رسالة إلى الشيخ أبو بكر البغدادي وضرورة التحقيق في قتل آلن هيننغ
ياسر السري – شبكة المرصد الإخبارية
انطلاقاً من القيام بواجب النصح والذب عن الاسلام كنت قد قمت بكتابة رسالة إلى أمير الدولة الإسلامية حسبة لله تعالى ودفاعاً عن الاسلام وعدم تشويه صورة الاسلام ونصحاً لإخواني من عدم الظلم والجور لأن المولى سبحانه يقول في محكم التنزيل ” ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون “.
ولنعلم أن الحسبة بنيان شامخ في الأمة، ولها دور لا يمكن إنكاره في حماية الشريعة، والذب عن الدين وإنكار المنكرات.
الله المستعان . . تم ذبح المحتجز آلن هيننغ رداً على قرار البرلمان البريطاني المشاركة في التحالف . . لا تزر وازرة وزر أخرى . . لا يعني أن الحكومة البريطانية أو البرلمان البريطاني ارتكب جريمة أن يتحمل أحاد الناس المسئولية وأن يدفع الثمن .
ثبت عندي أنه كان يعمل بالإغاثة وأن هناك من الدولة من شهدوا أنه لم تثبت تهمة الجاسوسية بحقه وكان يجب الإفراج عنه لأن دخل بآمان . . وعندي من الشهادات المكتوبة التي تؤكد على أن آلن دخل بآمان وأنه لم يثبت ضده تهمة التجسس.
لقد أرسلت رسالة للبغدادي ولم أعلن عنها لأني كنت ابتغي وجهه الله بالنصيحة والشفاعة وليس ارضاءً لأحد . . والليلة وصلني رابط فيديو ذبح آلن هيننغ ، كما علمت أن الرسالة وصلت إليهم لكن لم تصل للقيادة في الدولة نظراً للأوضاع الأمنية بعد بدء قصف التحالف.
ارسلت الرسالة بطريقة خاصة وليست علنية حسبة لله وليس لتحقيق أي غرض دنيوي لشخصي ، وكانت من أجل الانصاف والعدل والآن أجدني مضطراً لتوضيح الأمر ونشر الرسالة التي ارسلتها بتاريخ 21 سبتمبر 2014م والتي علمت أن أحد الشباب المغاربة حال دون توصيلها للقيادة لأنه لا يرى الشفاعة والانصاف من وجهة نظره القاصرة.
واناشد واطالب الشيخ البغدادي التحقيق في الأمر والتثبت بأن ذبح آلن هيننغ كان صحيحاً ومحاسبة المخطيء في حال ثبوت عدم مشروعية قتله أو عدم وجود الأدلة المسوغة لقتله .
وفيما يلي نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الى الشيخ المكرام المنضال ابي بكر البغدادي، رئيس الدولة الاسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين خاتم الانبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغر المحجلين أجمعين وبعد،
ابتداءً أحييكم بتحية الاسلام وأحيي إخواني المجاهدين في بلاد الشام الذين يعملون من اجل اعلاء كلمة الله واسقاط الطاغية بشار ونظامه .
أما قبل . . أبدأ رسالتي اليكم فأقول لإخواني أن ما أخطه هنا يجب أن يعرض على الشرع وعلى مصلحة المجاهدين، فإن الشفاعة كما تعلمون لا تجوز في الحدود ولا في إسقاط حقوق العباد ولا في إسقاط حقوق الله تعالى، كما أن رسالتي لا ينبغي أن تعطل أي شيء من أهدافكم وبرامجكم الشرعية.
ثم إني أؤكد لإخواني أنه ليس لكلماتي هذه من قصد سوى النصح وتحقيق الخير للمسلمين ولا أرجو منها أي منفعة دنيوية، وأوكد لإخواني أني مقيم في بريطانيا في ظل مضايقات شديدة لا يعلمها إلا الله ولست حاصلاً على الجنسية البريطانية ولا يشرفني ذلك ، كما أؤكد لإخواني أنها برغبة صادقة دون ضغط أو إكراه ولوجه الله .
وأذكرهم أن كلماتي هذه شفاعة . . ورسول صلى عليه وسلم يقول: “اشفعوا تؤجروا”.
والذي يدفعني لهذه الشفاعة هو ما علمته من ثقاة وتواتر أن البريطاني آلن هيننغ لا علاقة له بحكومته التي أجرمت في حق بلاد المسلمين وما زالت، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي وضعفي وذنبي.
