مسلمو القرم “بأوكرانيا” دائما ما يدفعون الثمن . . وماذا تعرف عن القرم الإسلامية؟

القرممسلمو القرم بأوكرانيا” دائما ما يدفعون الثمن . . وماذا تعرف عن القرم الإسلامية؟

 

شبكة المرصد الإخبارية

 

ككل القضايا في هذا العصر التي يكون المسلمون أحد عناصرها تقدم رقابهم لتوضع على المذبح!

 

ولنتعرف عن القرم . . يجب معرفة أن مجموعة دول الاتحاد السوفيتي “سابقًا” في حوض نهر الفولجا شرق أوروبا: (تتاريا – باشكيريا – مولدوفيا – تشوفاشيا – أدمورتيا – ماري – شكالوف – القرم الإسلامية).

 

كانت القرم إحدى الجمهوريات السوفيتية على البحر الأسود في شرقي أوروبا، وشكل التتار المسلمون الغالبية العظمى من سكانها، والقرم تعني في لغة أهلها القلعة”، وألغيت جمهورية القرم على أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك بقرار من مجلس السوفيت، صدر في شهر ديسمبر من سنة 1362هـ – 1943م، وأصبح ساري المفعول في الثالث والعشرين من فبراير سنة 1364هـ – 1944م، وأذيع على العالم في الخامس والعشرين من يونيو سنة 1366هـ – 1946م، أي بعد تنفيذه بعامين. وصحب تنفيذه أحداث جسام، لهذا أخفى السوفيت أخباره عن العالم الخارجي مدة عامين، وضمت القرم بعد إلغائها إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية، ثم أصدر نفس المجلس قرار بتبرئة تتار القرم في سنة 1378 هـ – 1967 م مما نسب إليهم في القرار السابق، بعد تشريد أهلها.

 

كانت في شبه جزيرة القرم في شمال البحر الأسود، وتمتد بينه وبين بحر أزوف الذي يحدها من الشرق، وتطل على خليج كرشينسي الذي يصل بين بحر أزوف والبحر الأسود، ويربطها باليابس برزخ ضيق في شمالها، تمر عبره خطوط المواصلات، وتحيط بها مياه البحر الأسود من الجنوب والغرب.

 

كيف وصل الإسلام إلى شبه جزيرة القرم؟

 

وصلها الإسلام عن طريق التتار، وذلك في عهد القبيلة الذهبية، فعندما وصل التتار إلى شبه جزيرة القرم جذبوا من كان بها من الإغريق والإيطاليين إلى الإسلام، وكانوا يبذلون جهدهم في نشر الإسلام بين جيرانهم، ولقد استقر تتار القرم بشبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وكانوا قسمًا من دولة المغول، ثم استقلت دولة القرم تحت حكم أسرة كيراي منذ سنة 831هـ – 1427 م، وقويت دولة القرم التتارية بمد نفوذها على الأراضي المجاورة لها، وبلغت قوتها أن إمارة موسكو كانت تدفع لها جزية سنوية في عهد السلطان محمد كيراي في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، ثم خضعت موسكو لحكمها في سنة 979هـ – 1571م، وقويت شوكة الروس وبدءوا في مهاجمة أطراف دولة القرم، والتي بدأت تضعف، فاستولوا على القسم الشمالي منها في سنة 1091هـ – 1680م، وهب الأتراك العثمانيون لنجدتهم، وتم تحالف بين تتار القرم والدولة العثمانية، فنزل العثمانيون جنوب شبه جزيرة القرم، ودام هذا التعاون قرابة قرن.

 

ولما أصاب العثمانيين الضعف في الجهة الشمالية، تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198هـ – 1783م، في عهد كاترين الثانية إمبراطورة روسيا المتعصبة للمسيحية، وهكذا فقدت دولة تتار القرم حريتها، وبدأ الاضطهاد الديني لمسلمي القرم، وطرد الروس من شبه جزيرة القرم نصف مليون نسمة، وصدرت عدة قوانين تحرم الدعوة للإسلام، وظل هذا الغبن مفروضًا على التتار المسلمين طيلة قرن وربع.

