المسؤولية ومآلاتها

المسؤولية ومآلاتها

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس في المسجد الحرام يوم الجمعة 11- 7 – 1433 هـ الموافق 1 يونيو 2012م خطبة الجمعة بعنوان: “المسؤولية ومآلاتها”، والتي تحدَّث فيها عن مسؤوليَّة كل فردٍ في هذه الأمة؛ في بيته، وعملِه، وحكومته، ووزارته، وإمارته، من مُنطلَق أن كلَّ راعٍ مسؤولٌ عن رعِيَّته، كما وردَ بذلك الحديثُ النبويُّ الشريفُ، وبيَّن عِظَمَ هذه المسؤولية، ووجوبِ القيامِ بها كما أمرَ الله تعالى، وأن الإخلالَ بها إيذانٌ بانهيارِ المُجتمعاتِ.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونُثنِي عليه الخيرَ كلَّه، علانيتَه وسِرَّه، فأهلٌ أنت يا ربَّنا أن تُحمَد، وأهلٌ أنت أن تُعبَد، لك الحمدُ حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضِيتَ، ولك الحمدُ بعد الرِّضا، لك الحمدُ فضلًا وجُودًا ومَنًّا لا باكتِسابٍ مِنَّا، لك الحمدُ بالإسلام، لك الحمدُ بالإيمان، لك الحمدُ بالقرآن، ولك الحمدُ بالمال والأهلِ والمُعافاة، لك الحمدُ كالذي نقولُ وخيرًا مما نقولُ، ولك الحمدُ كالذي تقولُ، أمرتَنا بالشكرِ ووعدتَنا بالزيادة:  وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ  [إبراهيم: 7].
سبحانك ربَّنا وبحمدك، ما أصبحَ وأمسَى بنا من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريكَ لك، فلك الحمدُ ولك الشكرُ
أنت الذي علَّمتَنا ورحِمتَنا وجعلتَنا من أمةِ القرآنِ
وأفضْتَ مَنًّا في القلوبِ محبَّةً والعَطفَ منك برحمةٍ وحَنانِ
فلك المحامِدُ والمدائِحُ كلُّها بخواطِري وجوارِحي وجَنانِي
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرَنا بتحقيق المسؤولية استِشعارًا واستِباقًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا وقدوتَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أورَقَ العهدُ المسؤولُ في سيرتِهِ إيراقًا؛ فكان الخيرُ دفَّاقًا، والنَّماءُ في الأمةِ خفَّاقًا، صلَّى الله عليه، وعلى آله المُبارَكين أصولًا الطاهرين أعراقًا، وصحبِهِ الأخيارِ البالِغين في رعايةِ الحقِّ والأماناتِ قِمَمًا بل طِباقًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ممن أُفعِمَت نفوسُهم بالجِنانِ أشواقًا، وسلَّم تسليمًا طيبًا عطِرًا رَقراقًا.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -، واعلَموا أن تقواه – تباركَ وتعالى – هي السراجُ الهادي لمن كان مسؤولًا، والمعراجُ السَّنِيُّ لمن رامَ من العَلياءِ وُصولًا، والذُّخرُ الربَّانيُّ لمن كان مرجُوًّا ومأمولًا،  وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ  [النور: 52].
وأهلُ التُّقَى في عِزٍّ ومفخرةٍ من جَدَّ في السَّيرِ يُدرِكْ ما تمنَّاهُ
فحَيِّي الخِصالَ مع التقوى إذا اجتمعَت ذاك الجمالُ الذي قد سرَّ مرآهُ
أيها المسلمون:
دأَبَت شريعتُنا الغرَّاءُ على تزكيةِ المُسلمِ والسمُوِّ به إلى أعلى الذُّرَى والمراتِب بأسنَى الشِّيَم والمناقِب؛ صونًا للمُجتمعاتِ من معرَّاتِ الانْحِدار، وعواقِب البَوار. ومن أعظمِ القِيَم التي أولَتْها بالغَ الاهتمام قيمةٌ تُحقِّقُ السُّؤدَدَ والازدِهار، والآمالَ العِراضَ الكِبار التي تبعثُ على الإجلالِ والانبِهار.
