جذور كراهية عتيدة : الفاتيكان والقرآن (1/3)

جذور كراهية عتيدة : الفاتيكان والقرآن (1/3)

أ.د.زينب عبد العزيز

1ـ القرآن وتحريف الأناجيل:
كثيرة هي الكتب والأبحاث أو حتى المقالات التي تناولت الترهيب من الإسلام أو كما يطلقون عليها : الإسلاموفوبيا ، ودراسة انتشارها المتصاعد خاصة منذ أحداث 11/9 ، أو منذ مجمع الفاتيكان الثاني الذي قرر تنصير العالم ، أو تناولوا هذه الكراهية المتصاعدة ضد الإسلام والمسلمين. لكن قليل منها حاول الوصول إلى الجذور ليرى عن قرب سبب هذه الكراهية وإن أمكن تدارس كيفية إقتلاعها .
ومن البديهي أن عبارة “تنصير العالم” تعني ضمنا استئصال كافة الديانات الأخرى ، خاصة الإسلام ، لأنه الرسالة التوحيدية الوحيدة التي ظلت سليمة منذ تنزيلها حتى يومنا هذا. لذلك من المفيد محاولة الوصول لأصل هذه الكراهية العتيدة ، في إطار معادلة الفاتيكان/القرآن ، من خلال ثلاثة مقالات أو محاور ، بما أن الفاتيكان هو الذي يقود حملة التبشير هذه بجبروت مدوّي :
1 ـ القرآن وتحريف الأناجيل
2 ـ القرآن وتأليه يسوع
3 ـ القرآن وأهل الكتاب
وذلك لأنه قبل تطور علوم التفسير الديني ، وتعميق الدراسات الإنجيلية ، والديانات المقارنة ، ودراسة اللغات القديمة ، أو المعارك الداخلية بين الكنسيين ، والقدامى والمعاصرون ، وأزمة الأصولية والحداثة ، أو حتى عصر التنوير وكلها أبحاث أدت نتائجها إلى خلخلة قوائم المسيحية تماما ، كان القرآن الكريم أول من إتهم المحرفون بتحريف الإنجيل المنزل بوضوح لا لبس فيه..
ومن المدهش أن نراه يذكر ـ وهو المنزّل في مطلع القرن السابع ، أي بعد قرنين ونصف تقريبا من عملية دمج وتعديل أكثر من خمسين إنجيلا كانت متداولة لتكوين ما أطلقوا عليه “الفولجات” أي النص الأصلي ، ونراه يذكر عبارات من قبيل : يحرفون ، يبدلون ، يكتمون ، وذلك بمعنى التغيير والتبديل والحذف من النص الأصلي ! وهل لنا أن نشير إلى أنه في مطلع القرن السابع الميلادي لم تكن وسائل الاتصالات بما هي عليه اليوم ، حيث يتم معرفة الحدث بعد وقوعه بدقائق وانتشاره في العالم ؟ ولم تكن  وسائل المواصلات آنذاك إلا سيرا على القدام ، أو بالإستعانة بدابة أو بعربة بإختلاف أنواعها. ولا نقول شيئا هنا عن السرية المطلقة التي كانت تتم بها هذه التعديلات الكنسية وتلاعبها في النصوص.
لكن ، قبل أن نذكر آيات القرآن الكريم وما بها من إدانات ، من المفيد أن نقرأ جزءاً  من ذلك الخطاب المقدمة التي كتبها القديس جيروم إلى البابا داماز ، الذي كان قد طلب منه أن يدمج كل الأناجيل المتداولة، ليخرج منها بكتاب أساسي، أصبح رسميا هو السائد منذ ذلك الوقت وأطلقوا عليه إسم : “الفولجات” ، أي النص الأصلي المنزّل .. ويقول القديس جيروم :
“تحثني على أن اقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد ، وتريد مني أن أكون حَكَماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة في العالم ، وأن أختار منها وأقرر ما هي تلك التي حادت أو تلك التي هي أقرب حقا من النص اليوناني. أنها مهمة ورعة ، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن علي تغيير أسلوب العالم القديم وأعيده إلى الطفولة. وأن أقوم بالحكم على الآخرين يعني في نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه على عملي. فمَن مِن العلماء أو حتى من الجهلاء، حينما سيمسك بكتابي بين يديه ويلحظ التغيير الذي وقع فيه ، بالنسبة للنص الذي اعتاد قراءته ، لن يصيح بالشتائم ضدي ويتهمني بأنني مزور ومدنّس للمقدسات، لأنني تجرأت وأضفت ، وغيّرت، وصححت في هذه الكتب القديمة ؟
