
تدوير المعتقلين فى زمن الانقلاب انتهاك صارخ للحق في الحرية والأمان الشخصي.. الأربعاء 10 سبتمبر 2025م.. مصر وتركيا وجهتا تحذيرا لحماس قبل ضرب الدوحة
شبكة المرصد الإخبارية – الحصاد المصري
* الصحفي بدر محمد بدر يواجه القتل بالإهمال الطبي بسجون السيسي بعد 9 سنوات من الحبس الاحتياطي
يُعد الكاتب الصحفي بدر محمد بدر (67 عامًا) أحد أبرز الصحفيين الذين تركوا بصمة واضحة في المشهد الإعلامي منذ تخرجه في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1980. ولد في الثالث من مايو 1958 بقرية سنجرج التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، وانطلق في مسيرته المهنية من مجلة “الدعوة” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، لينضم إلى نقابة الصحفيين في نفس العام.
على مدار مسيرته، تولى بدر رئاسة تحرير عدة مطبوعات بارزة مثل مجلة لواء الإسلام عام 1988، وشارك في إدارة تحرير جريدة الشعب عام 1990، كما تولى إدارة تحرير صحيفة آفاق عربية حتى عام 2004، ثم رئاسة تحرير جريدة “الأسرة العربية” حتى إغلاقها في 2006. ولم يقتصر نشاطه على الصحافة المطبوعة فقط، بل عمل أيضًا مراسلاً لعدد من المنابر الإعلامية العربية، أبرزها قناة الجزيرة، فضلًا عن تأليفه سبعة كتب صحفية وفكرية.
الاعتقال والتدوير: سنوات لا تنتهي
في فجر 29 مارس 2017، ألقي القبض على بدر محمد بدر ضمن القضية رقم 316 لسنة 2017 أمن دولة عليا، وظل قيد الحبس الاحتياطي حتى إتمامه عامين كاملين.
ورغم صدور قرار بإخلاء سبيله، لم يُنفذ القرار، إذ اختفى قسريًا يوم 8 ديسمبر 2019، قبل أن يظهر مجددًا أمام نيابة أمن الدولة في فبراير 2020 على ذمة قضية جديدة (1360 لسنة 2019)، متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية. ومنذ ذلك الحين، يستمر تجديد حبسه بشكل دوري دون محاكمة عادلة.
هذا النمط المعروف باسم “التدوير” ـ أي إعادة اتهام المعتقلين في قضايا جديدة بعد انتهاء فترة حبسهم ـ أصبح سمة بارزة في قضيته، ما جعل سنوات سجنه تمتد لما يقارب تسع سنوات بين الاعتقال، والإخفاء القسري، والتدوير القضائي.
الانتهاكات والإهمال الطبي
منذ لحظة اعتقاله، واجه بدر محمد بدر سلسلة من الانتهاكات الممنهجة، إذ يقبع في ظروف احتجاز وصفتها منظمات حقوقية بـ”غير الإنسانية”، خاصة داخل سجن بدر 3 سيئ السمعة. آخر ظهور علني له عام 2020 كان في حالة إعياء شديد، وقد مُنع منذ ذلك الحين من الزيارة والدواء.
وتفاقمت معاناته بسبب حرمانه من العلاج اللازم لأمراض مزمنة يعاني منها، مثل السكري وأمراض الكبد والقلب، إلى جانب تدهور حالته الصحية بشكل ملحوظ نتيجة الإهمال الطبي. في يونيو 2020، وثقت تقارير حقوقية تعرضه لإهمال طبي متعمد رغم حالته الحرجة، ما يشكل خطرًا بالغًا على حياته.
صمت النقابة واستمرار المعاناة
رغم أن بدر محمد بدر عضو في نقابة الصحفيين، فإن النقابة لم تصدر مواقف علنية مؤثرة بشأن قضيته، وهو ما اعتبره كثيرون “تخليًا عن أحد أعضائها” في مواجهة انتهاكات متصاعدة.
بينما تواصل أسرته مناشداتها للإفراج عنه أو على الأقل تمكينه من الرعاية الطبية والزيارات الإنسانية، تلتزم السلطات الصمت وتواصل سياسة التدوير والتمديد في حبسه الاحتياطي، ليظل مثالًا حيًا على معاناة الصحفيين بين قيود حرية التعبير والانتهاكات الممنهجة.
* حملة “الغايب فين؟” تطالب سلطات الانقلاب بالكشف عن مصير المختفين قسريا
أعلنت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات إطلاق حملة بعنوان “الغايب فين؟” بهدف كسر حاجز الخوف، وتشجيع الأهالي والمهتمين على الانضمام لجهود الضغط على نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي من أجل كشف مصير المختفين وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
وقالت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” في بيان لها بالتزامن مع اليوم الدولي لمساندة ضحايا الاختفاء القسري، 30 أغسطس، إنها تسعى من خلال الحملة إلى إعادة فتح النقاش العام حول هذه الجريمة المسكوت عنها، وطرح سؤال “الغايب فين؟” كصرخة في وجه التجاهل الرسمي من جانب حكومة الانقلاب لمعاناة آلاف المعتقلين لمعارضتهم لنظام الانقلاب.
يُشار إلى أن الحملة وفق البيان، رصدت ووثقت منذ اطلاقها عام 2015 وحتى أغسطس 2025 تعرض 4828 شخصًا للاختفاء القسري، من بينهم 185 سيدة، ومن بين الـ 4828 حالة الموثقة لا يزال 400 شخص مختفيا قسريا بينما ظهر الباقون في مقرات النيابات وخصوصا نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة.
وشدد البيان على أن هذه الحملة تأتي في ظل تزايد أعداد المختفين قسرًا فى الأشهر الاخيرة، واستمرار صمت وتجاهل سلطات الانقلاب للكشف عن مصيرهم أو تمكين أسرهم من معرفة أماكن احتجازهم، الأمر الذي يمثل انتهاكًا صارخًا للدستور المصري وللقانون الدولي لحقوق الإنسان.
*ظهروا فجأة أمام نيابة أمن الدولة ..بالأسماء :حبس 45 مختفياً قسراً بينهم إعلاميون
قررت نيابة أمن الدولة العليا بسلطة الانقلاب في مصر، حبس 45 معتقلاً، لفترات تراوحت بين أسابيع وشهور، وظهر المعتقلون بشكل مفاجئ أمام النيابة بعد فترات طويلة من إخفائهم قسرياً، رغم أن ذويهم ومحاميهم كانوا قد أبلغوا في وقت سابق الجهات المعنية عن اختفائهم وتغييبهم قسراً.
وتضم قائمة المحبوسين الجدد 45 شخصاً، جميعهم ظهروا فجأة أمام نيابة أمن الدولة العليا بعد فترات من الإخفاء القسري، وهو ما يعكس إشكالية قانونية جسيمة، حيث كانت أسرهم قد أرسلت بلاغات رسمية إلى النيابة العامة ووزارة الداخلية بشأن اختفائهم، ولم تجد استجابة وقتها.
