السعودية تكتب بداية النهاية وتشرعن للخروج على «ولي الأمر»

ksa inqlabالسعودية تكتب بداية النهاية وتشرعن للخروج على «ولي الأمر»

محمد الغابري

ما يجري في مصر ينعكس على المنطقة العربية وجوارها، وربما يكون الانقلاب العسكري الذي جرى أكثر انعكاسا على جميع البلاد العربية وقضاياها على مؤيديه أولا وعلى معارضيه وعلى المحايدين.

انعكاسات على المملكة

إن وقوف المملكة السعودية المعلن بالمال والإعلام، وحزب النور مع الانقلاب، يعني أنها بدأت بيدها تكتب نهايتها. لقد حسبت أنها بإسنادها للانقلاب ووقوفها من قبل مع مبارك ضد شعب مصر أنها تقوم بعمل وقائي لحماية ذاتها من الثورة أو الانقلاب لكنها في الواقع غذت التطلعات للثورة واجتثاث نظام آل سعود.

1. التناقض الصريح والسافر مع المبدأ الذي قام عليه نظام آل سعود والمتمثل في الحديث الذي لا ينقطع بعدم جواز الخروج على “ولي الأمر” –مع أنه وصف غير مشروع- أي أنها نسفت المبدأ ويحق للمواطنين في المملكة الثورة على الأسرة والخروج عليها، أي أنها أعطت الشعب المشروعية في الخروج. إنها بذرت البذرة وقريبا تنبت ثم تشتد ثم تصير ثورة عارمة. لن تستطيع بأي حال من الآن فصاعدا الإقناع بعدم الخروج، فقد كانت ضالعة في تمويل انقلاب على شرعية مستمدة من الإسلام وإرادة شعبية.

2. ظهرت معادية لأهل السنة، فالمستفيد من الانقلاب هي القوى المعادية لأهل السنة الذين وجدوا في مصر –الإخوان ومرسي- صعودا لأهل السنة في المنطقة إضافة إلى تركيا، ومن ثم الوقوف أمام التهديد الإيراني. لقد أظهرت أسرة آل سعد عداء واضحا لأهل السنة في مصر وسوريا، وتساعد إيران على التمكن من المنطقة، كما أضاعت العراق من قبل وأفغانستان، غير أنها في الانقلاب على الشرعية في مصر كانت أكثر وضوحا.

3. أكدت تعاونها مع إسرائيل ضد الفلسطينيين وقضية فلسطين، إنها بصراحة مع اليهود في احتلال فلسطين والأقصى، وتضييق الخناق عليهم في قطاع غزة ودفع عباس للتفاوض مع تسيفني ليفني كبيرة المفاوضين (الإسرائيليين).

4. إن آل سعود أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم ضد الإسلام والمسلمين في أنحاء الأرض، وأنهم لا يختلفون عن الشيعة والباطنيين إلا في الشكل وأنهم يلبسون ثياب السنة والسلفية ليستروا بها باطنيتهم المشهودة عملا في علاقاتهم الخارجية وفي إدارة الشئون الداخلية، ترضي الشعب بالزي وتعمل ضده في المضمون.

إن الثروة التي هي ملك للأمة تكتنزها الأسرة ولا تنفق منها خارجيا إلا على:

– سندات الخزينة الأمريكية التي تقدمها منحا لإسرائيل.

– تقديم رشا لشركات أجنبية لمنعها من التنقيب عن النفط والغاز في اليمن حتى تظل اليمن تابعة لآل سعود وحتى يبقى أهل اليمن رهينة لهم يعبثون بحياتهم، ويعاملونهم معاملة الرقيق، ويخرجونهم متى شاؤوا.

– مد نظام مبارك لحساب “إسرائيل” بالحياة، ثم تمويل الانقلاب العسكري بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي وصفته الصحافة العبرية بالبطل الذي أعاد مصر لأحضان إسرائيل.

– تنازل المملكة (لإسرائيل) عن جزيرتين في البحر الأحمر على خليج تيرانا وموقعها استراتيجي على ذلك الخليج، ولو كانا موقعين عسكريين فإنهما يضيقان الخناق على اليهود.

إن الأمة التي تتمتع بقدر وافر من وحدة المشاعر ربما استيقظت لأول مرة على عداء سعودي سافر للإسلام وحلف دنس مع خصومه وأعدائه الإقليميين والدوليين، وكشف الحدث عن باطنية سعودية، ومن ثم فإن الأمة بقواها المختلفة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام آل سعود الذين فصلوا الأقصى عن المسجد الحرام ويتعاملون مع الصهاينة ضد حماة القدس والأقصى.

ما يجري في المملكة من معارضة للانقلاب وضلوع النظام فيه واعتقالات مؤشر على أن النظام في الطريق نحو الهاوية. لقد ضلل على الشعب والأمة كثيرا لكنه افتضح في الانقلاب العسكري في مصر.

