الحكم الشرعي في التصويت على الدستور المصري

الحكم الشرعي في التصويت على الدستور المصري

بقلم/ محمد نظمي الأثري

ما أن دعا رئيس الجمهورية للتصويت على الدستور إلا واختلف علماؤنا في الحكم الشرع في التصويت عليه، وذلك على قولين( ):
القول الأول: التصويت بـ “نعم” وممن ذهب إلى هذا القول الجمهور والأكثر من العلماء، منهم: الشيخ الدكتور  وجدي غنيم، الشيخ أبو إسحاق الحويني، د. محمد بن إسماعيل المقدم، د. أحمد فريد، الشيخ وحيد بالي، د. محمد عبد المقصود، الشيخ محمد حسين يعقوب، الشيخ فوزي السعيد، د. مازن السرساوي، الشيخ نشأت أحمد، د. محمد يسري إبراهيم، د. علي السالوس، د. عبد الله شاكر، د. سعيد عبد العظيم، د. نصر فريد واصل، الشيخ حسن أبو الأشبال، الشيخ محمد حسان، د. السيد العربي، د. صلاح سلطان، د. جمال عبد الهادي، د. ياسر برهامي، الشيخ أبو بكر الحنبلي، الشيخ أحمد حطيبة، العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك.
القول الثاني: حرمة التصويت بـ “نعم” وممن ذهب إلى هذا القول من العلماء: الشيخ مصطفى العدوي، د. أحمد النقيب، ونقل الدكتور محمد عمارة على قناة الحافظ أمس أن الشيخ مصطفى العدوي بعد اجتماعه مع مجلس شورى العلماء تراجع عن فتواه.
هذا وقد استدل أصحاب القول الأول على قبول الدستور والتصويت له بـ “نعم” بعدة تعليلات:
التعليل الأول: أن هذا من باب ارتكاب أخف الضررين.
التعليل الأول: أن التصويت بنعم يدرأ المفسدة ويجلب المصلحة.
التعليل الثالث: موافقة لسنة التدرج.
التعليل الرابع: لابد من التفريق بين المتاح والمأمول.
وقد رد أصحاب القول الثاني بعدة أدلة على فساد أدلة الفريق الأول، هي:
أولاً: يقولون: “ما بالكم تقررون قاعدة ((ارتكاب أخف الضررين)) وتتركون قاعدة ((الضرر يزال))؟ فإذا ارتكبتم الضرر الأخف في تقديركم وهو كتابة دستور غير شرعي فيه تأليه غير الله فأخبرونا ما هو الضرر الأشد الذي جعلتم الأمة تتجنبه بارتكابكم هذا الضرر الأخف؟ إن الدستور مضاد لكتاب الله الحاكم ووضع الدستور كله مفسدة لا خير فيها، والقاعدة تقول: ((درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)) فالدستور مفسدة كله والمصلحة في تحقيق التوحيد كما فعل الأنبياء بمفاصلتهم أهل الكفر وعدم تقريرهم لقوانينهم ودساتيرهم الجاهلية الكفرية، بل كان دينهم هو دين المفاصلة التامة التي لا تقبل الكفر وأهله، قال تعالى: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)) عليه يجب علينا أن نعلم أن قاعدة ارتكاب أخف الضررين التي يستدلون بها ليست في محلها لأن هذا الدستور الشركي هو الأشد ضرراً وليس الأخف” أ.هـ
التعليل الثاني: لا يشرع فعل الشرك أو قوله لمصلحة أبداً، فـ: “لا عذر لك بتأويل تأتي به الكفر مهما كانت المصلحة، فلم يستثن الله عز وجل إلا المكره، قال تعالى: ((مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))”.
