلين الصحيح الشحيح.

إذاً نحن نحتاج إلى طرح قوي وفكر ألمعي يقدر أن ينتصر على الفكر الذي يقدمه العدو…. إننا نحتاج أن تتبنى الثورة عقيدة صلبة وحيوية تقدر أن تجتاح كل العقائد التي تعترضها وكلما كانت عقيدتنا الثورية متكاملة وذات عمق روحي وأصيلة في نفوسنا وتاريخنا و تقدر أن تتغلب على عقيدة العدو وطرحه من الجولة الأولى كلما كان الانتصار على العدو أسرع وأسهل وحتميًا وسيضمن النتيجة وبطريقة سهلة… لابد من تبني العقيدة الإسلامية.” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَو ْيَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “ البقرة (109)…

رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ” الحجر (2)…

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ” المائدة (59)…

حقًّا إننا نمتلك عقيدة حية ومتكاملة وجدير أن يحسدنا عليها الأعداء.

إذاً الجدلية في الثورة السورية تتوقف على استمرارية المسلمين في الجهاد واستمرارهم في الجهاد مرهون بوقوف الجماهير إلى جانب المقاتلين ولكي نضمن هذا الوقوف يجب أن نخلق الطرح المناسب والفكر الأقوى ولن نجد طرحًا وفكرًا أقوى من الإسلام، أي أن نجاح الثورة يتوقف على مقدار تعبئة الجماهير بالإسلام أولا فمن تبنى هذه العقيدة انتصر وهذه نتيجة عقلية ومنطقية فضلًا عن كونها نقلية شرعية وكان من البديهي أن نسمع الآيات التالية في شأن كل من تبنى العقيدة الإسلامية وعمل بمقتضاها…

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ” محمد (7)…” أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ” الحج (39)…

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ  ” غافر (51)…

بينما وعد الله تعالى بالهزيمة لمن تبنى عقيدة الباطل:

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ” آل عمران(151)…

يرى الناظر في هذه الآيات أن الله تعالى ينصر أولياءه المؤمنين في كل زمن وهذا عهد مكتوب ومنقول عن الرب سبحانه وتعالى بحكم الولاية، وهذا حق وله الدور الحاسم ابتداءً وانتهاءً…

إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ” آل عمران (160)…

وإن الله تعالى أمرنا بالأخذ بأقصى أسباب النصر الممكنة…

وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ” الأنفال (60)…

وأن من تراخى في أخذ الأسباب الممكنة والمتاحة فهو آثم بنص الآية السابقة التي تأمرنا أمرًا “ وَأَعِدُّواْ” ومع ذلك فإن الله لم يربط بين النصر وبين الأسباب من الناحية القدرية وليس السببية لذلك قال الله تعالى…” لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنَزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26) ” التوبة…

قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ” البقرة (149)…

 

يمكن أن ننظر إلى كل الآيات التي بشرت بالنصر لمن يتبنى عقيدة الإسلام من منظور آخر من حيث عالم الأسباب، فالإسلام دين متكامل وفيه من النضوج والحيوية والحق والصدق ما يصلح لأن ينصر أي شعب في معركته إن تبناه فكريًّا وعمل به وبالتالي لو أن الله تعالى عز شأنه رفع ولايته عن المؤمنين ورفع وعده بالنصر ووكل المؤمنين به إلى عالم الأسباب (وحاشاه) فإن قوة الطرح وقوة الفكر المخزون في الإسلام يكفي لنصر الأمة مهما كانت ضعيفة بشرط أن تقوم بحق الإسلام من جميع الوجوه، وعلى هذا نجد أن المدد والنصر يأت لمن يتبنى عقيدة الإسلام ويعمل بها من وجهين الأول من جهة الولاية

” وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا “

 ومن جهة قوة الطرح وكمال الفكر الذي تتبناه الجماهير

” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ “.

