أرض الصومال وآفاق المستقبل

«أرض الصومال» وآفاق المستقبل

تعريف
جمهورية أرض الصومال، كيان سياسي أعلن استقلاله من طرف واحد عن جمهورية الصومال في 18/05/1991، إثر انهيار الدولة المركزية، بعد سقوط نظام الجنرال محمد سياد بري، الذي تسببت سياساته المستبدة بانتشار الاضطرابات في كل أنحاء البلاد، لتقوم جمهورية أرض الصومال، باعتبارها الوريث الشرعي لجميع أراضي المحمية البريطانية في الصومال، وتعلن بذلك تراجعها عن الوحدة التي كانت طرفًا أساسيًا فيها، لتشكيل جمهورية الصومال في 01/07/1960، بعد استقلالها عن الحماية البريطانية بخمسة أيام
معلومات موجزة عن أرض الصومال

المساحة والموقع

تغطي جمهورية أرض الصومال كامل مساحة المحمية البريطانية السابقة، والمقدرة بمئة وسبعة وثلاثين ألفًا وستمائة كيلومتر مربع، أو ثمانية وستين ألف ميل مربع.
ويحدها من الشمال خليج عدن، ومن الشمال الغربي جمهورية جيبوتي، ومن الجنوب والجنوب الغربي الجمهورية الإثيوبية، من الشرق ولاية أرض البونت التابعة سياسيًا لحكومة الصومال الفيدرالية بمقديشو.

السكان

يبلغ سكان الجمهورية نحو 3.500.000 حسب تقديرات سنة 2007، ويتتراوح الكثافة السكانية بين خفيفة في الأقاليم الشرقية و الشمال الغربي، والعالية في الغرب والجنوب الغربي.

أهم المدن

هرجيسا: عاصمة الجمهورية وأكبر مدنها.
بورما: واحدة من أكبر المدن، ومركز زراعي وعلمي مهم.
برعو: ثاني أكبر المدن مركز تجاري رئيسي.
بربرة: الميناء الرئيسي للجمهورية.
لاسعانود: عاصمة محافظة سول.
زيلع: ميناء تاريخي عاصمة إمارة (عدل)
عيرقابو: عاصمة محافظة سناج.

أهم الأحداث التاريخية

كان مؤتمر “برلين” 1884-1885 بداية للوجود الأجنبي الفعلي ليس في القرن الإفريقي بل في سائر بقاع القارة الإفريقية، واستطاعت المملكة المتحدة، أن تشمل أجزاء كبيرة من بلاد الصومال تحت حمايتها، تأمينًا للضفة الأخرى من خليج عدن، الذي كان معبرًا ازدادت أهميته القديمة، بحفر قناة السويس.

وقد أخذت المقاومة الوطنية التي استمرت حتى لحظة الاستقلال أشكال متعددة، منذ الاشتباك الأول للبريطانيين مع أهالي مدينة “بربرة”، وتوقيع المعاهدة الأولى، التي حددت نمطًا من المعاهدات والاتفاقيات، مرورًا بحركة (الدراويش) بقيادة “محمد عبدالله حسن”، وصولًا للمطالبة السياسية النامية بتسريع إجراءات نقل السلطة للوطنيين الصوماليين عقب الحرب العالمية الثانية.

وقد كانت المطالبة الحثيثة بالاستقلال الذاتي، محمولة على أكتاف تيار وطني، اعتبر الوحدة جزءًا من استعادة الحرية التامة لكافة أقاليم الصومال وكافة سكانها، متسقًا ذلك مع الرغبة الشعبية التي تاقت طويلًا لإقامة كيان صومالي موحد وشامل.

وعلى الرغم من وجود أصوات سياسية مرموقة، دعت للتريث في أمر الوحدة، لحين إقامة مؤسسات وطنية بالكامل في الصومال البريطاني، فإن التوجه الشعبي العارم كان هو القائد الفعلي، والمحدد الرئيسي للأهداف التي كان يسعى القادة السياسيون لتحقيقها، لكن ذلك الخلاف الداخلي لم يلبث إلا أن أظهر نفسه جليًا، بمحاولة انقلابية في الاقليم من قبل بعض ضباط الجيش في10/12/1961 ، والذين أرادوا من خلاله استعادة الاستقلال والاعتراف الدولي من جديد، لكنهم واجهوا نفورًا شعبيًا من تلك الفكرة التي أصبحت أمرًا تم تجاوزه، خاصة مع انخراط أعلام السياسة في العمل السياسي الوحدوي مما أفشل تلك المحاولة.

أرض الصومال مواطن القوة والمشكلات

القبلية والوطنية في أرض الصومال

لا تختلف (أرض الصومال) في مكونها البشري، وبيئتها القبلية عن باقي بقاع إقليم (الصومال الطبيعي)، لكن الملفت حقيقة التعامل الحكيم مع المسألة القبلية، التي كانت قد بلغت ذروة تأزمها، في ظل النظام الدكتاتوري البائد، حيث تم تعميق انعدام الثقة وإحياء النعرات القديمة، خاصة مع تهديد أسس الثقافة الصومالية، بتقزيم العامل الديني الذي كان الضمانة الأكثر نجاعة في حلحلة الاحتقانات التي تعجز النظم القبلية، ومؤسسات الدولة عن معالجتها.

وقد كان بروز نجم الحركة الوطنية الصومالية ( S.N.M )، ذات الأغلبية من الأكارم من “بني إسحاق”، كأحد المنتصرين في الثورة الشعبية المسلحة على النظام الحاكم، أحد أهم المنعطفات التاريخية في أرض الصومال والصومال قاطبة، فتجلت حكمة السلام والمصالحة مع الجبهات الأقل قوة، والتي كانت تؤيد النظام الدكتاتوري في المنطقة، منساقة تحت إغراء المكافأة وتضليل الإعلام الحكومي والتلويح بالعقوبة والانتقام، لتساهم في إطالة أمد الحرب الأهلية بالشمال الصومالي، وما ترافق معها من مآسٍ وجرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية، خارقة القيم الدينية والتقاليد القبلية للصوماليين.