 

ولما صدر قانون حرية التعبد أعلن التتار الدعوة الإسلامية، بعد أن كانوا يمارسونها سرًّا بين جيرانهم، وزاد عدد الداخلين في الإسلام، ونشط تتار القرم في استعادة كيانهم منذ صدور قانون حرية العقيدة في روسيا القيصرية في سنة 1323هـ – 1905م، وحتى استيلاء السوفيت على حكم روسيا في سنة 1336هـ – 1917م، فقاوم تتار القرم الخضوع لهم، فلجأ السوفيت إلى حرب التجويع والحصار، وقد نشرت جريدة “أزفسيتا” السوفيتية جانبًا من حرب التجويع التي فرضت على تتار القرم، واستمرت طيلة عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين، ومات في هذه المجاعة أكثر من ستين ألف مسلم من تتار القرم، وقتل مائة ألف، وحكم على خمسين ألف بالنفي، وهكذا قدم تتار القرم العديد من الضحايا، قبل الاستسلام لحكم السوفيت، وأعلن قيام جمهورية القرم السوفيتية، وخضعت للحكم الذاتي.

 

وفي سنة 1347هـ – 1928م اتجه الروس إلى جعل شبه جزيرة القرم موطنًا ليهود روسيا، واحتجت حكومة القرم، فأعدم رئيس جمهوريتها وأعضاء حكومته، ونُفي أربعون ألف مسلم من القرم إلى سيبريا، وهكذا كانت قلعة حصينة، ولم تستلم بسهولة، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية أتهم السوفيت سكان القرم بالتعاون مع الألمان، فصدر قرار مجلس السوفيت بإلغاء جمهوريتهم في سنة 1363هـ – 1943م، وتم تنفيذه، وشرد تتار القرم، وأرغموا أهلها على الهجرة الإجبارية إلى سيبريا وآسيا الوسطى، خصوصًا في أوزبكستان، وهرب مليون وربع مليون منهم إلى تركيا وأوروبا الغربية، وبعضهم في بلغاريا، ورومانيا وأعدم الكثير، ولم يبق من خمسة ملايين مسلم من تتار القرم غير نصف مليون، وهدم السوفيت ألفًا وخمسمائة مسجد في شبه جزيرة القرم، والعديد من المعاهد والمدارس، وفي سنة 1387هـ – 1967م قرر مجلس السوفيت براءة تتار القرم من تهمة التعاون مع الألمان، وألغى قرار الاتهام السابق، ولكن هذا جاء بعد فوات الأوان وتشريد شعب كامل وإلغاء جمهوريته، نتيجة تهمة باطلة ألصقت به، ويطالب تتار القرم بالعودة إلى وطنهم.

 

قواعد الاستراتيجيات تقضي بهذا، فالعنصر الأضعف في أي صراع هو المرشح دوماً لتكون كل التسويات على حسابه، فالأضعف يخسر عادة بينما أطراف الصراعات تتفاوت في معايير المكاسب والخسائر!

وإذا كان المسلمون اليوم لا يملكون من أسباب القوة ولا يستندون إلى دولة كبرى تدافع عن حقوقهم مثلما هو الحال بالنسبة للآخرين فمن الطبيعي أن تقهرهم أي تسوية.

 

في أوكرانيا، وفي اللحظات الأولى لإطاحة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش واختفائه، ترددت الأنباء القائلة بأن الرجل قد فر إلى إقليم القرم، أحد أهم معاقل الروس في أوكرانيا، فالإقليم يمثل الروس أكبر كتله يليهم الأوكرانيون ثم المسلمون التتر الذين كانوا يمثلون أغلبيته قبل تهجيرهم قسراً منذ سبعة عقود، ثم بدأت الاضطرابات تحصل في الإقليم والأخبار تتوالى بأن الإقليم سيفصله الروس عن أوكرانيا تمهيداً لإلحاقه أو تبعيته للروس.