التعليل الثالث: القول بالتدرج في تحكيم الشريعة كفر: “فقولكم بجواز التدرج معناه جواز الحكم بغير ما أنزل الله مرحلياً، أي أنه لن يحكم بما أنزل الله في بعض المسائل، فيدخل تحت آية ((ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))، فهل يجوز تطبيق بعض أحكام الكفر مرحلياً للوصول إلى تطبيق أحكام الإسلام كاملة؟! أم أنه ينطبق علينا حينذاك قوله تعالى: ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض))؟!” و”ثبت بالتواتر أن الخلفاء الأربعة وولاتهم وقضاتهم كانوا يطبقون الإسلام كاملاً ولا يتدرجون في تطبيقه، ولما كانوا يفتحون الأمصار كانوا يقيمون فيها شريعة الله بلا تدرج”أ.هـ
العلة الرابعة: الموافقة على هذا الدستور يدخل الموافق في شرك الطاعة: ” تلا النبي صلى الله عليه وسلم  على عدي بن حاتم: ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)) فقال عدي: يا رسول الله ما عبدناهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا لكم الحلال فأطعتموهم؟)) قال بلي: قال: ((تلك عبادتكم إياهم)) انظر: وصف النبي لهم طاعتهم لعلمائهم ورهبانهم وعلمهم بأنهم أحلوا ما حرم الله بأن ذلك عبادة العلماء، وأثبت النبي للعلماء والرهبان صفة الربوبية لأنهم أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله وكان هذا هو مناط الكفر لكليهما، يقول ابن تيمية: (ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين؛ أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب)”أ.هـ
الترجيح
إنه وقبل الترجيح العلمي بين قولي العلماء أنبه إلى:
1ـ أنني هنا إنما أعالج حالة استثناء بفتوى لا أؤسس لحالة أصل بحكم، فهو اجتهاد ناتج عن ممارسة عملية لعلمي الأصول والقواعد الفقهية في المحاكم الشرعية، فلم أطلقه دون عنان بل ألجمته بلجام القواعد الأصولية والفقهية لا سيما طريقة (المقدمة والتالي).
2ـ أنني جاريتهم لأبعد مدى ذهبوا إليه من أن هذا الدستور هو دستور كفري، فأقول: الراجح من القولين في حكم التصويت على هذا الدستور المشتمل على بعض الكلمات الكفرية، هو ما ذهب إليه الجمهور من العلماء وذلك للأدلة التالية:
أولاً: إعمالاً لقاعدة ((ارتكاب أخف الضررين)) كما قال الجمهور، وذلك لسببين: أولهما: أن الضرر الأكبر: هو سقوط الدستور بما قد يمكن للسطو على البلاد من خلال العلمانيين فيأتون بدستور بوذا. والضرر الأقل: هو قبول هذا الدستور المشتمل على كلمات كفرية والسير في طريق الاستقرار وإتمام عملية التغيير. فليست المقارنة بين الضررين ما ذكره أصحاب القول الثاني، من أن الضرر الأكبر: الدستور الكفري. والضرر الأقل: دخول السجون وغيرها. ثانيهما: يصح قولهم بأن رفض الدستور هو إعمال لقاعدة ((الضرر يزال)) إذا لم يكن ثم دستور بعد ذلك؛ لأنك بذلك تكون أزلته بالكلية، أما مع وجود ما يرجح الإتيان بدستور آخر هو شر من الموجود فلا سبيل لتطبيق هذه القاعدة ولا يكون لنا إلا إعمال ((إرتكاب أخف الضررين)، قال ابن تيمية (الفتاوى 15/325) في تناوله لقصة يوسف وطلبه أن يكون على خزائن الأرض عند الكفار: “وكذلك ما ذكره عن يوسف الصديق وعمله على خزائن الأرض لصاحب مصر لقوم كفار، وذلك أن مقارنة الفجار إنما يفعلها المؤمن في موضعين: أحدهما أن يكون مكرها عليها والثاني: أن يكون ذلك في مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة أو أن يكون في تركها مفسدة راجحة في دينه فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما وتحصل المصلحة الراجحة باحتمال المفسدة المرجوحة وفي الحقيقة فالمكره هو من يدفع الفساد الحاصل باحتمال أدناهما وهو الأمر الذي أكره عليه”أ.