فتوالت مؤتمرات المصالحة كمؤتمر “بورما” سنة 1993، مبرزة دورًا أساسيًا للقادة التقليديين، كاد أن يتم إلغاؤه في ظل سلطة الفرد الواحد، مجنبة المنطقة تناحرًا طويلًا مؤسفًا وغير مجدٍ، كما جرى لاحقًا في مناطق الجنوب الصومالي، التي خسرت كل نظمها التقليدية في ظل القبضة الحديدية للنظام البائد.

وانتقلت القيادات العسكرية للفصائل القبلية بأرض الصومال، من مرحلة القيادة الميدانية، إلى الصف الثاني من حيث إصدار القرار، بنزع الشرعية عن أي سلوك انفرادي من قبلهم، تجاه أي مستجدات قد ترد ، في جو مشحون بالألم والتوجس، وقد كان تولي ـ المغفور له بإذن الله ـ محمد حاج ابراهيم عقال مقاليد الحكم في أرض الصومال، نقلة للإقليم كله من حيث التحجيم النهائي لقادة الجبهات، خاصة الجبهة الأكبر والأقوى “الحركة الوطنية الصومالية”، فيضطر قادتها للتوجه التام للدخول في العملية السياسية، بعد القطيعة الحازمة مع مرحلة العمل عبر الفصائل.

وقد لعبت مؤتمرات السلام دورًا أساسيًا، في تهيئة الجو لعودة الطرح الذي طويت صفحته قبل ثلاثة عقود، الهادف لإعلان جمهورية أرض الصو مال، ككيان سياسي مستقل عن الوحدة القديمة، وكل ما يحيط به من الكيانات والدول، ورغم اعتبار بعض المراقبين أن المؤتمرات لم تكن تطرقت  من قريب أو بعيد لشأن الاستقلال، أو الانفصال التام عن وحدة سنة 1960، إلّا أن هناك من يرد بأن نجاح تجربة الحل الداخلي بين مكونات تلك البق عة الواحدة، كفيل بحلحلة أي اختلافات في وجهات النظر، التي غدت محلية عبر الارتباط الجماعي الجازم، بالعقد المبدئي الذي بموجبه غدت  صيانة الاستقرار والسلام والأمن الجمعي، واجبًا على كل المكونات بمجهود مشترك وموحد، وبذلك يكون ما تلاه من إعلان الاستقلال النهائي،  والتركيز على بناء الدولة المدنية، أمرًا ضروريًا لتفادي امتداد الصراع، وحاجزًا متينًا أمام انعدام الأمن والجريمة المنظمة، التي لازالت مستمرة في  الازدهار، خارج حدود الصومال البريطاني السابق.

و تبرز على السطح أحداث مرتبطة بوجهات نظر  سياسية مختلفة، بلغت حد توجه عناصر مهمة من المكونات في أرض الصومال للتصعيد السياسي غالبًا، والعسكري كما في حالة الأجزاء الشرقية من الصومال البريطاني ـ سابقًا ـ، وتلك الأحداث من الأهمية بمكان بحيث تحتاج للطرح والدارسة، ويكون على رأس تلك التطورات ثلاث حالات رئيسية:

أوضاع شرق أرض الصومال

يمكن تحديد المناطق موضع البحث بمحافظات (سول وسناج وناحية عين) حسب التقسم الإداري الموروث من دولة الوحدة، أو (سول وسناج وماخر و عين وسرر) حسب التقسيم الإداري الذي أقرته حكومة أرض الصومال.

