كيف يعامل أبناؤنا في سجون العراق

كيف يعامل أبناؤنا في سجون العراق

عبد العزيز محمد قاسم

ناصر أحد المعتقلين في العراق يقول “نحن نتعرض لأشد أنواع التعذيب، وقد أُخذت منّا الاعترافات بالقوة تحت الإكراه والتعذيب، قام المحققون بإكراهنا على الإمضاء على ورق فارغ، ليضعوا فيه الجرائم التي تديننا ولم نرتكبها”

لم أستطع سوى لوك الصمت والوجوم، وحتى الكلمات تحشرجت في فمي وقتما أردت الحديث، وعَييت ولم أفُه بحرف واحد، إذ كان صوت المرأة الوالهة التي تحدثت بفجيعة أمّ أعدم ابنها ظلماً؛ يسوطنا ويعرّي فينا – هكذا شعرت – مخايل الشهامة والمروءة والنجدة التي اشتهر بها العربي.
كانت أم مازن مساوى تتحدث بقلب مكلوم، مازن ذلك الشهيد السعودي الذي أعدم في سجون العراق، بعد أن أخذت اعترافاته تحت التعذيب، ووالدته تقول لنا إنها لا تصدق أبداً موته حتى تراه بأمّ عينها، وإن أمنيتها في الحياة انتهت لأن ترى عياناً جثمان ابنها الذي أعدم من شهر، وما زال بالعراق.
مآس إنسانية تكوي القلب والله، ونحن نستمع لقصص تجعلنا نجنّ مما يحصل في سجون العراق لأبنائنا، الذين أوقف معظمهم وهم يجتازون الحدود، وبنص القانون العراقي الذي يقول بأن عقوبة هؤلاء لا تتجاوز إيقافهم لمدة ستة أشهر فقط، ولكن نفاجأ بذلك التعامل الغريب، والأحكام الجائرة من السلطات العراقية التي تقدم محاكمات هزلية، غاية في البؤس لأبنائنا هؤلاء.
لسنا من يقول هذا فقط، ودعوكم من أقوال الشباب السعودي الذين حوكموا ظلماً هناك، وقد اشتكوا من تمثيلية محاكمتهم الزور، وهلمّوا لقراءة بيان أصدرته (منظمة العفو الدولية) بتاريخ (30 أغسطس 2012)، قالت فيه: “مما يفاقم بواعث القلق التي تعتري منظمة العفو الدولية، هو وجود عيوب وثغرات تشوب نظام العدالة الجنائي في العراق. ومنذ إعادة العمل بعقوبة الإعدام في العراق في عام 2004، حُكم على مئات الأشخاص بالإعدام، وهم الآن بانتظار تنفيذ الأحكام بهم. ولطالما أدانت منظمة العفو الدولية طوال سنوات المحاكمات الكثيرة التي أُدين فيها أولئك المحكومون بالإعدام، مؤكدةً على أنها محاكمات لم تلبِّ المعايير الدولية المعتمدة في مجال ضمان المحاكمات العادلة، وخصوصاً ما يتعلق بانتزاع (الاعترافات المزعومة) تحت التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، ومن ثم استخدام تلك الاعترافات كأدلة ضد أصحابها”.
استمعت للسجين السعودي ناصر، وقد حكم عليه بالإعدام، يقول لي: “معاناتنا يعجز اللسان أن يصفها، نحن نتعرض لأشد أنواع التعذيب، وقد أُخذت منّا الاعترافات بالقوة تحت الإكراه والتعذيب، بل قام المحققون بإكراهنا على الإمضاء على ورق فارغ، ليضعوا فيه الجرائم التي تديننا ولم نرتكبها”.