هـ وقال في موضع آخر عن تدرجه الدعوي معهم في أمر التوحيد: “ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله؛ فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: {فاتَّقوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ}(1). فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما؛ لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما؛ لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سمى ذلك ترك واجب وسمى هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا: ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو أحرم”أ.هـ     
ثانياً: ما علل به أصحاب القول الثاني من عدم مشروعية فعل الشرك أو قوله لمصلحة صحيح النظر، ولكن هل يجوز قول الكفر لدرء مفسدة؟ يبين لنا حديث عمار بن ياسر جواز قول الكفر لحفظ النفس فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((إن عادوا فعد)) هذه واحدة… ثانياً: أوليس تقليل القوانين الكفرية مطلب شرعي؟ أوليست مصلحة شرعية؟… فهؤلاء يلبسون على الناس حين يصورون لهم أن قول نعم للدستور هو قول نعم لكفر ورضا به، وهذا تضليل إنما الأمر: (آلت إلينا دولة مسلمة تعلوها قوانين كافرة… ليست لدينا المكنة ولا القوة والتمكين لوضع القرآن دستوراً وأكرهنا على مثل هذا الدستور، فينظر فيه: هل يقلل الكفر ويتحرك بنا نحو تطبيق الشريعة فإن كان نعم قلنا صوتوا بنعم، وإن كان لا قلنا صوتوا بلا. فكيف إن كان في تأخير البلاد عن مصلحة الاستقرار سيؤدي إلى ضياع الشريعة وإدخال البلاد في أتون حرب مستعرة؛ فإن قالوا: هذا ليس طريق تغيير والتغيير إنما يكون بالسيف الذي ينصر، قلنا لهم: هذا طريق آخر يحتاج لبحث بيننا ونقاش لا سيما أن السيف الذي ينصر لا يكون لأفراد الناس إنما يكون لمتمكن بقوة وقهر وهو ما ليس في أيدينا اليوم فافقهوا، فالقوم  يخلطون بين ما يجب فعله بعد تمكين وما يستطاع فعله ونحن نؤسس لتمكين.
أيها المسلمون: إن الفتاوى الشرعية إنما تبنى على العلل من حيث التأسيس وعلى المصالح من حيث المقاصد: أما العلل فقد قعدها العلماء بقولهم: ((الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً)) وأما المقاصد فقد قعدها العلماء بقولهم: ((الأمور بمقاصدها)) من هنا فالفتاوى إنما يصرح بها بعد الموازنة بين المصالح والمفاسد، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فدرء مفسدة سقوط البلاد وتشريد العباد وإجاعة الناس وإلجائهم إلى الكفر بالمنهج الإسلامي هو أولى في هذه المرحلة من تنقية الدستور مما فيه من أمور لا نريدها ولا نرغبها ولكنه الإكراه؛ إن النصوص الشرعية إنما تبنى في مثل هذه الأحوال على ما يقوي الأمة فالإعداد للجد جد، والتجهز للجهاد جهاد… ولأنه لما كان لا سبيل لتحقيق القاعدة الفقهية ((الضرر يزال)) فنحن مضطرون إلى العمل بقاعدة (ارتكاب أخف الضررين) فالضرر الأعلى من عدم التصويت ضياع البلاد والعباد والدين بينما الضرر الأخف التصويت على ما يفتح الباب لتطبيق الشريعة لا سيما أن الدستور لا علاقة له بتشريع القوانين (تحكيم الشريعة) إلا فتح الباب أو غلقه ـ لا سيما أن كان هذا الدستور وإن اشتمل على طوام إلا أنه لا يضاد الشريعة بل يفتح الباب لتطبيقها وهذه حقيقة قانونية يعرفها كل من درس القانون… نعم قد يقال: ليس هناك في الشريعة ما يسمى كفر وكفر أعظم فالكفر هو الكفر ومن ثم لا محل هنا للنظر في قاعدة أخف الضررين واعتباره أخف الكفرين… فنقول: التصويت بلا لن يخرج هذه الطوام  ويؤدي بالدستور إلى ما نريده، بل الموازنة هنا هي بين الفوضى التي يضيع معها الدين أو الاستقرار الذي نتمكن من خلاله من إتمام الوصول بالدستور إلى الوضع المنشود.