مما لا يخفى أن المكون البشري الرئيسي للإقليم من الأكارم من عشيرتي “دولباهنتي” و”الورسنجلي” المنتميتين لتجمع الأكارم من “عشائر هرتي”، وتمتد في ولاية أرض البونت ذات الإدارة الذاتية، التابعة للدولة الفيدرالية الصومالية، ولهذه المنطقة خصوصية ديمغرافية وقبلية جعلت ممكنًا للطبقة السياسية المعارضة، أخذ اتجاهات تصعيدية باتجاه القطيعة مع الكيان الجديد ( أرض الصومال)، ويعود ذلك لعدة عوامل ساهمت في تبلور الأوضاع ووصولها لمرحلة المناوشات المسلحة بين عناصر من سكان هذه المناطق والجيش النظامي لأرض الصومال يمكن طرح أهمها حسب الأسبقية التاريخية منذ نهاية الثمانينات حتى الآن كالتالي:
•كان العامل القبلي حاضرًا بقوة، كنتيجة لسياسية فرق تسد من نظام سياد بري، وقد أدى لانحياز القيادات السياسية والتقليدية بالمنطقة للنظام، كممثل للدولة الصومالية، في حين انحازت المناطق المحيطة شرقًا وغربًا، للتمرد الذي أطاح بالرئيس ونظامه بداية التسعينيات.
•حالة الانجذاب نحو ولاية (بونت لاند) ذات التجانس القبلي حيث أن مكونها الرئيسي من (هرتي) التي ينتمي إليها الأكارم من (دولبهانتي) و (ورسنجلي).
•ولا يخفى على متابع أن أهم مدن الإقليم تقع ضمن أراضي الأكارم من عشيرة (مجيرتين) ذات تقاليد الحكم العريقة، وعليه فكان من الطبيعي التسليم لها بالقيادة.
•قادت التسويات التي نشأت خاصة بعد الصراع المسلح بين عشائر إسحاقية، والثقل السياسي والبشري للعاصمة (هرجيسا)، إلى إفراز محاصصة قبلية في مناصب الدولة الرئيسية، مع إقرار لحقائق الوضع الديمغرافي في المناصب البلدية، وقد أدت المحاصصة لشعور أبناء الأقاليم الشرقية وغيرهم بالتهميش، كنتيجة لعوامل عدة منها، عدم توفر الظروف الملائمة لإجراء تعداد سكاني، والإعفاء الضريبي الحاصل نظرًا لعدم إمكانية تفعيل دور الدولة، في منطقة غلب عليها التقلب في الولاء بين أرض الصومال وولاية أرض البونت.
•لعبت الحزازيات القبلية بين العشائر المتصاهرة، في مناطق التماس والعشائر الشرقية فيما بينها، لاستمرار حالة التوتر، في ما يشبه لعبة الكراسي، مما أدى إلى تغييرات سريعة في الولاءات، تبعًا للحوادث الأمنية، او المناوشات على المياه والمراعي، مما قلل فرص استمرار الإدارات المحلية المعينة من أرض الصومال، واعتماد تلك الإدارات على الوجود الأمني والعسكري المباشر لأرض الصومال، ليكون ضمانة لاستمرار الاستقرار، وقد كان التنافس بين أجنحة العشيرة الواحدة، القاعدة الوحيدة الثابتة، في ظل الولاءات المتغيرة مما أضعف مصداقية السياسيين من أبنائها، لعجزهم عن احتواء الخلافات العشائرية، ونقلها لمستوىً سياسي ذي إيقاع أكثر انضباطًا و استمرارية، عن طريق تقسيم المتاح القليل من المراكز السياسية والمناصب الإدارية والبلدية، وتحقيق آلية للتناوب كما هو حاصل في سائر المناطق الأخرى من أرض الصومال.
•مع استمرار الانشطار الداخلي، استمرت الدعوات الموجهة من قبل السياسيين المرتبطين بأرض الصومال، للحكومة بإزالة ما يرونه إجحافًا في توزيع المناصب، أو ضآلة الحصة الحكومية لأبناء المنطقة، تذهب ادراج الرياح، لضعف التأييد لهم في مناطقهم بالأساس، نظرًا للطروحات المتناقضة التي تتقاسم أبناء المنطقة، مما قاد لحالة من الغموض، عززها عجز أولئك السياسيين كذلك عن الوفاء بما من شأنه ضمان الاستقرار، الذي من خلاله يمكن على أساسه نقل تجربة الدولة المدنية لمناطقهم، وتحول دورهم الريادي إلى مجرد حالة من التأثر، والتبعية لعوامل عدم الاستقرار التي تمور بها تلك المنطقة.
•واجهت الدعوات للانضمام لولاية “بلاد البونت”، عقبة أساسية ، تمثلت بعدم اختلاف الوضع كثيرًا بها عما هو حاصل مع أرض الصومال، رغم وجود التجانس القبلي، لكن استمرت الشكاوى تتكرر من استئثار بعض العشائر بالمناصب والصلاحيات وكذلك الخدمات، مما أدى بالقادة القبليين من أبناء المنطقة، للانكفاء بعيدًا عن الطروحات التي تدعو لتبني إحد الكيانين الكبيرين المحيطين، فتعالت الدعوات لتأسيس كيان سياسي مستقل.
•مع تواتر الأنباء حول مشاريع الاستكشافات البترولية في واديي “نوغال” و”طرور”، الممتدين من المنطقة، وجد القادة التقليديون مبررًا مهمًا لتكثيف جهودهم، نحو الاستقلال بمناطق العشيرتين، بهدف منع أي من الكيانين المحيطين من وضع أيديهما على الثروة “المتوقعة” في المنطقة، فحالف النجاح مؤتمري (خاتمو)، وسط حضور أقل ما يقال عنه أنه استثنائي، إن لم يكن إجماعًا من قبل وجهاء الإقليم ومتعلميه، وتم الإعلان عن ولاية (خاتمو)، وبدأت المناوشات العسكرية بين ميلشيات المؤيدة لمقررات مؤتمر (خاتمو)، والجيش النظامي لأرض الصومال، مما أدى لتراجع كبير في استقرار المنطقة ككل.
•وقد كانت واضحةً منذ البداية، خطورة المراهنة على الحكومة الانتقالية، التي تفتقر لأي إمكانية في حماية نفسها، أو فرض إرادتها على أي من المناطق الصومالية، أو تقديم أي شكل من أشكال العون للولاية الوليدة، مترافقًا ذلك مع قلة اقتناع المدنيين من الأهالي، بالتوجه نحو تصعيد سيرهقهم بانعدام الأمن، واضطراب المعايش وتبديد السلم العام القائم منذ مدة طويلة، مما أدى لعدم وجود أي قوة حقيقية لقرار الحكومة الانتقالية الاعتراف بالولاية الوليدة، ومما زاد الطين بلة، ما استجد من تخبط لدى الحكومة الانتقالية حول الاعتراف بـ”خاتمو”، وتوالي صدور وثائق الاعتراف، وإبطال الاعتراف، ثم الحديث عن عدم صحة إبطال الاعتراف، نظرًا للضغط الكبير الذي واجهته من ولاية أرض البونت، وهو للمفارقة مما كان في مصلحة (أرض الصومال)، مسقطًا ما كان سيصبح ورقة في يد الحكومة الانتقالية، لدى المفاوضات التي تم الإعلان عن قرب إقامتها بين أرض الصومال وحكومة الصومال الإنتقالية قبل شهر أغسطس القادم، وعادت ولاية البونت لإضعاف موقف الحكومة الانتقالية، لدى إعلان رئيس الولاية عن أن أي مفاوضات تستثني بلاد البونت لا قيمة لها، مما أكد إدعاءات أرض الصومال بعدم وجود شريك حقيقي أو لائق لأي حوار أو التفاوض.
•وقد توازت الاستجابات المحدودة لدعوات الرئيس أحمد محمود “سيلانيو”، لترك العمل المسلح و التوجه نحو الحل السلمي المطروح، مع استمرار الوجود العسكري الكبير لقوات أرض الصومال، وهجمات عسكرية عنيفة من قبل الملشيات المؤيدة لـ”خاتمو”، فأدت لسقوط الكثير من القتلى والجرحى والأسرى، في آخر تطوراتها بمدينة “لاس عانود” مركز محافظة سول، والتي كانت تعتبر حتى وقت قريب واحدة من اكثر مدن الأقاليم الشرقية أمنًا.