إن الطرح الإسلامي هو طرح تعبدي ويشمل كل مناحي الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والفكرية والعسكرية الجهادية والكونية والحياتية، ونظم أمور الحياة من عظيمها إلى حقيرها، فالإسلام جمع بين الدنيا والآخرة فعندما ينظمنا الإسلام في البيوع والمعاملات والقضاء ونحوها فإن الإسلام أرشدنا فيها إلى أكمل الأفعال .

 

يقول الله تعالى (إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي شرف وقيمة ومكانة لكم في الدنيا والآخرة إن تمسكتم به، كما يجتمع فيه العبودية لله بالسمع والطاعة لله تعالى والأجر معا.

العدو كالجرثومة وكلما تحصنا فكريًّا وتطهرنا عقائديًّا فإن العدو سينحسر ويتلاشى تدريجيًّا لأنه يعجز أن يتكاثر وينمو في بيئة الطهر….فمن كان يقدر أن يخترق سلفنا الطاهر جيل القرآن؟… لذلك ملكوا بطهارتهم مشارق الأرض ومغاربها، أما اليوم فلم يبق لكع بن لكع إلا تسلط على رقاب المسلمين بكل استحقار واستخفاف واستعباد، ولم يبق ابن رويبضة إلا نطق بلساننا لأننا أصبحنا جسدًا متسخ الروح ومن اتسخت روحه سيعجز عن أي إبداع وسيجهل قيمة المثل والمبادئ فلا يصبو إلى شيء منها، جسدًا خاليًا من المناعة، كثرت سوءاتنا وانفضح أمرنا فاخترقونا وفتتونا وشتتونا….إن مجتمعاتنا فقدت أي تماسك اجتماعي أو اقتصادي أو عقائدي… هذا حالنا قبل قيام الثورة المباركة.عندما يكون العدو كالجرثومة لن نفلح عندما نفكر بطرق قتله المباشرة فقط لأنه قد يمتلك الدفاع وبالتالي لن نحسم المعركة ،بل لابد من البحث عن طرق قتله غير المباشرة أي نحكم الخناق على شرايينه السرطانية التي تمتد كجسور من مجتمعنا حاضن الثورة وقطعها ، وسيكتمل النجاح عندما نقوم بوصل الشرايين المقطوعة بجسد المقاتلين، ولابد من تطبيق حمية غذائية على الجسد كي تضعف الجرثومة.

العدو يأخذ أموالنا تحت ضرائب شتى فينهكنا بها بينما يزداد قوة… العدو يأخذ أبناءنا ليقاتلنا بهم… العدو يستثمر الشائعات والإعلام الذي يدسه بيننا فنردده دون أي تفكير بما نقول… خزينة الدولة التي يملكها المسلمون يسخرها لقتلنا… الإمكانيات العلمية من نخبة المسلمين لازالت تخدم العدو الذي يقتل أهاليهم… جيوش المخبرين من المسلمين يغذون العدو بأخطر المعلومات التي تهدم المسلمين… علماء الإسلام ممن يخدم السلطان يسعون إلى تخدير المسلمين بشتى الوسائل واستخدام السلطة الدينية لدى العلماء لسحب البساط من تحت أقدام المقاتلين…. الكثير من النخبة الاجتماعية والمترفين من المسلمين يدعمون الشبيحة في ذبح المسلمين…. الكثير من بسطاء المسلمين يعتقد أن الطاغية بشار الأسد يريد الإصلاح وأن المقاتلين لم يدعوا له الفرصة… المشايخ يكذبون على أبنائنا في الجيش السوري بأن من قتل منهم فهو شهيد (ستكتب شهادتهم ويسألون )…. فواجع تلو أخرى وكوارث تتبعها الكوارث… فأين الفكر الناضج الذي يجب على المقاتلين أن يتبنوه وينشروه في الأمة الواقفة على منصة الإعدام؟!… وأين الحصانة الإيديولوجية التي يجب أن يحتمي بها المقاتلون والأمة، إننا نفكر بقتل الجرثومة  ونضع كل ثقلنا فيها ولم نضع أي ثقل للحمية….إننا نبادر بأقصى سرعة في مواجهة عدونا و بكل إقدام ونغفل عملية التسريب المستمرة من خلفنا لأن العدو استطاع فتح الشرايين في جبهتنا المدنية للمجتمع ليتغذى بها بشكل مستمر بينما نضع كل ثقلنا على الجبهة الأمامية فتزداد إمداداته وتضعف إمداداتنا، وهذا الذي يهدد النهاية الحتمية للجدلية الثورية لأن الثغرة كبيرة والفجوة المهملة المنسية هي الطرح الإيديولوجي الثوري الذي يجب أن تتبناه الثورة، إننا نحتاج إلى ثورة في الثورة، ثورة فكرية إسلامية تحتضنها ثورتنا المسلحة.