أما بعد ،، فإن شفاعتي لإخواني أصوغها بالكلمات التالية:
أنا أخوكم أبو عمار ياسر السري المقيم في بريطانيا أتقدم اليكم برجاء التكرم بإطلاق سراح المحتجز البريطاني آلن هيننغ لما في ذلك من تطبيق مبدأ الرحمة على الخلق، وهو المبدأ المقدم على غيره في ديننا الحنيف فرسولنا المصطفى صلى عليه وسلم يقول: “اشفعوا تؤجروا” ويقول عن المسلمين “ويسعى بذمتهم أدناهم”. إذ في إطلاقه رد على من يتهم جهادكم بالعبثية بل أنتم سلم على من سالمكم حرب على من حاربكم ولستم كأعدائكم من المحتلين وأعوانهم .
لا أنحاز إلى بريطانيا ولا أدافع عنها فقد قتلت بريطانيا من المسلمين وظلمت الملايين بوعد بلفور ، ولكني استحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم : “المسلمون تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم”.
آلن دخل سوريا متطوعاً ضمن قافلة تابعة لجمعية الفاتحة الخيرية وقد أمَّنه المسلمون الذين جاء معهم وأمَّنه المسلمون في بلاد الشام حيث دخل برضاهم ورحبوا به.
توضيح وخلفية هامة بناءً على تحريات ونقل من ثقاة:
آلن هيننج هو سائق سيارة تاكسي متزوج ولديه بنتان ، سافر عدة مرات لسوريا بغرض الإغاثة.
شارك آلن هيننغ شارك مع الإخوة الذين شاركوا في قوافل الإغاثة لسوريا والذين سافروا من بريطانيا لإيصال المساعدة الطبية والمواد الإغاثية كالأغطية والمواد الغذائية وسيارات الإسعاف لإخواننا وإخواننا بسوريا.
في كل مرة كان مرافقاً مع إخوانكم في الإسلام بالسفر في أمانهم ورعايتهم ، كان يشعر بالسرور والأمان والاطمئنان بانه لن يتعرض لمكروه ما دام مرافقاً لمسلمين لإيصال الإغاثة للذين هم بأمس الحاجة اليها.
آلن هيننغ تأثر بحالة الشعب السوري المأساوية وطغيان بشار فخصص أوقات فراغه لمساعدتهم انسانياً بجمع الأموال وتوعية الناس بالقضية السورية والانتهاكات الصارخة بحق الشعب السوري، فقام بالعمل في غسيل السيارات لتوفير بعض المال وجمع المواد الإغاثية بشتى أنواعها ، كما قام بتوعية الناس من بني جلدته عن الجرائم التي يقوم بها الطاغية النصيري بشار ضد المسلمين في سوريا.
هذا البريطاني كان يعمل سائقاً متطوّعاً في قافلة إنسانية بعثتها جمعية خيرية في بريطانيا اسمها جمعية (الفاتحة) كانت قد أرسلت إلى سوريا من قبل عدة قوافل إنسانية محملة بالأدوية وغيرها من المواد الاغاثية للشعب السوري.
في شهر ديسمبر 2013 م ، ترك آلن احتفالات عيد الميلاد مع عائلته ليتفرغ ويشارك في تقديم المساعدات الانسانية لأهلنا في سوريا في الوقت الذي يتقاعس فيه بني جلدتنا ويقصرون في نصرة أبناء الشعب السوري والمستضعفين من المسلمين في كل مكان.
يقول أحد المرافقين لقافلة المساعدات أنه في أحد الليالي أثناء الرحلة الى سوريا شعر بعض الأخوة بالإعياء نتيجة وعثاء السفر ، فقرروا النوم بفندق مريح أما آلن فقد رفض ونام بالسيارة حتى يوفر ولا ينفق من الأموال ورأى أنه من الأولى ان تنفق على المحتاجين والمشردين من المسلمين في سوريا! فكان همه نصرة الشعب السوري ورفع المعاناة عنه، موقف انساني أسأل الله أن يهديه للإسلام ، فكم ممن ينتسبون للاسلام لا تتوفر لديهم هذه المشاعر . . والله المستعان
قبل سبع سنوات قابل الباكستاني قاسم أبو خديجة، الذي يدير شركة نقل ركاب خاصة وطلب آلن من قاسم أن يعمل لديه كسائق، ذات مرة قاسم فقد بعض النقود وهو ينظف السيارة من غير أن ينتبه، بعد حوالي نصف ساعة عاد آلن إلى المكتب ليعيد المبلغ الذي وجده في السيارة لقاسم ، هذه بداية توثيق علاقة الصداقة بين قاسم وآلن .
أصبح آلن يقضي وقتاً طويلاً مع قاسم يتنازع معه أطراف الحديث عن الرسل والأنبياء ويتعرف على الاسلام حتى أصبح آلن يلقي تحية الاسلام ويستعمل العبارات الاسلامية مثل ما شاء الله، وكان شديد الاحترام للإسلام والمسلمين.