الأوضاع في المنطقة الغربية

كان لمؤتمرات المصالحة التي عقدت فور أن وضعت الحرب الأهلية في شمال الصومال أوزارها، دورًا كبيرًا في تجنيب المنطقة الغربية من أرض الصومال الكثير من الأوضاع التي في شرق البلاد، ويمكن تحديد تلك المنطقة من أرض الصومال بالمحافظات (أودل) وأجزاء من (الشمال الغربي ـ Waqooyi Galbeed ـ)، أو (سلل و أودل و جبيلي) حسب التقسيم الإداري الذي أقرته حكومة أرض الصومال.

كما يمكننا أن نلمس عوامل عديدة ساهمت بفاعلية في استتباب الاستقرار، ومساهمة أبناء تلك المنطقة في تأسيس الدولة المدنية وكان من تلك العوامل:
•عدم تأثر أكبر مدن المنطقة بالحرب الأهلية، واستمرار الأمن والاستقرار بها مع تغير الظروف السياسية والميدانية.
•القرب الجغرافي من مركز الحكومة في هرجيسا.
•اصطفاف الأكارم من قبيلة (عيسى) مع أبناء خؤولتهم (بني إسحاق) ، في صراعهم مع نظام الجنرال محمد سياد بري، ومشاركتهم في الأعمال القتالية جنبًا إلى جنب معهم.
•إقرار عرف تولي أحد أبناء المنطقة من الأكارم من (جودابيريسي) منصب نائب الرئيس، بدءًا بالرئيس الثاني للجمهورية، واستمرار العرف غير المكتوب بثبات أعداد الوزراء من أبناء المنطقة الغربية، حتى في حال إقالة أحدهم، بإجراء تعديل وزاري محدود مصمم لذلك الغرض، خاصة في عهد الرئيسين السابق والأسبق.
•علاقات المصاهرة والقربى والرحم، إضافة لامتداد التجاور بين مكونات المنطقة داخل إثيوبيا وجيبوتي.
•استقرار الأوضاع في جيبوتي على تولي جناح من الأكارم من قبيلة (عيسى) ـ مماسن ـ ذات الامتداد في أرض الصومال، لمقاليد الحكم في البلاد منذ الاستقلال، مع استمرار التنافس مع جناح القبيلة الممتد إلى (ديردوة) بإثيوبيا.
•الدور العلمي والثقافي للمنطقة، في تخريج دفعات مؤثرة من المتعلمين، الذين كان لهم دور كبير في السياسة والاقتصاد بالجمهورية، وبحكومة الوحدة فيما مضى.
•بيئة الاستقرار والوفرة لممارسة الزراعة والتجارة، والطابع الحضري لأجزاء كبيرة من المنطقة.

على الرغم من كثرة عوامل الاستقرار وحضورها الملموس والقوي، فإن الدعوات لإقامة كيان خاص بجانب من أبناء المنطقة، استمرت نظرًا لمسائل تتعلق بالمحاصصة القبلية في المناصب والمراكز السياسية، ولوجود تيار يناهض فكرة الانفصال وفض الوحدة مع الصومال ـ الإيطالي سابقًا ـ، وكانت ردة الفعل أن نشأت بوادر كيان ولاية “أودل” التي تدين بالولاء للحكومة الفيدرالية، إلّا أن ذلك تلاه خلاف حول تمثيل بعض أجزاء تلك المنطقة، مؤديًا ذلك لانشقاق داخلي بها، وبروز كيان جديد تحت اسم ولاية “زيلع”، وعلى الرغم من كل تلك المستجدات والانشطارات، فإن كياني “أودل” و “زيلع”، لازالا افتراضيين، ولا وجود لهما فعلًا على الأرض، ويمثلهما نخبة من المتعلمين ورجال الأعمال المغتربين، الذين يديرون اجتماعاتهم ويطلقون بياناتهم من الخارج، وقد سرعت أحداث أمنية، رافقها تهاون من قبل حكومة أرض الصومال في نزع فتيلها، في ظل حكومتي “أودوب” بقيادة طاهر ريالي كاهن و “ كولميه” بقيادة أحمد محمود سيلانيو، مما أفرز حالة من التذمر والسخط بين طرفي الحوادث بمحافظة (جبيلي)، مما أشاع شعورًا بالتظلم و تفاقم في التوتر، ودفع بعض أبناء المنطقة للبحث عن مخرج لحالة الركود الحاصلة في حال المشاكل العالقة، وهو ما كان في صالح التحرك الخارجي، باتجاه الابتعاد عن كيان أرض الصومال في سبيل الضغط عليه من ناحية، والاستقلال عنه لاحقًا من ناحية أخرى.