ثالثاً: لم يصب أصحاب القول الثاني في تعليلهم الثالث والذي نحو فيه إلى رفضهم للدستور بدعوى أن التدرج في تحكيم الشريعة كفر وقولهم عن أصحاب القول الأول: “فقولكم بجواز التدرج معناه جواز الحكم بغير ما أنزل الله “مرحلياً”بما ينطبق عليه قوله تعالى: ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)) فهذا القول لعمر الحق وضع للأمر في غير موضعه، وتلبيس صريح، إذ تقول على أصحاب القول الأول بأنهم يرون التدرج في تطبيق الشريعة وهذا كذب لم يقل به أحد من العلماء، وألزمهم بهذا اللازم بأنهم يقبلون بأحكام الكفر مرحلياً!!!!!  وهذا الكلام غير صحيح وقد أؤتي هؤلاء من سوء فهمهم لا من نقلهم، وللرد على هذا أقول:
1ـ أصحاب القول الأول لا يقولون بالتدرج في التحكيم إنما بالتدرج في التمكين الذي هو سبيل التحكيم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطبق الشريعة إلا بعد تمكنه بسلطان القوة والغلبة، فإن كان لدينا سلطان القوة والغلبة فعندها يجوز لقائل هذا القول أن يعلل به، هذا وقد أشار ابن تيمية إلى إمكانية التدرج حيث قال ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 15/60): “فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما، كان بيانه لما جاء به الرسول شيئاً فشيئاً بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئاً فشيئاً. ومعلوم أن الرسول لا يبلّغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأتِ الشريعة جملة، كما يقال: إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع. فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلّغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقَّن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجباً عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجباً لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان؛ كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه”.
2ـ حقيقة الحال التي نحن عليها ((أمة مسلمة تعلوها قوانين كافرة)) فإن أتيت أنا وقللت القوانين الكافرة وسعيت لإزالتها بما لدي من قوة لا تمكني الآن إلا لذلك قالوا لنا: أنتم ترضون بالكفر وبقبول الأحكام الكفرية مرحلياً فألزمونا بما ليس بلازم وهذا حال الذين لم يمارسوا أصول الفقه عملياً ستجد إلزامهم بما ليس بلازم هو أصل ما يقعون فيه من شبهات. وهنا نقول لهم: التمكن شرط تطبيق.
3ـ فيما استدل به أصحاب القول الثاني من أن الخلفاء وولاتهم وقضاتهم كانوا يطبقون الإسلام كاملاً ولا يتدرجون في تطبيقه بعد فتح الأمصار!!!  دليل لأصحاب القول الأول: إذ فتح الأمصار أيها المغيبون يعني أنه أصبح لأهل الإسلام القوة والغلبة والقهر والمنعة والسلطان فهل للمسلمين في مصر اليوم القوة و والغلبة والقهر والمنعة والسلطان؟!! إنكم تريدون أن تأخذونا إلى نفس مصير الصومال وما يحدث فيها من قتال منذ عشرين سنة بسبب مثل هذه العلل العليلة، فلا لهم لشريعة أقاموا ولا لباطل أسقطوا.
رابعاً: قولهم: استدلالهم بحديث عدي بن حاتم وأن الموافقة على الدستور الحالي يدخل المرء في كفر الطاعة مجازفة كبيرة تدل على فهم سقيم وحق أن يقال له: ما هكذا تورد الإبل، إذ الدستور الذي بين أيدينا لا يتضمن تحليل لحرام ولا تحريم لحلال، وإلا فأخرجوه لنا، فحاصل الأمر أن فيه كلمات تحتمل كفراً وغيره أما أنه يعارض معلوماً من الدين بالضرورة أو يحرم ما ثبت حله ويحلل ما ثبتت حرمته فهذا ضرب من الخيال.