لقد كان آلن متعاطفاً مع قضايا العرب والمسلمين على النقيض من حكومته التي تشارك في جرائم حرب ضد المسلمين في أفغانستان والصومال والعراق وغيرها . كان حزيناً ومتأثراً لجرائم الصهاينة بحق أهلنا في غزة . . كان حزيناً لما يتعرض له المسلمين من اضطهاد وانتهاكات في شتى أنحاء العالم ، على سبيل المثال قضية الأخت الدكتورة عافية صديقي السجينة في أمريكا ، وعن إخواننا في معتقل جوانتنامو .
في عام 2013 اتصلت الجمعية العربية بقاسم وأخبرته بأن بشار قام بقصف سيارات الإسعاف في سوريا وأنهم بحاجة إلى سيارات اسعاف.
بدوره اتصل قاسم بمن يعرف حتى يقوموا بمساعدة الشعب السوري ولكن لم يجد من يساعده فتحدث مع آلن الذي هبّ لمعاونة الشعب السوري.
في أول رحلة إغاثة قام بها آلن، قام كل من آلن وقاسم بقيادة سيارة إسعاف مع طاقمها الطبي إلى الحدود التركية اليونانية حيث استلمتهم الهيئة الخيرية من هناك.
بعد هذا قام برحلة أخرى أيضاً للحدود التركية اليونانية . . وبعدها قام برحلة داخل الاراضي السورية حيث شاهد بأم عينيه معاناة الشعب السوري وكانت لها ابلغ الأثر في نفسه فأصبح يخصص كل ما يستطيع من الوقت والجهد لمساعدة أهلنا في سوريا.
في شهر رمضان قبل الماضي كان آلن قد حجز هو وعائلته (زوجته و أولاده) لقضاء أجازاتهم في تركيا، وعندما علم بذهاب قافلة إلى سوريا غادر بريطانيا بمفرده قبل أسبوع حتى يلتحق بالقافلة ويساهم بقيادة سيارة إسعاف إلى الحدود السورية ومن ثم يسافر بعدها لاسطنبول ليلحق بعائلته.
وفي شهر ديسمبر 2013 ، سافر آلن مع خامس وآخر قافلة إغاثة ، و بالرغم من أهمية هذا الشهر للمسيحيين والبريطانيين فقد ضحى آلن بقضاء هذا الوقت مع عائلته وآثر مساعدة الشعب السوري.
أراد آلن أن يوصل ما ائتمنه عليه الناس لأصحاب الأمانة ، وهكذا أصر آلن على الدخول إلى سوريا مع الآخرين بالقافلة التي كان أميرها قاسم كباقي القوافل التي ذهبت سابقاً.
آلن على معرفة بمنطقة دانة حيث دخلوها العديد من المرات حتى بعد ما أصبحت تحت سيطرة الدولة الاسلامية من غير أن يتعرض أحدا منهم إلى أي مشكلة، حيث كان الجميع في سوريا على معرفة وثقة بهم من قادة الفصائل المختلفة، وهكذا دخل آلن إلى سوريا تحت حماية قاسم.
في الأخير : أكرر النداء لكم وأناشدكم الله أن تطلقوا سراح آلن هيننغ حيث دخل بآمان من المسلمين ، كما لا تزر وازرة وزر أخرى فهو لا يتحمل جرائم مجرم الحرب بلير ولا جرائم كاميرون وهو بريء من اجرامهم في حق الشعوب المسلمة . ودخل بلاد الشام من أجل إعانة ومساعدة ضحايا المجرم بشار .
وأذكر نفسي وإياكم بكلمات الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصية إلى قائد جيش القادسية سعد بن أبي وقاص: “وبعد.. فإني آمرك ومن معك من أجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد أحتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم يكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة. وإن لم نُنصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أنه عليكم في مسيركم حفظة من الله.
ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سُلط عليهم عدوهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار، وكان وعد الله مفعولاً. واسألوا الله العون على أنفسكم ، كما تسألون النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم”.
وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)).
قال النووي رحمه الله: “قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة… وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته”.
وقال ابن حجر رحمه الله: ” قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له… وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد، لأن المسلمين كنفس واحدة… وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده”.
قال ابن تيمية رحمه الله: “جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك”.
أن المسلم إذا عاهد كافرا أو أعطاه الأمان فلا يجوز الاعتداء على هذا الكافر ولو كان كافرا حربيا محاربا للمسلمين ، ولو كان أكفر الناس ، ولو كان الذي أعطاه الأمان مسلما فقيرا ضعيفا ، فدين الإسلام ليس دين غدر ، بل هو دين وفاء بالعهود “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”.
يقول نبي الله عليه الصلاة و السلام : ( ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ . فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ) . متفق عليه .
أي أن المسلم إذا أعطى الأمان لكافر فإنه يجب قبول أمان هذا المسلم وإن كان أقل المسلمين منزلة.