وتُعد ظاهرة الاختفاء القسري في مصر قضية حقوقية مؤرقة تتفاقم منذ عام 2013، وتصفها المنظمات الحقوقية بأنها سياسة ممنهجة. ورغم غياب الأرقام الرسمية وإنكار السلطات المصرية لوجودها، توثق التقارير الدولية والمحلية آلاف الحالات، وتُشير التقديرات الحقوقية إلى أن الآلاف قد اختفوا قسرياً في مصر على مدار السنوات الماضية.
وشملت القائمة الكاملة للمحبوسين إعلاميين من مختلف المحافظات، وهم: أحمد محمد غانم، وأحمد السيد عبد الجليل عقل، وأحمد جمال عفيفي، وأحمد حسن بهنسي، وأحمد رزق علي، وأحمد عباس السيد، وأحمد عبد الحفيظ درويش، وأحمد عبد الله زكي، وأحمد فؤاد فرج، وأحمد محمد عطية، وأحمد محمد عطا، وأسامة محمد حسين، وأشرف عبد الخالق أبو المعاطي، وأيمن سلامة شفطر، وأيمن محمد عفيفي، وبهاء إبراهيم البهي، وحسام ممدوح بكر، وخالد مفرح أنور، ورضا مبروك شحاتة، وسالم محمود عطية، وسامي أبو العلا محمود، وسعيد اعتيق حسان، وصلاح عبد الحميد محمد، وطارق محمد طلبة، وعادل أحمد محمد، وعبد الرحمن السيد غريب، وعبد الرحمن عبد الناصر محمد، وعبد العزيز وائل بهيج، وعبد المحسن فاروق علي، وعمر محمد عبد الرحمن، ومحمد إمام عباس، ومحمد جابر صميدة، ومحمد جمال علي، ومحمد رمضان عبد الجواد، ومحمد عادل مبروك، ومحمد عبد الله شاهين، ومحمد علي عبد المنعم، ومحمد عيسى الخولي، ومحمد فرج الناجوري، ومحمد إبراهيم عوض، ومحمود صلاح عودة، ومحمود محمد صابر، ومحمود محمد عبد الوهاب، ومصطفى صلاح محمد، ووسام أحمد عبد الجواد.
*منظمات حقوقية : تدوير المعتقلين فى زمن الانقلاب انتهاك صارخ للحق في الحرية والأمان الشخصي
كشفت منظمات حقوقية، بينها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، عن إعادة تدوير عشرة معتقلين سياسيين على ذمة القضية رقم 2369 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا، من بينهم الشاعر جلال البحيري والصحفي وائل عبد الغني .
وأكدت المنظمات أن هذه الممارسة، المعروفة باسم “التدوير”، باتت شائعة في زمن الانقلاب، حيث يُعاد احتجاز سجناء أنهوا مدد عقوباتهم أو حصلوا على البراءة عبر إدراجهم في قضايا جديدة بنفس التهم تقريبًا، مثل “نشر أخبار كاذبة” أو “الانتماء إلى جماعة محظورة”.
يُشار إلى أن البحيري، الذي قضى عقوبة بالسجن ثلاث سنوات بعد إدانته بـ”إهانة المؤسسة العسكرية” على خلفية قصيدة ساخرة، كان من المفترض أن يُفرج عنه في يوليو 2021، إلا أنه أُعيد تدويره في قضايا جديدة ليبقى محتجزًا منذ مارس 2018، ودخل عامه الثامن في السجن. في 19 أغسطس 2025، خضع لتحقيق جديد أمام نيابة أمن دولة العسكر العليا.
انتهاك صارخ
ولفتت المنظمات إلى أن عبد الغني، حصل على حكم بالبراءة في ديسمبر 2023 بعد اعتقاله في سبتمبر من العام نفسه، لكنه أُعيد إدراجه لاحقًا في قضية أخرى بذات التهم، ليبقى في المعتقل .
وقالت ان قائمة التدوير شملت أيضًا: أحمد عمارة (الغربية)، رجب الجداوي (كفر الشيخ)، أحمد بكر (الجيزة)، محمد الياسرجي، والسيد سالم (الشرقية)، عادل بيداري (الشرقية)، إضافة إلى اثنين لم يُكشف عن هويتهما.
واعتبرت المنظمات الحقوقية هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا للحق في الحرية والأمان الشخصي، وتجاوزًا للدستور وضمانات المحاكمة العادلة، مؤكدة أن الهدف منها هو إطالة أمد الحبس الاحتياطي والتنكيل بالمعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
الأمم المتحدة
من جانبها دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، سلطات الانقلاب إلى وضع حد لاحتجاز وحبس المعارضين السياسيين ومنتقدي حكومة الانقلاب تعسفيًا ولفترات طويلة، حتى بعد انقضاء مدة العقوبة أو تجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، مطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين الذين تخطوا هذه المدد.
وأشار البيان الصادر عن المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى حالة الشاعر جلال البحيري، الذي ألقي القبض عليه في 3 مارس 2018 بمطار القاهرة على خلفية بلاغ يتهمه بـ”إهانة السيسي” .
ولفت إلى استمرار الحبس التعسفي بحق ناشطين بارزين، من بينهم علاء عبد الفتاح، والمحامية هدى عبد المنعم (66 عامًا)، العضو السابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمحامي الحقوقي إبراهيم متولي حجازي، مؤسس رابطة أسر المختفين قسريًا.
وقال البيان ان المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم أُلقي القبض عليها في نوفمبر 2018، واحتُجزت قسرًا 21 يومًا قبل التحقيق معها فيما عُرف بـ”قضية التنسيقية”، مشيرة إلى أن قضيتها أُحيلت إلى محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ التي قضت عليها بالسجن المشدد خمس سنوات، يعقبها خمس سنوات مراقبة شرطية. فيما واجهت اتهامات بالانتماء إلى جماعة محظورة وتأسيس كيان حقوقي وتقديم دعم مالي، كما تعرضت لانتهاكات منها الحرمان من الزيارة وإدراجها على قوائم الإرهاب.
وأكدت المفوضية أن هذه الممارسات تتعارض مع التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعلى رأسها حظر الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي، مجددة مطالبتها لسلطات الانقلاب باحترام القانون والإفراج عن جميع من تجاوزوا مدد الحبس الاحتياطي أو أنهوا أحكامهم.
* 20 منظمة حقوقية تتهم مصر بتحويل سفاراتها إلى “أدوات قمع عابر للحدود”
أدانت 20 منظمة حقوقية بشدة ما وصفته بـ”التوظيف غير المسبوق للبعثات الدبلوماسية المصرية كأدوات للقمع العابر للحدود” ضد المتظاهرين السلميين في الخارج، مطالبةً الحكومات المضيفة والأمم المتحدة بفتح تحقيقات عاجلة ومحاسبة المسؤولين.
واستند بيان مشترك أصدرته المنظمات الدولية والمصرية إلى فيديو مسرب منسوب لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، يوجّه فيه موظفي السفارات بالتعامل بعنف مع المحتجين، قائلًا “هاته من قفاه ودخله على جوه ويتكتف ويتجاب الشرطة… طلع عين أبوه”.
وعبرت المنظمات عن صدمتها من ذلك التوجيه، مؤكدة أنه تُرجم إلى اعتداءات فعلية في عدة عواصم عالمية، مما يمثل تصعيدًا خطيرًا في استهداف المعارضين.
