حيّرنى هذا المجلس

حيّرنى هذا المجلس

الاستاذ / كامل مندور المحامي

انتهت الفترة الانتقالية بخيرها وشرها، وأصبح لمصر رئيس منتخب سلمه المجلس العسكرى السلطة فى الموعد المحدد، وهنا كان من اللازم تاريخيا أن نتوقف لحظة لنقيّم أداء المجلس العسكرى خلال تلك الفترة، بعض المراقبين السياسيين لا يرى فى المجلس إلا حسناته فهو عندهم، الذى حمى الثورة، وهو السبب فى نجاحها وهو الذى أجرى انتخابات برلمانية نزيهة، وهو الذى سلم السلطة للرئيس الشرعى طواعية واختيارًا، والبعض الآخر لا يرى فى المجلس إلا سيئاته، فهو عندهم الذى سمح للنظام السابق بارتكاب موقعة الجمل، وهو الذى حمى العسكريين من أعضاء النظام السابق أن تطالهم يد المحاكمات العادلة، وعلى رأس هؤلاء عمر سليمان وأحمد شفيق، بينما تعرض المدنيون منهم لأحكام بالسجن مددا متفاوتة، وهو الذى تعمد أن يحرق الأرض أمام الحكومة القادمة وصدر لها الأزمات، وأخيرًا، هو الذى حاول أن يجعل للقوات المسلحة وضعا مميزا ومركزا خاصا فى وثيقة السلمى تارة وفى الإعلان الدستورى المكمل تارة أخرى ليصبح المجلس دولة داخل الدولة.

والحقيقة أن من يحاول أن يضع تقييما للمجلس العسكرى فسوف تصيبه الحيرة، فلم يكن المجلس ملاكا على طول الخط ولا كان شيطانا على طول الخط، وإنما خلط عملا صالحا وآخر سيئا، ولعل السبب فى ذلك عندى هو أن المجلس لم يشأ أن يتبنى أجندة الثورة كاملة، كما لم يشأ أن يظاهر، أجندة النظام السابق على إطلاقها، وإنما كانت له أجندته الخاصة التى كان يسعى إلى تمريرها من بين الأجندتين، فأقام علاقات متوازنة بين كلا الطرفين المتنازعين، وسمح لكل فريق بأن ينفذ أجندته على الأرض فى مواجهة الآخر بكل حرية، ولكن بالقدر الذى لا يتعارض مع أجندة المجلس نفسه، والتى تمثلت فى أن يحتفظ بمكاسبه وامتيازاته، التى حصل عليها فى ظل النظام السابق، وحبذا لو استمر فى النظام القادم، كما هى، كان المجلس العسكرى يكره فى النظام السابق فكرة التوريث التى تسحب بساط الحكم من تحت أقدام العسكريين، فرحب بالثورة الشعبية بالقدر الذى يساعد على التخلص من اللوبى المؤيد للتوريث، لكنه كره من الثورة أن يكون على رأس قيادتها التيار الإسلامى وتمنى لو استطاع العسكريون من أعضاء النظام السابق هزيمته وأفسح لهم المجال على آخر ما يستطيع، كان المجلس العسكرى فى الواقع يشبه الحكم فى مباراة كرة القدم، غير أنه حكم ظالم منحاز بوضوح لأحد الفريقين، ومع ذلك فإن مجرد وجود حكم فى الملعب ولو كان منحازا يفيد بشدة فى إبقاء الأمر على هيئة المباراة الرياضية، ولو ارتفع وجوده من الملعب لتحول الأمر إلى صراع دموى لا يحمد عقباه.

لقد كان مجرد تواجد المجلس العسكرى على الأرض بين الثوار والنظام السابق ميزة استفاد منها كلا الطرفين على السواء، كما استفاد منها المجلس العسكرى نفسه، فضلا عن ذلك فإنه يمكن أن نلاحظ أن المجلس العسكرى- مهما كان حكما منحازا – فإنه لم يكن حكمًا أحمق، وكلما احتدم الصراع وتأزمت المواجهة، كان يحسن تقدير الموقف ويتخذ القرار الأكثر حكمة، ولو لم يكن ذلك موافقا لهواه الشخصى منعا من انفجار الموقف، من ذلك موقفه من الثورة فى بدايتها وعدم الاستجابة لنداءات ضرب الثوار، ومن ذلك الاستجابة فى النهاية للضغط الشعبى الهادر وإعلان النتيجة الصحيحة بفوز الرئيس محمد مرسى وتسليمه السلطة فى موعدها، ولولا الاستخدام السياسى لحكم الدستورية ببطلان انتخابات مجلس الشعب، ولولا الإعلان الدستورى المكمل، لكنا قد توجهنا بالشكر للمجلس العسكرى على حسناته وتجاوزنا عن سيئاته، لكنه يأبى إلا أن يحيّرنا حتى اللحظة الأخيرة.

عن marsad

اترك تعليقاً