 

وما كان يتردد همساً علا حتى أصبح حقيقة، فالرئيس المعزول قال مؤخراً لوكالة انترفاكسالأوكرانية إنه واثق بأن القرم وشرق أوكرانيا معه، وقبل تصريحه كانت قوات مظلية روسية ـ على ما يبدو ـ مسلحة وترتدي ملابس مدنية قد سيطرت على مبنيي برلمان وحكومة القرم الذاتية الحكم في مدينة سيمفروبول (عاصمة الإقليم أو آق مسجد بحسب التسمية التترية لها) بعد أن طردت حراسهما، والذي تريد روسيا من البرلمان أن يعلن انفصاله عن أوكرانيا..

المسلمون هبوا لمنع البرلمان من عقد جلسته الاستثنائية وانتظم أكثر من عشرين ألفاً منهم أمام بوابته، لكن يبدو أن قوتهم الفاعلة أضعف من التصدي لهذه الهجمة الروسية، وما يفيدهم فقط هو أن النظام الجديد في أوكرانيا يرفض الانفصال ولا يريد للروس أن يستأثروا بشرق وجنوب البلاد.

 

مسلمو القرم بالجنوب، ومسلمو الدنباس بالشرق، يخشون الآن من أن تفضي الأحداث الجارية في أوكرانيا إلى وقوعهم تحت نير احتلال روسي خبروا مغباته على مر القرون، فعندما كانت الدولة العثمانية كان الإقليم الاستراتيجي الذي يشرف على بحري الأزوف والأسود ضمن أملاك الدولة العثمانية، ثم طالبت روسيا القيصرية في أعقاب حرق الأسطول العثماني قبل أكثر من قرنين بانفصال الإقليم، ثم لما ضعفت الدولة العثمانية أكثر ضمته روسيا إليها.


هذا السيناريو الذي تكرر في بلدان إسلامية كثيرة، منها دول وجمهوريات القوقاز على سبيل المثال تريد روسيا تكراره اليوم بضم الإقليم إليها وكذا شرق أوكرانيا الذي يضم التتر الدونباس المسلمين، والمسلمون البالغ عددهم نحو مليوني نسمة ونيف ينتابهم قلق عميق خشية تكرار الماضي حيث أرغم أربعة ملايين مسلم على الهجرة من ديارهم، وقبل سبعين عاماً كان أكثر من 300 ينقلون بطريقة ليست آدمية لخارج وطنهم ما أودى بحياتهم جميعاً.

 

للمسلمين أن يخشوا من مغبة انتقال الصراع إلى حالة عسكرية قد تفضي إلى إعادة تهجيرهم أو حتى قتلهم، ولا تعويل على فكرة تحضر أوروبا أو عدم سماحها بمثل هذه الجرائم؛ فما يعايشه المسلمون في سوريا مثلاً وحتى دول القوقاز يسمح للخيال بتذكر مآسي التاريخ.

 

لكن حتى لو لم تكن الأمور سوداوية هكذا، فالأمر يتعلق بتسوية لا تأخذ المسلمين باعتبارها، وبالتالي فربما ستصير الأوضاع إلى ما هو أسوأ من الحالي لو ظلت الهيمنة الروسية على مناطق المسلمين. أما إذا ظلت أوكرانيا موحدة وذات توجه أوروبي، فلربما تحسنت الأحوال وشعر المسلمون بحرية وانطلاق أكبر في ممارسة شعائر دينهم وإعادة كثير من إخوانهم المهجرين إلى ديارهم، وتحسن أحوالهم المعيشية..