لقد كرر وزير الخارجية الفرنسي في 17\8\2012 تصريحات داوود أوغلو وزير خارجية تركيا قائلا: (يتعين علينا العمل من أجل هيكل جديد يحل محل نظام بشار الأسد ويجب أن يكون هذا الانتقال تحت السيطرة)، من الواضح أنهم يشيرون إلى السيطرة العالمية على النظام الجديد القادم.كل هذه الأخطاء الكارثية ستتكرر وتذهب دماء الشهداء وآلام كل السوريين قشة في مهب العاصفة… ولا جديد، إلا إن امتلكنا طرحًا ثوريًّا قويًّا واستطعنا تسليح الجماهير بهذه العقيدة، والحقيقة أن الوقت يشارف على النفاد لأن المشروع العالمي قائم فينا منذ ثمانية عشر شهرًا وإن الطرح في اللجّة سيكون بمثابة صدمة الحياة بعد مفارقة الحياة.

الحل في واقع الثورة السورية هو أحد احتمالين:

 

الأول: هو الخضوع التام لنظام البائد بشار الأسد لأن النظام الذي سيخلفه حصرًا علماني وحصرًا تركيبته طائفية وحصرًا لن يتخلوا عن هيكلية الجيش والمخابرات كما صرحوا قبل ذلك وبالتالي بقاء الهيمنة الطائفية النصيرية على رقاب المسلمين لأنها هي الأمينة على استمرارية المصالح الأمريكية والروسية والإسرائيلية والعالمية الأخرى .

الثاني: يجب أن نكون صريحين بحقيقة المأزق الذي يلف الثورة السورية من كل الجهات فليس من الإصابة الاعتقاد أن الثورة منذ بدايتها قائمة ضد النظام السوري بل هي قائمة على مواجهة النظام العالمي برأس حربته النصيرية والعلمانية في الداخل وبمعنى آخر أننا أمام مواجهة التحالف اليهودي (إسرائيل) الصليبي (دول المركز) الصفوي المجوسي (إيران والرافضة في الشرق الأوسط) هذه هي حقيقة المعركة وإن القاسم المشترك لجميع الدول هو العقيدة والمصالح، ونحن إذ نعترف بالحقيقة المرة التي علينا مواجهتها فيجب أن نعترف ونقرر أيضًا أننا لن نخرج من هذا الصدام التاريخي إلا إذا تسلحنا بالعقيدة، فإذا واجهنا قتالهم العقائدي بمصالحنا وحريتنا فالنتيجة محسومة وهي الهزيمة التاريخية لنا، وإذا واجهنا عقائدهم الباطلة بعقيدتنا الصلبة الحقة وامتلكنا خطابًا إسلاميًّا بكل نقاء واجتمعت كل التشكيلات بقيادة موحدة فلن يكون إلا نصرًا تاريخيًّا حتميًّا للإسلام والمسلمين…. وسيكون إن شاء الله..

عن Admin

اترك تعليقاً