أرض الصومال وتباينات دعاة الحفاظ على الوحدة

في سياق تجريم قوانين جمهورية أرض الصومال، لأي تعاون مع أي طرف أجنبي، فإن أي عمل سياسي أو اقتصادي أو من أي نوع، يمس سيادة واستقرار أرض الصومال، يصبح عملًا يوجب المساءلة والعقوبة، فإن الطبيعة المنفتحة لأبناء المنطقة، وتمسكهم المستميت بحقوقهم من حيث حرية التعبير، تجعل من غير الممكن ملاحقتهم، مالم يمارسوا أعمالا علنية وموثقة، تتجاوز التعبير عن الرأي، إلى النشاط الفاعل والمنظم، كالعمل مباشرة وعلانية مع الحكومة الانتقالية الفيدرالية، مما قد يؤدي للملاحقة باعتبارها «كيانًا اجنبيًا»، بكل ما تحمله تلك العبارة القانوينة من معنى بحسب تفسير القوانين المنظمة لأرض الصومال، إلا أن ذلك لا ينفي وجود أعداد من المثقفين تعددت مشاربهم، وتبيانت أهدافهم ومرجعياتهم ينادون بوجهات نظر تتفاوت، بين النفي التام لشرعية أرض الصومال، وبين الدعوة لإعادة النظر في اتجاه التيار العام الذي، يصر على القطيعة التامة مع ماضي الوحدة و الاعتراف بأن مآسيه لم تستثن احدًا، لينقسم أؤلئك إلى مجموعتين رئيسيتن:
1.مجموعات يختلط لديها الدافع القومي بالإقليمي والقبلي، مع الدعوة لوحدة الصومال الكبير، واعتبار صيانة الوحدة التي تحققت 1960، خطوة يجب المحافظة عليها، في سبيل استعادة السيادة للشعب الصومالي الموحد، على كافة أراضيه، شاملين في دعوتهم تلك، نزع الشرعية عن كل كيان سياسي يتعارض مع توجههم كـ «أرض الصومال»، شأنها شأن جمهورية «جيبوتي»، أو الحكم «الكيني» و»الإثيوبي» للأقاليم الصومالية الخاضعة لهما، ويمكن اعتبار تلك المدرسة امتدادًا للمدرسة القومية الأولى التي نشأت في البلاد، ويؤكد متبنوها دون تردد، بأن التضحية واجبة بكل شيء، للحصول على كل شيء.
2.مجموعات تنظر لعناصر وحدة القومية الصومالية، كأساس لتعاون دائم يضمن حماية الصوماليين، وصون كرامتهم في كل أقاليم البلاد داخل الحدود وخارجها، عبر كبح جماح أي مشروع سياسي، قد يقود لصراع “صومالي – صومالي “، مع نزع الشرعية عن أي عمل حربي أو عسكري، يخرق حرمة الدم الصومالي، حتى وإن كان المبتغى منها، تحقيق الوحدة الكبرى، بمعنى أن أصحاب ذلك التوجه يسعون لإزالة كل عوامل التوتر وعدم الثقة المتبادلة، عبر التركيز على المصالحة على المستوى الاجتماعي، بتفعيل دور الدين واللغة والثقافة الواحدة، بحيث تتم تنقية التعاطف والتعاضد “الصومالي – الصومالي” من أي حزازات، وإقرار النظم السياسية المستقرة الموجودة، بل دعمها ومساندتها من ناحية، والضغط عليها لتلافي أي تصعيد عسكري من ناحية أخرى، ليتحول نشاطها لشبكة أمان كبيرة، تضع القادة السياسيين ومؤسسات الحكم القائمة، تحت رحمة رد الفعل الشعبي المبدئي الموحد، الذي يسعى أصحاب تلك الرؤية للوصول إليه وترسيخه، دون انحياز لطرف دون طرف، وعدم الحيادية مع أي تدخل أجنبي وإن كان موجودًا بناءًا على طلب لمؤسسة داخلية، والملفت أن أصحاب ذلك التوجه، لا يمانعون في استقلال أرض الصومال، وسعيها للحصول على الاعتراف الدولي، لكنهم يعلقون أهمية على الرجوع إلى كل فئات الشعب في تقرير ذلك، كما يناهضون أي عمل عسكري من شأنه، زيادة حدة العداوات بين مكونات المنطقة، ويضغطون باتجاه التزام طرفي عقد الوحدة، ببدء مفاوضات وحدة جديدة، فور اعتراف الحكومة الفيدرالية باستقلال أرض الصومال.

ويبقى معظم أصحاب هذين التوجهين المتباينين، بعيدين عن التأثير الحقيقي على أرض الواقع، نظرًا لكونهم في الغالب الأعم من المغتربين، أو نتيجة لحالة الشحن المستمر في الداخل، من قبل وسائل الإعلام المحلية والحزبية، واجترار جراحات الماضي، ولم تكن إضافة نصب جديد لأحد ميادين هرجيسا، ممثلًا بمجسم دبابة، مماثل لما كانت تستعمله الحكومة المركزية، أبان حكم الجنرال محمد سياد بري، فضلًا عن مجسم الطائرة الحربية الشهير، سوى دليلٍ على صعوبة إن لم نقل استحالة قدرة أصحاب ذلك التوجه، على إعلان وجهة نظرهم التي ستتم مواجهتها بالتشهير والتجريم، إن لم يكن بالملاحقة القانونية والاضطهاد.

الإشكاليات السياسية في أرض الصومال وحلول مقترحة

لقد أثبت تسارع الأحداث في بعض مناطق “أرض الصومال”، قبيل مشاركة وفدها الحكومي في “مؤتمر لندن”، أن الوضع السياسي في البلاد لا يزال يحتاج للكثير من العمل، لتفادي أي محاولات من أطراف خارجية، للتأثير على مسار الأوضاع الداخلية، التي تسعى حكومة أرض الصومال من خلال معالجتها تحقيق ما تراه حقًا لها، ومكافأة لجهد شعبها، من استقلال تام واعتراف دولي مؤكد، كثمرة لما تم إنجازه على مدى واحدٍ وعشرين عامًا، من العمل والجهد في سبيل تأسيس كيانٍ مستقر، وقادر على تحقيق رغبات الشعب في مستقبل آمن ورغيد.