إنها قيمةٌ بهِيَّةٌ غُرَّتُها، مُشرِقةٌ طُرَّتُها، هي من نماء الأممِ مادةُ حياتها، ومن رُقِيِّها وهيبتِها مِرآةُ آياتها، وكُنهُ مُسمَّياتِها دون سنا أنوارِها إشراقُ النَّيِّرَيْن، ومقامُها الأسنَى جاوزَ الفرقَدَيْن، ولكن وفي ذات الأوانِ ما أفتَكَ مِرَّتَها، وأضرى مُنَّتَها متى وُسِّدَها من لا يتحاشَى اللَّومَ والعقابَ، ولا يجِلُّ من تثريبٍ وعِتابٍ.
تلكم – يا رعاكم الله – هي: المسؤوليةُ ومآلاتُها، المسؤوليةُ ومَغَبَّاتُها، المسؤوليةُ وتعهُّداتُها،  فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ  [الأعراف: 6].
وفي مِشكاة النبُوَّة من حديثِ عبد الله بن عُمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «كُلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعِيَّته؛ فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعِيَّته، والرجلُ راعٍ في أهلِه ومسؤولٌ عن رعِيَّته، والمرأةُ راعِيَةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عن رعِيَّتها، والخادمُ راعٍ في مالِ سيِّده ومسؤولٌ عن رعِيَّته؛ فكلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعِيَّته»؛ أخرجه البخاري ومسلم.
إخوة الإيمان:
الإخلاصُ ومُراقبةُ الله في السرِّ والعَلَن لُحمةُ المسؤوليةِ ومُنتهاها، والجِدُّ والمُثابرَة أركانُها وسَدَاها، ولكلِّ مُتقنٍ منها ومُبدعٍ موقِعُه، ولا ينبُو بعملٍ صالحٍ موضعُه.
وليست المسؤوليةُ قسرًا على الوظيفةِ وحِكرًا على المراتِب، والرُّبَّان النِّطاسِيِّ المُناسِب، كلا؛ بل هي ساحةٌ متَّسعةُ الأرجاء، رَحْبَةُ الأفناء، تشملُ ميادين الحياةِ كلَّها دِقَّها وجِلَّها؛ العبادات، والعادات، والمُعاملات، الأفرادِ والجماعات، المُؤسَّسات والهيئات، المُجتمعات والحُكُومات، ولكن تعظُمُ في الذُّؤَابات، ومن نِيطَت بهم جلائلُ الأمانات والمُهِمَّات.
معاشر المسلمين:
لقد طاشَت أفهامُ كثيرٍ من الناسِ إزاءَ حقيقة المسؤوليةِ وفحوَاها، ولم يستشعِروا ثِقَلَ مرامِيها ولا مَدَاها، وما واقعُ مُجتمعاتنا المُعاصِرة الراسِفِ في شَرَكِ الخَوَر والعشوائيَّة، والفسادات الإدارية، وأدواءِ الفوضَى والاتِّكاليَّة إلا نِتاجُ البَرَمِ والتنصُّلِ من المسؤولية، وعدمِ تجذُّرِها في القلوبِ؛ رهبًا وإشفاقًا من ربِّ البريَّة.
بل كم من فِئامٍ اتَّخَذوها لمآربِهم الشخصيَّة – يا ويحَهم – نِعْمَ المطِيَّة! ألا بِئسَ الأقوام هم، هتَكُوا حُرمةَ المسؤوليَّة هَتكًا، وفتَكُوا بمُقدَّراتِ المُجتمعاتِ فَتْكًا؛ تسويفًا في المواعيد والمُعاملات، ومُماطلةً في الحقوقِ والواجبات، واستِخفافًا بالأموال والمهامِّ والأوقات،  إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا  [الإسراء: 36].
يتمرَّدون على جوهرِ المسؤوليَّة ويتنابَذونَها، حتى تَنمَاعَ مصالِحُ المُسلمين هَدَرًا بين: انظُرهم، وذاك، وراجِع غدًا، وذَيَّاك، واذهَب للآخر وهؤلاء. وذاكَ – وايْمُ الحقِّ – الدَّاءُ العَيَاءُ.
