أزمة الإنسان المصرى

أزمة الإنسان المصرى

كامل مندور

أتأمل أزمة البنزين الأخيرة وأتعجب من موقف الشارع المصرى حيالها، كيف غضب البعض وخرجوا ليقطعوا الطرق العامة والسكك الحديدية ولم يصبروا على أزمة بسيطة لم تستمر سوى بضعة أيام قليلة، والأعجب هو موقف الدولة الخليجية الشقيقة التى كانت سبباً فى الأزمة حيث منعت تفريغ السفينة التى تحمل شحنة البنزين، ما لم تتقاض الثمن (مقدماً)، البعض يرى أن أزمة البنزين إنما هى مؤشر على وجود خلل فى الاقتصاد المصرى يتعين معالجته، وهذا صحيح بالطبع، ويرى البعض كذلك أنها مؤشر على وجود خلل فى العلاقات المصرية العربية يتعين تداركه فى أسرع وقت، وهذا أيضاً صحيح، ولكن الأهم عندى أنها مؤشر على وجود خلل فى تكوين الإنسان المصرى وفى بناء الشخصية المصرية عقب حقبة الرئيس المخلوع، والتى استمرت حوالى 30 عاماً نفذت خلالها خططًا دنيئة لهدم الإنسان المصرى من الداخل وتفريغه من قدراته المعنوية التى يواجه بها الأزمات ويحارب بها أعداء الوطن فيصبح إنساناً هشاً يسهل على النظام السابق قيادته ويحقق لأعداء الخارج هدفهم الذى أسموه (نصر بلا حرب).

لقد ذكرتنى أزمة البنزين الأخيرة بالحالة التى كانت عليها مصر فى أعقاب النكسة، حيث وجهت الدولة ميزانيتها بالكامل لإعادة بناء القوات المسلحة والأعداد لمعركة استرداد الكرامة، وكان من أثر ذلك دخول البلاد فى أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة نقص جميع السلع الضرورية وتوزيعها بالبطاقات التموينية بحصص لا تسمن ولا تغنى من جوع، وكان الشخص الميسور الحال لا يستطيع أن ينتفع بيساره لأنه لا يستطيع أن يجد سلعاً يشتريها بماله، أضف إلى ذلك ضعف الرواتب والرسوب الوظيفى وانهيار البنية التحتية وضعف جميع الخدمات، ورغم كل ذلك كانت المظاهرات تخرج للمطالبة بعام الحسم الذى كان يؤجل عاماً بعد عام، لم نكن نسمع أبداً عن مظاهرات تطالب بتوفير السلع أو ما يسمى بالمطالب الفئوية، لقد تحمل الشعب المصرى أزمته وقتها بصبر بالغ لمدة ست سنوات كاملة دون أن يفقد صبره أو يحيد عن هدفه حتى حول الهزيمة السوداء إلى نصر عبقرى أذهل العالم أجمع، وقد اجتهد العدو فى البحث عن سبب هذا النصر رغم أنهم الأعلى تسليحاً والأفضل عتاداً ، فوجدوا أن العنصر الفارق بين الجيشين إنما يتمثل فى العنصر البشرى حيث كان المقاتل المصرى على أتم الاستعداد للتضحية بالنفس من أجل إتمام المهمة، وكانت الجبهة الداخلية من خلفه على أتم الاستعداد لتحمل جميع الصعاب من أجل تحقيق النصر، وكان الإنسان المصرى هو السلاح السرى فى معركة النصر، فأين هذا الإنسان الآن؟
..
لو بحثت عنه فستجده وبكثرة، وعلى أكتافهم قامت الثورة المصرية التى أذهلت العالم، ولكنك ستجد أيضاً بعض طوائف الشعب التى أصابها الوهن وتأثرت بمخططات العدو الدنيئة، وتبدى ذلك جلياً فى المظاهرات الفئوية محدودة الرؤية، والتى خرجت عقب نجاح الثورة، والاهتزاز والضعف وإعلان الغضب وقطع الطريق عند مواجهة أبسط الأزمات، نعم أصبحنا أمام هذه الحالة من التناقض، شعب يبهر العالم بثورته ثم بأدائه خلال الانتخابات، وشعب يصرخ بأعلى الصوت من أجل مطالب فئوية خاصة أو عند تأخر إحدى السلع، يجب أن نشخص هذا المرض مبكراً وأن نعترف بوجوده حتى نستطيع علاجه فى أقصر وقت، والعلاج سهل ميسور..
ولكنه يحتاج إلى اكتمال المؤسسات الديمقراطية أولاً.

kmandlaw@gmail.com

عن marsad

اترك تعليقاً