خامساً: صحة التفريق بين الممكن والمأمول مسلك شرعي في العقائد والأحكام بشرطين: الأول: إفراغ الوسع في تحصيل المأمول. الثاني: التحرك نحو المأمول. ويدل لذلك: قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)… وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)… وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)… وقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم))… قال ابن تيمية (أحكام المرتد 2/318): “وكل ما أمر اللّه به أو نهى عنه، فإن طاعته فيه بحسب الإمكان، كما قال تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، فهذه القواعد هي الكلمات الجامعة والأصول الكلية التي تبني عليها هذه المسائل”أ.هـ
سادساً: الفتاوى الشرعية إنما تؤسس على حقائق واقعية لا افتراضات خيالية: فقد أجمع الأصوليون من العلماء على أن العبرة في الفتوى الحقائق الواقعية لا الافتراضات الخيالية؛ فالذين يعيبون على الدستور الحالي هو أحد رجلين: إما رجل يرده رداً مبدئياً فهو لا يرى شرعية وجود دستور أصلاً وهذا القول باطل شرعاً وعقلاً وواقعاً وسياسة شرعية والرد عليه أسهل من شرب الماء لكن ليس محله هذا البيان. ورجل يرى مشروعية وجود الدساتير ولكن الدستور الحالي يشتمل على مخالفات شرعية وكلمات كفرية، وأرى هنا أن هذا القول صحيح في التفصيل خطأ في الجملة… نعم يجب رد هذا الدستور في حالة استجماع الأمة لأمرها وامتلاك زمام قيادها، أما الحقيقة الواقعية أننا مهددون تهديداً لن يسقط هذا الدستور فحسب بل سيسقط الدولة كلها من هنا كان الواجب على المفتين بغير “لا” الجلوس مع العالمين بالحقائق الواقعية للاطلاع على حجم المخاطر بالأرقام… إن ما يقوم به العلمانيون اليوم هو إسقاط لمشروع الإسلام حتى لو أدى الأمر إلى ضياع البلاد والعباد، من هنا كان المحافظة على هذا القدر الموجود هو أولى من طلب المفقود. وتصريح النبي صلى الله عليه وسلم  لعمار بقول الكفر الصريح لأنه في حقيقته صريخ… صريخ ضجت به نفسه المعذبة، ولكنه إن قالها في غير هذا الموضع وهو في سعة من أمره لكفر بها..  ولعمر الحق ما أشبه وضعنا اليوم بوضع هذا الصحابي الجليل… أيها الكرام: هذا الدستور فيه العديد من المخالفات الشرعية والكلمات الكفرية.. ولكنها مخالفات المضطرين وكلمات المعذبين المضطهدين بضياع البلاد والعباد ومن ثم فنحن مع جماهير العلماء إذ فتاوى التعليل تقوى بقوة وكثرة القائلين بها وهو أحد أهم الفوارق بينها وبين فتاوى الدليل.
سابعاً: لا يصح الحكم الشرعي إلا بصحة التصور واكتماله: وهنا أقول لكل من يفتي بغير القول بـ “نعم” لا تصح منك الفتوى لأنك لم تطلع على معلومات وحقائق إذ صورة خروج هذا المنتج والعلة في الأخطاء التي فيه إنما هي لأسباب قهرية حقيقية لم تطلع عليها … ثم إن الحكم على المنتج دون النظر إلى ملابسات خروجه لا يمكن أن يصح اجتهاده لا لعدم صحة تعليل المخالف بل لعدم اكتمال الصورة لديه إذ نصف الصورة موجود في الرئاسة المصرية والجهات السيادية التي لديها الأدلة على حجم المؤامرة التي قام بها عملاء يهود والتي قادها الهولوكوستي واللي خمنا والفلولي بتغطية إعلام الفلول من قنوات “الحياة” و “دريم” و “cbc”  و”القاهرة والناس” وغيرها. إن شيخنا النقيب أخطأ الاجتهاد لخطأ التصور ومن هذه الأخطاء الواضحة: 1ـ معيار القوة عند شيخنا النقيب مضطرب، فقوله: المسلمون يمثلون في دولة كذا نسبة كذا ولكن الدساتير لم تؤبه لهم والرد هنا: أن العبرة بالتمكن لا بكثرة العدد وعلو النسبة وانخفاضها هؤلاء الكفار متمكنون في بلادهم ونحن هنا لم نتمكن بعد بل نسير في طريق التمكين… كلام الدكتور النقيب على المحكمة الدستورية المصرية يدل على أنه لا يعرف الواقع حقيقة فهو ينفي أن تكون المحكمة الدستورية ليست من تعيين سوزان، مع أن العالم كله يعرف أن نائب رئيس المحكمة الدستورية المستشارة تهاني الجبالي كانت محامية والتي عينتها هي سوزان مبارك، ثم كلامه على حل المحكمة لمجلس الشعب هو كلام غير قانوني كذلك لأننا درسنا في الحقوق أن المحكمة الدستورية لا تملك حق الحل إنما تملك حق النظر في دستورية القوانين من عدمها فكيف تجرأت في سابقة لم يعرف العالم لها مثيلاً، يبدو أن الشيخ لم يسمع الدكتور الكتاتني وهو يصرح بأن كمال الجنزوري قال له: حل المجلس في درج المكتب!!