* فلسطين

كان أول إجراء اتخذه الانقلابيون إغلاق معبر رفح مع تحريض إعلامي واسع ضد الشعب الفلسطيني بلغ الذروة بالقول من المحرضين إن مرسي أصله فلسطيني، وتعيين نبيل فهمي سفير مبارك في واشنطن وزيرا للخارجية مما يعني أن حصار غزة سيعود أقسى مما كان أيام مبارك.. هدم الأنفاق، إغلاق المعبر، طلعات جوية على القطاع لأول مرة، وإعلام محرض يعني أن الانقلابيين يتلقون التعليمات من مكتب رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو.

مغالطة سياسية

يقولون إن أحد أسباب الانقلاب الانفتاح على إيران، إغلاق السفارة السورية، وأنهم سيعيدون فتح سفارة سوريا، وإعادة النظر في الانفتاح على إيران وأن علاقات قومية تجمع الجيش المصري بالجيش السوري مع أن المؤكد أن الجيش في سوريا معظمه من العلويين المعادين للأمة، والتابعين لإيران، إنه استخفاف بالعقول، إن الانقلابيين يعملون في -سيرك- ويتحدثون بخفة، واستخفاف بالعقول إلى أبعد حد.

على الثورة السورية

إن ما حدث في مصر سينعكس على الثورة السورية

بدا الانقلاب أن أحد أهدافه الثورة السورية ومساعدة نظام بشار على الاستمرار وتضييق الخناق على اللاجئين السوريين، بل إن الانحطاط بدا في إرسال معارضين سوريين إلى بشار لينزل بهم آلات التعذيب والتنكيل والقتل التي لا توجد إلا عنده. إن الثورة السورية التي سقطت فيها البشرية عن بكرة أبيها باستثناء تركيا وقطر كانت قد وجدت سندا في مصر، غير أن الانقلاب كشف عن وجوهه الشديدة القبح في التحريض الإعلامي غير المسبوق على السوريين في مصر وعلى الشعب السوري.. فمن المستفيد من ذلك كله؟

في اليمن

لقد أظهر الانقلاب تحالف الأشتات وشجعهم على المضي في المزيد من تعريض البلاد وأمنها للمخاطر. إنهم يتحلفون لإعادة نظام المخلوع.

ونقول لأنصار الانقلاب من التقدميين والحوثيين: لم تستفزكم تدفق المليارات من الرجعية العربية وفقا لليسار وعملاء أمريكا (وإسرائيل)، ووفقا للحوثيين من السعودية والإمارات والكويت. أما ضحالة عقول الحوثيين فتظهر جليا في الحديث عن مكالمة أو تهنئة لبيريز من الرئاسة المصرية قد تكون تلفيقا وقد تكون إكليشة جاهزة أرسلت تلقائيا. الرئيس مرسي حرص على ألا يذكر كلمة (إسرائيل) أبدا وهي مفهومة لديها، تعني أنه لا يعترف بها وإن كان سياسيا مجبراً على التعامل معها، وهو هنا مبدأ في عالم السياسة التفريق بين الشخص وسياسته وهو فوق إدراككم أيها الحوثيون، لذلك غضب أتباعها في المنطقة ومولوا انقلابا لصالحها يا من لا يستفزكم وصف السيسي بالبطل الذي أعاد مصر إلى أحضان إسرائيل، أعماكم الحقد عن إبصار الحقائق ومهما تباريتم في لي الألسن ولحن القول فقد أفصحتم عن مدى حرصكم على (إسرائيل)، لقد أخرج الحدث أضغانكم.

القوى الغربية

إن مواقف الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية من الانقلاب العسكري أظهر تورط الإدارة الأمريكية. لقد تحولت الإدارة الأمريكية إلى بابا الديمقراطية تمنح صكوكها لكنها مثل بابا الكنيسة يمنح الصكوك للانقلابيين ويحجبها عن الرئيس المنتخب في عملية انتخابية بمواصفات غربية، ومع ذلك يقول البابا الأمريكي أن نظام مرسي لم يكن ديمقراطيا وأن الديمقراطية ليست انتخابات، والقصد من ذلك القول أن الانقلاب ليس انقلابا على نظام ديمقراطي وإنما تغييرا في قلب للحقائق رأسا على عقب، وهكذا شأن الدول الأوروبية التي تسقط سقوطا أخلاقيا دائما ولا تجد أي مبرر سوى مخاوف على مصالح غير مشروعة في المنطقة، على سبيل المثال إحدى الصحف الفرنسية غداة الانقلاب في الجزائر قالت إن الغرب حين يخير بين الدبابة والحجاب فأنه يفضل الدبابة لأن الحجاب سيحجب النفط والغاز الجزائري.

وجاء في صحيفة بريطانية إن الغرب يفضل الأنظمة الثابتة على المتغيرة في المنطقة.