لذا كان لزامًا على مؤسسة الحكم في “أرض الصومال” القيام بخطوات ملموسة، باتجاه تعزيز حس الحوار وتبادل الآراء، وتقديم التقدير والاحترام، لأيٍّ من الفئات والمناطق، التي تعصف بها التيارات الفكرية والسياسية، التي تجد في ضعف موارد الدولة، والخصوصيات القبيلة والجغرافية تربة خصبة، لتعريض حياة المدنيين للخطر، عبر حرب العصابات من ناحية، أو دوامات جرائم القتل ورد الفعل الثأري المميت من ناحية أخرى، بما يفسد على الأبرياء معايشهم، ويحيل الحياة إلى جحيم في مناطق التوتر، مرشحًا الأوضاع للمزيد والمزيد من الاحتقان، ويفتح الباب على مصراعيه للراغبين في الاستفادة من الأوضاع العصيبة، لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية، دون مراعاة للخسائر وما يلحق بنوعية الحياة في تلك المناطق، من أضرار تصل إلى حد الدمار، ويمكن تلخيص تلك الخطوات بما يلي:
•العمل على تغيير المزاج العام، الذي يميل إلى تجريم أصحاب الآراء التي تتباين مع التيار العام، وفتح المجال لعودة الكفاءات التي عملت و تعمل مع الحكومة الانتقالية، أو ساهمت سياسيًا في مرحلة ما بتحركات أدت لإشعال الأوضاع في الأقاليم.
•الارتقاء بحرية التعبير عن الرأي، وإزالة أي مخاطر ممكنة تجاه أصحاب الأقلام الناقدة، وإيقاف أي ممارسات قمعية تجاه الصحفيين والمفكرين.
•إعادة إحياء مؤتمرات مماثلة لما تم في بداية التسعينات، لتجديد الدماء في الاتفاقات القديمة، وإجراء التعديلات المطلوبة عليها، وضمان مساهمة الجميع في صنع القرار الوطني.
•التركيز على الاستمرار في كل ما من شأنه تضاؤل دور المحاصصة القبيلة في المناصب، وتعزيز الاتجاه القائم نحو البرلمانية الحزبية، عبر اتاحة المجال للمزيد من أبناء الأقاليم للمساهمة بكفاءاتهم وقدراتهم لتحمل مسؤوليات كبيرة بالدولة.
•الانطلاق قدمًا في تهيئة البيئة الملائمة للقيام بتعداد دقيق للسكان، بإشراف ومساهمة دوليتين، بحيث لا يرقى الشك إليها، وتطبيق نتائجها بشكل دقيق وشامل، بما يعيد الطمأنينة للفئات التي تشعر بالغبن في التمثيل.
•الحرص على وصول الدولة ومؤسساتها لكافة التراب الوطني، وتقوية السلطات البلدية، عبر مساهمة كافة المناطق بنصيبها في دخل الدولة من الضرائب والرسوم، و السير قدمًا في مشاريع البنية التحتية، من طرق وخدمات بما يتماشى مع إمكانيات الدولة التي يتم الإعلان عنها بانتظام وشفافية.
•الحد من دور المال السياسي والمحسوبيات، التي تهدد مصداقية الحكومة التي وصلت إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، في انتخابات نزيهة، جعلت “أرض الصومال” الممثل الوحيد للديمقراطية الناجحة، في محيطيها الإفريقي والآسيوي.

مؤتمر لندن الظروف المحيطة والمفرزات

أرض الصومال والانضمام إلى المؤتمر

مما لا يخفى على متابع، أن الحكومة البريطانية، بقيادة رئيسها «ديفيد كاميرن»، فاجأت العالم بتحرك دبلوماسي غير مسبوق، في سبيل إعادة الاهتمام بالشأن الصومالي، موضحًا دون مواربة، أن استمرار الأزمة الصومالية، أصبح مرشحًا لأن يتعدى حدود البلد المنكوب، ليهدد أمن المملكة المتحدة وكل من في حكمها من دول العالم.

ومن خلال الجهد المتفرد الذي قامت به الدبلوماسية البريطانية، فقد نجحت في حشد حضور كبير دوليًا و إقليميًا وصوماليًا، ممارسة كل ما تملكه من ثقل، لجلب حكومة «أرض الصومال»، إلى محفل دأبت تقليديًا على تجاهل ما يماثله، والإعلان المتكرر ـ سابقًا ـ عن عدم وجود أي مصلحة تعنيها في حضور سوابقه، أو المساهمة فيه، لكن الضغوط البريطانية، آتت ثمارها وإن فرض الرأي العام بـ «أرض الصومال»، خطوطًا حمراء على الوفد المتجه إلى لندن، كنتيجة للجدل الشديد الذي أثاره إعلان الحكومة الموافقة على الانضمام إلى المؤتمر، رغم الآراء المنقسمة حوله، لدرجة ظهور انقسامات حادة في أجنحة الأحزاب السياسية من المولاة والمعارضة على حد سواء، حول تأييد تلك الخطوة، أو معارضتها بل وانتقادها والتحذير من سلبياتها.

ومرد كل ذلك اللغط السياسي والشعبي الداخلي، يعود إلى ما رآه البعض مخاطرة بكل ما تم تحقيقه، من سمعة ناصعة للجمهورية المعلنة من طرف واحد، في حال مناقشة إشكالات الإرهاب و القرصنة و أعمال الهجرة غير المشروعة، والصراع المسلح الدامي المستمر، وإذ ان كل تلك المشاكل لا وجود لأي منها على أرضها، في حين أن قضية الاعتراف لم تكن ضمن أجندة المؤتمر كما صرحت وزراة الخارجية البريطانية ومبعوثوها.

إلا أن الحكومة البريطانية قدمت تطمينات للحكومة، وبررت إصرارها على ضرورة قبول دعوة الحضور، بأهمية تقديم «أرض الصومال» خبراتها، للإدارات المحلية الناشئة في أجزاء من وسط الصومال، نظرًا لتوفر كافة العوامل المشتركة بين «أرض الصومال» و كافة بقاع الصومال، من حيث التكوينات القبلية المتباينة، وعوامل التوتر، التي نجحت «أرض الصومال» بالسيطرة عليها وتحييدها، بل وتحويلها لنقاط قوة بدلُا أن تكون مصدرًا للأزمات، عبر حلول محلية داخلية لم تسمح للتدخل الخارجي بأن يكون عاملًا فاعلًا فيها، على عكس الحاصل إلى الجنوب.

وعلى الرغم من أن المؤتمر لم يفرز، أي موقف واضح حول الاعتراف الدولي باستقلال أرض الصومال من عدمه، إلّا أنه أكد على الموقع المميز لها على الخريطة في المنطقة، ومن ذلك جلاء التعامل بكثير من التقدير مع الوفد الذي كان على رأسه رئيس الجمهورية أحمد محمود سيلانيو في لندن.