إن ضياعَ المسؤوليَّة والتهوينَ من شأنِها، والحطَّ من قدرِها هو البلاءُ الذَّريعُ، والشرُّ الخفِيُّ الشَّنيعُ الذي يفتِكُ بالأمةِ ومُقدَّراتِها، وينشرُ في أرجائِها سُمومَ الانحِطاطِ والفساد، وعِلَلَ الإفناءِ والهَلَاك، وما أعدَى أعداء المسؤوليَّة إلا التهاوُنُ والاتِّكال المقرونُ باللامُبالاةِ والإهمالِ.
ومن أرادَ العُلا عفوًا بلا تعَبٍ قضَى ولم يقضِ من إدراكِها وطَرًا
لا بُدَّ للشَّهدِ من نَحْلٍ يُمنِّعُهُ لا يجتَنِي النَّفعَ من لم يحمِلِ الضَّرَرا
أمةَ الإسلام:
أما آنَ الأوانُ، أم كادَ أن يفوتَ لكي ينطلقَ الأفرادُ والأُممُ صوبَ الطريقِ الأَمَم، لتحمُّلِ تبِعاتِ المسؤوليَّة وأرَقِها، كما حمَلَتهم بلقَبِها وألَقِها؟!
ففي كنَفِ المسؤوليَّة الهيِّنَةِ اللَّيَّنةِ المُشرَبة بالحزمِ المُبدِع تتأكَّدُ الحقوقُ والمِثالِيَّات، وتتوطَّد وتسمُقُ مفاخِرُ المجد والنَّماء، وتأتلِقُ قُدُرات الإنسان شطرَ الازْدِهار، والتميُّز والإبداعِ والابتِكار. نعم؛ تلكم المسؤوليَّةُ الحقَّة التي تستشعِرُ خشيةَ الله مع كلِّ قبسةِ قلمٍ، وهمسَةِ فمٍ، وإمضاءِ توقيعٍ، فتُخرِسُ ضجيجَ المظاهِر، وتكُفُّ رعونةَ المناصِب، وتُخفِّفُ زهوَ الجاه، وتُنهْنِهُ حُظوظَ النفسِ ودَخَلَ الذاتِ.
فهي حقًّا لمن يستشعِرُ عِظَمَ المسؤوليَّة وثِقَلَ الأمانة مغارِمُ لا مغانِم، وضخامةُ تبِعاتٍ تستوجِبُ صادقَ الدعوات. وبسببِ ذلك غرسَ أعلامٌ في الأفئدةِ محبَّتَهم، وحُمِدَت على مرِّ الأيام سيرتُهم.
يقول – صلى الله عليه وسلم – مُنبِّهًا ومُحذِّرًا: «ما ذِئبانِ جائِعانِ أُرسِلا في زَريبةِ غنَمٍ بأفسَدَ لها من حِرصِ المرءِ على المالِ والشَّرَفِ لدينه»؛ أخرجه الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي، وابن حبان في “صحيحه”.
الله أكبر، الله أكبر! يا لَه من قولٍ أشرقَ معنًى ولفظًا، وتألَّقَ إرشادًا وتوجيهًا ووعظًا. يقول الحافظُ ابن رجب – رحمه الله -: “فهذا مثلٌ عظيمٌ جدًّا ضربَه النبي – صلى الله عليه وسلم – لفسادِ دينِ المُسلمين بالحرصِ على المالِ والشَّرَفِ في الدنيا”.
إن المنازِلَ لا تدومُ لواحدٍ إن كنتَ تُنكِرُ ذا فأينَ الأوَّلُ؟
فاصنَع من الفعلِ الجميلِ صَنائِعًا فإذا برِحتَ فإنها لا تُهمَلُ
فيا إخوة الإسلام:
يا من بُوِّئتُم المسؤوليَّات الجِسام! تجافَوا بعزائمِكم عن المعرَّاتِ والإهمال، واسمُوا بصِدقِكم وإخلاصِكم عن التقاعُسِ والمِطال، واستمجِدوا بهِمَمكم عظيمَ المقاصدِ والطموحاتِ الغَوَال؛ فالإتقانُ له سطوع، والتفانِي والإبداعُ له ذُيُوع، والإنتاجُ والتطويرُ لبهائِه لُمُوع، جاعِلين خدمةَ الحقِّ شِعَارَكم، ونفعَ الخلقِ دِثَارَكم.