وحيال مثل هذه الفضيحة ، هناك شيئان يخففان من روعي ، الأمر الأول : أنك أنت الذي أمرتني بذلك ؛ والأمر الثاني : إن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقاً. وهو ما تقره أقذع الألسنة شراسة. وإذا كان علينا أن نضفي بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية ، ليقل لنا أعداؤنا أيها أصوب ، لأن هناك من الأناجيل بعدد الإختلافات بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن أقوم بالتصويب إعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التي أساء فهمها المترجمون الجهلاء ، أو بدلوها بسوء نية ، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها”.
وحينما يعترف الكاتب بأنه غيّر لغة نص فاقد المصداقية ، ملئ بالإختلافات ، وأنه يعلم يقينا أنه سيتم إتهامه بأنه مزوّر ، واقترف جرما بالتعديلات التي أجراها ، وأن جرأته لم تتراجع حيال كل التغييرات والتعديلات التي اضطر للقيام بها في الأجزاء التي لم يفهمها جيدا من كتبوها ، وفي الأجزاء التي حرفها الكتبة وبدلوها بسوء نية ، فباتت نصوصا مثقلة بالإضافات والتغيير .. إن مثل هذا النص لا يسمح لأصحابه الإدعاء بأن هذه النصوص منزّلة ،  ولا يحق لهم فرض الديانة الناجمة عنها على العالم وتنصيره ! خاصة أن كل الأبحاث التي تمت قبل هذا التاريخ (القرن الرابع) ولا نشير منها إلا إلى معركة أريوس ورفضه لتأليه يسوع ، أو الأبحاث التي تواصلت حتى يومنا هذا وجميعها تؤكد بالإضافة إلى ما اعترف به القديس جيروم أن هذه النصوص لا تمت إلى التنزيل الإلهي بصلة ، بما أنها نصوص تم التلاعب فيها عمدا مرات لا تحصى ..
وإذا إلتقطنا بعض الكلمات ، مجرد كلمات من التي استخدمها القديس جيروم لوجدنا أن الأمر يتعلق بالتغيير والتعديل والتبديل والتحريف .. فكيف إذن تبدو أهمية القرآن الكريم وموقفه من الرسالتين التوحيديتين السابقتين قبل تحريفهما ؟
*  “نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراه والإنجيل / من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان… ” الآية (آل عمران 3 و 4) ؛
*  “وأنزل إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق …” الآية (المائدة 48) ؛
وأول ملاحظة تجدر الإشارة إليها هنا هي أن التوراة والإنجيل كانا منزّلان من عند الله ثم تم تحريفهما بأيدي المحرفين في الرسالتين ؛ وأن القرآن الكريم يحتوي على أدلة تنزيلهما وعلى أدلة تحريفهما بعد ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأناجيل الحالية تتحدث عن “إنجيل المسيح” ، فالقديس بولس كان يبشّر في البداية بإنجيل المسيح : “… حتى إني من أورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح” (إلى أهل رومية 15 : 19) ؛  ثم راح يبشّر بإنجيله هو : “وللقادر أن يثبتكم حسب إنجيلي والكرازة بيسوع المسيح …” (إلى أهل رومية 16 : 24) ، ويبدو أن هذا الإنجيل قد اختفى أيضا ! ومن المنطقي أن يختفي إنجيل المسيح لدواعى التحريف ، لكن أن يختفى إنجيل بولس ، إنجيل من قام بتكوين المسيحية الحالية أو أن يوضع جانبا فذلك يطرح العديد من التساؤلات ! كما نشير إلى أن القرآن الكريم يتحدث دائما عن الإنجيل بصيغة المفرد ، وهو الإنجيل الذي تم تنزيله على عيسى بن مريم ولم يشر أبدا إلى الأناجيل بصيغة الجمع ..