وسلط البيان الضوء في هذا السياق على حوادث موثقة تظهر تحول السفارات إلى مراكز عمليات للقمع، أبرزها في لاهاي حين رد موظفو السفارة على متظاهرين بالاعتداء اللفظي، وتزامن ذلك مع اعتقال أفراد من عائلاتهم داخل مصر، قبل أن يتطور الأمر إلى حشد موالين للنظام لمواجهة المحتجين وتهديدهم.
وعدت المنظمات ما حدث أمام السفارة المصرية في نيويورك مثالًا آخر على ذلك، حين قام أفراد أمن البعثة المصرية بسحب مواطنيّن أمريكيَّين قسرًا إلى داخل المبنى والاعتداء عليهما بالضرب بسلسلة معدنية قبل تسليمهما للشرطة، وفي لندن كذلك حين اعتمدت السلطات على “موالين حكوميين” للاعتداء الجسدي على النشطاء في الأماكن العامة بالقرب من مواقع الاحتجاج.
ولم يقتصر الأمر على اعتداءات الخارج، حسب البيان الذي أكد أن تلك الوقائع صاحبتها وقائع داخل مصر شملت اعتقال وإخفاء فرد من عائلة صحفي مصري بالمنفى قسريًا، انتقامًا من عمله خارج البلاد، كجزء من نمط أوسع يشمل حرمان العائلات من الخدمات القنصلية واستهدافهم ببرامج تجسس.
وأكدت المنظمات الموقعة أن هذه الأفعال تمثل انتهاكًا جسيمًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، حيث يتم إساءة استخدام حصانة المباني الدبلوماسية التي تهدف إلى حمايتها من التدخل الخارجي، لا لتحويلها إلى “أماكن احتجاز أو أدوات إكراه”.
وضمت قائمة المنظمات الموقعة على البيان منظمات مصرية من بينها المنبر المصري لحقوق الإنسان والجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز النديم ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ومنصة اللاجئين، إلى جانب منظمات دولية من بينها منظمة يوروميد للحقوق EuroMed Rights، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.
وطالبت المنظمات في ختام بيانها باتخاذ إجراءات دولية منسقة، تشمل تحقيقات مستقلة من قبل حكومات هولندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الوقائع التي جرت على أراضيها، إلى جانب اتخاذ إجراءات مساءلة تشمل إعلان الدول المضيفة للدبلوماسيين المسؤولين عن الاعتداءات “أشخاصًا غير مرغوب فيهم”.
كما طالبت المنظمات بتدخل أممي، عبر دعوة المقررين الخاصين في الأمم المتحدة للتحقيق في إساءة استخدام مصر للحصانة الدبلوماسية لارتكاب أعمال قمع، وإلزام الدول المضيفة بضمان سلامة المحتجين وقدرتهم على ممارسة حقوقهم دون ترهيب أو عنف من قبل الدبلوماسيين المصريين.
وفي أواخر يوليو الماضي، واجهت السفارات المصرية في عدد من الدول الأوروبية حملة احتجاجات ومحاولات لحصارها وإغلاقها، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح معبر رفح على الحدود مع قطاع غزة وإيصال المساعدات للأهالي الذين يعانون من التجويع.
*مصر وتركيا وجهتا تحذيرا لحماس قبل ضرب الدوحة
كشف تقرير نشرته القناة 14 الإسرائيلية، أن مصر وتركيا أبلغتا قيادات بارزة في حركة حماس، في العاصمة القطرية الدوحة، بوجود تحذيرات جدية من عملية اغتيالات محتملة تخطط لها إسرائيل.
من جهتها، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في تقرير صباح اليوم الأربعاء، أن مسؤولين مصريين وأتراكا نقلوا تحذيرات إلى كبار قادة حماس في قطر خلال الأسابيع الأخيرة، داعينهم إلى تعزيز الإجراءات الأمنية المحيطة بهم، خشية من تنفيذ عمليات اغتيال منسّقة.
وأكدت الصحيفة أن هذه التحذيرات تأتي في سياق الدور المحوري الذي تلعبه كل من مصر وتركيا كوسيطين في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، مشيرة إلى أن كلا البلدين يسعى لحماية ممثلي الحركة لضمان استمرار الحوار، حتى في ظل التوترات الشديدة.
ووفق تقرير لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، فإن مصر وقطر دخلتا في حالة صدمة تامة بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، ما قد يؤثر بشكل بالغ على مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، التي كانت تدار بوساطة مشتركة بين البلدين.
وأشار التقرير إلى أن الصفقة التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والقائمة على تبادل أسرى فلسطينيين مقابل رهائن إسرائيليين، أصبحت الآن “غير قابلة للتنفيذ” في ظل تدهور الثقة بين الأطراف، وانهيار بيئة الحوار.
في موقف داعم للعملية، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية إن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة كان “يجب أن يحدث منذ زمن طويل”، واصفة إياه بعملية “قطع الرؤوس”، تهدف إلى القضاء على القيادة السياسية والعسكرية العليا لحركة حماس في الخارج.
وأضافت الصحيفة: “هذا عمل مشروع وعادل، فالدوحة لم تعد ملاذاً آمناً لقيادة حركة تُصنّفها إسرائيل والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، وتساهم في قتل المدنيين“.
وتساءل كثيرون داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية: “لماذا لم تُنفذ هذه العملية في الأيام الأولى من الحرب؟”، مشيرين إلى أن تأجيلها أعطى قادة حماس فرصة للتخطيط وتنسيق العمليات من مناطق آمنة.
وفي وقت سابق، قصفت طائرات إسرائيلية مقرات لقادة في حركة “حماس” بالعاصمة القطرية الدوحة، وقوبل هذا الهجوم بموجة شجب واستنكار دولية واسعة النطاق، حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعهد في اتصال هاتفي مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بأنها “لن تتكرر“.
* إلغاء مؤتمر قافلة الصمود المصرية
أثار قرار إلغاء المؤتمر الصحفي لقافلة الصمود المصرية، الذي كان مقرراً انعقاده في القاهرة، موجة واسعة من ردود الأفعال والتعليقات. ورغم أن اللجنة المنظمة بررت الخطوة بأنها “أسباب خارجة عن الإرادة”، إلا أن تسريبات عدة تحدثت عن ضغوط وتهديدات أمنية دفعت إلى هذا القرار. وبينما اعتبره البعض ضربة لحرية التعبير والتجمع، رآه آخرون مؤشراً على حساسية الموقف السياسي المحيط بالقضية الفلسطينية في الداخل المصري.
تهديدات أمنية وراء الإلغاء
مصادر مطلعة أوضحت أن الإلغاء جاء نتيجة تلقي اللجنة المنظمة تهديدات مباشرة باحتمال ملاحقة أمنية أو اعتقالات قد تطال المنظمين والحضور، إذا تم المضي قدماً في عقد المؤتمر. هذه التطورات دفعت القائمين على القافلة إلى التراجع عن المؤتمر لتجنب تبعات خطيرة، خصوصاً مع وجود صحفيين ونشطاء كانوا ينوون الحضور.
صدمة بين الداعمين
قرار الإلغاء نزل كالصاعقة على مؤيدي القافلة، الذين كانوا ينتظرون المؤتمر للإعلان عن تفاصيل التحرك الشعبي واللوجستي تجاه غزة. كثيرون عبروا عن خيبة أملهم، معتبرين أن ما حدث يعكس ضيقاً رسمياً بأي مبادرة مستقلة تتعلق بالقضية الفلسطينية، حتى لو كانت ذات طابع إنساني.