ثامناً:ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب: لا يجادل كل من درس القانون ومارسه أن هذا الدستور فتح الباب لتحكيم الشريعة؛ وذلك من خلال مادتيه الثانية والتاسعة عشر بعد المئتين وما فيه من خلل سواء كانت كلمات كفرية، أو من كان لديه اعتراض أو تعديل يمكنه إدراجه من خلال المادة 217 منه. 
تاسعاً: إن القدر المتفق عليه بين العلماء ـ وهو ما يمثل المقدمة الأولى ـ: (يباح للمرء فعل الكفر أو قول الكفر في حال الإكراه) ودليل ذلك:
1ـ قوله تعالى: ((مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)).
2ـ عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما وراءك؟)) قال: شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. قال: ((كيف تجد قلبك؟)) قال : مطمئنا بالإيمان قال إن عادوا فعد.
3ـ قال ابن تيمية (الفتاوى الكبرى 6/86): ” ثم إنه لا خلاف بين المسلمين أنه لا يجوز الأمر ولا الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، بل من تكلم بها فهو كافر إلا أن يكون مكرهاً فيتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان”أ. هـ وقال ابن القيم (إعلام الموقعين 3/178): ” ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان” أ.ه وتأسيساً على هذا الاتفاق: قال ابن تيمية (الاختيارات الفقهية 1/569): (فإن الأسير إن خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر)أ.هـ وقال في “إبطال التحليل” (4/477): “والرجل لو تكلم بكلمة الكفر لمصالح دنياه من غير حقيقة اعتقاد صح كفره باطناً وظاهراً “أ.هـ  وقال رحمه الله (الفتاوى 14/470ـ471): “إن المحرمات منها ما يُقطع بأن الشرع لم يُبح منه شيئا لا لضرورة ولا غير ضرورة كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض، وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون} فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يُبح منها شيئا قط ولا في حال من الأحوال ولهذا أنزلت في هذه السورة المكية”أ.هـ
يلي ذلك مقدمة ثانية وهي: الإكراه إنما يخضع لتقدير المكره ودليل ذلك حديث عمار السابق.
هذا التأصيل العلمي يدفعنا إلى السؤال التالي: هل الأمة المصرية بحالتها الراهنة ووضعها الظاهر لكل ذي عينين مكرهة على إخراج مثل هذا الدستور الذي يشتمل على كلمات شركية؟ فإن كانت الأمة مكرهة كما هو واضح جلي قبل منها هذا الدستور وقلنا له “نعم” وإن كانت الأمة غير مكرهة وفي سعة من أمرها ولا إكراه فهذا الدستور لا يجوز التصويت عليه ووجب أن نقول له “لا”.. وهذا هو الحق الذي لا يجوز أن يختلف فيه آحاد الناس فضلاً أن يكون عالماً كشيخنا النقيب، قال ابن تيميمة (أحكام المرتد1/66): “اتفق الفقهاء على أن من أكره على الكفر فأتى بكلمة الكفر , لم يصر كافراً”أ.هـ
عاشراً:: إن في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: ((إن عادوا فعد)) فتوى حال من النبي محمد صلى الله عليه وسلم يبيح له فيها قول الكفر، وهذا يدل لما هو مستقر عند العلماء من التفريق بين (فتوى القوة والاقتدار) و((فتوى الضعف والإكراه والاقتهار) ومن غريب النظر هنا أن بعضاً من طلبة العلم يجعل كثرة المسلمين ورغبتهم في الشريعة معياراً يدل للقوة والاقتدار ودليلاً على انتفاء وصف الضعف والاقتهار وهو بذلك يجافي الحقيقة ويجاوز الواقع