ويا حبَّذَا ثم يا حبَّذَا ما يتطلَّعُه الواعُون الأخيارُ من أبناءِ الأمةِ من ذوِي المسؤوليَّات الكُفُؤة من التحقُّقِ بها وإدراكِ أبعادِها على أسمَى وجودِها وحقائِقها التي تُسلِمُنا – بإذن الله – إلى أحسنِ الثِّمارِ والمقاصدِ والغايات، وأبهَجِ الآثار والمآلات، وأسمَى النتائجِ والنهايات، وما ذلك على الله بعزيز.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  [الأنفال: 27].
بارك الله ولي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا وإياكم بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا دومًا مُكرَّرًا، كلَّف – تبارك وتعالى – بمُقتضَى المسؤوليَّة فكانت حقيقتُها الأنقَى جوهرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ التوحيد في الأعماق تجذَّرَا، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من حملَ المسؤوليَّة بلاغًا وعملًا فكان الأنضَرَا، اللهم فيا ربِّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله الأُلَى دامُوا للجُلَّى سَلسَلًا لا ينضَبُ أبهَرَا، وصحبِهِ الميامين مخبَرًا ومظهرًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ممَّن يرُومُ جِنانًا وكوثرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -، اتقوا الله فيما خوَّلَكم من الأمانات، واسعَوا إلى مرضاته باستِشعار المسؤوليَّات؛ تغنَموا الخيرات، وتنعَموا بالمسرَّات والبرَكات، واعلَموا أنكم في شهرٍ من أشهُرِ الله الحُرُم فلا تظلِموا فيهنَّ أنفُسَكم بالمعاصِي والسيِّئات.
إخوة الإسلام:
ولا تتحقَّقُ المسؤوليَّةُ في أجلَى مظاهرها وآرَج أزاهِرها إلا إذا تُوِّجَت بمعاقِدِ الرِّفقِ، والحِلمِ، والأناةِ، والحِكمةِ، وصالحِ الأخلاق، وإلا متى سارَت في رِكابِ الشِّيَم الأعلاف التي تنِمُّ عن النباهةِ البارِعة، والرُّوحِ الإسلاميَّة الفارِعة، وبقدرِ عِظَم المسؤوليَّة وموطِنِ التشريفِ والتكليفِ تعظُمُ وتسمُو وتُنيف، لاسيَّما في البِقاع الشَّريفة، والأماكنِ المُنيفة، ويا لَهناءِ من شرُفَ بالخدمةِ فيها، وفعِ قاصِدِيها؛ حيث تتجلَّى ضرورةُ الإخلاصِ لله، واللَّجَأِ إليه، واستِمداد العونِ والتوفيقِ منه – سبحانه -.
فإذا لم يكن عونٌ من الله للفَتَى فأوَّلُ ما يجنِي عليه اجتِهادُهُ
والشعورُ بالحاجةِ المُلِحَّة إلى الرأيِ السَّديدِ الحَصيف، والمشورةِ الصادقة، والنُّصحِ الهادِف، والنَّقدِ البَنَّاءِ النَّزيه من مُحِبٍّ يستشرِفُ معالِيَ الأمور، ويسمُو بنفسِه عن كوامِنِ الغِلِّ والشَّحْناء، والحَسَدِ والبَغضاء، والكِبرياء والغُرُور.
إضافةً إلى أهميةِ امتِياز المُؤهَّلين الذين يُحقِّقون ما أُسنِدَ إليهم على أتمِّ وجهٍ وأعظمِه، وأسناهُ وأقومِه، وإن هؤلاء الأخيار لَمغبُوطون لِمَا أنَّ سبيلَهم المُنيفَة مرقاةٌ لمرضاةِ المَولَى – تبارك وتعالى -، وشرفٍ سَنِيٍّ لخدمةِ زُوَّار بيتِه الحرام، ومسجدِ رسولِه خيرِ الأنام – عليه الصلاة والسلام -.
