على هامش زيارة أوباما ميانمار

على هامش زيارة أوباما ميانمار

منير شفيق

قبل حوالي السنة ونصف السنة بدأ الإعلام العالمي يتحدث عن مجازر وعمليات إبادة أخذت تمارس ضدّ الأقلية المسلمة في ميانمار (بورما).
وحوالي الفترة نفسها تقريباً رُفِعت الإقامة الجبرية عن المعارِضة آنغ سانغ سو تشي، وقد خاضت صراعاً حادّاً ضدّ المجموعة العسكرية التي تحكم ميانمار بيدٍ من حديد.
وعلى المستوى الدولي كانت الصين الحليفة الوحيدة لميانمار. وقد حالت على مدى عشرين عاماً دون قرارات دولية تدين حكومة ميانمار بانتهاك حقوق الإنسان. وكانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان وراء ضرب الحصار والعزلة على ميانمار، وشنّ حملات إعلامية ضدّ الصين التي تبسط حمايتها عليها كما تفعل مع كورية الشمالية.
ولكي تعزز الإدارة الأمريكية وقيادات الغرب حملتهم صُعِّدت سو تشي إلى مستوى شخصية عالمية، وبطلة دفاع عن حقوق الإنسان. وهذا يُفسّر القرار الصهيوني المتحكم بجائزة نوبل بمنح سو تشي الجائزة؛ تعزيزاً لمكانتها وتأكيداً لجهودها في الدفاع عن الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان.
ولهذا جاء إطلاق سراح سو تشي مع نقل المجلس العسكري إلى حكومة شبه مدنية تتألف من قيادات عسكرية «مدنية» متقاعدة، ليشير إلى تغيير نوعي في حكم عسكر ميانمار باتجاه أمريكا والغرب، وهو ما أكدته زيارة باراك أوباما بعد انتخابه
رئيساً للمرة الثانية إلى ميانمار، الأمر الذي لا يترك مجالاً من الشك في أن ميانمار نقلت البندقية من الكتف إلى الكتف الآخر.
على أن زيارة أوباما حملت رسالة أخرى موجهة إلى الصين كما إلى عدد من دول المحيط الهادئ؛ فقد عززت التوقعات القائلة إن ثمة تغييراً محتملاً في الاستراتيجية الأمريكية نحو إعطاء الأولوية للمحيط الهادئ، أو لعودة استراتيجية احتواء الصين. وقد سبق خلال بضعة الأشهر الماضية مجموعة من التحرشات الأمريكية في بحر الصين. وتشجيع لليابان على التشدّد في معالجة الجزر التي تدّعي اليابان ملكيتها فيما تؤكد الصين أنها صينية.
بكلمة، موضوع انتقال ميانمار إلى ما تعدّه أمريكا من تحالفات ضدّ الصين يعطي مؤشراً على ما يمكن أن تكون أولوية الإستراتيجية العالمية لأمريكا في العشر سنوات القادمة، وذلك إذا ما وضع هذا المؤشر في سياق عدد من المؤشرات في الاتجاه نفسه. 
من هنا يمكن أن تُقرأ الحملة البوذية لاقتلاع الأقلية المسلمة من ميانمار، وقد تمت بحماية الجيش أو تحت غطائه، من خلال العلاقات الأمريكية الغربية اليابانية بميانمار في عهدها «الجديد». وذلك بسبب اطمئنانها من تمرير عمليات الإبادة والاقتلاع من دون أن تتعرض لحملة أمريكية- غربية شعواء، سواء أكانت رسمية أم كانت من قِبَل منظمات حقوق الإنسان. وبالمناسبة ثمة مقولات تُرّوّج أن البوذيين مسالمون، فيما قاد الرهبان البوذيون أنفسهم عمليات التحريض والاقتلاع.
ولكن بسبب ضخامة المجازر كان لا بدّ من أن تفوح رائحتها فيتناولها الإعلام بشكل أو بآخر، أو تصدر بعض البيانات المندّدة، ولو بضعف، وقد صرح الناطق الرسمي في وزارة الخارجية الأميركية مطالباً، باستحياء، أن تراعي حكومة ميانمار حقوق الإنسان في ما يتعلق بالأقلية المسلمة (الروهينغا).
ومع ذلك لم يتردد باراك حسين أوباما من أن يجعل ميانمار أولى زياراته بعد نجاحه برئاسته الثانية فيما كانت ضحايا حملات الإبادة والاقتلاع تقترب من المليونين، ولم تتوقف حتى مع زيارة أوباما. أما أوباما فقد راح كأن شيئاً لم يكن أو كأن المجازر توقفت.
قبل حوالي السنة وكانت حملات الاقتلاع والإبادة على أشدّها، سُئلت حاملة جائزة نوبل باعتبارها بطلة دفاع عن حقوق الإنسان، عما يجري في بلادها للأقلية المسلمة (علماً أن المسلمين هم من سكان بورما الأصليين) أجابت بأنها لم تدرس هذه المشكلة بعد فهي لا تعرف عنها!
أما الصحفيون الذين سألوها عن رأيها في مشكلة المسلمين في بلادها فقد اكتفوا بإجابتها من دون أن يحرجوها؛ إذ إن ادّعاءها المذكور كاذب وفاضح، فعلى الأقل إذا لم تكن من قبل قد عرفت وهذا محال؛ لأنها تعتبر نفسها -وهي كذلك كما يراها الغرب- زعيمة المعارضة وزعيمة شعب ميانمار، فلا بدّ من أن تكون قد اطلعت عليها بعد أن غطّاه الإعلام الغربي وهي بين ظهرانيه، بعد أن سُمِح لها بالتنقل في أمريكا والعواصم الأوروبية.
أما الفضيحة الثالثة في التستر على هذه الجريمة بعد أوباما وسو تشي فهي من نصيب الهيئة التي تمنح جائزة نوبل، فأعضاء هذه الهيئة تستّروا على موقف سو تشي المتواطئ مع المجزرة التي تعرّض لها مسلمو ميانمار. فلو لم تكن هذه الهيئة صهيونية ومنحازة للغرب، أو لو كانت تملك الحدّ الأدنى من النـزاهة والأمانة مع النفس، لتوجب عليها أن تسحب جائزة نوبل من سو تشي، باعتبارها بطلة مدافعة عن حقوق الإنسان. فالمسألة هنا تتعلق بحقوق الإنسان بامتياز فيما حاملة نوبل للدفاع عن حقوق الإنسان تتواطأ مع، أو في الأقل تتستّر على مجازر تحدث يومياً على مدى سنة ونصف السنة وبلا توقف.

عن marsad

اترك تعليقاً