أرض الصومال والمفاوضات القادمة

وكان الإعلان عن ضرورة حدوث محادثات بين حكومة أرض الصومال والحكومة الانتقالية، وتبني دولة قطر والجمهورية التركية الرعاية لذلك المسعى، مؤشرًا على ما سيكون عليه المستقبل بالنسبة لأرض الصومال، وخروجها عن العباءة الاسمية،التي تشملها مع بقية المناطق المضطربة في الصومال الإيطالي السابق.

إلا أن عددًا من العوامل تجعل المحادثات القادمة، محفوفة بظروف ملتبسة تجعل محاولة استكشاف المستقبل غير واضحة المعالم، بالنسبة لما هو متعلق بالمحادثات، ومن تلك الأمور ما يلي:
•تأكيد جهات دولية نافذة على أن أي تمديد للحكومة الانتقالية مرة أخرى غير وارد، على الرغم من أن التمديد السابق كان ذا كلفة عالية على حكومة الشيخ شريف، مما يجعل الحكومة الانتقالية تعاني من ضغوط شديدة ، لا يمكنها التعامل معها نظرًا لضعفها الميداني الشديد، وهشاشة بنيتها السياسية الواضحة، وعد قدرتها على مقاومة التدخلات الإقليمية وتأثيرات الأجنحة الداخلة في تكوينها، وفي ظل كل ذلك يفترض أن تدخل كقوة متماسكة، في مفاوضات مع حكومة أرض الصومال، المنبثقة عن انتخابات ديمقراطية، في الوقت يفرض التوجه الشعبي على الطرف الممثل لأرض الصومال، أن يكون متشددًا في مطالبه عبر رفع سقفها، لحد وضع وثيقة الاعتراف المتبادل على طاولة المفاوضات، ليوقع مفوضوا الحكومة الانتقالية عليها ،انصياعًا تامَّا للتيار الشعبي العام، الداعم للاستقلال التام، وضرورة العودة بوثيقة تؤكد قبول الطرف الجنوبي بإنتهاء الوحدة، وإقرار الواقع المتحقق على مدى أكثر من عقدين، باستقلال أرض الصومال عن كيان الوحدة الذي تهاوى، مما يجعل التكافؤ في الحوار غير وارد، ما لم ترسم الضغوط الخارجية خارطة الطريق العامة، التي ستسير فيها المفاوضات، وإن كان الوضع كذلك فلن يكون بمقدرة الحكومة الانتقالية، سوى الرضوخ في آخر أيامها لإملاءات الأطراف الخارجية، في ظل الموقف المدعوم شعبيًا لأرض الصومال، خاصة أن التنازل عن المطالب الشعبية سيجعل إسقاط الحكومة المنتخبة أمرًا لا بد منه، ليحل محلها اليمين الممثل بالقيادات المتنحية عن الشأن السياسي، للحركة الوطنيةS.N.M المنحلة منذ أكثر من عقد، مدعومًا بتأييد القادة التقليديين للكتلة السكانية الأكبر في الجمهورية، مما سيخلق ضربة قوية للاستقرار في طول بلاد الصومال وعرضها، ويضع البلاد بل والقرن الإفريقي كله، على شفير جحيم من الاضطرابات، سيزلزل كل الحكومات والدول القائمة.
•الاعتماد شبه الكلي للحكومة الانتقالية على القوات الأجنبية، في حماية أمنها الذاتي ممثلًا بقوات الاتحاد الإفريقي، واعتمادها في حربها على حركة الشباب على الوجود العسكري لكل من كينيا وإثيوبيا، مما أفقدها الشرعية أمام فئات واسعة من الشعب، خاصة أنها غدت بسلوكها ذلك المنحى، لا تختلف كثيرًا عن حكومة “أمبغاتي” الانتقالية التي قادها ـ المغفور له بإذن الله ـ الجنرال عبدالله يوسف، بحيث يلقي بظلال العبثية حول كل التضحيات والخسائر التي تكبدها الشعب في محاولة طرد الجيش الإثيوبي، الذي مرغ الكرامة الوطنية في الوحل باقتحامه عاصمة البلاد.
•الموقف المتشدد الذي أعلنت عنه إدارة ولاية “أرض البونت”، مفندة أي قدرة للحكومة الانتقالية على التفاوض مع “أرض الصومال”، بل واعتبار أي مفاوضات من ذلك النوع دون حضور مباشر من قبلها، محض عبث ولا أثر له على أرض الواقع، في حين أن “أرض الصومال” تطالب بأن تتفاوض مع الحكومة الانتقالية، بناءًا على ادعاء “الانتقالية” السيادة على كل والولايات والإدارات الإقليمية، بما في ذلك أرض البونت وجلجدود وغيرها.
•وقد يكون طلب الحكومة البريطانية، الذي أجابته أرض الصومال، بالاستعداد لإستضافة المحكومين بجزاءات، نظرًا لأنشطتهم في القرصنة البحرية، صفعة سياسية لولاية “أرض البونت”، التي تعد شواطئها من أنشط قواعد انطلاق أعمال القرصنة على مستوى العالم.
•كما أن نجاح ولاية “أرض البونت” في الضغط على الحكومة الانتقالية، لسحب اعترافها بإدارة إقليم “خاتمو” المعلن، ذا دلالة قوية، على ضعف الطبقة الداعية في الأقاليم الشرقية، لإقرار اعتبارها ولاية قائمة بذاتها، خارج سلطة جمهورية “أرض الصومال” و ولاية “أرض البونت”، إلا أن أثره السياسي كان في مجمله لصالح “أرض الصومال”، نظرًا لنفي أصحاب التحرك السياسي ذاك، لأهمية الانتماء القبلي، كعامل يمنح الأحقية لـ”أرض البونت”، في حين أنه لم ينف المطلب السيادي لأرض الصومال على البقعة الجغرافية، الموروثة من الاستعمار البريطاني بعد الاستقلال وقبيل الوحدة، كما أن سحب الاعتراف ذاته، ألقى بظلالٍ من الشك في جدية الحكومة الانتقالية، وبدد آمال الأقاليم الغربية “أودل وزيلع” في أن تنجح في الحفاظ على الاعتراف الإداري بها، في حال حصلت عليه، إذا ضغطت المفاوضات القادمة على الحكومة الانتقالية، لتكرار نزع الشرعية والاعتراف عن ولايات بعد منحه لها.
•في ظل غياب أي اهتمام عربي جدي بالشأن الصومالي، وسقوط الحكومات ذات التوجه القومي، والأزمة السياسية في مصر، والحصار القائم على السودان الذي خسر سيادته على أجزاء منه، يبقى أن مقومات التأثير العربي، لا تعدو كونها جزءًا من التحرك الدولي العام، فلم يعد هناك أي طرح فاعل يرى بوجوب تحقيق وطن عربي موحد، لتكون له بوابات شرقية او غربية أو جنوبية أو شمالية، كذا وقد أصبحت مسألتا مياه النيل وأمن البحر الأحمر مسألة ثنائية، لا تحتاج لأي توجه لتعزيز أي نوع من العمق الاسترتيجي، فإن أي تعويل على دور عربي، او توجس من تأثيره يبقى حسب قراءة واقعية للوضع، احتمالًا بعيدًا عن الموضوعية، في ما عدا الادعاءات التي تصدر حول الدعم المالي لحركة الشباب المجاهدين من هنا أو هناك، خاصة أن الدور التركي المبادر قد غطى جوانب مهمة مما كان الصوماليون متعطشين إليه، من رد اعتبار لانتمائهم لمحيطهم الديني.
•إن حفاظ حكومة “أرض الصومال” على أمنها الداخلي، ومكافحتها لأنشطة القرصنة والهجرة غير الشرعية، وجهودها في التصدي لكل ما من شأنه تعكير السلم الأهلي من ناحية، واحترام سيادة دول الجوار حسب المتبع بين دول العالم من ناحية أخرى، أظهر أهمية استراتيجية لصيانة الكيان السياسي والإداري بها، الذي نجح شعبها في التوصل إليه، رغم الحوادث الأمنية سنة 2007 والتي تكررت في “بوهودله” سنة 2010التي دفعت في نهاية المطاف قوات إثيوبية لاقتحام المدينة، ما أتاح لها فرصة القيام بأعمال نهب، في سابقة لم تحدث بشمال الصومال من قبل، وكذلك التقارير التي أكدت تمرير البعض أسلحة ومقاتلين مناهضين للحكومة الإثيوبية عبر محافظة “أودل”، مما أشاع جوًا من التوجس من قبل الحكومة الإثيوبية، تجاه أي تحرك سياسي قد يوصل من تراهم لا يجدون غضاضة في العبث بأمنها، لأي شكل من أشكال إطلاق اليد لهم على المناطق الحدودية، ومما لا يخفى على متابع التورط الإثيوبي الكبير والمباشر في بقاع واسعة من جنوب الصومال، وهو ما سيجعل النظام الإثيوبي كذلك في صف حكومة أرض الصومال، كحليف “أمني” ضد أي توجه مستقبلي يضر بالاستقرار، ويسمح بتكرر حوادث مقلقة لسلمها شأن ما حدث سابقًا.