وهنا لا بُدَّ من همسةٍ مُوفَّقة لكلِّ من أمَّ هذه العَرَصَات المُبارَكة بأهميةِ تعاوُن الجميع، وتضافُرِ الجهود في رِعايةِ قُدسيَّة الحرمين الشريفين، وتحقيقِ آدابِهما، والعنايةِ برُوَّادهما.
ألا وإن من فضلِ الله وعظيمِ آلائه، وجَزيلِ نَعمائه ما منَّ به على هذه الأمةِ من تمكينٍ للحرمين الشريفين، وما ينعَمَانِ به وقاصِدِيهما من أمنٍ وأمانٍ، وراحةٍ واطمِئنان،  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ  [العنكبوت: 67]، وما هيَّأَ لهما من قيادةٍ حكيمةٍ تشرُفُ بخدمتهما ورعايتِهما، وتُقدِّمُ لقاصِدِيهما منظومةً مُتكامِلةً من بديعِ الخَدَمات لتحقيقِ جليلِ الآمالِ والطُّمُوحات.
جعلَها الله رِفعةً في الدَّرَجَات، ومثاقِيلَ في موازينِ الحسنات، تُورَدُ هذه النِّعَمُ وتُذكَرُ، ويُشادُ بها وتُشكَر، في الوقتِ الذي لا ننسَى فيه أبدًا مآسِيَ أمتِنا؛ خاصَّةً في فلسطين السَّنِيَّة، وبلاد الشامِ الأبِيَّة، ولا رَيبَ أن كلَّ غَيورٍ يَدينُ ويستنكِرُ فظائِعَ العُنفِ والقتلِ وسَفكِ الدماء في رُبَى سوريَّة الشمَّاء.
وما مجزَرةُ بلدة (الحُولَة) بأَخَرة التي استهدَفَت المدنيِّين، وراحَ ضحِيَّتَها الأبرياءُ؛ من الشُّيُوخِ، والنساءِ، والأطفال إلا أُنموذجٌ قاتِمٌ للصَّلَفِ الأرعَن من نظامِ الظلمِ والطغيانِ، مما يُؤكِّدُ الدعوةَ إلى مُعاقبَة مُرتكِبِيها، والله المُستعان.
اللهم عجِّل بنصرِهم، اللهم عجِّل بنصرِهم، اللهم عجِّل بنصرِهم، وفرِّج كُربَتَهم، وفرِّج كُربَتَهم، واكشِف غُمَّتَهم، واحقِن دماءَهم، وأصلِح أحوالَهم بمنِّك وكرمِك يا جوادُ يا كريمُ.
وبعد، معاشر الأحِبَّة:
فإن من أشرفِ أعمالِكم، وأرفعِها في درجاتكم، وأزكاهَا عند بارِئِكم: كثرةَ صلاتِكم وسلامِكم على نبيِّكم النَّبيِّ الصادقِ الأمين، إمام المُتَّقين، ورحمةِ الله للعالمين، كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمين، فقال تعالى قولًا كريمًا في كتابه المُبين:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  [الأحزاب: 56].
ثم الصلاةُ مع السلامِ لأحمدٍ خيرِ البَرَايا من بنِي الإنسانِ
والآلِ والصحبِ الكرامِ ومَنْ سَعَى لسبيلِه من تابِعِي الإحسانِ
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واخذُلِ الطغاةَ والظالمين والمُفسدين وسائر أعداء الدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في دُورِنا، وأصلِح واحفَظ ووفِّق أئمتَنا وولاة أمورنا، اللهم أيِّد بالحق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ، اللهم وفِّق بِطانتَه لكلِّ خيرٍ يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، واكفِهم شِرارَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المُسلمين، وفُكَّ أسرَ المأسُورين، وارحم موتانا وموتى المُسلِمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  [البقرة: 201]،  رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  [الأعراف: 23].
اللهم وفِّق أبناءَنا وبناتِنا، وفِّق طُلَّابَنا وطالباتِنا إلى النجاحِ والتوفيقِ في الدنيا والآخرة يا ربَّ العالمين.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدينا ولجميع المُسلمين الأحياءِ منهم والميِّتين برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
سُبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عمَّا يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

عن marsad

اترك تعليقاً