وعودة إلى آيات القرآن الكريم ، نوضح أن عبارة “مصدقا” تعني تأكيد أن التوراة والإنجيل كانا منزّلان وتأخذ معنى التأكيد ؛ و”مهيمنا” لا تعني فحسب التأكيد من حيث الطابع السليم لشئ ما والتأكد من خط سيره ودقة تحقيقه فحسب لكنها تأخذ معنى مسيطرا عليهما وأن السيادة له. فالكتب السماوية الثلاثة لرسالة التوحيد وهي التوراة والإنجيل والقرآن نصوصا منزلة و القرآن أتى مصدقا لما سبقه ومهيمنا عليهما ، وذلك بسبب المصير المؤسف الذي آلا إليه .. لذلك لا يمكن لأحد الإعتراض على حقيقة أن القرآن يسيطر ويهيمن عليهما لأنه الكتاب الوحيد الذي ظل بلا أي تحريف أو تغيير وتبديل. فإتهام اليهود بعودتهم لعبادة للعجل وتحريف النصوص وقتل الأنبياء وارد حتى في الأناجيل الحالية وفي القرآن. أما اتهام النصارى بتحريف الإنجيل فوارد في القرآن الكريم. وفيما يلي بعض الآيات على سبيل المثال :
* “فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم …” الآية (البقرة 59) ؛
* “أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون” (البقرة 75) ؛
* “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون” (البقرة 79) ؛
* “إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار …” الآية (البقرة 174) ؛
* “ذلك بأن الله نزّل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد” (البقرة 176) ؛
* “يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون” (آل عمران 71) ؛
* “من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه …” الآية (النساء 46) ؛
* “فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلويهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه…”الآية (المائدة 13)؛
* “… من الذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه…” الآية (المائدة 41) ؛
وكما نرى فإن القرآن الكريم كان سبّاقا في إدانة ما تم من تحريف ، و في الإشارة مقدما في نفس الوقت إلى كل ما قامت الأبحاث بعد ذلك بإثباته.
إن مثل هذا الوضوح كان يتعيّن عليه أن يثني المحرفين الذين قاموا بالتحريف بأيديهم عمدا ، لكنهم يصرون بكراهية عتيدة .. وقد كان هذا التحريف يفرض على الأتباع حتى مجمع ترانت (1546) على أنها نصوص منزّلة و”ان الله وحده هو مؤلفها الوحيد” ! وانتهى بهم الحال وبلا رادع إلى أن أعلنوا في مجمع الفاتيكان الثاني أنها نصوص كتبها بشر و”بها غير الصالح والبالي” .. ومن المؤسف قول أنهم آثروا تراكم الأكاذيب والتحريف حتى وصل بهم الحال إلى قمة الجبروت بفرض عملية تنصير العالم ! ومن أجل القيام بهذه العملية إستعان الفاتيكان بكل كنسييه ولأول مرة في التاريخ يصدر بيانا لتجنيد كافة المسيحيين للمساهمة فيها ، حتى الأطفال ..
ولا نشير إلى التكاليف الباهظة لمثل هذه الحملة الصليبية وما يتطلبه إرسال آلاف مؤلفة من المبشرين إلى جميع أنحاء العالم أو إقامة بدع من قبيل “أيام الشباب العالمي” والمؤتمرات المدنية والكنسية وكل ما يواكبها من جهود لاستئصال الإسلام والمسلمين .. فإلى كل هؤلء الذين يمسكون بأيديهم خيوط اللعبة هناك آية في القرآن الكريم يمكنها أن تجنبهم كل هذه الجهود المضنية وخاصة إقامة سينودس الأساقفة الذي سيعقد في اكتوبر القادم  :
*  “إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون …” الآية (الأنفال 36) ،
إن الحسرة يعيشونها حاليا وهم يرقبون تباعد أتباعهم ، وهم يرقبون تهدم بنيان ضخم من الأكاذيب ، من الأكاذيب المتراكمة ، ثم …
أليس من الأجدى والأكثر إنسانية ، بدلا من تبديد هذه المليارات من الدولارات من أجل فرض تحريف ثابت قطعا ، أن يتم إنفاقها لإبادة الأوبئة والمجاعات ، ومحو الأمية ، والعديد من المشاكل بحيث تقل تلك الفجوة الشاسعة الموجودة بين البشر ؟!

عن marsad

اترك تعليقاً