إن القوى الغربية ضد الديمقراطية في المنطقة لأن إرادة الشعوب ستعمل من أجل علاقات ندية بدلا عن التبعة والذيلية والاستغلال الرأسمالي المتوحش للثورات والعبث بمصادر الطاقة.

وحدها تركيا

تركيا المنسجمة مع مبادىء الديمقراطية رفضت الانقلاب، وقال أردوغان لو كان البرادعي هو الرئيس المنتخب وجرى الانقلاب لكان موقف تركيا نفسه.

الاتحاد الأفريقي

وفي مفارقة مثيرة للاتحاد الأفريقي يعلق عضوية مصر انسجاما مع لائحة الاتحاد ويكرر رئيس نيجيريا أن لا يعترف بسلطة الانقلاب.

خاتمة

إن الانقلاب على الشرعية والثورة والإرادة العامة للشعب في مصر كشف عن حقائق منها:

1- أن الباطنيين في المنطقة هم الذين خلفوا الاحتلال الإنجلو فرنسي وحققوا إرادة الاحتلال في تأكيد خارطة سايكس بيكو على الأرض وكذلك وعد بلفور ما الذي يجمع العلويين في سوريا بالسيسي وآل سعود وأسرة صالح والقذافي وآل نهيان وآل مكتوم والجيش الجزائري كلها للعمل ضد الأمة بكل الوسائل بما فيها تمزيق العلاقات العربية العربية! اختلفت الأنظمة في الشكل جمهورية ملكية ثورية محافظة سلفية علمانية والمحصلة واحدة. لقد أقاموا جامعة الدول العربية لهذا الغرض، وهو إضفاء غطاء و مشروعية تعدد الدول في منطقة لا تصلح إلا دولة واحدة، لا يوجد مبرر واحد لتعدد الدول، إن تعددها يعني تحول المصلحة الواحدة إلى مصالح ومن ثم صراع مصالح وتعدد إرادات. إن الدول لا تلتقي لذلك فجامعة الدول أكبر أكذوبة لو كانت تصلح لكانت جامعة الدول المتحدة لكنهم يدركون أن ذلك مستحيل نظريا فأسموها هيئة الأمم المتحدة.

2- إن القوى المعادية للأمة التي صنعت الأنظمة تعتقد أن تقدمها مرهون بتخلفنا وقوتها مرهونة بضعفنا، لذلك صدمتها الثورات العربية وشعرت بالرعب لأن المنطقة فيها عناصر قوة هائلة طبيعية وبشرية وإذا تحررت فإنها مرشحة للاتحاد والنهوض مما يعني أنها تشكل تهديدا وجوديا لها من الكيان الصهيوني إلى أمريكا وأوروبا وحتى روسيا والصين إلى وكيلاتها في المنطقة، كل ما يجري من مؤامرات هو الخوف من قوة كامنة لا قبل لأي قوة أخرى بها.

3- إن مصر تمثل رأس الحربة ووأد الربيع العربي لابد أن يتجه إلى الرأس وما تبقى سيتأثر تلقائيا مع عدم إغفال البلاد الأُخرى بل العمل على إسقاط الثورات ونشر اليأس، لذلك كان الانقلاب خروجا على جميع القواعد وكان تأييده فجا وخرقا لكل القوانين وسقوطا أخلاقيا لكل المتشدقين بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية. لقد تحولت الإدارة الأمريكية إلى بابا الديمقراطية يمنح صكوكها لكنه مثل بابا الكنيسة يمنح الصكوك للانقلابيين ويحجبها عن الرئيس المنتخب في عملية بمواصفات غربية، ومع ذلك يقول البابا إن نظام مرسي لم يكن ديمقراطيا.

4- إن كان ذلك دأب العدو من الخارج ومتوقع منه فإن العدو من الداخل حقير منحط غارق في وحل العمالة ومستنقع العبودية ويريد أن تظل الشعوب عبيدا له ولأسياده، عبودية مركبة. لقد وقعت قيادة الجيش المصري ومعها آل سعود ونهيان ومكتوم وراشد في مستنقع يحتقرهم فيه أسيادهم.

5- وأخيرا كشفت الحالة المصرية عن ارتفاع مستوى الوعي العام وأن قوة جبارة ترفض الاستسلام وأن أي قوة في الأرض لن تستطيع قهر إرادة شعب.

إن الشعب المصري يتحدى الصعاب ويقف أمام قوى متجبرة وعدوان من الداخل والخارج ويقدم شهداء وهذه الإرادة هي التي ستهزم الانقلابيين ومن وراءهم.

إن التضامن الذي لقيه الرئيس المصري محمد مرسي في العالم الإسلامي غير مسبوق، لقد كشف عن تطلع الأُمة إلى الاتحاد وأن الأمة لديها قابلية للاتحاد في زمن قياسي، وأن النصر قادم لكنه يتطلب مزيدا من الأخذ بالأسباب والسنن وفي طليعتها الدراسة العلمية لكل الشئون وكيفية التعامل معها كما يفعل العدو.

عن Admin

اترك تعليقاً