ردود الفعل على السوشيال ميديا
وسائل التواصل الاجتماعي اشتعلت بالتعليقات عقب الإعلان عن الإلغاء. نشطاء وصفوا الأمر بأنه “قمع استباقي” لمنع أي تحرك شعبي مستقل، فيما رأى آخرون أن النظام لا يريد فتح أي نافذة لعمل تضامني قد يحرجه أمام الرأي العام. في المقابل، دعت بعض الأصوات إلى التهدئة وانتظار البيان التوضيحي الذي وعدت به اللجنة المنظمة.
المحامية والحقوقية ماهينوز المصري كتبت ” تعتذر اللجنة التنسيقية لأسطول الصمود المصري لكسر الحصار عن غزة،وتعلن إلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان مزمعًا عقده في السابعة مساءً بمقر الأسطول بالقاهرةوذلك لأسباب خارجة عن إرادة اللجنة،وتعلن اللجنة التحضيرية اجتماعها لحين إصدار بيان توضيحي خلال ساعات زياد البسيوني- منسق عام اللجنة”.
وكتب كيرا ” كل الدول العربية علي الشريط البحر المتوسط شاركت ماعدا مصر هذا يفسر الكثير عن عقلية من يحكم مصر”.
وأضاف محمد توحيد ” أكيد تدخل السيسي وعصابته وأكيد الداخلية البلطجية وأكيد الأسباب هي بلطجة أمن الدولة . يسقط يسقط حكم العسكر . فين أوساخ جبهة الإنقاذ ( جبهة خراب مصر ) أين أنتم يا حثالة السياسيين يا من دعمتم الانقلاب العسكري ودعمتم قتل المصريين.”
وأشار عماد ” مصر يديرها يهود – بن غفير في 3-9- 2025 :القوارب في الأسطول ستتم مصادرتها، والأشخاص الموجودين على متنها سيُعتقلون وسيُعاملون باعتبارهم مشتبها فيهم بالإرهاب . – رد الاسطول بيان في 4 -9-2025 أكد أنه تصريحاته واهية ولن تثنيهم عن مهمتهم الإنسانية.”
تداعيات على صورة المبادرة
الإلغاء المفاجئ وجّه ضربة لصورة قافلة الصمود التي كانت تسعى إلى تقديم نفسها كتحرك شعبي مستقل وواسع. غياب المؤتمر ألقى بظلال من الشك على مستقبل القافلة وإمكانية استمرارها بالزخم الذي حظيت به منذ الإعلان عنها. كما منح المعارضين فرصة للتشكيك في قدرة المبادرة على مواجهة الضغوط وتحقيق أهدافها.
إلغاء المؤتمر الصحفي لقافلة الصمود المصرية يكشف بوضوح هشاشة هامش الحرية المتاح في المشهد السياسي والإعلامي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمبادرات مرتبطة بالقضية الفلسطينية. وبينما ينتظر الداعمون بياناً رسمياً يوضح خطوات اللجنة المقبلة، تبقى الحقيقة أن هذا القرار شكل خيبة أمل كبيرة للمهتمين بالقضية، وأعاد فتح النقاش حول حدود العمل الشعبي المستقل في مصر.
*مصر لمجلس الأمن حول سد النهضة: نحتفظ بحقنا في كل التدابير القانونية
وجّه وزير خارجية النظام المصري بدر عبد العاطي، أمس الثلاثاء، خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إثر افتتاح إثيوبيا سد النهضة بإرادة مفرده دون التنسيق مع مصر والسودان.
وجرى تسليم الخطاب إلى لبنان لتوزيعه على أعضاء المجلس ونشره باعتباره وثيقة من وثائق الأمم المتحدة، وذلك بالتزامن مع افتتاح رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، سد النهضة الإثيوبي الكبير الثلاثاء.
وأوضح وزير خارجية النظام المصري في البيان، أن مصر دأبت على المطالبة الدائمة بمنح كل المساعدة للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم وشامل
وأن البديل هو أن تظل إثيوبيا تمضي في إجراءات أحادية مخالفة للقانون والأعراف الدولية، ولا تعبأ بأي تبعات قد تترتب على ذلك من تأثير على النظام القانوني الحاكم لحوض النيل الشرقي طبقاً للقانون الدولي
فضلاً عما تمثله التصرفات الإثيوبية الأخيرة من خرق صريح لمبدأ حسن النية، ولما تفرضه قواعد القانون الدولي. كما شدد في بيانه على رفض الإجراءات الأحادية الإثيوبية كافة في نهر النيل، وعدم الاعتداد بها، مؤكداً أنها لا تُنتج أي آثار قانونية، ولا يمكن أن تُكسب إثيوبيا حقوقاً في مواجهة المصالح الوجودية لشعوب دولتي المصب مصر والسودان.
كما أشار الخطاب إلى أن مجلس الأمن سبق أن تناول مشروع السد الإثيوبي على مدار السنوات الماضية، حيث دعت القاهرة إلى ضبط النفس، واختارت اللجوء للدبلوماسية والمنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ليس ضعفاً ولا تقاعساً عن الدفاع عن مصالحها الوجودية
وإنما انطلاقاً من انفتاح مصر الراسخ على التعاون وحسن النية لتحقيق المنفعة المشتركة بين دول حوض النيل وفقاً للقانون الدولي، غير أن إثيوبيا اختارت سياسة فرض الأمر الواقع، بما يهدد استقرار وأمن المنطقة برمتها، ويضع السلم والأمن الدوليين أمام تحديات جسيمة.
وأكدت مصر أن محاولات إثيوبيا المستمرة في تسييس ملف المياه، وفرض الأمر الواقع، هي سياسة مرفوضة قطعاً، وليست احتياجاتها التنموية، مهما كانت، مبرراً للتعسف في استخدام الحق أو التعدي على حقوق الآخرين، مشددة على أن نهر النيل يمثل ملكية مشتركة لدول الحوض، وأن أية تصرفات من القاهرة لن تنفصل عن مصالحها الوجودية في نهر النيل.
واختتمت القاهرة خطابها بالتأكيد على أن مصر متمسكة بأحكام القانون الدولي كاملة في نهر النيل، ولن تسمح للتصرفات الإثيوبية الهادفة إلى الإضرار بالمصالح المائية المصرية بالاستمرار، كما احتفظت بحقها في اتخاذ جميع التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، للدفاع عن مصالحها الوجودية وشعبها.
وفي حضور قادة أفارقة، دشنت إثيوبيا ا سد النهضة رسمياً، أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، والمشيد على أحد روافد نهر النيل، مؤكدةً أن المشروع سيوفر الطاقة للملايين من الإثيوبيين، ويلبي طموحات الدولة في التنمية الاقتصادية.
وبلغت تكلفة إنشاء سد النهضة الإثيوبي خمسة مليارات دولار، وهو يواجه انتقادات شديدة من مصر، باعتباره تهديداً وجودياً لها.
وتعتمد مصر، البالغ عدد سكانها حوالي 110 ملايين نسمة، على نهر النيل للحصول على نحو 97% من احتياجاتها من المياه العذبة.
