إعلام الإسلاميين وفقه الواقع!

إعلام الإسلاميين وفقه الواقع!

د. حلمي القاعود

كشفت في معركة الرئاسة أهمية الإعلام، ودوره في تحويل الناس وتوجيههم نحو ما يريد القائمون عليه، وثبت أن الإسلاميين يفتقرون إلى إعلام فعال ينافس الإعلام السائد الذي ما زال النظام السابق يسيطر عليه، سواء كان رسميًّا تابعًا لوزارة الإعلام، أو خاصًّا يملكه رجال أعمال تابعون للنظام السابق وساعون لإعادته، والقضاء على الثورة ومعطياتها.

الإعلام السائد في مجمله صناعة أمنية، نشأ وتربى في حضن أمن الدولة ورعاية النظام المستبد الفاشي، وارتبط الإعلاميون بفلسفته ومنهجه في العداء لحرية الشعب وكرامته وهويته، وقد استطاع عن طريق المناصب والمنافع أن ينشئ أجيالاً من الإعلاميين لا هم لهم سوى الأضواء والمال، ولو جاء ذلك على حساب الإسلام والأخلاق والحرية والكرامة.. وكان معلومًا من الإعلام بالضرورة أن رئيس مجلس الإدارة أو رئيس التحرير أو مدير التحرير بل وبعض الصحفيين، لا بد أن يكون ولاؤهم للنظام وإرادته، ولعل ذلك يفسر لنا سر الحملة التترية الهمجية ضد كل ما هو إسلامي أو يمت إلى الإسلام بصلة، في الوقت الذي لا يجد فيه الإسلام والمسلمون من يدافع عنهم إلا أصواتًا ضعيفة خافتة، تبدو كلماتها قد تعرضت للقصف والتشويه والتخفيض. معظم من يهيمنون على الإعلام؛ صحافة وتلفزة وإذاعة ومواقع ضوئية ينتمون في أغلبهم الأعم إلى تيارات بينها وبين الإسلام والإسلاميين حساسية شديدة، ولذا لا يستطيع إسلامي أن يظهر على صفحات الصحف الرسمية والخاصة والطائفية والحزبية أو شاشات التلفزة أو موجات الإذاعة إلا تحت شروط خاصة، وإذا ظهر فهو محاصر بالمقاطعة، والتضييق، وتغليب وجهات النظر المعاكسة، وحبذا لو كان هذا الإسلامي رجلاً طيبًا ليس واعيًا بخطط القوم، أو محدود الثقافة والأفق ليقول كلامًا يتم استغلاله ضد الإسلام والمسلمين معًا!

الإعلام الإسلامي القائم في واقعنا الراهن ضعيف ومحدود، ليست هناك إذاعة للإسلاميين، وقنوات التلفزيون قليلة, أغلبها مشغول بقضايا هامشية، أو يجعل لنفسه هدفًا تعليميًّا، يعلم القرآن والحديث دون خوض في مشكلات الواقع، ومعاناة المسلمين، وتتعرض القنوات الإسلامية الحركية إن صح التعبير لضآلة الموارد أو قلة الخبرات المهنية، مما يدفع ببعضها إلى التوقف والإغلاق بسبب الديون، وكثرة الأعباء!

والأمر بالنسبة للصحافة لا يختلف كثيرًا عن الإذاعة والتليفزيون، فقد أنشئت بعد ثورة يناير مجموعة من الصحف الإسلامية أو محسوبة على الإسلاميين؛ تعد على أصابع اليد الواحدة، ولكنها في مجموعها ضعيفة، لا ترقي إلى مستوى التنافس مهنيًّا، وتوزيعيًّا، فإمكاناتها البشرية والتقنية محدودة بصفة عامة، ومواردها المادية ضعيفة، وتكاد تخلو صفحاتها من الإعلانات التي تعتمد عليها الصحف عادة في التمويل والنمو.

الواقع يفرض أن تكون هناك مجموعة إعلامية متكاملة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية أو ضوئية تتناسب مع حجم مصر، بل حجم الأمة العربية والإسلامية، ولا يجوز أن يمثل مصر ما يقدمه إعلام صفوت الشريف الرسمي أو الخاص أو الطائفي. مصر الإسلامية أكبر من هذا الإعلام الذي يكرس الطغيان والبهتان، ولا يقدم من الترفيه إلا ما يحط من قيمة الإنسان المصري أو العربي أو المسلم. إن نجوم هذا الإعلام الآن هم من كانوا يقودون حملات الرئيس المخلوع في الانتخابات الرئاسية الصورية، وهم الذين أعلنوا في المناسبات المختلفة أن الرئيس (المخلوع!) خط أحمر! وهم دائمًا الذين يشهرون بالإسلام والمسلمين، وهم الذين يقومون بإقصاء الصوت الإسلامي ومحاصرته والتضييق عليه أو وضعه في فخاخ استغلالاً لحسن النية أو السذاجة أحيانًا!