ويخالف الوقائع فنحن الآن في مرحلة مجالدة الكافرين من العلمانيين المعارضين للشريعة وينبغي أن يكون شغلنا الشاغل إخراج الأمة من أسر هؤلاء العلمانيين… إن مصر ومنذ سقوط الخلافة الإسلامية وإلى اليوم تعيش علمنة في كل شيء… من هنا يعمل بنو علمان على إسقاط الحكم الحالي بأي وسيلة حتى لو كان تنفيذاً لمؤامرة، فإن فشلت فحرب أهلية، فإن فشلت فثورة جياع… وهذا المخطط أشار إليه العلماني محمد البرادعي في مقال له في جريدة “الفايننشل تايمز”… وما أظن أن الناس إذا جاعت ستفكر في دينها وعقيدتها بل ستنقض على كل ما هو إسلامي لوأده… من هنا أقول: هذه فتوى ضعف واقتهار لا قوة واقتدار… فلا تنحو بالناس إلى جوع لن يبقى معه من الدين شيء.  ومن عجيب ما نرى هنا أن بعض طلبة العلم لا يتصور الإكراه الوارد في قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ… لا يتصور أن حالة إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ يمكن أن تتعلق بأمة، فالإكراه هنا يرد على حال معين ينسحب على حال الفرد كما ينسحب على حال الأمة، وهذا المعنى يقابل حال الضرورة التي تبيح أكل الميتة المحرمة، وهما  ـ أي حالتي الإكراه في العقيدة والاضطرار في الفقه ـ مستمدتان من مَعِين: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)… (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)…(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)… ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم))… فنحن يا معاشر المسلمين لسنا مضطرين بل مكرهين.
الحادي عشر:: اتفق المحققون من العلماء على: (مجرد قول الكفر أو إتيانه لا يعني تكفير صاحبه كما لا يدل  لرضا أو قبول): ذلك أن هناك جماعة من الناس امتلأت كتبهم بتلازم الموافقة على الكفر بالرضا به، وهذا استلزام ما ليس بلازم، يدل لذلك: حديث عمار السابق، وحديث معاذ لما سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، وحديث ذات أنواط. كما يدل لذلك من ناحية العقل: أن المرء  يكفر إن اعتقد أن شريعة غير الله أكمل من شريعة الله وإن لم يحتكم في حياته لغير شريعة الله، والذي يخالف قولي هنا ويقول بعكس القاعدة المذكور بعاليه بين أمرين: إما أن يقول بتكفير عين من وقع في الكفر العملي وهو ما لم يقل به أحد إلا باستفصال وإلا فأصوله العلمية التي بنى عليها اجتهاده أصولاً ضالة فهماً واستدلالاً.
مما سبق يتضح لي أن الراجح من القولين والله أعلى وأعلم: هو قول الجمهور بل أزيد عليهم: الخروج للتصويت على هذا الدستور السيء الذي احتوى كلمات كفر فرض عين وقول (نعم) واجب شرعاً يأثم تاركه. ، فشددت في الفتوى وذهبت إلى العنوان أعلاه اتساقاً مع منهج الطحاوي عندما عد “المسح على الخفين” في بابة العقيدة، وهو منهج فريد يعلم طالب العلم أنه ينبغي التشديد في الفتوى وإعلاء قيمة الأمر إذا تجاسر على نفيه أو كان على فواته مفاسد كثيرة.
إنه في نهاية هذا البيان ما أحب لأحد من المسلمين ـ بعلم أم بجهل ـ لا سيما السائرين على السنة أن يكونوا سهاماً في كنانة المتآمرين على عقيدة بلادنا ودينها، ولقد ساءني جداً ما أخبرني به بعض آكابر العلماء من أن الكنيسة قامت بتفريغ وطبع فتوى شيخنا مصطفى العدوي وتوزعها الآن، فما أسوأ أن تفيق وقد ناصرت علمانياً كافراً أو نصرانياً حاقداً، والله من وراء القصد.