وتقدَّر موارد مصر المائية بحوالى 56.6 مليار متر مكعب سنوياً، فيما تبلغ احتياجاتها حوالي 114 مليار متر مكعب سنوياً. وأظهرت أبحاث مستقلة عدم تسجيل اضطرابات كبيرة في تدفق المياه بمجرى النهر حتى الآن، لأسباب منها هطول أمطار بكميات مناسبة، وملء خزان السد الإثيوبي بحذر خلال مواسم الأمطار، على مدى خمس سنوات.
ومنذ عام 2016، شرعت مصر في سن تشريعات تهدف إلى تقليص مساحة زراعة الأرز من مليوني فدان إلى 750 ألفاً، بهدف ترشيد استهلاك المياه، وتوفير قرابة خمسة مليارات متر مكعب كانت تُستخدم في زراعة 1.250 مليون فدان. ولأول مرة في تاريخ مصر الزراعي، تفرض الحكومة عقوبة السجن على الفلاحين الذين لا يلتزمون بالمساحات المحددة لزراعة الأرز.
وفقدت مصر نحو مليار دولار سنوياً كانت تعود عليها من تصدير مليون طن من الأرز الأبيض، بعد أن تحولت من دولة مكتفية من الأرز إلى مستورد له.
كما أعلنت الحكومة في 2017، عن خطة استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050، بتكلفة تصل إلى 100 مليار دولار، وهي تتضمن أربعة محاور رئيسية: ترشيد استخدام المياه، وتنقية مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر، وتوعية المواطنين بأهمية ترشيد المياه.
وتتمسّك مصر والسودان بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني يضمن حصتيهما التاريخيتين من المياه (55.5 مليار متر مكعب للقاهرة، و18.5 مليار متر مكعب للخرطوم)، في حين تعتبر إثيوبيا أن المشروع حق سيادي لتنمية مواردها المائية وتوليد الطاقة.
ويشكّل سد النهضة، الذي تبلغ سعته التخزينية الإجمالية نحو 74 مليار متر مكعب، حجر الأساس لخطط إثيوبيا للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الكهرباء، خاصةً إلى السودان وجيبوتي وكينيا، وربما مصر مستقبلاً.
وتخشى القاهرة أن يؤدي الملء والتشغيل من دون تنسيق، إلى تراجع منسوب بحيرة ناصر خلف السد العالي، ما قد يهدد الأمن المائي والغذائي المصري، في ظل الاعتماد شبه الكامل على مياه النيل.
*هل ينتقل صراع النفوذ من النيل إلى القرن الإفريقي؟ نشر قوات مصرية بالصومال ينذر بتصعيد جديد مع إثيوبيا
عبرت الاعتراضات الإثيوبية عن نشر قوات مصرية ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الاستقرار في الصومال عن تصاعد التوترات القائمة بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية إنشاء سد النهضة، والذي تم افتتاحه رسمياَ هذا الشهر، إلى جانب انتقال النزاع على الهيمنة الأفريقية من نهر النيل الذي تبدو فيه إثيوبيا هي المتفوقة الآن إلى منطقة القرن الأفريقي بعد أن وضعت مصر قدماً في مناطق تأثير إستراتيجية لأديس أبابا بخاصة في الصومال المجاور.
قوة عسكرية لمواجهة غطرسة أثيوبيا
وقال مصدر عسكري مصري مطلع على هذا الملف، إن القاهرة عززت علاقاتها مع الصومال وتستهدف من وراء بعثتها المشاركة ضمن قوات الاتحاد الأفريقي لدعم مقديشو في مواجهة الإرهاب على أراضيها، وكذلك للحفاظ على عدم حدوث اختراق في دول لديها أطماع في الوصول إلى البحر الأحمر من خلال تدشين قواعد عسكرية (في إشارة إلى إثيوبيا).
لكنه أوضح في الوقت ذاته أن هذه القوات ليست موجهة ضد أحد، ولن تخرج عن إطار مهام عملها ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي إلى مهام تطوير الجيش الصومالي وفقاً لاتفاقيات عسكرية سابقة بين البلدين.
وأضاف المصدر أن التواجد المصري لن يتطور كي يصبح بمثابة قاعدة عسكرية مصرية في الصومال، غير أن كثافة الجنود المشاركين والانخراط في تنسيق قوي مع الجيش الصومالي يسمح بالتنسيق في حال حدوث تهديدات من أي دولة معتدية على السيادة الصومالية، بخاصة وأن الجيش الصومالي حصل خلال الأشهر الماضية على العديد من الأسلحة المصرية التي تستهدف بالأساس مكافحة الإرهاب، وفي حال كان هناك طلب للمساعدة في التعامل مع الاعتداءات الخارجية فإن القاهرة لن تتردد إذ أنها تتعامل مع دولة عربية شقيقة ويأتي تعاونها في إطار جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.
وذكر أن مصر أو الصومال ليس لديهم نوايا عدائية مع أديس أبابا، ويمكن القول بأن التطورات الأخيرة تعبر عن إستراتيجية دفاعية والتأكيد على أن هناك قوة عسكرية يمكن أن تواجه “غطرسة أثيوبيا التي تنتهك السيادة الصومالية بتعاونها مع مجموعات انفصالية غير معترف بها دوليَا وتهدف إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في البحر الأحمر وإن كانت نواياها تنموية كما تدعي”، على حد تعبير المصدر.
وأشار إلى أن بدء الاستعداد لانتشار الجنود المصريين في الصومال يخدم مباشرة إحداث توازن في موازين القوى السياسية والعسكرية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وإن لم يكن ذلك هدفاً رئيسياً من نشر القوات، غير أن قوة الجيش المصري تجعله رقماً مهماً، وأن ذلك يساعد القاهرة على نسج مواقف أكثر قوة مع جيران إثيوبيا بشأن الضغط عليها للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لتشغيل السد مع افتتاحه هذا الشهر، وأن القاهرة على استعداد للتعاون التنموي شريطة أن يكون وفقاً لاتفاقيات قانونية معترف بها دوليا وليس وفقاً لأهواء أديس أبابا.
ولفت إلى أن المشاركة الفاعلة في بعثة الاتحاد الأفريقي لا تنفصل عن جهود بذلتها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية المصرية طيلة السنوات الماضية بشأن تقديم الخبرات والتدريبات المطلوبة للعناصر الأمنية في دول أفريقية عديدة، وهو ما يدعم أن تكون مصر لاعباً مهماً في تحقيق السلام والأمن في أفريقيا، دون أن يكون لديها أهداف عدائية لكنها تحاول أن تنسج علاقاتها انطلاقاً من التنسيق الأمني بعد أن حققت نتائج مهمة على مستوى مكافحة الإرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية على أراضيها.
القوات هدفها تأمين قناة السويس
ووصل وفد عسكري مصري متقدم إلى مطار عدن عدي الدولي في مقديشو، يضم ضباطاً كباراً ووحدات خاصة، تمهيدا لنشر قوات مصرية ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الاستقرار في الصومال (AUSSOM).
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام صومالية، سيعمل الوفد العسكري المصري على وضع الأسس اللوجستية والتنسيق مع السلطات الصومالية لتسهيل وصول 1091 جندياً مصرياً كجزء من البعثة الإفريقية، بالإضافة إلى قوات أخرى ضمن الاتفاقية الثنائية بين القاهرة ومقديشو.
