سيد قطب : ليس التصديق بالتصفيق يا سادة

سيد قطب : ليس التصديق بالتصفيق يا سادة

شبكة المرصد الإخبارية

أعدّ رجال الثورة حفل تكريم لسيد،وكان حفلاً مشهوداً أثنوا فيه على سيد ثناءً رفيعاً،وأشادوا فيه إشادة بالغة،
وقد حضر الحفل مرافقاً لسيد،الأستاذ”أحمد عبدالغفور العطار”ووصف لنا في مجلته “كلمة الحق” بعض ما جرى فيه.
كان الحفل أساساً محاضرةً دعا زعماء الثورة “سيداً” إلى إلقائها في نادي الضباط في “الزمالك” وجعلوا عنوان
المحاضرة: “التحرر الفكري والروحي في الإسلام” وكان ذلك بعد شهر من قيام الثورة،يعني في عام 1952م
وذهب “سيد” في الموعد المحدد يرافقه “أحمد عطار”،لإلقاء المحاضرة.
قال أحمد عطار:”وفي اليوم المحدد حضرت معه وكان النادي مزدحماً بحدائقه وأبهائه الفسيحة،وحضرها جمعٌ لا يُحصى من الشعب،وحضر إلى النادي أبناء الأقطار العربية والإسلامية الموجودون في مصر،وكثير من رجال السلك السياسي،وكبار زعماء الأدب والفكر والقانون والشريعة،وأساتيذ من الجامعة والكليات والمعاهد.
وكان مقرراً حضور محمد نجيب،وتوليه تقديم سيد قطب،إلا أن عذراً عارضاً اضطَّرّ محمد نجيب للتخلف،وبعث برسالة تُليَت على المحاضرين،تلاها أحد الضباط،وموجز كلمة “محمد نجيب” أنه كان حريصاً على أن يحضر المحاضرة،ويفيد من علم “سيدقطب” ووصف سيد بأنه رائد الثورة ومعلمها وراعيها.
وبعث “نجيب” برسالته مع “أنور السادات” وأناب عنه “جمال عبدالناصر” !!
وحول الضباط محاضرة “سيد” إلى مناسبة للاحتفاء والاحتفال به.وبيان مناقبه،وبدل أن يحاضر”سيد ” فيهم صار الخطباء يتكلمون عن “سيد” ويثنون عليه،وهو جالس!
افتتح أحد الضباط الحفل بآيات من القرآن،وقال أحد كبار الضباط:”كان مقرراً أن يقوم الرئيس “محمد نجيب” بتقديم أستاذنا العظيم،ورائد ثورتنا المباركة،مفكر الإسلام الأول في عصرنا،الأستاذ “سيدقطب”،ولكن أمراً حالَ دون حضوره،وأُريدَ مني تقديم الأستاذ “سيد قطب”،وإن كان في غنىً عن التقديم والتعريف.
وكان حاضراً الحفلَ الدكتور “طه حسين” فتقدم وألقى كلمة رائعة قال فيها:”إن في سيد قطب خصلتين هما:
المثالية،والعناد،وذكر “سيد” وأدبه وعلمه وثقافته وكرامته وعظمته وفهمه للإسلام،وذكر أثرَ “سيد” في الثورة ورجالها،وختم “طه حسين” بكلمته بالقول:إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة،وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام”.!
ثم وقف “سيد” وألقى كلمة مرتجلة،وسط تصفيق المصفقين،وهتاف الهاتفين له،وقال عن الثورة:
“إن الثورة بدأت حقاً،وليس لنا أن نثنيَ عليها،لأنها لم تعمل بعد-شيئاً-يُذكر،فخروج الملك ليس غاية
الثورة،بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام”
ثم قال سيد:”لقد كنتُ في عهد المَلَكيّة مهيئاً نفسي للسجن في كل لحظة،وما آمنُ على نفسي في هذا العهد
أيضاً،فأنا في هذا العهد،مهيىء نفسي للسجن ولغير السجن أكثر من ذي قبل!!!
وهنا وقف جمال عبالناصر وقال بصوته الجهوري ما نصه:”أخي الكبير سيد،والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا،جثثاً هامدة،ونعاهدك باسم الله،بل نجدد عهدنا لك،أن نكون فداءك حتى الموت”!!
وصفق الناس تصفيقاً حاداَ متواصلاً،مع الهتاف المتكرر بحياة “سيدقطب” ثم وقف الضابط “محمود العزب”
وتكلم عن دور “سيد قطب” في التمهيد للثورة، وعن حضوره لبيت “سيد” قبيل الثورة،وأنه وجد عنده “عبدالناصر” وغيره من ضباط الثورة،وبين نظرة رجال الثورة لسيد.
ثم وقف الأستاذ “أحمد عبدالغفور عطار” وعقب على كلام “طه حسين” عن “سيد” فقال:”إن سيد عنيدٌ في الحق،فهو إذا اعتقد شيئاً أصر عليه،ولا يعتقد إلا الحق،وهو عنيد في كفاحه وجهاده،لا يثني عزيمته أمر من هذه الأمور،التي تحطم الرجال حطماً،وأولى خصال “سيد” هي الإيمان بالله،فهو يعرف أن قوة الحكومة كبيرة،ولكنه يؤمن أن الله أكبر،وهذا الإيمان يجعل تلك القوة الكبيرة الضخمة،صغيرة وضعيفة،فيكبُر عليها بإيمانه أن الله أكبر…
ولهذا لم يُبالِ بقوى الطغيان،وقوى الفساد،وقوى الشر الكبيرة،ودفعه إيمانه بأن الله أكبر على الوقوف في
وجهها والانتصار عليها،وعندما انتهى الحفل،كان البكباشي “جمال عبدالناصر” في وداع “سيد قطب” وكان الضباط والجنود وجماهير الناس تهتف بحياة سيد”!
نكتفي بتقديم هذه المعلومة العجيبة للقارىء،كما رواها أحد الحضور-أحمد عطار- ولا نعلق عليها إلا بالإشارة إلى هذه الفراسة الإيمانية النفاذة “لسيد قطب” حيث لم تغره المظاهر،ولم يكن “سيد” صاحب نظرة ضيقة-لا يرى إلا أمام عينه-إنه كان حادّ النظرة،نفَّاذَها،يستشرف المستقبل،وينظر فيه على أساس السنن والحقائق،وإلا،فما معنى أن يتوقع السجن والموت هم الآن يحتفون به،ويصفقون له!!
ونذكر القارىء،بأن “جمال عبدالناصر” الذي أقسم أمام الجماهير الحاشدة في ذلك الحفل أن يحافظ على سيد وحياته،والذي عاهده أن يكون فداءه-حتى الموت-،هو الذي حكم عليه بالإعدام،وأمر بتنفيذ ذلك الإعدام،وكان سبباً مباشراً في موت “سيد” واستشهاده بعد أربعة عشر عاماً كاملةً من هذا التاريخ!!!!

د. صلاح الخالدي

عن marsad

اترك تعليقاً