قال شيخ الإسلام ابن المنذر في قوله عليه السلام :(يسعى بها أدناهم ) قال : ” الذمة : الأمان ، يقول : إن كل من أمن أحدًا من الحربيين جاز أمانه على جميع المسلمين دنيا كان أو شريفًا، حرا كان أو عبدًا، رجلا أو امرأة، وليس لهم أن يخفروه “.
فمن أخفر ذمة مسلم و نقض عهده الذي عاهده للكافر فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ ، أي : لا يقبل الله منه عبادة لا نفلا و لا فرضا .
ويل لمن يعتدي على أمثال هؤلاء و يخفر ذمة المسلم الذي أذن لهم دخول البلاد فأعطاهم الأمان فإنه بذلك يعتبر غادرا ، و النبي عليه الصلاة و السلام يقول : (( إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ) . رواه مسلم .
ويكبر الجرم ويعظم الإثم إذا قتل المسلم كافرا دخل بأمان من مسلم ،فلقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام:(مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ،وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا). رواه البخارى.
و لقد أفتى بتحريم قتل الكفار المستأمنين والمعاهدين غير واحد من أهل العلم.
وللتذكير وأنتم أهل العلم والثغور : االمسلمون كلهم على حد سواء. فمن قتل أو قطع طرفاً متعمداً عدواناً، فلهم أن يقتصوا منه بشرط المماثلة في العضو، لا فرق بين الصغير بالكبير، وبالعكس، والذكر والأنثى وبالعكس، والعالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، والكامل بالناقص كالعكس في هذه الأمور.
قوله : (ويسعى بذمتهم أدناهم) يعني: أن ذمة المسلمين واحدة، فمتى استجار الكافر بأحد من المسلمين وجب على بقيتهم تأمينه، كما قال تعالى: “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ” فلا فرق في هذا بين إجارة الشريف الرئيس، وبين آحاد الناس.
فإن الذمة بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمي أهلُ الذمة أهلَ ذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، ومنه الحديث: يسعى بذمتهم أدناهم.
أي إذا أعطى أحد الجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده، وقد أجاز عمر أمان عبد على جميع الجيش، ومنه الحديث: ذمة المسلمين واحدة. كذا في النهاية لابن الأثير.
وفي مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض: ويسعى بذمتهم أدناهم ـ وذمة الله وذمة رسوله وذمتك أي ضمان الله وضمان رسوله وضمانك. اهـ.
فمعنى ذمة الله عهد الله الذي يعطيه أحد المسلمين، فهو لازم لجميع المسلمين إن كان المعطي بالغا، فأي مسلم أجار، أو أمن حربيا مضى ذلك على الجميع، كما يدل له حديث الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
وقد بوب على هذا البخاري في صحيحه فقال: باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: إن كل من أمن أحدا من الحربيين جاز أمانه على جميع المسلمين دنيا كان، أو شريفا، حرا كان، أو عبدا، رجلا، أو امرأة، وليس لهم أن يخفروه. اهـ.
وجاء في عون المعبود: يسعى بذمتهم ـ أي بأمانهم: أدناهم ـ أي عددا وهو الواحد، أو منزلة، قال في شرح السنة: أي أن واحدا من المسلمين إذا أمن كافرا حرم على عامة المسلمين دمه وإن كان هذا المجير أدناهم، مثل أن يكون عبدا، أو امرأة، أو عسيفا تابعا، أو نحو ذلك فلا يخفر ذمته. ويجير عليهم أقصاهم ـ قال الخطابي: معناه أن بعض المسلمين وإن كان قاصي الدار إذا عقد للكافر عقدا لم يكن لأحد منهم أن ينقضه وإن كان أقرب دارا من المعقود له. اهـ.
وهذا من محاسن الإسلام، وقد روى عبد الرزاق ثنا معمر عن عاصم بن سليمان عن فضيل بن يزيد الرقاشي قال: شهدت قرية من قرى فارس يقال لها شاهرتا فحاصرناها شهرا حتى إذا كنا ذات يوم وطمعنا أن نصبحهم انصرفنا عنهم عند المقيل فتخلف عبد منا فاستأمنوه فكتب إليهم أمانا ثم رمى به إليهم، فلما رجعنا إليهم خرجوا إلينا في ثيابهم ووضعوا أسلحتهم فقلنا: ما شأنكم؟ فقالوا: أمنتمونا وأخرجوا إليهم السهم فيها كتاب بأمانهم، فقلنا: هذا عبد لا يقدر على شيء، قالوا: لا ندري عبدكم من حركم فقد خرجنا بأمان، فكتبنا إلى عمر فكتب أن العبد المسلم من المسلمين، وأمانه أمانهم. ورواه ابن أبي شيبة وزاد فأجاز عمر أمانه. اهـ.
اللهم تقبل مني ومنكم . . والله من وراء القصد
أخوكم أبو عمار ياسر السري
مدير المرصد الإعلامي الإسلامي