النتائج المحتملة للمفاوضات القادمة

الاحتمال الأول

الاعتراف بانتهاء الوحدة، واستقلال أرض الصومال جمهورية وريثة لكافة إقليم الصومال البريطاني، مما سيكون مستلزمًا الكثير من التنازلات من قبل الكتلة البشرية الكبرى، لضمان تمثيل جميع المكونات بما يغلق الباب نهائيًا، على أي محاولة مستقبلية للنزاع المسلح على أراضيها، أو هدار المزيد من الموارد بتعزيز الجيش، وفرض حالة الطوارئ في الأقاليم التي تنشط فيها ميليشيا مناهضة للاتجاه العام للحكومة.

الاحتمال الثاني

الاعتراف بانتهاء الوحدة، واستقلال أرض الصومال، مع منح حق تقرير المصير للمناطق التي تحمل التيارات المناهضة لها ثقلًا سياسيًا وبشريًا كبيرًا، ليصار إلى القيام باستفتاء لتحديد مصير تلك المناطق، إما الاستقلال والتحول لدويلة تدور في فلك التوازنات الإقليمية، لتصبح ضحية للخلافات الداخلية، كما سؤدي ذلك لتفكك أرض الصومال، وفتح جبهات واسعة من الحروب الحدودية لغموض الحدود بين القبائل، مما سيعيد الإقليم لحالة مشابهة لما كان عليه فور سقوط النظام واستسلام الجيش للحركة الوطنية الصومالية.

الاحتمال الثالث

إعادة كتابة عقد الوحدة من جديد، بما يمنح أبناء الصومال البريطاني المزيد من السلطات ضمن «كوتا» فيدرالية خارجة عن إطار المحاصصة الحالية والمعروفة بـ 4,5، ونقل العاصمة إلى الشمال بـ «هرجيسا» حيث عاصمة جمهورية «أرض الصومال»، وتولي رئيسها لمنصب رئاسة الجمهورية، وتولي أبنائها قسمًا لا يستهان به من الحقائب الوزارية، تبعًا للمحاصصة الداخلية لأرض الصومال، وتعميم التجربة السياسية في البلاد بحيث تصبح الأحزاب هي مدار اللعبة السياسية و لاعبها الرئيسي.

الاحتمال الرابع

فشل المفاوضات فشلًا ذريعًا، وحدوث حروب حدودية مريرة بين «أرض الصومال» وولاية «أرض البونت» تحرق الأخضر واليابس في الأقاليم الشرقية، واعتماد المجتمع الدولي وضع الصومال ضمن الفصل السابع، وانتزاع الاعتراف بـ «أرض الصومال» من الحكومة الفيدرالية الوليدة، التي ستقع وكل إقليمها تحت وصاية مباشرة للامم المتحدة، كما الحال في الخمسينيات من القرن الماضي، ضمن صفقات ستكلف كافة الصوماليين ما لا يطاق
.
محمود محمد حسن عبدي باحث وشاعر صومالي، مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة

عن marsad

اترك تعليقاً