جاسوس أمن دولة

جاسوس أمن دولة

د. أحمد عبد الدايم محمد حسين

جاسوس، مباحث، عميل، مرشد، مخبر، عين، مخابرات أمن دولة، تلك هى المصطلحات التى كان يستخدمها كثير من العملاء الحقيقيين لأمن الدولة ويلصقونها بأناس محترمين أو بأشخاص عاديين لا صلة لهم على الإطلاق بتلك الأجهزة. فجاسوس أمن الدولة لم يرتبط بهؤلاء الذين نشرتهم الشرطة بين المواطنين لينقلوا لها كل كبيرة وصغيرة تحدث بين الناس فقط.. بل أُلصق بكثير من الشخصيات المحترمة لضرب سمعتهم وانفضاض الناس من حولهم.. فجاسوس أمن الدولة صار تهمة لم تنل صغار الناس وأوباشهم فقط، بل عانى منه الكثير من أساتذة الجامعات والمبرزين فى كل المجالات.. وهذه التهم الملحقة بالشرفاء تعد جريمة إضافية تضم لباقة الجرائم التى ارتكبتها تلك الأجهزة فى حق المصريين جميعاً.. فقد قسمت الناس شيعاً وأحزاباً وجماعات، واستخدمتهم لحسابها دون شفقة أو رحمة لينتقموا من بعضهم البعض.. فجاسوس أمن الدولة هو بالأساس مصطلح يطلق على شخص كلنا شاهدناه وتعايشنا معه كثيراً فى دولة مبارك البوليسية.. تلك التى ورثها عن أسلافه المؤسسين لمثل تلك المصطلحات والداعمين لها.. فهو بالتأكيد شخص شرير لا خلاق له ولا سمعة.. يتاجر بكل القيم والأعراف التى ارتضاها الناس فى الحفاظ على علاقات الود والصداقة والمحبة بينهم.. فحينما يؤدى عملاً خسيساً يلحق الأذى بالآخرين، هو بالتأكيد شخص دنىء النفس وغير شريف على الإطلاق.

  وتجدر الإشارة إلى أن أجهزتنا الأمنية على المستوى الداخلى قد زرعت جواسيسها على مواطنيها فى كل المؤسسات الحكومية والخاصة، وفى الأندية وداخل الأحزاب، وفى الشوارع والأحياء، وفى القرى والنجوع لتضرب المواطنين بعضهم البعض.. فقد تلصصت أعينها على الناس واخترقت حرماتهم، وانتهكت أعراضهم، ودمرت علاقاتهم وصداقاتهم.. حيث تفننت فى تعقب المواطنين وملاحقتهم على كل الأصعدة.. فصنعت التجسس الجماعى والفردى بكل أشكاله وصوره. فمن خلال التجسس الجماعى رتبت القيادات التى تريدها فى كل المؤسسات.. وأزاحت نجوماً وشرفاء يستحقون مناصب تحصل عليها خصومهم بغير جهد.. فكان من النادر أن تسمع قيادياً فى دولة مبارك ليس له علاقة بتلك الأجهزة.. كانت وظيفته أن يشيع لها ما تريد إشاعته داخل المؤسسة، ويصعد لها من تريد تصعيده.. ويخنق لها من تريد معاقبته، ويبعد لها من ترغب هى فى إبعاده عن أى مناصب قيادية.. وفوق هذا وذاك يتعاون مع شبكة الجواسيس داخل مؤسسته، ليقدموا تقارير دورية لها، لسحق كل المبدعين والجادين وتدميرهم.

وهناك التجسس الفردى، وهو عبارة عن أفراد تنشرهم تلك الأجهزة فى الأسواق والشوارع والأحياء والقرى والنجوع.. وهؤلاء هم الذين يتولون تسريب الشائعات التى يريدون إشاعتها بين الناس، بغرض التخويف أو الترهيب أو التحريض.. وهناك الجواسيس المتطوعون، ومعظمهم من الحالمين بالسلطة أو بمنصب نيابى أو صحفى.. إلى غير ذلك من مناصب.. ناهيك عن أن قدرة تلك الأجهزة على التنصت على هواتف الناس دون سند قانونى، وتوظيف تلك المعلومات فى نشر الفرقة بينهم، كان وسيلة سهلة لضباط الأمن الذين دخلوها بالواسطة.. وخير مثال لذلك، تلك الخصومات التى صنعوها وسط التيارات الإسلامية.. فكثير من الإسلاميين وقعوا أسرى لتلك الشائعات التى نشروها ضد أحبائهم وأصدقائهم.. لمجرد أن أمن الدولة قد تنصت على تليفوناتهم جميعاً، واستخدمها فى نشر تلك الفرقة وترويجها بينهم.. بل كان من السهل عليه أن يدس أعينه بينهم، لإشاعة أن بعضهم يتجسس لحسابه.. فتنقلب المحبة بينهم إلى عداءات، والمودة إلى خصومات.. لذا فإن كثيراً من الشقاقات التى حدثت بينهم، كانت من صنع جهازنا الأمنى بامتياز.. فبدلاً من أن يسعى هذا الجهاز لإشاعة الألفة والمحبة بين الناس، استخدم الأسلوب الاستعمارى القديم “فرق سد”.. ففرق الناس شيعاً وجماعات، وقسم المجتمع فرقاً وتحزبات.

  ولو فتحنا ملفات أمن الدولة وتلفيقاتها لوجدنا آلاف القصص والروايات عن هؤلاء الشرفاء الذين وضعوا فى خانة الجاسوسية، وهم منها براء.. فى حين استبعد هؤلاء العملاء ومن لهم صلة مباشرة معها من وجود أى ورقة تدينهم. ولعل تهديد المرشح الرئاسى أحمد شفيق بفتح تلك الملفات وتهديد خصومه بها، يلخص تلك الدائرة المستفيدة من هذا الأرشيف الإجرامى باقتدار. وكيفية تطويعه لمصلحتها ضد كل من ناوئهم على المناصب أو نازعهم على الحكم.. وبالطبع نحن مقدمون على دولة جديدة، فهل تتخلص أجهزتنا الأمنية من تلك الأساليب القميئة التى فرقت بين الناس ونشرت البغضاء بينهم؟ أم أن استسهال ضباطنا الكسالى للأمر وتفضيلهم للجلوس فى المكاتب، يتغلب عليهم ليستمروا بذات الأساليب القديمة؟

عن Admin

اترك تعليقاً