ووقتما سألته: “كيف تقضى وقتك؟، لو كنت مكانك لربما جننت، وأنا أنتظر العشماوي يأتيني في أية لحظة”، أجابني الابن ناصر:” نعم، أنتظر الموت في كل لحظة، أتوقع دخول السجّان علي ليأخذني لحبل المشنقة في كل حين، غير أنني مؤمن بالله، ويكفيني أن أموت حرّاً، أو أعيش حرّاً”. وختم كلامه لي، في إشارة مهمة إلى سبب الأحكام الجائرة على شبابنا السعودي، وقال: “صارحني أحد الضباط العراقيين الذين يشرفون على سجني بقوله: نحن استدرجناك، فعندنا معتقلون عراقيون بالسعودية، ونريد أن نساوم بكم”.
أتساءل حقيقة عن جهود النخب الفكرية والإعلامية السعودية للوقوف مع أبنائنا هؤلاء، وصحافتنا الغائبة عنهم، وهي بدأت بطرق قضيتهم مؤخراً على استحياء ظاهر، وأمانة الكلمة وشرف المهنة تحتمان علينا أن ننفر لنصرة هؤلاء الأبناء، فإن أخطأوا في مرحلتهم العمرية تلك (معظمهم ذهب في سن الـ18 إلى 22 عاما) فمن الجور أن نتركهم في غياهب تلك السجون يتعرضون لأبشع التعذيب والإهانات النفسية والانتهاكات الجسدية، دعونا يا سادة نستقذهم من الجحيم الذي هم فيه، ثم نسائلهم، ونسائل قبلهم أولئك الذين دفعوهم لذلك الأتون والتيه..
أين سفارتنا في عمان لتوكيل محامين يترافعون عنهم؟ ولماذا لم يقم مسؤول واحد من لجان حقوق الإنسان في السعودية بزيارتهم والاطلاع على أوضاعهم، واحتياجاتهم؟ ليس وقت العتاب ربما، ولكن ليتنا يا أحبة نستدرك، فالوضع مخيف جداً بما تحدثوا به معي في اتصالات هاتفية طويلة، لم يأتهم أحد يسأل عنهم. وتلك السجون تمتهن كرامة الإنسان فيها، وثمة تمييز طائفي بغيض، ووقتما يعرفون بأنهم سعوديون، يعاملون معاملة قاسية، حتى أنهم أضربوا يوم الأربعاء الماضي عن الطعام في سجن الناصرية، للمطالبة بنقلهم لأي سجن بسبب التمييز الطائفي ودخول ضباط إيرانيين عليهم واستجوابهم، قالوها لي مباشرة، فالوضع مؤلم ومؤسف، وليت كل من يقرأ سطوري يتخيل أن ابنه هناك – لا سمح الله – ثم يقرأ ما قالته منظمة (هيومن رايتس ووتش) حيال تلك السجون وما يعيشه المسجونون بشكل عام، في تقريرها (21 يناير 2011)، حيث قالت فيه: “كانت روايات الرجال تتمتع بالمصداقية والاتساق. فقد وصفوا تفصيلاً كيف قام المعذبون بركلهم وضربهم بالسياط والأيدي، وخنقهم وتعريضهم للصعقات الكهربائية، وحرقهم بالسجائر وخلع أظافرهم وأسنانهم. قال السجناء إن المحققين اعتدوا جنسياً على بعض السجناء بالعصي والمسدسات. بعض الشبان بينهم قالوا إنهم أجبروا على تقديم خدمات محرمة للمحققين والحراس، وأنّ المحققين أجبروا المحتجزين على التحرّش بأحدهم الآخر”.
والله لأمر يؤلم القلب، وإني لأستصرخ المروءة والشرف والنخوة في كل النخب الفكرية والشرعية والإعلاميين لدينا؛ أن يقفوا مع شبابنا هناك، من خلال الضغط على الحكومة العراقية بإقرار الاتفاقية الأمنية لتبادل السجناء معهم، كي نسترجع أبناءنا الموقوفين.
الوطنية الحقيقية التي احتفلنا بيومها بالأمس، تتبدّى في ترك احتراباتنا الفكرية والوقوف صفاً واحد لنصرة أبنائنا أولئك.

عن marsad

اترك تعليقاً