ورحبت وزارة الدفاع الصومالية بالخطوة، مؤكدة أنها تعكس “التزام مصر بدعم أمن الصومال وبناء قدرات الجيش الوطني الصومالي” في مواجهة تنظيم الشباب، مشيرة إلى أن الفريق المصري أكمل تدريبات مكثفة قبل الوصول، مما يعزز جاهزيته للعمل في بيئة أمنية معقدة.
وقال مصدر عسكري مصري آخر مطلع على تفاصيل التعاون مع الصومال، إن القاهرة تنظر إلى قواتها المشاركة في البعثة الأفريقية باعتبارها أداة مهمة للتعامل مع تهديدات الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهو هدف اقتصادي يتعلق بتأمين قناة السويس ويتجاوز مسألة سد النهضة وهو لا يغيب أيضاً عن بنك الأهداف المصري.
وبحسب المصدر ذاته فإن ذلك ما يجعل الصومال تحمل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري، بخاصة وأن هناك توقعات بحدوث اضطرابات أخرى في المنطقة حال تجددت الحرب الإسرائيلية الإيرانية وفي حال اتساع نطاق الصراعات الدائرة في المنطقة لتنخرط فيها قوى عظمى.
وأشار إلى أن مصر وجدت صعوبات في إحداث اختراقات تذكر على مستوى استعادة علاقاتها مع دول القارة الأفريقية، وكان تركيزها على البنية التحتية والتنسيق الأمني والعسكري مدخلاً مهماً لكنه لم يحقق الأثر المرجو لأن إثيوبيا استطاعت جذب دول حوض النيل إلى اتفاقية عنتيبي وهي معنية بإعادة تقسيم المياه، كما أنها لم تستطع التعامل مع الاختراقات الإقليمية الأخرى التي لديها مصالح اقتصادية وأمنية أكبر مع وجود قواعد عسكرية ودعم اقتصادي مستمر للدول الافريقية لا تستطيع القاهرة تحمل تكلفته، ما يجعل التواجد في الصومال تعويضا عن ملفات أخرى لم تحقق الأثر الإيجابي المرجو.
وأكد أن القاهرة تضرب عصفورين بحجر واحد فهي من ناحية تقدم خبراتها لمواجهة حركة “الشباب” الصومالية بما لديها من خبرات في مواجهة التنظيمات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، ومن ناحية أخرى فهي تعرقل وصول أثيوبيا إلى ساحل البحر الأحمر عن طريق “أرض الصومال” وهناك قناعة إنه إذا جرى تحديث الجيش الصومالي فإن أديس أبابا ستفكر في خطواتها، لافتاً إلى أن مصر كان يمكن أن تبحث عن صيغة للتعاون مع إثيوبيا غير أن مواقفها في سد النهضة وأزماتها مع جيرانها تشير إلى أن تشاطئها سيكون محل مشكلات أكبر.
رسائل تهديد غير مباشرة
وذكر أن القاهرة تبعث برسائل تهديد غير مباشرة لأديس أبابا بأن سد النهضة أضحى في متناول قواتها، ورغم أنه لا مجال لتوظيف عمل بعثة دولية في أعمال عدائية لكن ذلك يشكل ضغطاً على إثيوبيا، التي ستكون في حالة قلق مستمر من قرب التواجد المصري من حدودها خاصة وأن هناك تواجد لجنود مصريين في القاعدة العسكرية بإقليم “جيدو” في الصومال وهي على الحدود مع إثيوبيا، وستكون تلك المنطقة بمثابة ارتكاز لقوات مصرية تشارك في تدريبات مع الجيش الصومالي لتطوير قدراته.
وأشار المصدر أيضاً إلى أن التواجد المصري في الصومال محفوف بالمخاطر أيضاً لأن الجنود المصريين يمكن أن يكونواً هدفاً لقوات الشباب الصومالية أو لأي مجموعات مسلحة يمكن أن تعمل لحساب أطراف مناوئة لمصر، بخاصة وأن منطقة “جيدو” شهدت تنفيذ عمليات من جانب حركة الشباب الصومالية على مدار السنوات الماضية، ويمكن أن يكون التلويح باستخدام القوة عبر التواجد العسكري قرب سد النهضة مقدمة لتصعيد آخر بين البلدين.
وفي يناير من هذا العام، صرح عبد الفتاح السيسي أن بلاده ستكون دائما على استعداد للدفاع عن الصومال، نظرا لكون هذا البلد الواقع في شرق أفريقيا عضوا في جامعة الدول العربية.
ووقعت مصر اتفاقية دفاعية مع الصومال في أغسطس 2024 نصت على نشر 10000 جندي مصري في الصومال، نصفهم ضمن مهمة الاتحاد الإفريقي، والنصف الآخر في إطار اتفاق ثنائي مباشر، ما يعيد تشكيل توازن القوى في القرن الإفريقي.
وحسب صحيفة “الصومال الجديد” فقد “وصلت طائرتان عسكريتان مصريتان، الثلاثاء الماضي، إلى مطار آدم عدي الدولي في العاصمة الصومالية مقديشو، كان على متنهما معدات عسكرية وضباط ضمن إعادة تنظيم استراتيجي أوسع نطاقاً في منطقة القرن الأفريقي، حيث يسعى الصومال إلى تعزيز قدراته العسكرية من خلال الشراكات الدولية“.
الملف الأمني الصومالي في مهب الريح
وبحسب خبير في الشؤون الأفريقية، فإن الاعتراضات الإثيوبية على تواجد القوات المصرية في الصومال يرجع لأن هناك عداء تاريخي بين الطرفين ولأن تعقيدات سد النهضة مازالت مستمرة بل أن نشر قوات عسكرية مصرية يأتي بالتزامن مع استعدادات افتتاحه، وهناك خطط إثيوبية لبناء مزيد من السدود على ساحل النيل الأزرق، ويشكل وجود القوات المصرية تهديداً لخططها المستقبلية، لأنه ليس من المتوقع أن تقع مصر في نفس الخطأ السابق حينما سمحت لأديس أبابا ببناء السد.
وأضاف أن أديس أبابا ترى بأن مصر وضعت كماشة لخنقها فهي وطدت علاقتها مع كلاً من الصومال وإريتريا، وهو ما يشكل تهديدا على مصالحها في المنطقة، كما أن لديها توترات مع الدولتين، ما يجعل من الانخراط المصري في أي من هذه الصراعات قائماً وستكون فرصة للرد على حرب المياه التي تشنها.
ووفقاً للمصدر فإن تعزيز التعاون مع قوى مجاورة لإثيوبيا يقلص من فرص مناورة أديس أبابا بحجب المياه عن دولتي المصب في حال لم يكن هناك اتفاق بشأن التشغيل، في حين أن خطط الاستفادة من الطاقة الكهرومائية يتطلب حجب كميات هائلة من المياه قد تسبب جفافاً في المياه لدى مصر والسودان.