لأمر ما؛ كان النظام البوليسي الفاشي منذ ستين عامًا يدرك أهمية الإعلام الإسلامي وتأثيره في الجمهور، وتهيئته لمقاومة الديكتاتورية والطغيان والظلم الاجتماعي، ولذا ضيق على الصوت الإسلامي في كل مكان:  المساجد والمنتديات والجامعات والمدارس، وجعل من إصدار صحيفة إسلامية جديدة أو إنشاء إذاعة أو قناة تتحدث عن الإسلام وتقدم جوهره للأمة معجزة لا تتحقق في الحياة الدنيا، وذلك بعد أن نفذ خطة الدكتور ميشيل عقب توقيع كامب ديفيد؛ في استئصال الصحافة الإسلامية التي كانت قائمة منذ العهد الملكي، لتسقط تلقائيًّا بوفاة أصحابها مثلما حدث مع مجلات الاعتصام والدعوة ولواء الإسلام والإسلام ونور الإسلام والبريد الإسلامي. صحيح أنه أنشأ بعض الصحف والمجلات التي تصدر عن مؤسسات تابعة للنظام، ولكنها كانت إنشائية وفارغة من أي مضمون فعال يحرك الناس، ويبعث فيهم الهمة والعزيمة والحرية، ولذا كان تأثيرها محدودًا وضعيفًا.

كانت بعض التجارب التي نفذت في العقود الستة الماضية، تمثل حالة فزع للنظام ولذا جند أجهزته الأمنية الإجرامية لوأدها:  (الاعتصام)، كانت تصدر عن القطاع الخاص وتسير على مبادئ الجمعية الشرعية، وكانت تعارض النظام معارضةً حقيقيةً بإمكاناتها المحدودة، ولكن خطة ميتشل أوقفتها وأيضًا (الدعوة) التي أصدرها الإخوان عقب خروجهم من سجون عبد الناصر، فسقط ترخيصها وفقًا لخطة ميتشل عقب وفاة الشيخ صالح عشماوي.

(لواء الإسلام) التي أعاد الإخوان إصدارها، توقفت بسبب حرب الخليج التي فرضت على ملاك الترخيص أن يوقفوها وإلا واجهوا مشكلات تمس حياتهم. (المختار الإسلامي) نجت من محنة الإيقاف ولكنها تواجه صعوبات مادية.

وكانت هناك محاولات لإصدار بعض الصحف عن طريق الأحزاب التي أنشأتها الحكومة. (الأسرة)، أصدرها الإخوان، فاستمرت ثلاثة عشر عددًا، وأمر المخلوع رئيس الحزب الذي تصدر عنه بوقفها، فأوقفت. (آفاق عربية) أصدرها الإخوان، وكانت تجربتها ناجحة بإدارة الصحفي بدر محمد، مع فقر الإمكانات، ولكن الأجهزة إياها فجرتها من الداخل، وكانت جريدة (الشعب) التي تصدر عن حزب العمل آخر الضحايا بسبب موقفها من جريمة نشر الرواية الرديئة البذيئة “وليمة لأعشاب البحر”، وتبع إغلاقها تفجير حزب العمل نفسه، ومن الطرائف أن الإخوان حاولوا إصدار جريدة خاصة اسمها (اللواء)، فصدر منها عدد واحد، وتوقفت، لأن الأجهزة إياها أرسلت الضرائب والأمن الصناعي والمسئولين عن التراخيص لصاحب الجريدة كي يسوّدوا حياته في مشروعاته التجارية والصناعية!

كان من المفترض بعد الثورة أن ينهض المسلمون من خلال أصحاب الأموال أو الشركات المساهمة لإنشاء جهاز إعلامي يليق بمصر الإسلامية، ولكنهم للأسف اكتفوا بالخطب المنبرية في بعض المناسبات بينما كان فلول النظام والمعادون للإسلام وأصحاب التجارة الحرام وأشرار العالم ينشئون عشرات الصحف وعشرات القنوات وعشرات الإذاعات، ويغدقون على الصحفيين والكتاب ومقدمي البرامج ومعديها فوق ما يحلمون، ويشيعون بالكذب والدجل والتضليل والتدليس؛ ما يريدون ضد الإسلام والمسلمين، وضد كل ما هو خير ونبيل بصفة عامة.

وفي المقابل يتعرض الإعلام الإسلامي القائم إلى انتكاسات تهدد وجوده الضعيف، ليس بسبب إمكاناته الهزيلة، وكوادره القليلة فحسب، ولكن بسبب نزعات شخصية متضخمة، أو أنانية مفرطة لا تعرف قيمة العمل الجماعي، فضلاً عن المرتبات الضعيفة بصفة عامة وعدم مكافأة الكتاب غالبًا.

تنفق بعض الأطراف الإسلامية مبالغ كبيرة في مناسبات شتى، ولكنها تضن على بعض الوسائل الإعلامية التي يمكن أن تدفع عنها شرًّا عظيمًا، أو تحقق لها فوائد كبيرة.. فهل يتفق هذا مع فقه الواقع؟

عن marsad

اترك تعليقاً