وما أن انتهيت من هذا الرد الذي كتب على جناح السرعة إلا أخبرني بعض الطيبين أن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك فتوى هذا نصها: ((الحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه، أما بعد: فقد بلغني ما وقع من اختلاف بين إخواننا أهل السنة في مصر حول مسألة التصويت على «الدستور» الذي سيطرح للاستفتاء؛ واختلافهم في حكمه: تحريماً وجوازاً ووجوباً، ومعلوم أن لكل منهم استدلالات يؤيد بها ما ذهب إليه، وقد نظرت فيما وقفت عليه من استدلالاتهم فوجدتها كلها استدلالات قوية في تأييد مذهب المستدل، يحار الناظر فيها، ومنشأ النزاع:
1ـ  ما في الدستور من المواد الكفرية التي لا يختلف إخواننا في بطلانها وتحريم وضعها اختياراً.
2ـ  ما في الدستور من المواد الحسنة المقربة لتحكيم الشريعة، والتي من أجلها لا يرضى المعارضون لتحكيم الشريعة بهذا الدستور.
والذي ظهر لي بعد الوقوف على وجهات نظر إخواننا أهل السنة أن التصويت على هذا الدستور إن لم يكن واجباً فهو جائز، وليس في ذلك إقرار بالكفر ولا رضا به، فما هو إلا دفع شر الشرين واحتمال أخف الضررين. وليس أمام المستفتَين من المسلمين إلا هذا أو ما هو أسوء منه، وليس من الحكمة عقلاً ولا شرعاً اعتزال الأمر بما يتيح الفرصة لأهل الباطل من الكفار والمنافقين من تحقيق مرادهم. ولا ريب أن الطامحين والراغبين في تحكيم الشريعة ـ وهو مطلب كل مسلم يؤمن بالله ورسوله ـ  مع اختلافهم في هذه النازلة؛ مجتهدون، فأمرهم دائر بين الأجر والأجرين، ولكن عليهم أن يجتهدوا في توحيد كلمتهم أمام العدو الذي لا يريد أن تقوم للإسلام في بلادهم قائمة. ولا أجد كبير فرق بين التصويت في انتخاب الرئيس والتصويت لهذا الدستور؛ فإنه يعلم كل عاقل مدرك للواقع أن الرئيس المسلم المنتخب غير قادر على تحكيم الشريعة بقدر كبير، فضلاً عن تطبيقها بالقدر الذي يطمح إليه المخلصون الصالحون، لما يُعلم من قوة وتمكن رموز الفساد في البلاد، ولما يُعلم من حال المجتمع الدولي الذي تديره الأمم المتحدة بقيادة أمريكا. فالرئيس المصري المنتخب -حفظه الله ووفقه-  ليس له في المجتمع الدولي من يناصره، فناصروه على مقدوره من تحكيم الشريعة، وأمِرُّوا هذا الدستور الذي لا يقدر الرئيس أن يصنع في الوقت الحاضر أفضل منه. وأنتم تعلمون أن ترك التصويت للدستور مما يسر العدو في الداخل والخارج فكلهم يرتقبون ذلك منكم؛ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم. ومعلوم أن أحداً منكم لا يقر ما في الدستور مما يناقض الشريعة ولا يرضاه، ولكن يُمِرُّه ضرورة؛ لدفع ما هو أسوء. ولو خيِّر واحد منكم أن يحكم البلاد إما شيوعي وإما نصراني؛ فالشرع والعقل يقضي باختيار أخفهما شراً وعداوة للمسلمين. ومن المعلوم أن ما يعجز عنه المكلف من الواجبات فهو في حكم ما ليس بواجب. والمسلمون معكم بقلوبهم وجهودهم؛ فلا يكن اختلافكم سبباً في خيبة آمالهم، أسأل الله أن يلهمكم الرشد، وأن يألف بين قلوبكم. وإذا قُدر أن يبقى الاختلاف بينكم؛ فيجب الحذر من تثبيط الناس من التصويت له، ومن البغي بالتكفير والتخوين والتجهيل؛ فليس الإثم باختلاف المجتهدين وإنما الإثم بالبغي، أعاذكم الله منه، وأصلح قلوبكم ونياتكم، وسدد رأيكم، ونصر بكم دينه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه. أملاه: عبدالرحمن بن ناصر البراك في 28/1/1434 هـ))
أخوكم محمد نظمي الأثري (الذي لا يتبع حزباً ولا جماعة)

عن marsad

اترك تعليقاً