ولفت إلى أن الاعتراض الأكبر من جانب إثيوبيا يتعلق بأن الملف الأمني الصومالي الذي كانت تتحكم في مقاليده لسنوات طويلة نتيجة لتنسيقها الأمني المستمر مع مقديشو أضحى في مهب الريح الآن، وهو ما دفعها لتحسين العلاقات مع الحكومة الصومالية بحثاً عن إمكانية تحييد مصر، مع بدء نشر قوات مصرية فإنه من الواضح أن المحاولة الإثيوبية لم تحقق أهدافها، وبالتالي سيكون هناك إعادة رسم موازين القوى في منطقة القرن الأفريقي على أسس التوازن وليس حسم القوة لصالح أي من مصر أو إثيوبيا.
وعبّر السفير الإثيوبي في مقديشو سليمان ديديفو عن استياء بلاده من وجود قوات مصرية في الصومال، وأن أديس أبابا لا تشعر بالتهديد منها أو الارتياح لها، ولا تمثل “أيّ فائدة أمنية” مؤكدا أن إثيوبيا لا تمانع في استقدام قوات من أي دولة صديقة، لكن وجود قوات من مصر قد يشكل تحديا سياسيا واستراتيجيا للقوات الإثيوبية في الصومال، ويبلغ عددها نحو 4 آلاف جندي.
*”مدبولي” خطة لتوسع أسطول الطيران بنسبة 30%.. أولويات خفية في زمن تقشف الشعب
في الأول من سبتمبر 2025، أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي خلال اجتماع اللجنة الوزارية للسياحة بالعاصمة الإدارية الجديدة عن خطة حكومية لزيادة حجم أسطول الطيران المدني بنحو 30% خلال الفترة المقبلة، مبرّرًا ذلك بطفرة في قطاع السياحة وجذب العملة الصعبة، وأن “جهودًا حثيثة” تُبذل من وزارة الطيران المدني لتحقيق هذا الهدف.
هذا القرار أثار ردود فعل غاضبة في الشارع المصري، خاصة وأنه يأتي في ظل تداعيات اقتصادية وصفّتها منظمات حقوقية بأنها “أزمة عميقة” تعيق حياة المواطن العادي.
فما مصدر هذه الأموال؟
ولماذا أُهملت الأولويات الاجتماعية؟
وما الذي أُعلن بالضبط؟
قالت مصادر حكومية وصحافية أن الخطة تتضمن توسعًا في أسطول شركات الطيران المصرية وإدخال طرازات جديدة خلال السنوات المقبلة، بينما تشارك الدولة مع القطاع الخاص في فتح عقود تشغيل وإدارة لمطارات.
التصريحات الرسمية لم تذكر قائمة أسعار مفصّلة أو جدولًا زمنيًا دقيقًا للتسليمات، لكن وسائل إعلام نقلت عن مسؤولين أنهم يسعون لرفع عدد الطائرات التجارية والمناولة بنحو 30%.
من أين تأتي الأموال؟ (مصادر التمويل المحتملة)
التمويل لشراء أو استئجار طائرات جديدة يمكن أن يأتي من عدة مصادر: تمويلات مباشرة من الخزانة العامة، قروض تجارية طويلة الأجل، تسهيلات ائتمانية من شركات التصنيع (مثل بوينغ أو إيرباص) أو استثمار من شركاء خليجيين/أجانب.
في السنوات الأخيرة دخلت مصر في اتفاقيات تمويل ودعم دولي (ومن ضمنها أدوات دعم واستثمارات خليجية) كما حصلت على حزمة دعم مالي كبيرة من صندوق النقد الدولي بمبادرة قُدّرت بمليارات الدولارات في 2024.
أي خطة توسعية كبيرة تحتاج إما تخصيصًا في الموازنة أو قروضًا جديدة أو استثمارات مُعلنة، وما لم تُعلن الحكومة مصدرًا محددًا، يظل السؤال مفتوحًا.
أرقام متضاربة.. طائرات بأكثر من نصف مليار دولار في وقت أزمة شعبية
تعود جذور هذه الصدمة إلى سنوات ما قبل الأزمة الاقتصادية الحالية إذ كشفت تقارير موثقة عن إنفاق حكومة الانقلاب المصرية أكثر من 500 مليون دولار على شراء طائرات حصرية ومجهزة لهيئة الرئاسة.
ففي عام 2022، تم الإعلان عن صفقة طائرة رئاسية جديدة قيمة وصلت إلى 240 مليون دولار بعدما رفض السيسي عرضاً أولياً 500 مليون.
هذه الطائرة الرئاسية كانت مضافة لأسطول طائرات الحكومة التي بلغ عددها 24 طائرة فخمة، تمثل ترفاً باهظاً وسط تقشف يعيش فيه الشعب المصري.
وفي 2016، كشفت صحف فرنسية أن الحكومة اشترت 4 طائرات من طراز “Falcon 7X” بقيمة 300 مليون يورو، أي ما يزيد عن 5 مليارات جنيه مصري، ضمن استراتيجية إبدال وتجديد الطائرات الحكومية الأمريكية القديمة.
التناقض بين الترف الحكومي والتقشف الشعبي
المواطنون يواجهون ارتفاعًا في الأسعار وضغوطًا على القدرة الشرائية: معدلات التضخم بقيت مرتفعة خلال 2024–2025 رغم تحسّن طفيف، والحكومة طبّقت إصلاحات تقشفية وإجراءات تقليل الدعم كشرط لبرامج تمويل دولية.
في هذا السياق، إعلان إنفاق كبير على أسطول الطيران يُقرأ لدى شريحة واسعة كدليل على أولويات إنفاق لا تتماشى مع حاجة الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى دعم السلع الأساسية والرعاية الصحية والتعليم.
تتصاعد الانتقادات عندما يُطالب المواطنين بـ«التقشف» في حين تُنفق الدولة على مشتريات فاخرة أو تجهيزات عالية الكلفة.
أرقام ومقاربات مادية (تقديرية)
تكلفة الطائرات تختلف اختلافًا كبيرًا بحسب النوع (طائرات ركاب ضيقة البدن، بعيدة المدى، أو طائرات حكومية فاخرة)، مثال: صفقة طائرات تجارية جديدة قد تتراوح مئات الملايين من الدولارات للطائرة الواحدة حسب الطراز، حتى لو كانت الزيادة بمقدار 30% لأسطول متوسّط الحجم، فهذا يعني عشرات أو مئات الملايين من الدولارات إن لم يكن أكثر، رقم يمكن أن يمثّل جزءًا كبيرًا من الاعتمادات المخصصة لقطاعات اجتماعية مهمة لو صُرف محليًا.
حكومة الانقلاب لم تُقدم كشفًا تفصيليًا عن التكلفة أو الجدول الزمني للتسديد، ما يجعل المواجهة بشأن الأولويات مفتوحة.
تصريحات السياسيين والاقتصاديين
نقّاد اقتصاديون وسياسيون مستقلون قالوا إن توسيع أسطول الطيران يجب أن يكون مبنيًا على دراسة جدوى شفافة تشمل أثره المباشر على التشغيل والسياحة والميزان التجاري، وليس قرارات تُتّخذ على أساس الظهور الإعلامي أو رغبة في مشاريع مفاخرة للسلطة.
أثارت هذه الصفقات ضجة وانتقادات حادة بلغ بعضها حيز التصريحات العلنية من سياسيين ونشطاء.