وفي خضم هذه الأحداث إذا كان علينا أن نتفاءل في وسط هذه الأجواء الغائمة، فإن مما يبعث على ذلك تصريح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي قال إنه يعتزم زيارة إقليم القرم ضمن زيارته القادمة لأوكرانيا إن “تركيا مع وحدة الأراضي الأوكرانية” فـ” القرم مهم بالنسبة لتركيا، إذ يقطن شبه الجزيرة أحد الشعوب التركية وهم التتار”.

ولقد استولت العسكرية الروسية على أراضي القرم بقصد السيطرة عليها بشكل دائم، سيكون هذا أصعب بكثير بالنسبة لروسيا مما كان عليه الأمر في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وترانسنيستريا. والسبب الرئيس في ذلك هم تتار القرم المسلمين.

التتار مجموعة من المسلمين رُحلوا بشكل جماعي من شبه جزيرة القرم من قبل ستالين في عام 1944، وخاضوا نضالا سلميا لعقود من الزمن من أجل حق العودة، وقد تمكنوا من العودة وتحقق لهم ذلك بأعداد كبيرة منذ عام 1989.

وفقا لآخر تعداد للسكان الأوكرانيين في العام 2001، تجاوز عدد تتار القرم 243433  بما يعادل 12.1 في المائة من إجمالي سكان القرم: 2033700.

إنهم يمثلون كتلة تصويتية انتخابية موحدة ومنظمة ومعبأة، وكانوا على الدوام مؤيدين للأوكرانية ويعارض الانفصاليين المواليين لروسيا في شبه الجزيرة.

وإذا عدنا إلى الاستفتاء على الاستقلال عام 1991، فإن التصويت (بنسبة ضئيلة) لصالح استقلال الدولة الأوكرانية في القرم ربما كان ذلك بفضل تصويت تتار القرم المسلمين. منذ ذلك الحين، وتتار القرم وهيئتهم الممثلة لهم “المجلس“، تعاونوا مع الأحزاب السياسية الموالية لأوكرانية.

ورغم أنهم يشكلون حليفا قويا للحكومة الأوكرانية ضد الانفصالية الموالية لروسيا في شبه الجزيرة، فإن السلطات المركزية الأوكرانية، وإن استفادت، ولا تزال، من هذا الدعم، إلا أنها أيضا تنظر بعين الريبة والاشتباه لتتار القرم، الذين يعتبرون شبه جزيرة القرم وطنهم التاريخي، وطالبوا باتخاذ تدابير مثل تغيير وضع الحكم الذاتي للقرم لجعله “الإقليم الوطني المستقل” لتتار القرم مقابل مجرد “إقليم“.

كما إن قانون اعتبار تتار القرم من الشعوب الأصلية في أوكرانيا، وقد ظل قادة التتار يضغطون لسنوات عديدة لتمريره، لم يتم إقراره بعد.

ومهما كانت المظالم التي يعاني منها التتار في ظل الدولة الأوكرانية، فإنهم عندما يواجهون اختيارا حاسما: إما أن يكونوا تحت السيطرة الروسية أو الأوكرانية، فإن قادة تتار القرم يختارون، باستمرار وبشكل لا لبس فيه، أوكرانيا.

ومنذ الحقبة السوفياتية، لم تُثمر محاولات تقسيم حركة تتار القرم وإقناع بعض التتار بدعم المواليين للاتحاد السوفيتي، والموالين لروسيا في وقت لاحق.

من المعروف أن لتتار القرم تاريخا مشهودا من المقاومة اللاعنفية والنضال السلمي من أجل نيل حقوقهم. وحتى الآن، بقى التتار المسلمون بعيدا عن الشوارع، وقادتهم، مثل قادة أوكرانيا في كييف، مارسوا درجة من ضبط النفس جديرة بالثناء.

ولكن إذا لم تتراجع روسيا وتمضي في محاولتها ضم شبه جزيرة القرم وبسط السيطرة عليها، فمن المؤكد أن تواجه موسكو معارضة حاشدة ومنظمة من التتار المسلمين.

القرم مهمة لتركيا.. مهمة لكل مسلم أيضاً..

عن Admin

اترك تعليقاً