فمن أمين عام حزب المحافظين طلعت خليل جاء انتقاده قائماً على تناقض الحكومة بين ترشيد الضوء والطاقة، وفي الوقت ذاته اقتناء طائرة رئاسية مصرفية فخمة تستهلك وقوداً يقدر بـ260 ألف جنيه مصري في الساعة الواحدة.
كما طالب اقتصاديون بضرورة الإعلان عن بنود التمويل والضمانات وخطط سداد الديون (إن وُجدت) قبل إبرام أي عقود، كي لا يتحمل المواطن فاتورة تمويلات طويلة الأجل عبر رفع الضرائب أو تقليص الدعم.
ما أسباب القلق؟!
- شفافية الإنفاق: في غياب تقارير مالية مفصلة، يبدو الإنفاق الفلكي على أسطول طيران جديد قرارًا يحمل مخاطر فساد وإسراف.
- الأولويات الاجتماعية: بينما لم تُخفض الدولة دعماً للوقود أو تجرّ إصلاحات سوق الإيجارات وتعدّل نظم الدعم، يثير الاستثمار في أساطيل طيران تساؤلات حول العدالة في توزيع الموارد.
توصيات
قرار زيادة أسطول الطيران بنسبة 30% يمكن قبوله إذا صُاحب بـ:
- كشف مالي شفاف حول تكلفة الصفقة، جدول تسليم، وتصريحات دقيقة لمصدر التمويل.
- دليل قاطع على أن هذا الإنفاق لن ينعكس برفع الضرائب أو تخفيض دعم الغذاء أو التعليم أو الصحة.
- خطة للتوظيف والتشغيل تُظهر أن القطاع الخاص هو المستفيد والمحفز للنمو، لا الأنفاق المرهق للموازنة.
في غياب هذه الضمانات، فإن هذا البروتوكول الحكومي يُقرأ كصفقة ستحمل أعباء إضافية على المواطن خلال سنوات، في وقت يرى فيه أن أولى واجبات الدولة هي الكاشف عن المال العام، لا إخفاؤه.
المواطنون لا يرفضون التطوير بالضرورة، لكنهم يطالبون بأن تكون أولويات الإنفاق الوطنية عادلة وشفافة، وإلا ستبقى تصريحات «التقشف على الشعب» و«البذخ على مؤسسات الدولة» وقائع يومية تُغذي السخط الشعبي
* بطاقة حمراء من إثيوبيا إلى مصر
المصريين استقبلوا فوز منتخبهم على إثيوبيا بهدفين دون رد في تصفيات كأس العالم بمزيج من الحسرة أكثر من الفرح، بعدما أدركوا حجم خسائرهم في سباق المياه مع أديس أبابا. الصحفي المصري علي القماش لخّص ذلك بمرارة على فيسبوك قائلاً: “غلبناهم كورة، وغلبونا مية“.
يؤكد تقرير ميدل إيست مونيتور أن يوم 9 سبتمبر شكّل حدثاً استثنائياً لمصر يتعلق بأمنها المائي مع الافتتاح الرسمي لسد النهضة الكبير بعد نحو 15 عاماً من الخلافات والمفاوضات، وهو ما مثّل نقطة تحول تاريخية لصالح إثيوبيا التي وضعت القاهرة والخرطوم أمام الأمر الواقع.
ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام السد في مقطع مصوَّر وصف فيه اكتمال المشروع بأنه “إنجاز تاريخي”، مضيفاً في مقابلات إعلامية أن المشروع سلمي ولن يسبب أضراراً، بل سيجلب فوائد اقتصادية واسعة، ودعا مصر والسودان للتعاون على أساس المنفعة المشتركة.
وفي الوقت نفسه أطلق رسائل أكثر صرامة؛ إذ أكد وزير المياه والطاقة الإثيوبي أن البناء اكتمل متسائلاً: “ما الذي بقي للتفاوض؟”. كما أنشأت الحكومة قوة شرطة بحرية جديدة لحماية السد، فيما شددت القوات الجوية الإثيوبية الرقابة عليه مستخدمة أنظمة دفاع جوي متطورة.
في المقابل، أصدر وزراء خارجية وموارد مصر والسودان بياناً مشتركاً اعتبروا فيه أن السد ينتهك القانون الدولي ويهدد الأمن المائي لدول المصب، مؤكدين حقوق مصر (55.5 مليار متر مكعب) والسودان (18.5 مليار).
غير أن وثيقة مسربة كشفت اختراقاً في الموقف المشترك بعد اتفاق الخرطوم مع أديس أبابا على آلية تنسيق وتبادل بيانات بشأن تشغيل السد، تلزم إثيوبيا بإطلاق حد أدنى من المياه نحو السودان خلال موسم الفيضان.
هذه الخطوة عكست تراجعاً عن مطلب القاهرة باتفاق شامل وملزم يضمن حصتها التاريخية وفق اتفاقية 1959.
تزيد الحرب الأهلية في السودان من مأزق مصر، إذ أضعفت قدرة الخرطوم على دعم الموقف المصري، فيما يرى خبراء أن قدرة إثيوبيا على التحكم في تدفق المياه تمنحها ورقة استراتيجية خطيرة، قد تتسبب في فيضانات مدمرة أو جفاف قاسٍ.
تقارير متشائمة تشير إلى احتمال انخفاض حصة مصر بين 2 و3 مليارات متر مكعب سنوياً في سنوات الجفاف، ما يهدد ملايين الأفدنة الزراعية ويزيد معدلات الفقر.
رداً على ذلك، يتحرك الجانب المصري لتعويض عجزه المائي السنوي (54 مليار متر مكعب) عبر تحديث أنظمة الري وإنتاج 10 ملايين متر مكعب يومياً من المياه المحلاة خلال خمس سنوات، مقارنة بـ1.4 مليون حالياً، مع خطط لرفع القدرة إلى 30 مليون متر مكعب يومياً على المدى الطويل.
لكن بعد أكثر من 13 عاماً من المفاوضات الفاشلة، وجدت القاهرة نفسها أمام دعوة إثيوبية لحضور حفل افتتاح السد.ويرى معارضون أن توقيع زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي على إعلان المبادئ عام 2015 منح إثيوبيا شرعية قانونية للمضي في البناء والتشغيل.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتراجع النفوذ الإقليمي، والعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة التي تربط أي تدخل بقبول مصر توطين سكان غزة، تتضاءل خيارات القاهرة.
الخيارات العسكرية معقّدة ومكلفة بسبب بُعد المسافة وخسارة السودان كحليف محتمل، فضلاً عن مخاطر كارثية إذا انهار السد.
لذلك يطرح باحثون مثل محمد محمود بدائل أخرى، من بينها تعزيز النفوذ المصري في القرن الأفريقي عبر تحالفات مع الصومال وإريتريا ودول حوض النيل، أو تدويل القضية واللجوء إلى التحكيم الدولي، أو القبول بوساطات خليجية ودولية تضمن ترتيبات لتشغيل السد، خصوصاً في مواسم الجفاف.
ويبقى خيار أخير أقل احتمالاً، لكنه مطروح في حسابات المصالح: التخلي عن سياسة العصا والاكتفاء بسياسة الجزرة عبر البحث عن تنسيق كامل أو جزئي مع إثيوبيا يخفف المخاطر المائية المستقبلية.